عبدالله كمال / ... ولكن / قبل اللقاء

تصغير
تكبير

لا أعتقد أنه قد توافرت الظروف الموضوعية التي كان يمكن أن تجعل لقاءً بين الرئيسين المصري محمد حسني مبارك والسوري بشار الأسد ممكناً في باريس، على هامش قمة «الاتحاد من أجل المتوسط»، وفق ما راحت تقول بعض وسائل الإعلام، أو تسرب أخبار من جانب دمشق عن احتمالات إتمامه.

من ناحية الشكل، ليس الرئيسان العربيان في حاجة إلى أن يعقدا لقاءً من هذا النوع في باريس في قلب أوروبا، والأولى أن يعقد في القاهرة أو في دمشق. وإذا كان لي أن أقترح اختياراً فإن القاهرة لابد أن تكون هي مقر مثل هذا اللقاء، وليس دمشق. لكن لماذا ينعقد أصلاً؟ إن هذا السؤال هو ما ينقلنا إلى مناقشة المضمون الذي لابد أن تنبني عليه أسس اللقاء.

لقد كان لمصر رأي معلن في ما يتعلق بأزمة لبنان، وأنه لابد من توفير المناخ لكي يتم انتخاب رئيس ينهي فراغ السلطة الذي استمر أشهر قبل أن يتولى الرئيس ميشال سليمان مسؤولياته. ولكن، هل المسألة تقتصر على ذلك؟ لا أعتقد بهذا.

في باريس أعلن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي عن المضي قدماً في تأسيس علاقات ديبلوماسية بين لبنان وسورية، وأن الرئيسين الأسد وسليمان قد اتفقا على ذلك في لقاء جمعهما هناك. حسناً هذا كلام قيل أكثر من مرة منذ فترة، ولم يحدث أي تقدم عملي في اتجاه ذلك، وللأمر مدلولاته.

ثم ماذا عن مسألة ترسيم الحدود بين البلدين؟ إن المنطق غير المفهوم هو أن يكون الحديث عن ترسيم الحدود على جميع المناطق بدءاً من الشمال إلى الجنوب، باستثناء مزارع شبعا، وهي أرض عربية محتلة يؤدي تعطيل ترسيم الحدود في شأنها إلى إعطاء إسرائيل ذريعة لإبقائها قيد سيطرتها، وهي - أي إسرائيل - تقول إنها أرض بلا صاحب. لو كانت أرضاً  سورية سوف يتفاوضون في شأنها مع سورية، ولو كانت لبنانية فإن هذا سوف يجبر إسرائيل على الانسحاب منها استكمالاً لانسحابها من المناطق التي كانت تحتلها في لبنان.

إن تسليم خرائط واضحة للحدود يفرغ حجة إسرائيل من محتواها، لكن بقاء الوضع كما هو  يوفر غطاءً لـ «حزب الله»، ويعطيه حججاً يدعم بها وضعه الحالي كدولة داخل الدولة، متذرعاً بأنه إنما يقاوم احتلالاً.

ثم ماذا عن موقف سورية من «حزب الله» ووضع تسليحه وميليشياته وتأثير ذلك على الأوضاع داخل لبنان، وعلى التفاعل بين أطرافه تحت ضغط تأثير هذا السلاح غير المبرر؟

وليس بعيداً عن ذلك، من خلال المنطق، أن يتضح موقف سورية من الفصائل الفلسطينية الـ 13 التي تقيم على أرضها، وتناوئ سلطة الحكم الذاتي ليس استضافتها لـ «حماس» فقط. ومن ثم ما هو تأثير ذلك على التفاعلات الفلسطينية الداخلية، وعلى التهدئة في غزة، وعلى بيئة عودة المفاوضات التي تبذل مصر جهوداً مضنية، لكي تعضدها وتمنع اختصار القضية الفلسطينية في مجرد وضع يخص غزة وحدها، فالموضوع أكبر وأعقد من هذا.

والأهم، ماذا عن العلاقات السورية - الإيرانية، وهذه المساندة التي تلقاها إيران من دمشق، إذ تسعى طهران إلى بسط نفوذها وهيمنتها على الشرق الأوسط العربي ليس فقط في الخليج ولبنان والعراق وفلسطين وإنما أيضاً في أفريقيا، حيث تجري محاولات إيرانية للعبث في السودان.

وماذا عن موقف إيران من عملية السلام، وعن موقفها من المفاوضات الدائرة بشكل غير مباشر بين إسرائيل وسورية، أليس ذلك موضوعاً من شقين حيويين كل منهما يمثل معضلة وتحيط بهما علامات استفهام عدة؟

إذاً هناك أكثر من «ماذا» واحدة تضع نفسها في قلب أوراق الترتيب لهذا اللقاء الذي راح البعض يتوقعه، رغم أنه عملياً لا توجد إجابات عنها من جانب دمشق ولا توجد ترتيبات له.




عبدالله كمال


 عضو مجلس الشورى المصري وهذا المقال يُنشر بالتزامن مع «روزاليوسف» القاهرية اليومية

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي