«الراي» تضيء على الظاهرة المأسوية والأبعاد القانونية والدينية والاجتماعية لها

«أطفال الكرتونة» في لبنان ... من «قارعة الطريق» إلى «كوابيس» الحياة

تصغير
تكبير
• القاضي الشيخ حسن الحاج : التبنّي في الإسلام محرّم كونه ينفي نسب الولد الحقيقي

• الأب جورج برباري: التبنّي مسموح مبدئياً في الديانة المسيحية لكن الأمر يجب أن يتم بطريقة شرعية
هم ضحية لجريمة اقترفها أقرب الناس إليهم، هم مَن ألقي بهم إلى المجهول، لا لذنب اقترفوه سوى انهم كانوا ثمرة غريزة انجرّ وراءها آباؤهم وحين أينعت رموا بها على الطريق وأمام المساجد وفي الحاويات...هم اللقطاء أو «أطفال الكرتونة» الذين غالباً ما يدفعون ثمن علاقة غير شرعية ليس لهم يد فيها وتنتهي بهم على... قارعة الطريق.

كثيرة حالات العثور على أطفال بعمر «الأيام او الساعات» مرميين في مكب نفايات او قربه، او متروكين امام باب منزل او دار أيتام او في زاوية شارع، وهي حالات ترتب تداعيات قانونية وآثاراً نفسية واجتماعية لاحقاً على مَن تخلى عنهم آباءٌ خوفاً من العار (من ناحية الأم) وتجنّباً لتحمّل المسؤولية (من الوالد).

قبل أيام عثر صاحب محل تجاري عند قدومه صباحاً ?فتتاح محلّه على طفلة مرمية داخل كرتونة عند مفترق بلدة دير دلوم في عكار (شمال لبنان)، قرب حاوية للنفايات. لم تمض ساعات، حتى تمكنت القوى الأمنية من تحديد والد ووالدة الطفلة الرضيعة من خلال «بلاك» التعريف، الذي كان بمعصم يدها حيث تبين ان الطفلة ولدت في مستشفى الدكتور عبدالله الراسي الحكومي في حلبا، من المدعوة (ف - أ) خطيبة المدعو (م - ا) الذي حضر بدوره الى مخفر العبدة تلقائياً وصرح بأنه والد الفتاة، وانه هو مَن وضعها حيث عثر عليها في المكان.

كما عُثر أوائل نوفمبر على طفل رضيع ملفوف بشرشف ومرمي تحت مبنى في وادي الزينة على طريق صيدا القديمة (الجنوب).

وقبلها انقذ شرطيان في بلدية الرميلة الساحلية، رضيعاً ملفوفاً بقطعة قماش، والدم ينزف من فمه تحت جسر الرميلة. أسعفاه الى مستوصف البلدية، لتتكفله بعدها الراهبات اللعازريات في دير مار منصور في الاشرفية.

قصص «اطفال الكرتونة» كثيرة ومن تخلّوا عن انسانيتهم أكثر، فحتى منتصف شهر سبتمبر من هذه السنة تم العثور على 11 لقيطاً، اثنان سوريان وواحد لبناني وثمانية مجهولي الجنسية، واذا كتب لبعض هؤلاء الحياة وعددهم تسعة فإن اثنين منهم كتب لهما الخروج من من رحم الأم إلى كيس النفايات حيث لقيا مصرعهما قبل أن يصارعا الحياة، وبينهم مَن نهشته الكلاب وبينهم مَن قتله برد الشتاء. ويبقى السؤال ما مصير مَن سيعيش منهم بلا آباء وأمهات؟

«الراي» حملت السؤال الى رئيسة قطاع دار الأيتام الاسلامية سمر الحريري التي قالت: «في دار الايتام الاسلامية وجد العديد ممن لا عائلة لهم مأواه، ترعرعوا وسط اخوة كثر، لكنهم فوجئوا عندما بدأوا يعون ما يدور حولهم بعدم وجود عائلة لهم في الخارج تأتي لتصطحبهم كل نهار سبت على غرار بقية (اخواتهم). فهموا وضعهم رويداً رويداً، بعضهم تقبله اما البعض الآخر فتأثر نفسياً، وتحول الى شخص عدواني، رفض الواقع وجابه الحياة بتشاؤم».

وشرحت الحريري انه «لا تختلف حياة مَن لا عائلة لهم في الميتم عمّن لهم عائلة خارجه، فهم يخضعون للقوانين نفسها، يدخلون المدارس ويستمرون في العيش في بيتهم البديل الى ان يخرجوا منه الى بيت الزوجية، وفي جميع هذه المراحل يقف الدار الى جانبهم لا بل يستمر بالشد على ايديهم حتى بعدما يشقوا طريقهم في الحياة».

لا تحبذ الحريري زواج مَن «لا عائلة لهم» كما يسمونهم في الدار من بعضهم البعض بعد التجربة الفاشلة التي مرّ بها اثنان منهم وقالت: «قبل اعوام، وقعت قصة غرام بين اثنين منهم، فحصل ارتباط وبعدما رزقا بثلاثة اولاد وقع الانفصال». اما السبب في رأيها فيعود الى غياب اسرة لكل منهم تحتضنهم «فلو تزوج احدهم بشخص لديه عائلة لتمّ احتواؤهما ولما حصل الطلاق بعد خمسة عشر عاماً كما في النموذج السابق».

عدد اللقطاء الذين كانت تستقبلهم المؤسسة سابقا كان يقارب عشرين طفلاً في السنة وقد انخفض هذا الرقم منذ أعوام حتى وصل إلى نحو خمس إلى ست لقطاء. وعما اذا كانت الدار تسمح بكفالة الاطفال أجابت: «نعم، لكن بشروط أهمها وجود زوج وزوجة، اذ لا نسمح بكفالة طفل من قبل سيدة او رجل منفردين، فما ينقص الطفل في الميتم هو جو العائلة واذا لم يتم تأمينه من قبل مَن يريد ان يكفله فلماذا سيكفله».

إلى جانب هذا الشرط تحدثت الحريري عن «ضرورة تأمين عيشة لائقة ومحترمة قدر الامكان وجو سليم للطفل مع التأكيد على استمرار الدار بمتابعته وزيارته بين الحين والآخر» .

وعن آخر لقيط تم استلامه قالت: «وصلَنا قبل ثلاثة اسابيع من مخفر السعديات طفل يبلغ من العمر نحو أربعة إلى خمسة أيام تمت تسميته»محمد«لكن صدور هوية له سيأخذ وقتاً»، وشرحت «اسم العائلة التي تعطى للقطاء حكماً تكون اسم علم اذ لا يمكن وضع اسم عائلة عادية».

المحامية أليس كيروز سليمان، رئيسة تجمع الهيئات من اجل حقوق الطفل في لبنان شرحت لـ «الراي» انه «عندما يتم العثور على لقيط يجب إبلاغ الدرك الذي يسجّل إفادة بالواقعة يشير خلالها الى العلامات الفارقة التي تميّز الطفل الذي يُنقل بعدها الى مستشفى لتتم معاينته وإصدار إفادة طبية له، ثم يتم وضعه في مؤسسة ترعاه او يتكفله شخص اذا أراد بعد ابلاغ النيابة العامة كي يتم الحصول على تغطية قانونية».

وقالت: «على المؤسسة أو الشخص الذي يتكفل الطفل اصدار هوية له يسجل خلالها تحت اسم أم وأب مستعارين ويُحدد مكان الولادة في المكان الذي وُجد فيه»، لافتة الى أن «اصدار هوية لهؤلاء الأطفال أسهل من مكتومي القيد معروفي الأب أو الأم او الاثنين معاً». علماً ان مكتومي القيد في القانون هم الأفراد اللبنانيون غير المدوّن اسمهم في الدوائر الرسمية بعدما أهملوا بطريقة ما أو لظروف استثنائية مثل (وفاة الأهل، الحرب...) تسجيل قيدهم في دوائر الأحوال الشخصيّة.

ورغم الجهود التي يبذلها المعنيون لمنع ذكر كلمة «مستعار» أمام اسم الوالدين في بطاقة الهوية العائدة للطفل الذي يتم العثور عليه لكن كما قالت كيروز «لا يزال التمييز قائماً وتذكر هذه الكلمة التي تظهر أن الطفل من علاقة غير شرعية».

لكن هل بالامكان تبني هؤلاء الأطفال؟

القاضي الشيخ حسن الحاج شحادة شرح لـ «الراي» موقف الدين الاسلامي: «التبني في الاسلام محرّم كونه ينفي نسب الولد الحقيقي، لكن يجوز أن يتولى من يريد عناية ورعاية الطفل اللقيط شرط عدم نسبه إليه، فلا الدين ولا الواقع يقبل نسب طفل لشخص وهو ليس ابنه»، مؤكدا ذلك من خلال الآية الكريمة «ادعوهم لآبائهم»، وشرح «اي سموهم على اسم والدهم، هذا لا يعني عدم القدرة على جلب اللقيط ليعيش مع من يكفله في منزله، إذ باستطاعته العيش في كنفه على أن تراعى الأصول الدينية والشرعية، فإذا بلغت الفتاة يجب وضعها في المكان المناسب بعيداً عن الأجانب فلا يجوز أن تعيش مع أولاد مَن يكفلها وهي ليست أختهم إلا إذا أرضعتها زوجته وأصبحت أختهم بالرضاعة، وكذلك الأمر بالنسبة للقيط الذكر فلا يجوز العيش في منزل يوجد فيه فتيات أجانب إلا إذا أرضعته مَن تكفله فأصبح ابنها بالرضاعة وليس بالنسب وأخ لأولادها بالرضاعة».

على العكس من ذلك فإن الدين المسيحي يسمح بتبني الأطفال بحسب ما أكد الأب جورج برباري لـ «الراي» قائلاً: «التبني مسموح مبدئياً في الديانة المسيحية واللقطاء يتم تبنيهم عبر مؤسسات ودور أيتام، لكن هذا الأمر يجب ان يتم بطريقة شرعية، أما الطرق غير الشرعية فليست مستحبة، أي بمعنى عدم المتاجرة بالأطفال من خلال بيعهم وشرائهم».

«الأولاد الذين ليس لديهم أهل (هم) للأهل الذين ليس لديهم اولاد»، عبارة معبّرة استعان بها برباري لتأكيد أنه «يُفضّل تبني الأطفال من قبل المحرومين من الانجاب كونهم سيمنحون الطفل محبة ابوية حتى لو لم يكن ابنهم، شرط أن يكتب على الهوية أن هذا الشخص متبنى، اذ لا يجوز أن يسمى على اسم الأم والأب من دون ذكر كلمة متبنى، لانه يخشى اذا كبر واكتشف الأمر ان يعاني صدمة»، مؤكداً في الوقت نفسه ان «الطفل المتبنى يأخذ حقوق الولد العادي».
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي