تمردوا على القهر ... رغم ملاحقة النظام ومحاصرة التطرف

إعلاميو الثورة السورية ... هكذا أوصلوا «رسالة الحرية» إلى العالم

تصغير
تكبير
• سورية البلد الأخطر على الصحافيين ... وإعلام الثورة بدا خلال السنة الأخيرة ضعيفاً ومشتتاً
أكثر من 240 شهيداً إعلامياً سقطوا في سورية منذ اندلاع الثورة، من مختلف المناطق... بعضهم قضى خلال حوادث اطلاق النار في التظاهرات السلمية وآخرون قُتلوا في سجون النظام تحت التعذيب، ومنهم مَن سقط في ارض المعركة خلال تغطيته الاحداث، ولم تسْلم عائلاتهم من التهديد والارهاب والاعتقال والتعذيب ايضاً في ظل فرض تعتيم اعلامي هو الاول من نوعه في العالم اذ تصل نسبة الحجب على شبكة الانترنت الى 100 في المئة.

وتعرّضت وسائل الاعلام ومراكزها الى أعمال اقتحام وتهديد كما تعرّض صحافيو الثورة لمضايقات حتى من فصائلها، وبعضهم هُدد بالسلاح وجرى تخوينه بسبب انتقاد بعض الكتائب المقاتلة او تركيز تقاريرهم على ممارسات تضرّ بالثورة، على غرار ما قامت به «داعش» في الرقة وفي اماكن اخرى تسيطر عليها.

لقد نجح إعلام الثورة عند انطلاقتها في إظهار وجه النظام البشع للعالم، وجرى تنسيق واضح بين قواها وناشطيها، رغم قلّة خبرة هؤلاء الاعلاميين الذين تحوّلوا الى «نجوم» على الفضائيات التي تنافست على السبق الصحافي، ونجحوا في تشكيل أجواء تضامن عربي وعالمي مع الثورة، ولكن لاحقاً وبعد تراجُع الأمل في حسم الامور وتظهير صور الانتقام والحقد وبروز التطرف داخل الثورة والتركيز الاعلامي على المشاهد القاسية وظهور إعلام الجماعات المتطرفة الذي تتمتع بدعم مالي كبير، قُطعت الطريق امام تطور عمل هؤلاء المراسلين الاوائل، واستقت وسائل الاعلام اخبارها من البيانات الرسمية لهذا الطرف او ذاك، مع العلم ان الكثير من الوسائل كانت تبث مشاهد لمعارك غير موثوقة او تنسب انتصارات غير مؤكدة.

لقد استُهدف الاعلاميون في حياتهم، واعتُبرت سورية البلد الاخطر على الصحافيين، وبدا إعلام الثورة خلال السنة الاخيرة ضعيفاً ومشتتاً وغير قادر على خدمة القضية، وفي ما يأتي حوارات مع اعلاميين سوريين عن التجربة الاولى وآفاقها:

التظاهرات تبيح المحظورات

عن البدايات، يشرح مدير وكالة «سوريا برس للأنباء» ماهر الحمدان انه «عندما بدأت الثورة السورية حراكها السلمي المُطالِب بالحرية وإسقاط النظام وكان السوريون جميعهم يداً واحدة بمختلف طوائفهم، كان هدف إعلام الثورة نقل صوت الشعب السوري لكل وسائل الاعلام غير الموالية للنظام السوري، ونجح في نقل الأحداث في عموم سورية ونقاط التظاهرات، لكن النظام لعب في الاعلام ورقة الاقليات والطائفية لإظهار الثورة على انها مجموعات سلفية ارهابية متطرفة».

ويشير الى ان العمل الاعلامي للناشطين في الثورة بدأ عبر استخدام أجهزة بسيطة يملكها اشخاص مثل الهواتف والكاميرات اليدوية مع خبرات قليلة، وقال: «انا شخصياً كنت واحداً من هؤلاء ولم تكن لدي خبرة مهنية، لكنني كنت مهتماً بنقل صوت الشعب السوري الى وسائل الاعلام لاظهار الحقيقة على عكس ما يروّج له إعلام النظام. لكن بعد ايام قليلة من بدء نشاطي، قامت قوات الأسد باستخدام آلاتها العسكرية لقمع التظاهرات السورية، وهذا ما زادني إصراراً على نقل الحقيقة وتوثيق جرائم النظام وانتهاكاته، وقد تعاونت معنا وسائل إعلام كبيرة ما شجعنا على الاستمرار بنقل كل أحداث الثورة السورية، وساعدَنا مراسلو وسائل اعلام على اكتساب خبرات في هذا المجال كوننا لم نكن بمهنية هؤلاء ولم نكن نتجرأ بعد على تسمية أنفسنا صحافيين».

اما مدير مكتب «شبكة شام» بدمشق وريفها ومراسلها ثائر الدمشقي وهو اليوم يتواجد في الغوطة الشرقية، فيقول: «بدأتُ العمل بتغطية أخبار الثورة من خلال تصوير التظاهرات ورفعها على اليوتيوب ونشرها للقنوات الاعلامية بالاضافة لادارة احدى التنسيقيات الثورية، وكان ذلك بدوافع ذاتية، وشعرتُ بان هذا واجبي تجاه الثورة والشعب المظلوم الذي طالب بالحرية والعدالة والكرامة ولا شيء غير ذلك، وتالياً كشاب أعمل في مجال الكمبيوتر والانترنت، وجدتُ من الضروري ان اقوم بتصوير وبث هذه التظاهرات والاحتجاجات، ومن اهم الصعوبات التي واجهتني هي موضوع الملاحقات الامنية من النظام اذ كنتُ أضع القناع على وجهي اثناء تغطيتي للتظاهرات».

من كتابة اليافطات إلى الإنترنت

بالنسبة الى الناطق باسم الهيئة العامة للثورة السورية في حمص الناشط السوري المعروف أحمد القصير، فإن تجربته الاولى في العمل الإعلامي في الثورة كانت من خلال كتابة اللافتات التي تُرفع في التظاهرات ومن ثم في تنظيم التظاهرات ايام سلمية الثورة، ويقول: «في البداية في ظل صعوبة معرفة تقنيات الانترنت، اعتمدنا على «الفايسبوك» في ترويج أخبار التظاهرات والنشاطات، وكنا نتواصل مع بعض الناشطين السوريين خارج سورية، بالاضافة الى اعتمادنا على شبكة «النت» في الأجهزة الخلوية التي كانت تساعدني في ايصال بعض البيانات والأخبار عبر «ماسنجر sh» للشباب في خارج سورية وهم كانوا يقومون بالنشر نتيجة صعوبة النشر عبر الانترنت من عندنا، ومن ثم انتقلنا للاتصال المباشر مع القنوات التلفزيونية بجهود قام بها ناشطون في الخارج أمّنوا لنا الاتصالات اللازمة بشبكات التلفزة الفضائية».

الخليوي نجم الثورة

ويروي الناشط الاعلامي في الثورة السورية الذي واكب اكثر من حدَث اعلامي في حمص والقصير والقلمون ابو الهدى الحمصي، ان البداية كانت عبر «متابعة أخبار التظاهرات، وكنتُ واحداً من هؤلاء في مدينة حمص، وقد اعتمدتُ على جهازي الخلوي لتصوير التظاهرات، «نوكيا» ثم «سامسونغ»، وكانت هناك شبكة انترنت لكن سرعتها كانت 34 كليوبايت في الثانية وكان هناك حجب لمواقع التواصل الاجتماعي مثل «تويتر» و«الفايسبوك» و«يوتوب» وكنا نعتمد على تطبيق «البروكسي» حتى نفتح «يوتيوب» ونحمّل المقاطع التي نصورها عن التظاهرات، وشكلنا غرفة للتواصل عبر برنامج الميغ والماسنجر اي غروب خاصة للناشطين نتبادل من خلالها الفيديوات المصورة ونرسلها الى ناشطين في الخارج كانوا يعملون على ايصالها الى القنوات الفضائية، ومن ثم جرى التواصل المباشر وكنا نضطر الى اعطاء المقاطع مباشرة ونقوم بنشرها على مواقع التواصل الاجتماعي بأسماء وهمية حتى لا تتم ملاحقتنا من المخابرات السورية التي كانت تراقب ما يُنشر وتلاحق الفاعلين لاعتقالهم، وانا شخصياً تعرضتُ لأكثر من محاولة اعتقال فاشلة».

مراسلون من جبهات القتال

تحولات الثورة السورية، تركت تأثيراتها على عمل الناشطين الاعلاميين فتحولوا «مراسلي جبهات قتالية» وصاروا في كثير من الأحيان أهدافاً للقوى المتطرفة، ولاسيما في الرقة مع سيطرة تنظيم «داعش» عليها، وكذلك مع الدعم المادي الكبير الاعلامي لـ «جبهة النصرة»، والضعف الذي أصاب إعلام التحالف الوطني السوري، مع تراجع «الجيش الحر» عن السيطرة عن مناطق متعددة. الا ان ماهر الحمدان لا يرى مثل هذه الصورة القاتمة عن اعلام الثورة قائلا: «لا يمكن وصم إعلام الثورة بطابع المتطرفين، ربما 70 في المئة من إعلام الثورة بحسب التقديرات مملوك من شخصيات لها مصالح ولغايات سياسية تركز على هؤلاء، وتسيس شبكات ووكالات برزت في الثورة السورية لمصلحتها. وهناك الجماعات الإسلامية التي تُعتبر متطرفة ولم تر في الإعلام العربي والعالمي أي فائدة وتالياً لم تؤمن به أو تعتمد عليه، ولذلك عملت على تأسيس امبراطوريات إعلامية خاصة بها وتوفّر لها دعماً، فيما اعتمد الثوار على المؤسسات الإعلامية في الخارج ولم يفكروا في أكثر من كونهم مراسلين لها في الداخل وكانت غالبية المشاريع الإعلامية للثوار فقيرة وقصيرة الأمد تعتمد على القدرات الذاتية في الخبرة والدعم».

اما أحمد القصير، فيلفت الى انه «في بداية الأحداث كان إعلام الثورة ناجحاً بشكل أكبر لانه واقعي وعفوي وينقل الألم من دون تحزب، اما الآن فدخلت الاحزاب وتَسيّس الاعلام ما ادى الى فشل بعض التجمعات الاعلامية التي حادت عن الهدف اي اسقاط النظام، في حين اننا في البداية كنا عرين إعلام النظام تماما نتيجة الكذب الذي اعتمده».

ويجد ثائر الدمشقي في «التعدد الاعلامي للثورة امراً غير مفيد، بل يسبب لها الضرر لعدم وجود جهة اعلامية وحيدة تمثل الشعب السوري وتتحدث باسمه اعلاميا».

بدروه، يعتبر ابو الهدى الحمصي ان «الاعلام الثَوري تفتت لمصلحة إعلام التنظيمات وفصائل الجبهة الاسلامية التي يقودها زهران علوش والنصرة والدولة الاسلامية، والجيش الحر كان له إعلام يروي فقط ما يريده، ومن هنا كل يروي على ذوقه، وحصلت معنا امور عديدة لا يمكن الحديث عنها لانها تضر بصورة الثورة. ولعل الدول الخارجية التي دفعت المال السياسي خربت الثورة وإعلامها، حتى وصل الامر الى ان يعلن الناس في الداخل والنازحون لمعارضي الخارج انه لم يعد هناك شيء يسمى ثورة، ولكن نحن ما زلنا نطمح الى إعادة الثورة الى مسارها الصحيح».

الاستهداف يتطلب الحماية

ما المطلوب من اعلاميي الثورة اليوم؟، يجيب الحمدان: «ان الشهداء الذين ارتقوا في نقل الحقيقة، وكل إعلامي او جهة إعلامية قامت بنقل الحقيقة بشفافية يمثلون إعلام الثورة، ونحن أصحاب قضية وأصحاب ثورة وكل مَن رفض مجمل انواع التسييس والدعم المسيّس وما زال يعمل لنقل الحقيقة، وكل مَن يهتم بنقل معاناة المدنيين السوريين ويوجّه عدسته وقلمه لنقل ظلم وبطش جيش النظام بالمدنيين هو إعلام حقيقي». ويضيف: «المطلوب إعطاء الثورة حقها ونحن نبذل قصار جهدنا للوصول لذلك، ونسعى لنكون موضوعيين ومهنيين في نقل صورة الواقع الذي تعيشه سورية اليوم، رغم كذب إعلام النظام وتَلاعُبه».

اما ثائر الدمشقي فيرى ان «المطلوب لتطوير إعلام الثورة هو تأهيل الكوادر الاعلامية المدربة بشكل جيد لمواكبة الأحداث وتوحيد الجهود ضمن مؤسسة إعلامية واحدة».

من جهته يكتفي القصير بالقول ان «المطلوب الآن تأمين حياة تكفي الاعلامي ليكون مرتاحاً في عمله، بالاضافة الى الحماية لان الاعلاميين أصبحوا مستهدَفين من الجميع الآن، من المتسلّقين على ثورتنا كما من النظام الذي يحقد عليهم بشكل كبير».

مخاطر وطموحات

ماذا عن الصعوبات؟

يحدد الحمدان صعوبات العمل في جانبين: «الأول هو ضعف الخبرة اذ ان معرفتنا كلها مكتسبة، وأدى ذلك لتقصير في العمل وكذلك هفوات وأخطاء، وكذلك لم يأخذ الإعلام الثوري دوره الفاعل الحقيقي في المعركة. والجانب الثاني مادي، فالناشط في غالبية الأحيان اعتمد على نفسه في الجانب المادي، وفي الحالة العادية وبمستوى دخل المواطن السوري العادي، لن يتمكن من تأمين أجهزة الاتصال الفضائي وكذلك أجهزة التصوير الحديثة».

اما القصير، فيقول ان «الملاحقات من مخابرات النظام كانت اكثر الصعوبات خطورة علينا، فنحن بالنسبة اليه كنا اخطر ممن يحمل السلاح، بالاضافة الى قطع الانترنت واستهدافنا بأي طريقة لدى تنقلاتنا من مكان الى آخر مع معداتنا البدائية، الى ان بدأ التنظيم للاعلاميين والتنسيقيات يحصل من اجل تنسيق العمل بهدف ان تكون هناك أوسع تغطية».

ويقول ثائر الدمشقي ان من اهم الصعوبات التي واجهته «هي موضوع الملاحقات الأمنية من النظام، اذ كنتُ أضع القناع على وجهي أثناء تغطيتي للتظاهرات ولا أنشر اسمي الحقيقي على الانترنت أثناء عملي الثوري، وعدا عن ذلك أذكر عدم امتلاكنا للادوات المناسبة واللازمة للعمل الاعلامي فكنا نقوم بالتصوير عن طريق الموبايل، اضافة الى مراقبة الاتصالات من النظام والاعتقالات التعسفية التي كانت تحدث في غالبيتها بسبب المخبرين التابعين لقوات الاسد».
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي