«المحكمة الدولية لن تطيح بالاتفاق الأمني ولا خوف على بقاء الحكومة»
وزير السياحة اللبناني لـ «الراي»: الحركة الخليجية العائدة إلى بيروت أساسها الكويت
• فريق (8 آذار) فضَّل ربط الانتخابات الرئاسية بسلّة أزمات عربية إقليمية ودولية
• أيّدنا شجاعة أبو فاعور بموضوع سلامة الغذاء ولكن نريد أن يتم التنسيق لعدم الـ «لفلفة» والتضخيم
• أيّدنا شجاعة أبو فاعور بموضوع سلامة الغذاء ولكن نريد أن يتم التنسيق لعدم الـ «لفلفة» والتضخيم
لم تعد معالم لبنان التاريخية و«مفاتنه» الطبيعية، تضمن له جذب السياح. فالاضطرابات الأمنية التي توزعها وسائل الإعلام على خريطته شمالاً وجنوباً، باتت تشكل عامل «طرد» للسائح الذي يقصد «بلاد الأرز» للراحة والاستجمام.
بعض الدول تفرض حظراً على سفر رعاياها إلى لبنان بين الحين والآخر، ولا سيما مع اشتداد الاضطرابات الأمنية وازدياد الاحتقان السياسي. لكن ذلك لا يحول دون «تسرّب» سياح من تلك الدول إليه، ليشهدوا على حب الحياة في بلاد تعافت بعد كل حرب ونفضت عنها الدمار والرماد.
السمعة الطيبة للبلاد وأهلها، يقفز فوقها الحدث الأمني ليفزع السياح ويبعثرهم في اتجاهات أخرى، ويلاقيه أخيراً «بعبع» الغذاء مع إطلاق وزير الصحة وائل ابو فاعور حملة للحفاظ على الأمن الغذائي «يعري» فيها المطاعم والمحلات التجارية والمسالخ التي تبيع المستهلك غذاء غير مطابق لمعايير الجودة، الأمر الذي رفع إزاءه وزير السياحة ميشال فرعون الصوت مخافة استغلال الملف للتشهير ما يصيب بالعمق القطاع السياحي الذي يتكئ عليه الاقتصاد اللبناني بصورة كبيرة، وهو الذي يعتبر ان الحركة السياحية الخليجية العائدة الى لبنان أساسها الكويت.
«الراي» التقت فرعون في مقر الوزارة وأجرت معه حواراً حول السياحة انطلاقا من السياسة هنا نصه:
• حلّ عيد الاستقلال في 22 نوفمبر ولبنان بلا رئيس للجمهورية، فألغي احتفال السنوي. هذا في الشكل؛ في المضمون ماذا يعني حلول الاستقلال بلا رئيس؟ هذا الأمر يعني «حزناً دستورياً سياسياً ميثاقياً» لا نريد تحويله حزناً وطنياً لأن الحزن يكون عند زوال الأمل. نحن في حال استياء إزاء واقع بلغناه بعدما اختار البعض حرف معركة رئاسة الجمهورية عن مسارها الديموقراطي من خلال أسلوب التعطيل الذي يعطّل عملياً الدولة ويهدد مرتكزاتها، مستنداً في ذلك الى آلية للانتخاب نص عليها الدستور ولم يُقصد بها تحويلها آلة تعطيل للنظام انطلاقاً من تفريغ موقع رئاسة الجمهورية. لكن في النهاية يبقى الأمل موجوداً، لأننا لا نزال نعمل تحت سقف الدستور ولأن هناك تفاهماً بالحد الأدنى على توفير استقرار أمني ودعم الجيش والقوى الامنية في القيام بمهماتها ولان هناك حكومة ما زالت قادرة على الإدارة ولو أن الشلل يصيبها بسبب الفراغ الرئاسي، ولأن هناك مجتمعاً مدنياً حيوياً جداً ما زال يعكس كل يوم إبداع اللبنانيين بشكل عام. على ان الاستياء هو أيضاً هاجس يكبر باستمرار الفراغ، لأن الاستقرار السياسي والانضباط الأمني لا يُحصن إلا عبر انتخاب رئيس للجمهورية.
• من لا جلسة إلى لا جلسة، يمر على تعطيل الانتخابات الرئاسية نحو ستة أشهر. كيف يمكن الخروج من هذا المأزق، هل هناك معطيات. ومَن يتحمل مسؤولية هذا التعطيل؟ ـ بعد مؤتمرين لدعم لبنان ومؤتمر لدعم الجيش اللبناني، توافر ما يشبه المظلّة الخارجية والداخلية التي أتاحت وضع خطة أمنية نجحت في طرابلس وبدأ تنفيذها أخيراً في البقاع. وهذا المناخ كان له أثر على السياحة بمجيء إخوتنا الكويتيين إلى لبنان الصيف الماضي. لكن هذه المظلّة كانت أيضاً رسالة الى اللبنانيين بأن المجتمع الدولي يشجعنا على انتخاب رئيس، وبأنه سيدعم لبنان بغض النظر عن هوية الرئيس المنتخب. ولكن باستمرار التعطيل والعراقيل من فريق الثامن من آذار، بات من الواضح أننا لم نغتنم الفرصة التي كانت متاحة لنا بـ «لبننة» الاستحقاق الرئاسي والوصول عبر جلسات متتالية إلى انتخاب رئيس، وهو ما جعل هذا الاستحقاق يرتبط بالظروف والمعطيات الخارجية، بمعنى أن البعض فضّل ربط الانتخابات الرئاسية بسلة عربية إقليمية ودولية، وتم الفصل بين الاتفاق على الأمن والخطة الأمنية وبين الملف السياسي الرئاسي الذي جرى للأسف ربطه بالسلّة السياسية الخارجية التي تبدأ بالاتفاق النووي الايراني وتمرّ باليمن والعراق وسورية، وآمل ألا تصل إلى أوكرانيا.
• في ما يتعلق بالسياسة والسياحة معاً، تحاول ضخ الكثير من الإيجابية في إظهار محاسن الواقع السياحي اللبناني، رغم الظروف السياسية والأمنية والنزوح السوري وقطع الطرق. ما المعطيات التي تستند اليها؟ ـ الحكومة وُلدت نتيجة رغبة داخلية وخارجية بحماية الأمن في لبنان وايضاً في تفادي خطر الفراغ الرئاسي الذي وقع للأسف في ما بعد. ونحن استندنا الى المناخ الذي عبّرت عنه الخطة الامنية التي تم وضعها للقول ان بالإمكان استعادة الحركة السياحية، وهكذا حصل عملياً. فالحكومة تشكّلت في فبراير، ووضعت الخطة الأمنية في مارس فحُلت بين مارس وأبريل كل المشاكل ومن ثم رُفع الحظر رغم عدم الاعلان عن ذلك، وهو كان نتيجة سوء تفاهم بين دول خليجية والحكومة السابقة وتدهور سياسي وأمني واقتصادي في عهد تلك الحكومة تَرافق مع جو داخلي متوتر ومرتبط بدوره بالأزمة الإقليمية. عندما تم الاتفاق الأمني، اعتبرنا أنه باتت هناك إمكانية للسياحة ورفْع الحظر، ومرّ شهرا مايو ويونيو حيث عُلّقت آمال كبيرة على موسم اصطياف ناجح. لكن أول ما أثّر هو تفجير احد الارهابيين نفسه داخل غرفته في احد فنادق الروشة في يونيو الماضي، وحينها كانت نسبة الإشغال في الفنادق تراوح بين 95 ومئة في المئة. ونظراً لكون الإعلام في لبنان كما في الكويت حرّاً، ورغم أن هذا التفجير أعتبره نجاحاً للقوى الأمنية التي طوّقت الإرهابي ما اضطره لتفجير نفسه، فإن طريقة إثارة هذا التفجير في الإعلام أوجدت جواً من التوتر، فهرب السائح لمدة أسبوعين وثلاثة. ثم جاء شهر رمضان المبارك، فعاد بعض السياح في شهر أغسطس. وبعدها سلط الإعلام الضوء على أحداث عرسال التي اندلعت في 2 اغسطس، علماً أن عرسال بعيدة، وقد شهد هذا الشهر حركة قوية للمهرجانات والنشاطات السياحية المتنوعة من ضمن الحملة التي أسميناها live love Lebanon ـ لبنان الحياة. وبرزت تبعاً لذلك ازدواجية بين مسار دعم الجيش اللبناني والدفاع عن الحدود والسيادة في وجه مَن يستهدف شبابنا وجيشنا ورفض الظلم والظلام والديكتاتورية وربط لبنان بالخارج ورفض تنظيمات ارهابية كـ «داعش» وغيرها، ومسار آخر كان ينطلق بالزخم نفسه ويقوم على رفض الاستسلام للأمر الواقع والتهديد وعلى حب الحياة والتمسك بالحرية والديموقراطية وبالمبادئ والتقاليد والحضارة والفن والتراث. وهذا الأمر نجح. فالمساران ناجحان إلى اليوم، وبالإضافة إلى ذلك كان الوضع آمناً في الداخل، ولذا فإن مَن يعرفون لبنان واتصلوا بأصدقائهم هنا جاؤوا لأنهم أدركوا أن الوضع آمن وقضوا صيفاً حيوياً. وفي شهريْ سبتمبر وأكتوبر اللذين تخللهما عيد (الأضحى) لاحظوا وجود حركة بالرغم من التهديدات.
