ممدوح إسماعيل / المحكمة الجنائية الدولية تلاحق البشير وتترك أولمرت وباراك!

تصغير
تكبير

السودان البلد العربي الكبير يعود إلى واجهة الأحداث بخبر تداولته وسائل الإعلام عن قرار من المحكمة الجنائية الدولية بملاحقة الرئيس السوداني عمر البشير، وهو خبر صنفه المراقبون تحت بند «المؤامرات الغربية» التي يتعرض إليها السودان، وهي مؤامرات لا تنتهي بداية من زرع حركة التمرد في الجنوب ومحاولتها المستمرة الانفصال بدولة مسيحية في الجنوب عبر حرب دامية استمرت أعواماً طوالاً استنزفت قوة السودان عسكرياً واقتصادياً.

ثم توجهت المؤامرات الغربية نحو غرب السودان، وصنعت حركات التمرد في دارفور التي أشعلت حروباً واضطرابات أضعفت السودان كثيراً، وقد قاومت الحكومة السودانية جميع محاولات تقسيم السودان حتى الآن على قدر ما تستطيع.

وكان من اللافت أن أجد كاتباً كبيراً مثل الأستاذ محمد حسنين هيكل في ندوة في نادي القضاة بمصر يقر بحتمية تقسيم السودان. لا أعرف كيف، وهو كبير دعاة ومفكري القومية العربية والمُنظّر الأول لفلسفة الوحدة العربية؟ ثم ألا يدرك، وهو الرجل الخبير بالسياسة خطورة ذلك على الأمن القومي المصري؟ ثم لمصلحة من يفتت في عضد صمود الحكومة السودانية؟

لكن السؤال الأول: لماذا دائماً السودان في مرمى مدفعية وطائرات المؤامرات الغربية؟ الإجابة بسيطة:

- السودان أكبر بلد عربي مساحة.

- يوصف بأنه لو استغلت أراضيه يصبح بلا شك سلة غذاء العالم العربي، فلا يحتاج العرب إلى أي استيراد خارجي.

- البترول متوافر في أراضيه بكثرة، ولم يستغل بعد.

- أظهرت الأبحاث والتنقيب وجود اليورانيوم في دارفور.

- نظام الحكم في السودان له مواقف سياسية لم تعجب الغرب، مثل موقفه الواضح في قضية تحرير فلسطين، ورفضه أي ذرة تفريط في فلسطين، وأيضاً موقفه الواضح في نقد الاحتلال الأميركي للعراق وأفغانستان والدفع الأميركي لأثيوبيا في احتلال الصومال.

السؤال الثاني: لماذا البشير؟

الرئيس السوداني عمر البشير تُحسب له مواقف كثيرة في الصمود أمام الطغيان الأميركي - الصهيوني، فهو يرفض التطبيع مع الصهاينة سراً قبل أن يكون جهراً، ورفض الطغيان الأميركي بما يستطيع كله، ورفض التواجد الأميركي المُقَنَّع في صورة قوات دولية في دارفور.

وله مواقف مشرفة في التصدي لما حدث في الغرب من محاولات الاستهزاء بالنبي (صلى الله عليه وسلم) وتصدى للدنمارك سياسياً بقوة لافتة. وعندما حاول الغرب إذلال وتركيع السودان بمنع الشركات الأميركية من التنقيب عن البترول اتجه إلى الصين ولم يستسلم، ومواقفه في هذا الشأن كثيرة.

ولكن ما نشر عبر وسائل الإعلام عن أن المحكمة الدولية الجنائية بصدد إعداد مذكرة لملاحقة الرئيس البشير لاتهامه في التستر على ما قيل إنه مذابح في دارفور، وهو خبر تم نشره عبر وزارة الخارجية الأميركية، يدعو إلى التوقف في معايير النظام والعدالة والقانون الدولي الذي أيقن العرب جميعاً أنها قوانين ومعايير ظالمة.

أي مذابح تلك التي يتحدثون عنها؟ فما حدث في دارفور معلوم أنه صراع قبلي تدخلت فيه أميركا الطامعة في تقسيم السودان لأجل يوارنيوم وبترول دارفور. ثم أي مذابح تلك بجانب ما فعله زعماء العدو الصهيوني بالفلسطينيين؟ أليس ما حدث ويحدث للفسطينيين إبادة؟ فأين عدلكم الزائف؟ ثم أين ملاحقة السفاحين الحقيقيين شارون وباراك وأولمرت ومن قبلهم بيغين وشامير وبن غوريون ومائير؟ أين اتهامهم وملاحقتهم بإبادتهم للفلسطينيين وتهجيرهم من أراضيهم بالقوة وسفك الدماء؟ ثم أين ذلك القانون مما يحدث في غزة من حصار وتدمير وقتل للمدنيين ليلاً ونهاراً؟ أين العدالة الدولية؟ هل هي عوراء لا ترى إلا العرب فقط فتسارع بملاحقتهم؟ تلاحق المقتول المظلوم وتترك القاتل الظالم حراً طليقاً.

نعم، لن تستغرب الشعوب العربية إذا ما استيقظت يوماً ووجدت خبراً في وسائل الإعلام بصدور قرار من المحكمة الجنائية الدولية بملاحقة إسماعيل هنية لمسؤوليته عن إفزاع المغتصبين الصهاينة في مستعمراتهم بالصواريخ!

ثم أين تلك المحكمة وملاحقاتها في شأن ما يحدث وحدث في العراق؟ إنه بشهادة الغرب في التقارير الغربية الحقوقية قُتل نصف مليون عراقي مدني بسبب الحرب الأميركية على العراق.

واللافت أن سفير السودان قدم طلباً للجامعة العربية لاجتماع وزراء الخارجية العرب للتصدي لتلك الملاحقة المزعومة، والجامعة العربية أعلنت أنها أرسلت خطاباً إلى الدول العربية، إذ إنه بلا شك سيتأخر ساعي البريد في تسليم خطاب الجامعة العربية لهم بسبب المواصلات.

الحقيقة أنه لا خير يُرتجى للسودان من الجامعة العربية، فهي وقفت تتفرج على تفتيت وهدم السودان منذ 20 عاماً، ولم تتحرك بموقف قوي، ولن تتحرك إلا ببيان شجب وتنديد، كما هي العادة العربية.

ويبقى أن الرئيس السوداني يتعرض إلى محنة، لأنه يعلم أن الحال العربية تمر بمنعطف تاريخي لم يشهد له مثيل في الضعف، لكن الخوف أن يضغط البعض عليه ليفعل، كما فعل النظام الليبي، ويسلم مفتاح بلاده لأميركا والغرب، أو يهددوه بمصير صدام.

وأخيراً، أميركا تتربص بالرئيس البشير لأنه قال لا للغرب ولأميركا، وصامد في المحافظة على استقلال بلاده على قدر ما يستطيع، ويحارب تغريب وأمركة السودان، وأميركا تحاول بجميع الطرق إسقاطه وتقسيم السودان. ولكن الأمل كبير في صمود الرئيس البشير ومن ورائه شعب السودان العظيم، والله معك يازول عمر البشير.


ممدوح إسماعيل

 

محامٍ وكاتب مصري

[email protected]

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي