لبنان ودَّع سعيد عقل و «كلَّله» بـ «غار»... الكبار

تصغير
تكبير
«لبنان إن حكى» في 2 ديسمبر 2014 لَقال الكثير عن «شاعر القرن» الذي خلّد «بلاد الأرز» و«الحرف اللبناني» على مدار مسيرة فكرية وفلسفية حفر اسمه معها بـ «أحرف من ذهب» يليق بكبار لبنان الذين يرحلون ولا...يغيبون.

أمس كان يوم وداع سعيد عقل الذي «اعتنق» لبنان «صخرة علقت بالنجم...أسكنها...طارت بها الكتب...قالت تلك لبنان»...الشاعر الذي أراد ان يحتضنه صخر بلاده في نعش - تحفة نُحت من صخر جبال لبنان على شكل ناووس فينيقي غطاؤه من خشب الأرز وحُفرت عليه أحرف اسم الراحل على شكل زهرة ذبلت برحيله ولكن «عبَقها» باقٍ ليعطّر تاريخ بلاد حملها في عقله وقلبه وقلمه «فكرة» صارت حقيقة و«أمّة» و«قومية» لطالما كان من أشدّ أنصارها.


ربما لم يكن وداع سعيد عقل شعبياً اذ طغى عليه الحضور السياسي والفني والثقافي، ولكنه كان بالتأكيد «أسطورياً»، على امتداد محطاته من كاتدرائية مار جورجيوس للموارنة في وسط بيروت وصولاً الى مسقطه زحلة وما بينهما من وقفات، تحية للشاعرالذي توفي عن عمر 102 عاماً قضى معظمها في نظم الشعر الذي لم يغفل التغني ببعض المدن والبلاد العربية الأخرى، من الشام إلى بيروت فعمان والقدس والقاهرة ومكة.

في الجنازة التي ترأسها البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي وحضرها الرئيسان السابقان للجمهورية ميشال سليمان وأمين الجميل والعماد ميشال عون وممثل رئيسيْ البرلمان نبيه بري والحكومة تمام سلام والرئيس السابق للبرلمان حسين الحسيني والنائبة بهية الحريري (ممثلة الرئيس سعد الحريري) وحشد من الوجوه الفنية والفكرية، كانت الشالات الحمراء التي لفت الأعناق شاهداً على بصمة من نوع آخر تركها هذا الكبير الذي لم تكن تفارقه ربطة العنق الحمراء.

مهيباً بدا النعش في وسط الكاتدرائية التي شهدت الى الصلاة الجنازة، ترتيل عدد من الفنانين قصائد دينية كان كتبها الراحل الذي ترك عشرات الدواوين وكان أول من سعى إلى الترويج «للغة لبنانية» بمعزل عن اللغة العربية، واقترح أبجدية لاتينية لكتابتها، ولم يمرّ فكره دون جدل أثارته مواقف له ولاسيما تلك المناهضة للوجود الفلسطيني المسلح في لبنان إبان الحرب الأهلية وتأييده الاجتياح الاسرائيلي للبلاد العام 1982.

وكانت لافتة العظة التي ألقاها البطريرك الراعي في التشييع اذ قال: «ان الراحل الكبير يغيب عن عمر مئة وسنتَين، وقد أغناها بما حباه الله من نبوغ، وما اقتنى من ثقافة واسعة، وتعمّق في اللاهوت المسيحي وكسب منه المحبة والفرح وفضيلة الثورة على كلّ التواءٍ وانحرافٍ وضعف، ودرس تاريخ الإسلام وفقهه، حتى غدا طليعةَ المثقّفين في هذا الشَّرق»، لافتاً الى ان عقل «أحبّ لبنان وأعلاه إلى قمم الأوطان. وهو القائل:أُحبُّ لبنان أكثر من نفسي. وكان يعتبره وطناً غير عادي. فكم نقّب في تاريخه السحيق والوسيط، مكتشفاً العباقرة الكبار الذين يعرفهم العالم، ولا يعرف أنّهم من مدن الساحل اللبناني القديمة: قدموس أبو الأبجدية، وموخوس مكتشف الذرّة، وأقليد سيد الهندسة، وبيتاغوراس عالِم الرياضيات، وسواهم ممّن بنوا أعمدة المعرفة والحضارة في العالم القديم، فضلاً عن مدرسة بيروت أمّ الشرائع. وقدّم في كتابه (لبنان إن حكى) سفراً لبنانيّاً يختصر جمالات لبنان التاريخ والعلم والحضارة».

ومن وسط بيروت الى مسقطه في زحلة التي أعّدت لاستقبال ابنها الكبير بما يليق بإرث «مَن لبْنن العالم»، مشوار أخير تحت سماء لبنان قبل ان يُرفع مَن غنّت له فيروز «ردّني الى بلادي»، فاذا به يعود الى بلدته «عروس البقاع» هو القائل: «أقول الحياة العزم حتى إذا أنا انتهيت تولى القبر عزمي من بعدي».

أمس تُوّج سعيد عقل عظيماً من لبنان هو الذي كلّل الشعر بـ «غار» الكلمة التي قالها على مدى عقود طويلة...ومشى.

فيروز : بالغار ... كُلِّلتَ يا كبير الشعراء

كما في غياب الشحرورة صباح، لم تحضر فيروز تشييع الشاعر سعيد عقل الذي غنّت له «روائع» عدة على مدى مشوارها الغنائي.

واكتفت فيروز بإرسال إكليل من الغار الى مأتم الراحل الكبير وقد كتبت عليه: «بالغار كُللت يا كبير الشعراء».
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي