القطاع المصرفي لا يخشى تراجع أسعارالرهونات ... أو تكرار ظروف استدعت تأسيس المحفظة الوطنية

اليوم لا يشبه 2008 ... النظام المالي حصين متين

تصغير
تكبير
• لا مخاطر تستدعي تدخّل الحكومة ... حتى لو وصل تراجع السوق إلى 20 في المئة

• تراجع الأسهم الثقيلة يمكن استيعابه بسهولة ... ولا حاجة لزيادة المخصصات

• الضمانات لم تعد الأساس في قرارات الائتمان ... بل التدفقات النقدية وجودة المركز المالي
أثارت تراجعات الأسهم في الأسابيع الأخيرة ومطلع الأسبوع الجاري من تأثر النظام المالي، لكن مصرفيين اعتبروا أن التحديات التي تواجه سوق الأسهم ومن ضمنها الأسهم الثقيلة، لا تثير ذعر البنوك، لأن النظام المالي اكتسب مناعة كبيرة بعد أزمة 2008.

ويشير مصرفيّون إلى أن الوضع اليوم مختلف تماماً عما كان عليه قبل ست سنوات، حين استدعت تراجعات البورصة تدخّلاً حكومياً من خلال إنشاء «المحفظة الوطنية». إذ إن «سياسات التحوّط الكلّي»، التي طبّقها البنك المركزي، باتت توفّر تقييماً دوريّاً لمخاطر النظام المالي وانكشافات البنوك على مختلف فئات الأصول، واختبارات ضغط وفق سيناريوات مختلفة، وما يشهده السوق حالياً لا يزال ضمن السيناريوات غير المقلقة أصلاً، خصوصاً أن أسعار الأسهم القياديّة اليوم أقل بقليل أو أعلى مما كانت عليه في بداية السنة، وبالتالي قلا حاجة لأي تدخّل حكومي استثنائي.


وهنا خمسة أسباب تدعم هذا الاستنتاج:

1 -

باتت البنوك تعتمد سياسات مختلفة كليا في منح الائتمان انتهجتها إدارات المخاطر بعد أزمة 2008، حيث وضعت معايير أساسية لمنح الائتمان قائمة على 3 ركائز رئيسة، وهي التدفقات النقدية التي تقيس مدى قدرة العميل على الالتزام بالسداد وفقا للجدول الزمني المتفق عليه، ومركزه المالي الذي يدعم اي تغيرات قد تطرأ على انتظام هذه التدفقات، علاوة على الضمانات التي انتقلت في تصنيف الأهمية الذي تتبعه البنوك في اظهار وضع العميل الحقيقي «من رأس القائمة إلى ذيلها».

2 -

أشار المصرفيون إلى أن المخاوف من اضطرار البنوك إلى بناء مستويات إضافية من المخصصات لمواجهة تراجع أسعار الاسهم ليست في محله، والسبب بكل بساطة ان النواظم الرقابية اقرت اداة المخصصات لمعالجة مرحلة لاحقة لحالات عدم الانتظام في السداد، والحاجة إليها محددة، كما ان تحديد مستويات بنائها غير مرتبط في الاساس بتراجع قيم الضمانات من الأسهم أو صعودها، فحسابات البنوك لهذه المسألة تتعلق اكثر بقياس جودة المركز المالي للعميل وقدرته على السداد، ووفقا لذلك ليس بالضرورة ان يكون البنك امام استحقاق بناء مخصصات إضافية مقابل كل نزول يتعرض له سوق الأسهم.

وفيما لا يقلل المصرفيون من اهمية الضمانات التي تحصلها البنوك من العميل في تحصين خطوط الائتمان المفتوحة، الا انهم بينوا انها لم تعد المعيار الأعلى أهمية في تحديد جودة المحفظة الائتمانية، فهي تمثل خط الدفاع الثاني بعد جودة الملاءة المالية، ومن ثم لا يحمل تراجع الأسهم الثقيلة مخاوف حقيقية لدى البنوك تدفعهم إلى التحرك نحو إعادة ترقيع ضماناتهم من الأسهم التي تراجعت.

3 -

وفقا لقراءة التطورات الاخيرة في البورصة يظهر ان تراجع سوق الأسهم حتى الآن جاء مدفوعا في الأساس بالتعقيدات الاقتصادية والسياسية التي تواجه الأسواق وليس اقلها تراجع اسعار النفط وتضاؤل آمال المستثمرين من تحقيق استقرار قريب لهذه السوق بعد قرار منظمة البلدان المصدرة للبترول «أوبك» تثبيت مستويات إنتاجها، ما يجعل من احداث البورصة الحالية أزمة موقتة وليست ممتدة من الناحية الفنية.

والنقطة الابرز في هذا الخصوص ان تراجع اداء بعض الأسهم القيادية ليس مرتبطا بتراجع اداء شركاتها، وهذا واضح من اداء هذه الشركات التشغيلي الذي يظهر بكل وضوح استمرار استحواذ هذه الجهات على حصصها السوقية نفسها دون تغير، فيما استطاع بعضها في الآونة الآخيرة تسجيل نمو في قطاعه.

4 -

بناء على ما سبق، يمكن الجزم بأن معطيات أزمة تراجع البورصة في 2008 وتأثر محفظة الضمانات لدى البنوك مختلفة تماما عن معطيات تراجعات البورصة حاليا. بل إن الجانب الأكبر من التراجعات الراهنة حالياً ينصب في خانة أسهم ورقيّة لا تشكّل أي أهميّة في النظام المالي، ولا تشكّل إلا نسبة مئويّة ضئيلة من القيمة الرأسماليّة للسوق.