• تسلّمتَ وزارة السياحة، فيما كانت مجموعة من الدول الخليجية تضع حظراً على سفر رعاياها إلى لبنان. بعد أشهر من الجهود التي بذلتها، كيف أصبحت العلاقة مع هذه الدول؟ ـ علاقة الحكومة مع دول الخليج جيدة جداً، وفي شهر يونيو عادت «الرِجل» بقوّة. لكن «الرِجل» التقليدية على لبنان لم تعد، للأسباب التي ذكرتُها، باستثناء أصدقائنا الكويتيين، لكن جزءاً منهم لم يتمكن من المجيء براً بسبب الأوضاع في سورية، غير أن الحركة عادت. ونذكر حركة جديدة في هذا الإطار من العراق ومصر والأردن إلى لبنان. ومن ناحية الخليج، يمكننا القول ان الحركة التي عادت كانت أساسها الكويت.
• في موضوع الأمن الغذائي، لماذا اتخذتم موقفاً سلبياً من الحملة التي أطلقها وزير الصحة وائل أبو فاعور؟ ـ أبداً. نحن لم نتخذ موقفاً سلبياً، بل صوّبنا الأمور وقلنا ان هذا الموضوع يعنينا. فكانت لدينا بعض الملاحظات في الشكل، اولاً لجهة العنوان ليبقى «سلامة الغذاء» فلا يؤخذ الملف الى السياسة ككثير من المواضيع في لبنان التي توضع تحت عنوان الفساد وغير الفساد. وسبق ان قلنا انه اذا كان هناك فاسد في القطاع الخاص فمن المؤكد أن هناك فاسدا أكبر في القطاع العام يدعمه ويؤمن له الغطاء. والقطاع السياحي في لبنان يؤمن 10 أو 20 في المئة من الناتج المحلي وليس فاسداً وعلينا ان نقف الى جانبه ولن نغطي أحداً يمس بصحة المواطن وفي الوقت نفسه هدفنا عدم تحميل قطاع سياحي برمّته مسؤولية ثغر هنا او هناك. ونحن كقطاع سياحي لسنا مسؤولين عن سلامة الغذاء، بل على العكس فنحن نريد التشدد في هذا الموضوع. وحين سمعنا أن المراقبة لم تكن على المستوى المطلوب سألنا عن خلفية هذا الكلام، فتبين أن سببه ان جزءاً منه مردّه ان أخذ العينات لم يتم بطريقة دقيقة وصحيحة، وتالياً لابد من تطوير الأنظمة في هذا المجال. أما المسألة الأخرى، فهي أن في الإحصاءات التي أصدرتها وزارة الصحة، تبيّن أن حالات التسمم الغذائي هي الأدنى في المنطقة، فوجدنا تناقضاً وأردنا التأكد كي نعرف حقيقة ما يجري وليس عبر الإعلام فقط بما أننا بتنا معنيين بالأمر. وهذا كان موقفنا، بأنه لا يكفي لنحكم على هذا الموضوع ان نكتفي بما يذاع عبر الإعلام، بل نريد منع أي تشهير إذا وجد لا سمح الله. ونحن أيّدنا بالتأكيد شجاعة الوزير ابو فاعور في طرح الأمور والشفافية، ونحن أكثر مَن له مصلحة في الشفافية، ولكن في الوقت نفسه نريد أن يتم تنسيق كي تتحقق شفافية تضمن من جهة عدم «لفلفة» الموضوع، وعدم إعطائه حجماً أكبر من حجمه أو وقوع ظلم من جهة أخرى. فبعض الأمور التي حكي عنها موجودة في كل البلدان، لكن الطريقة التي تم تظهيرها بها أمام الرأي العام تسببت بإرباك.
• من الواضح أن الوزير أبو فاعور ماض قدماً في هذه الحملة، فبعد المطاعم والمياه اتجه إلى مراكز التجميل ويبدو أنه سيمر على موضوع المزارع. هل تم التفاهم على طريقة عمل مشتركة؟ ـ أولاً، إن وزارة الصحة تقوم بواجبها، فالطمأنة والضمانات تكون حين تقوم المؤسسات بعملها. وفي رأيي أن هناك أنظمة وقوانين لكل ما يطرح، يكفي أن نطبقها.
• تقصد من دون أخذها إلى الإعلام؟ ـ لا مانع من أخذها إلى الإعلام، ولكن لا بد أن تُطبّق القوانين، وحينها فإن حملات كالتي ذكرتها على التجميل وغيره كان من المفترض أن تُنفذ ويستمر تنفيذها من أجل توفير نوع من الحماية للمستهلك، وهو الأمر الذي نحن نؤيده ولسنا ضده.
• تزايدت «القنابل الموقوتة» على طاولة مجلس الوزراء وسط واقع سياسي مأزوم في البلاد (خليوي، الفساد الغذائي) واعتراف رئيس الحكومة بأنها تعمل بنصف انتاجيتها...هل تخشون انهيار الحكومة؟ ـ تعلمون أنه في السياسة، إذا كان المطلوب انفجار الحكومة فبالإمكان إيجاد موضوع صغير ليفجّرها. وإذا كان هناك اتفاق سياسي على بقائها كضمانة للاتفاق الأمني فإن ذلك يمنع انفجارها انطلاقاً من أي ملف، ولو كان هناك توتر تحت عناوين عدة كالخليوي او سواه.
• كلما تمادى المأزق السياسي والدستوري في البلد وكبرت المشكلة، تتحول الحكومة ساحة تصفية حسابات سياسية. هل هناك محاذير من تأثير ذلك؟ ـ المحاذير تأتي من مسألة رئاسة الجمهورية التي توجِد نوعا من الشلل. ومع الشلل، فإن الحكومة عملياً لا تستطيع العمل دستورياً. إذ بعدما تعذّر انتخاب رئيس جديد، لم نعد نعاني من وجود فريق يملك «ثلثاً معطلاً» على سبيل المثال ولديه نوع من «الفيتو» وهو الأمر الخارج عن الدستور وحتى عن الميثاق، اذ أصبح الآن كل وزير يملك حق «الفيتو»، وهذا الأمر يؤثر بالطبع على إنتاجية الحكومة وفاعليتها وهو جزء من المشكلة.
• حذّر وزير الداخلية نهاد المشنوق من دخول لبنان مرحلة فيها وضع أمني هو الأخطر مقارنة مع ما يجري في المنطقة، ولا سيما مع دخول المحكمة الدولية منعطفاً جديداً مع انطلاق شهادات حول الظروف السياسية التي رافقت اغتيال الرئيس رفيق الحريري...هل تشاطرون المشنوق مخاوفه، هل تطمئنون السياح؟ ـ لا أعتقد أن وزير الداخلية حذّر بهذا الشكل. هو يتحدث عن الهواجس، ولكن عملياً فإن الأجهزة الأمنية تعمل بفعالية لم تحصل سابقاً في لبنان، والنتيجة تظهر في كل لبنان، حيث ان تقويم الأمن فيه ليس سيئاً على الإطلاق. وفي رأيي الشخصي، لا أعتبر أن المحكمة الدولية، في ظل الحرب في سورية والعراق، هي التي تغيّر الاتفاق الأمني أو الإستراتيجي الذي حصل على الصعيد الداخلي وأنتج الحكومة الحالية. فهذا الاتفاق يمكن أن يهتزّ في مرحلة ما ولكن بفعل عوامل أخرى. قد يكون هناك توتر، لكن المحكمة الدولية التي ما زالت تحتل اولوية بالغة الاهمية بالنسبة الى الشعب اللبناني لجهة دورها في الاقتصاص من مرتكبي جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري وسائر الجرائم المتصلة، عادت الى الواجهة في غمرة انهماك المنطقة بملفات بالغة الخطورة، مع ملاحظة وجود بعض الإشارات التي تدل على أن هناك سعياً حقيقياً لايجاد حل للأزمة السورية يشمل مصير الرئيس بشار الأسد الذي بات يشكل عبئاً على سورية، والذي كان لافتاً انه رُبط أيضاً بشكل أو بآخر بالمحكمة الدولية.
بعض الدول تفرض حظراً على سفر رعاياها إلى لبنان بين الحين والآخر، ولا سيما مع اشتداد الاضطرابات الأمنية وازدياد الاحتقان السياسي. لكن ذلك لا يحول دون «تسرّب» سياح من تلك الدول إليه، ليشهدوا على حب الحياة في بلاد تعافت بعد كل حرب ونفضت عنها الدمار والرماد.
السمعة الطيبة للبلاد وأهلها، يقفز فوقها الحدث الأمني ليفزع السياح ويبعثرهم في اتجاهات أخرى، ويلاقيه أخيراً «بعبع» الغذاء مع إطلاق وزير الصحة وائل ابو فاعور حملة للحفاظ على الأمن الغذائي «يعري» فيها المطاعم والمحلات التجارية والمسالخ التي تبيع المستهلك غذاء غير مطابق لمعايير الجودة، الأمر الذي رفع إزاءه وزير السياحة ميشال فرعون الصوت مخافة استغلال الملف للتشهير ما يصيب بالعمق القطاع السياحي الذي يتكئ عليه الاقتصاد اللبناني بصورة كبيرة، وهو الذي يعتبر ان الحركة السياحية الخليجية العائدة الى لبنان أساسها الكويت.
«الراي» التقت فرعون في مقر الوزارة وأجرت معه حواراً حول السياحة انطلاقا من السياسة هنا نصه:
• حلّ عيد الاستقلال في 22 نوفمبر ولبنان بلا رئيس للجمهورية، فألغي احتفال السنوي. هذا في الشكل؛ في المضمون ماذا يعني حلول الاستقلال بلا رئيس؟ هذا الأمر يعني «حزناً دستورياً سياسياً ميثاقياً» لا نريد تحويله حزناً وطنياً لأن الحزن يكون عند زوال الأمل. نحن في حال استياء إزاء واقع بلغناه بعدما اختار البعض حرف معركة رئاسة الجمهورية عن مسارها الديموقراطي من خلال أسلوب التعطيل الذي يعطّل عملياً الدولة ويهدد مرتكزاتها، مستنداً في ذلك الى آلية للانتخاب نص عليها الدستور ولم يُقصد بها تحويلها آلة تعطيل للنظام انطلاقاً من تفريغ موقع رئاسة الجمهورية. لكن في النهاية يبقى الأمل موجوداً، لأننا لا نزال نعمل تحت سقف الدستور ولأن هناك تفاهماً بالحد الأدنى على توفير استقرار أمني ودعم الجيش والقوى الامنية في القيام بمهماتها ولان هناك حكومة ما زالت قادرة على الإدارة ولو أن الشلل يصيبها بسبب الفراغ الرئاسي، ولأن هناك مجتمعاً مدنياً حيوياً جداً ما زال يعكس كل يوم إبداع اللبنانيين بشكل عام. على ان الاستياء هو أيضاً هاجس يكبر باستمرار الفراغ، لأن الاستقرار السياسي والانضباط الأمني لا يُحصن إلا عبر انتخاب رئيس للجمهورية.
• من لا جلسة إلى لا جلسة، يمر على تعطيل الانتخابات الرئاسية نحو ستة أشهر. كيف يمكن الخروج من هذا المأزق، هل هناك معطيات. ومَن يتحمل مسؤولية هذا التعطيل؟ ـ بعد مؤتمرين لدعم لبنان ومؤتمر لدعم الجيش اللبناني، توافر ما يشبه المظلّة الخارجية والداخلية التي أتاحت وضع خطة أمنية نجحت في طرابلس وبدأ تنفيذها أخيراً في البقاع. وهذا المناخ كان له أثر على السياحة بمجيء إخوتنا الكويتيين إلى لبنان الصيف الماضي. لكن هذه المظلّة كانت أيضاً رسالة الى اللبنانيين بأن المجتمع الدولي يشجعنا على انتخاب رئيس، وبأنه سيدعم لبنان بغض النظر عن هوية الرئيس المنتخب. ولكن باستمرار التعطيل والعراقيل من فريق الثامن من آذار، بات من الواضح أننا لم نغتنم الفرصة التي كانت متاحة لنا بـ «لبننة» الاستحقاق الرئاسي والوصول عبر جلسات متتالية إلى انتخاب رئيس، وهو ما جعل هذا الاستحقاق يرتبط بالظروف والمعطيات الخارجية، بمعنى أن البعض فضّل ربط الانتخابات الرئاسية بسلة عربية إقليمية ودولية، وتم الفصل بين الاتفاق على الأمن والخطة الأمنية وبين الملف السياسي الرئاسي الذي جرى للأسف ربطه بالسلّة السياسية الخارجية التي تبدأ بالاتفاق النووي الايراني وتمرّ باليمن والعراق وسورية، وآمل ألا تصل إلى أوكرانيا.
• في ما يتعلق بالسياسة والسياحة معاً، تحاول ضخ الكثير من الإيجابية في إظهار محاسن الواقع السياحي اللبناني، رغم الظروف السياسية والأمنية والنزوح السوري وقطع الطرق. ما المعطيات التي تستند اليها؟ ـ الحكومة وُلدت نتيجة رغبة داخلية وخارجية بحماية الأمن في لبنان وايضاً في تفادي خطر الفراغ الرئاسي الذي وقع للأسف في ما بعد. ونحن استندنا الى المناخ الذي عبّرت عنه الخطة الامنية التي تم وضعها للقول ان بالإمكان استعادة الحركة السياحية، وهكذا حصل عملياً. فالحكومة تشكّلت في فبراير، ووضعت الخطة الأمنية في مارس فحُلت بين مارس وأبريل كل المشاكل ومن ثم رُفع الحظر رغم عدم الاعلان عن ذلك، وهو كان نتيجة سوء تفاهم بين دول خليجية والحكومة السابقة وتدهور سياسي وأمني واقتصادي في عهد تلك الحكومة تَرافق مع جو داخلي متوتر ومرتبط بدوره بالأزمة الإقليمية. عندما تم الاتفاق الأمني، اعتبرنا أنه باتت هناك إمكانية للسياحة ورفْع الحظر، ومرّ شهرا مايو ويونيو حيث عُلّقت آمال كبيرة على موسم اصطياف ناجح. لكن أول ما أثّر هو تفجير احد الارهابيين نفسه داخل غرفته في احد فنادق الروشة في يونيو الماضي، وحينها كانت نسبة الإشغال في الفنادق تراوح بين 95 ومئة في المئة. ونظراً لكون الإعلام في لبنان كما في الكويت حرّاً، ورغم أن هذا التفجير أعتبره نجاحاً للقوى الأمنية التي طوّقت الإرهابي ما اضطره لتفجير نفسه، فإن طريقة إثارة هذا التفجير في الإعلام أوجدت جواً من التوتر، فهرب السائح لمدة أسبوعين وثلاثة. ثم جاء شهر رمضان المبارك، فعاد بعض السياح في شهر أغسطس. وبعدها سلط الإعلام الضوء على أحداث عرسال التي اندلعت في 2 اغسطس، علماً أن عرسال بعيدة، وقد شهد هذا الشهر حركة قوية للمهرجانات والنشاطات السياحية المتنوعة من ضمن الحملة التي أسميناها live love Lebanon ـ لبنان الحياة. وبرزت تبعاً لذلك ازدواجية بين مسار دعم الجيش اللبناني والدفاع عن الحدود والسيادة في وجه مَن يستهدف شبابنا وجيشنا ورفض الظلم والظلام والديكتاتورية وربط لبنان بالخارج ورفض تنظيمات ارهابية كـ «داعش» وغيرها، ومسار آخر كان ينطلق بالزخم نفسه ويقوم على رفض الاستسلام للأمر الواقع والتهديد وعلى حب الحياة والتمسك بالحرية والديموقراطية وبالمبادئ والتقاليد والحضارة والفن والتراث. وهذا الأمر نجح. فالمساران ناجحان إلى اليوم، وبالإضافة إلى ذلك كان الوضع آمناً في الداخل، ولذا فإن مَن يعرفون لبنان واتصلوا بأصدقائهم هنا جاؤوا لأنهم أدركوا أن الوضع آمن وقضوا صيفاً حيوياً. وفي شهريْ سبتمبر وأكتوبر اللذين تخللهما عيد (الأضحى) لاحظوا وجود حركة بالرغم من التهديدات.
• تسلّمتَ وزارة السياحة، فيما كانت مجموعة من الدول الخليجية تضع حظراً على سفر رعاياها إلى لبنان. بعد أشهر من الجهود التي بذلتها، كيف أصبحت العلاقة مع هذه الدول؟ ـ علاقة الحكومة مع دول الخليج جيدة جداً، وفي شهر يونيو عادت «الرِجل» بقوّة. لكن «الرِجل» التقليدية على لبنان لم تعد، للأسباب التي ذكرتُها، باستثناء أصدقائنا الكويتيين، لكن جزءاً منهم لم يتمكن من المجيء براً بسبب الأوضاع في سورية، غير أن الحركة عادت. ونذكر حركة جديدة في هذا الإطار من العراق ومصر والأردن إلى لبنان. ومن ناحية الخليج، يمكننا القول ان الحركة التي عادت كانت أساسها الكويت.
• في موضوع الأمن الغذائي، لماذا اتخذتم موقفاً سلبياً من الحملة التي أطلقها وزير الصحة وائل أبو فاعور؟ ـ أبداً. نحن لم نتخذ موقفاً سلبياً، بل صوّبنا الأمور وقلنا ان هذا الموضوع يعنينا. فكانت لدينا بعض الملاحظات في الشكل، اولاً لجهة العنوان ليبقى «سلامة الغذاء» فلا يؤخذ الملف الى السياسة ككثير من المواضيع في لبنان التي توضع تحت عنوان الفساد وغير الفساد. وسبق ان قلنا انه اذا كان هناك فاسد في القطاع الخاص فمن المؤكد أن هناك فاسدا أكبر في القطاع العام يدعمه ويؤمن له الغطاء. والقطاع السياحي في لبنان يؤمن 10 أو 20 في المئة من الناتج المحلي وليس فاسداً وعلينا ان نقف الى جانبه ولن نغطي أحداً يمس بصحة المواطن وفي الوقت نفسه هدفنا عدم تحميل قطاع سياحي برمّته مسؤولية ثغر هنا او هناك. ونحن كقطاع سياحي لسنا مسؤولين عن سلامة الغذاء، بل على العكس فنحن نريد التشدد في هذا الموضوع. وحين سمعنا أن المراقبة لم تكن على المستوى المطلوب سألنا عن خلفية هذا الكلام، فتبين أن سببه ان جزءاً منه مردّه ان أخذ العينات لم يتم بطريقة دقيقة وصحيحة، وتالياً لابد من تطوير الأنظمة في هذا المجال. أما المسألة الأخرى، فهي أن في الإحصاءات التي أصدرتها وزارة الصحة، تبيّن أن حالات التسمم الغذائي هي الأدنى في المنطقة، فوجدنا تناقضاً وأردنا التأكد كي نعرف حقيقة ما يجري وليس عبر الإعلام فقط بما أننا بتنا معنيين بالأمر. وهذا كان موقفنا، بأنه لا يكفي لنحكم على هذا الموضوع ان نكتفي بما يذاع عبر الإعلام، بل نريد منع أي تشهير إذا وجد لا سمح الله. ونحن أيّدنا بالتأكيد شجاعة الوزير ابو فاعور في طرح الأمور والشفافية، ونحن أكثر مَن له مصلحة في الشفافية، ولكن في الوقت نفسه نريد أن يتم تنسيق كي تتحقق شفافية تضمن من جهة عدم «لفلفة» الموضوع، وعدم إعطائه حجماً أكبر من حجمه أو وقوع ظلم من جهة أخرى. فبعض الأمور التي حكي عنها موجودة في كل البلدان، لكن الطريقة التي تم تظهيرها بها أمام الرأي العام تسببت بإرباك.
• من الواضح أن الوزير أبو فاعور ماض قدماً في هذه الحملة، فبعد المطاعم والمياه اتجه إلى مراكز التجميل ويبدو أنه سيمر على موضوع المزارع. هل تم التفاهم على طريقة عمل مشتركة؟ ـ أولاً، إن وزارة الصحة تقوم بواجبها، فالطمأنة والضمانات تكون حين تقوم المؤسسات بعملها. وفي رأيي أن هناك أنظمة وقوانين لكل ما يطرح، يكفي أن نطبقها.
• تقصد من دون أخذها إلى الإعلام؟ ـ لا مانع من أخذها إلى الإعلام، ولكن لا بد أن تُطبّق القوانين، وحينها فإن حملات كالتي ذكرتها على التجميل وغيره كان من المفترض أن تُنفذ ويستمر تنفيذها من أجل توفير نوع من الحماية للمستهلك، وهو الأمر الذي نحن نؤيده ولسنا ضده.
• تزايدت «القنابل الموقوتة» على طاولة مجلس الوزراء وسط واقع سياسي مأزوم في البلاد (خليوي، الفساد الغذائي) واعتراف رئيس الحكومة بأنها تعمل بنصف انتاجيتها...هل تخشون انهيار الحكومة؟ ـ تعلمون أنه في السياسة، إذا كان المطلوب انفجار الحكومة فبالإمكان إيجاد موضوع صغير ليفجّرها. وإذا كان هناك اتفاق سياسي على بقائها كضمانة للاتفاق الأمني فإن ذلك يمنع انفجارها انطلاقاً من أي ملف، ولو كان هناك توتر تحت عناوين عدة كالخليوي او سواه.
• كلما تمادى المأزق السياسي والدستوري في البلد وكبرت المشكلة، تتحول الحكومة ساحة تصفية حسابات سياسية. هل هناك محاذير من تأثير ذلك؟ ـ المحاذير تأتي من مسألة رئاسة الجمهورية التي توجِد نوعا من الشلل. ومع الشلل، فإن الحكومة عملياً لا تستطيع العمل دستورياً. إذ بعدما تعذّر انتخاب رئيس جديد، لم نعد نعاني من وجود فريق يملك «ثلثاً معطلاً» على سبيل المثال ولديه نوع من «الفيتو» وهو الأمر الخارج عن الدستور وحتى عن الميثاق، اذ أصبح الآن كل وزير يملك حق «الفيتو»، وهذا الأمر يؤثر بالطبع على إنتاجية الحكومة وفاعليتها وهو جزء من المشكلة.
• حذّر وزير الداخلية نهاد المشنوق من دخول لبنان مرحلة فيها وضع أمني هو الأخطر مقارنة مع ما يجري في المنطقة، ولا سيما مع دخول المحكمة الدولية منعطفاً جديداً مع انطلاق شهادات حول الظروف السياسية التي رافقت اغتيال الرئيس رفيق الحريري...هل تشاطرون المشنوق مخاوفه، هل تطمئنون السياح؟ ـ لا أعتقد أن وزير الداخلية حذّر بهذا الشكل. هو يتحدث عن الهواجس، ولكن عملياً فإن الأجهزة الأمنية تعمل بفعالية لم تحصل سابقاً في لبنان، والنتيجة تظهر في كل لبنان، حيث ان تقويم الأمن فيه ليس سيئاً على الإطلاق. وفي رأيي الشخصي، لا أعتبر أن المحكمة الدولية، في ظل الحرب في سورية والعراق، هي التي تغيّر الاتفاق الأمني أو الإستراتيجي الذي حصل على الصعيد الداخلي وأنتج الحكومة الحالية. فهذا الاتفاق يمكن أن يهتزّ في مرحلة ما ولكن بفعل عوامل أخرى. قد يكون هناك توتر، لكن المحكمة الدولية التي ما زالت تحتل اولوية بالغة الاهمية بالنسبة الى الشعب اللبناني لجهة دورها في الاقتصاص من مرتكبي جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري وسائر الجرائم المتصلة، عادت الى الواجهة في غمرة انهماك المنطقة بملفات بالغة الخطورة، مع ملاحظة وجود بعض الإشارات التي تدل على أن هناك سعياً حقيقياً لايجاد حل للأزمة السورية يشمل مصير الرئيس بشار الأسد الذي بات يشكل عبئاً على سورية، والذي كان لافتاً انه رُبط أيضاً بشكل أو بآخر بالمحكمة الدولية.