ففي الحالة الأولى، كانت الأزمة عالمية وانعكاساتها المحلية حادة على سوق الأسهم، وبدا ذلك في الانكشافات الواسعة التي تعرض لها العديد من المستثمرين، لدرجة ان كل بنك كان لا ينفك من معالجة أزمة تعثر كبيرة لديه حتى يتعرض لحالات اخرى لا تقل خطورة، لدرجة أن المخاوف زادت وقتها من إمكانية تعرض البنوك لأزمة نظامية، إلى الحدود التي استدعت من بنك الكويت المركزي توجيه البنوك نحو رفع حالة التأهب للاسوأ وإعداد اختبارات ضغط نصف سنوية بسيناريوات مختلفة، إلى جانب زيادة مستويات المخصصات الاحترازية إلى مستويات غير مسبوقة بلغت نحو 4 مليارات دينار منذ بداية الأزمة حتى بيانات الربع الثالث من العام الحالي.

اما في الوقت الحالي، فالمسألة لا تخرج عن ردة فعل سيكولوجيّة من الأفراد استدعت من المحافظ الرئيسة في سوق الأسهم عدم التحرك بنشاط واسع لمواجهة الضغوط البيعية، وتهدئة المستثمرين، وهو الاعتبار الذي دفع سوق الأسهم إلى مزيد من الخسائر لكنها في الغالب خسائر لا تكتسي بمواصفات الديمومة.

5 -

على الرغم من أن البنوك ليست سعيدة بخسائر محافظها من اسهم الضمانات، لكن ما يهمها في هذا الخصوص مدى تأثير هذه التراجعات على قدرة العميل الحقيقة للسداد، مبينين ان «التراجعات الحاصلة في قيم الضمانات غير مؤثرة باعتبار ان هذه التراجعات لا تزال محدودة قياسا بنسبة الضمانات التي تفرضها البنوك على العملاء والتي تقدر في غالبية الحالات بـ 150 في المئة من قيمة الدين كحد أدنى ما يكسبها (شحماً) إضافية لمواجهة اي تراجعات في قيم الضمانات، مع الاشارة إلى ان اسس قيم احتساب قيمة الضمان متغيرة من عميل لآخر بحسب المركز المالي لكنها لا تقل عن 100 في المئة من قيمة الدين».

وأضافوا: «البنوك ليست في حاجة إلى الهلع من تراجع قيم الضمانات ولو بلغت خسائر سوق الأسهم 20 في المئة»، لكنها لم ينكروا في المقابل ان التراجعات الحادة في الأسابيع الماضية نجحت في لفت انتباه المصارف إلى مراقبة اوضاع عملائها أكثر من الفترة السابقة، مستبعدين في الوقت ذاته أن تتأثر نتائج البنوك الفصلية للربع الرابع من العام الحالي بتراجع اداء سوق الأسهم، ما لم تتطور الأحداث مستقبلا وتكون الخسائر مدفوعة باعتبارات فنية تتعلق باداء الشركات الكبرى، أو في حال تحول مسار أزمة سوق الأسهم من أزمة بورصة محدودة إلى «نظامية» تؤثر على بقية القطاعات التي تشكل ركائز اساسية في محافظ ضمانات العملاء.

لا خوف على الأرباح

أكد المصرفيون ان المؤشرات الحالية لا تثير المخاوف على أرباح البنوك، فالنتائج المالية تعتمد في بنائها على حجم العمليات واداء كل شركة وليس اداء سهمها، موضحين أنه في اسوأ الظروف ستضطر البنوك إلى زيادة مخصصاتها على بعض الحسابات، وذلك بحسب كل حالة منفردة، وفي الغالب لن تكون ذات تأثير سلبي على اداء البيانات المالية الختامية للعام 2014، وفي هذه الحالة سيحدث ذلك فارقا بسيطا في توقعات الأرباح وعلى الأرجح سيكون مركزاً في بعض البنوك على بعض الحالات.

القروض المجدولة لن تتأثر

بخصوص أن بعض العقود الائتمانية الكبرى تمت جدولتها قبل أزمة 2008، ما يعني فنياً ان سياسات إدارات التحوط الجديدة لجهة الاعتماد على التدفقات النقدية ومركز العميل قبل الضمانات لا تشملها، افاد المصرفيون أن جميع الحالات المتعثرة التي كان يطلق عليها اصحاب الاسماء الكبرى أعادت جدولة قروضها مع البنوك على فترات مختلفة بدأت تقريبا في 2010، وعند مقارنة التعقيدات المالية مع هذه الفترة سواء على البنوك او العملاء نلحظ انها اكثر حدة من معطيات الوقت الحالي.

ولفت المصرفيون الى ان المقاربة بين الفترتين تبين ان البنوك لا تزال في خانة الأمان حتى الآن، ولاسيما في ظل مستويات المخصصات العالية التي نجحت في بنائها طيلة هذه الفترة، مع الأخذ بالاعتبار ان غالبية القروض غير المنتظمة انخفضت في معظم البنوك إلى مستويات متدنية جداً تتراوح بين اقل من واحد في بعض البنوك إلى اقل من 3 في المئة في بنوك اخرى بفضل سياسة المخصصات الاحترازية التي تبناها «المركزي» بعد الأزمة المالية وتوجه البنوك إلى شطب مستويات عالية من الديون المعدومة لديها، غير التسويات التي ابرمتها البنوك مع عملائها المتعثرين والتي اسهمت في تنظيف محافظها بشكل كبير.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي