أكد أن «الراي» تبقى «ذكرى إيجابية جداً في حياتي ولن أنساها»

حوار / كريم ثابت: الكتابة «فيروس» إيجابي ... يسري في دمي ويجعلني سعيداً

تصغير
تكبير
• كتابي «لطشات سياسية» يتحدث عن عدم تبدّل الأوضاع في لبنان ... فالقوى الخارجية تلعب بنا كما فعل الإنكليز والعثمانيون

• 3 عوامل استثارت ميلي للكتابة ... الجو العائلي وعملي في مناخ الصحافة وحبي للكتابة

• نادم أنني لا أكتب بالعربية ... طُرح عليّ ترجمة كتابي إلى «لغة الضاد» وقد أعهد بذلك إلى أحدهم

• أمور كثيرة من الماضي تفسّر ما نعيشه في الحاضر وموضوع كتابي الجديد هو حقيقة تاريخية قلّة تحدثوا عنها

• لا أريد تحويل الكتابة إلى عملية تجارية ولن أقوم بأي دعاية أو إعلان ... فالكتابة ليست «بزنس»

• طويتُ صفحة عملي في الإعلانات لأنقطع للكتابة وليس لإنجاز كتاب والجلوس في المنزل

• أغار من الكتّاب الذين يحيون في مدن كبيرة وراقية لأنهم يعيشون في بيئة تساعد على الإبداع
ألا تحب أمراً ما لا يعني أنك تكرهه. تقتنع به في البداية ثم تعتاد عليه وتنغمس فيه. تصالحه لتتصالح مع ذاتك، وتكمل المسير. لكن السعادة في المقلب الآخر، فحيث يكمن الشغف تحلّق الروح وتعلو إلى أقصى فضاء الطموح.

الزميل السابق في جريدة «الراي» كريم ثابت اتخذ القرار. لم يتردّد قبله، أو يتراجع من بعده. لم يشأ أن يندم يوماً على تقصيرٍ تجاه الذات أو تبديدٍ لموهبة لطالما تفجّرت داخله منذ الصغر لكنه واظب على كظمها. فهو الذي تنقّل بين بلدان ستة ليعمل في حقل الدعاية، وتبوأ آخراً مركز المدير العام لشركة «الراي» العالمية للتسويق والإعلان (ريما)، ترك هذا «الكار» الذي يعرف من أصوله ما ظهر وما بطن. عاكَسَ القدر، الذي أخذ من سنوات حياته 24 عاماً أمضاها في عملٍ برع فيه دون أن يحبه. طوى صفحة الماضي، واستهل أخرى خاطّاً فيها بالفرنسية باكورة أعماله الروائية «Les muriers de la tourmente».

«الراي» التي زارها ثابت في مكتبها في بيروت، اكد ان لها ذكرى في وجدانه ستظلّ إيجابية ناصعة. لكنه تحدث بفرح وحماسة عن استقالته من كل مجال الإعلانات، وبسعادة بالغة عن انصرافه للكتابة، كاشفاً عن مضمون كتابه الذي توزّعت أحداثه بين فرنسا وجبل لبنان في كادر زمني غني بالأحداث السياسية والاجتماعية في البلدين.

والكتاب الذي لم يخلُ من الحب والكراهية، الرفاهية والشقاء، الربح والخسارة، غمز من خلاله تابت إلى حال لبنان، والتدخلات الأجنبية المستمرة في شؤونه منذ القرن الثامن العشر وحتى يومنا هذا.

في السطور التالية حوار يقدم غيضاً من فيض عن كتاب كريم ثابت، وعن زميل قديم وكاتب جديد يستهل مسيرة أخرى بتفاؤل غامر:

•من الدعاية إلى الرواية، هل نحن أمام مشروع ترويجي آخر بوسائل أخرى؟

ـ أنا درستُ التاريخ في الجامعة الأميركية في بيروت ثم تابعتُ دراستي في هذا المجال في جامعة أوكسفورد، حيث كتبتُ أطروحتي عن التركيبة السياسية في جبل لبنان في القرنين الثامن والتاسع عشر، ومنذ ذلك الحين وددتُ أن أكتب. لا أعلم ماذا أكتب، ولكنني أردتُ بشدة الكتابة.

وحين تخرجتُ، عدت إلى لبنان ودرّستُ بين عاميْ 1980 و1981 في الجامعة الأميركية. لكنني لم أحبّ العمل في هذا المجال، وخصوصاً أننا كنا في ذلك الوقت في خضمّ الحرب والمشاكل، وكنت كلما قلتُ كلاماً لا يعجب أحد الطلاب يعلو صراخه مستنكراً ومهدداً. وحيث أن أبي كان نائب رئيس الجامعة، نبّهني إلى أننا لسنا في أوكسفورد بل في بيروت الغارقة في الحرب. فاستغربتُ كيف لا يمكن للمرء الإدلاء برأيه في الجامعة، أياً يكن رأيه، وما الذي يبقى عندئذ من البلد. فأجابني: هكذا هي الحال!.

أخي عرض عليّ العمل معه في مكتب إعلانات لبضعة أشهر في مجال حقوق التأليف، ولا سيما أنني طليقٌ بالإنكليزية. فوافقتُ، ودخلتُ هذا المجال وأعجبني العمل فيه، إذ وجدتُ فيه الكثير من الإبداع.

• لأنه متعلق بالكتابة؟

ـ نعم، الكتابة الإعلانية. ثم ما لبثتُ أن أحببت الحقل الإعلاني، وتبوأتُ مع مرور الوقت مركز مدير المكتب في السعودية. بدأ الأمر على أساس ثلاثة أشهر، غير أنني عملت في هذه المهنة لمدة أربع وعشرين عاماً. عشتُ في السعودية، الكويت، قبرص، كندا ونلت جنسيتها. وكنت كلما زرتُ بلداً جديداً في إطار العمل مع شركة إعلانات، كنت أقول لنفسي «حسناً».. ولكن يوماً ما عليّ أن أتوقف.

وفي المرحلة الأخيرة، كنت أعمل مع «الراي» في الكويت، حيث كنت مديرعام التسويق والمبيعات للجريدة والتلفزيون. وهذا عمل كنت أحبه، لكنني مللت. فأخبرتُ السيد جاسم بودي رئيس مجلس ادارة مجموعة «الراي» الاعلامية، وهو شخص مثقف واعتبره ظاهرة اعلامية، عن رغبتي في الكتابة، فتفهّم الوضع لكنه لم يطلب مني المغادرة، على العكس فالعمل كان جيداً. وكذلك الامر حين استشرت صديقي نائب رئيس تحرير «الراي» علي الرز الذي شجعني على الكتابة وعلى البقاء في الوقت نفسه لكنني في يوم من الأيام قلت لنفسي، «كفى لقد مللت». حان الوقت لأفعلها، فأطلعت القيّمين على المؤسسة عن نيتي الرحيل، عازياً ذلك إلى أن الحياة عبارة عن عدد من الفصول، وأنا وصلتُ إلى الفصل حيث يفترض بي أن أقلب الصفحة وأبدأ أمراً جديداً.

ميلان كونديرا، قال ذات يوم: «مرة ليست في الحسبان، مرة هي أبداً.. الا تستطيع العيش إلا حياة واحدة كأنك لم تعش البتة»... ما يعني أن على المرء عدم الخوف من الإقدام على التجربة، وإلا سيندم لاحقاً. فإذا ما فشلتَ، يكفيك أنك حاولت، ولكن إن لم تجرب فستظل كل العمر نادماً.

أردتُ أن أجرّب إذا كنتُ فعلاً قادراً على فعلها، فعدت إلى لبنان في التاسع والعشرين من مارس 2013. وشرعت في الرابع من ابريل في الكتابة. كانت الفكرة في رأسي، من دون أن أمتلك التفاصيل عنها؛ لم أضع أي تصميم للكتاب. كل ما فعلته هو الكتابة يومياً لساعات طويلة. ومع الوقت كان ما يشبه النوافذ ينفتح فأدخلها. ومع الوقت كبرت القصة، حتى تحولت إلى «بازل» رحتُ أركّبها.

الكتاب تطلب 15 شهراً من العمل، قضيت نحو خمسة منها في البحث، ولا سيما أنه يستند في شق بالغ منه على التاريخ الذي لا يمكن مغالطته. فالأمير بشير، الخديوي المصري، نابليون بونابرت شخصيات عاشت فعلاً، وأثّرت في تاريخ بلادنا. لذا فإن الكتاب إن شئتِ يحتوي على حقائق تاريخية ومن حولها حِكْتُ روايتي.

• هل استثار العمل في «الراي» رغبتك في الكتابة، بعد مخالطة الكتّاب الصحافيين والعمل في أجواء الورقة والقلم؟

ـ بالتأكيد، أثّر هذا الموضوع فيّ، والزملاء في «الراي» شجعوني. حيث قلتُ للأستاذ علي الرز انني أود أن أقوم بأمرين: الكتابة ودخول الجامعة لنيل دكتوراه أخرى، فنصحني بالتركيز على الكتابة. وهو كان محقاً، فلو قمتُ بالأمرين لَضِعتُ، وخسرتُ التركيز. عندما أنهيت كتابي هنأني، قائلا: «أنت تجرأتَ ونحن لم نجرؤ، وقد وصلتَ إلى مبتغاك».

إلى جانب تأثري بالعمل مع الصحافة، فأنا أنحدر أيضاً من عائلة أكاديمية. فجدي كان رئيس تحرير جريدة المقطم في مصر، بعدما هاجر إليها. وأبي أيضاً أكاديمي، فهو عمل أستاذاً في الجامعة قبل أن يصبح نائباً لمديرها.

إذاً أنا ولدت وكبرت في هذا الجو الذي أحبه. ولطالما كنت مهتماً بشراء الكتب وجمعها، ففي بيتي مكتبة اليوم تضم نحو أربعة آلاف كتاب. وكلما قرأت أرى مدى حاجتي لقراءة المزيد.

من هنا أعتبر أن عوامل ثلاثة استثارت ميلي للكتابة وهي: ولادتي في هذا الجو العائلي، عملي في جو الصحافة وحبي للكتابة، فـ «الفايروس» كان موجوداً في داخلي وينتظر الإذن للخروج؛ كانت مسألة قرار ووقت وبعض الشجاعة.

البعض قال لي «أنت مجنون»، كيف تترك مهنتك وأنت اليوم في قمتها؟«شعرتُ بأن بلوغ السعادة الداخلية يتحقق بالتغيير. ومنذ ان شرعت بالكتابة، قال لي كثير من معارفي أنني تغيّرتُ وصرت واسع الأفق أكثر.. استكنت.

• لماذا اتجهتَ للكتابة بالفرنسية؟

ـ أنا أفكر بالفرنسية لأنني خريج مدرسة فرنسية منذ صف الحضانة إلى الثالث ثانوي، ومن قبلي والدي ومن بعدي أولادي. وأنا أحب الفرنسية، فهي لغة غنية وتمكّنني من التعبير عن نفسي بكل حرية. أنا أتحدث الإنكليزية وأكتبها، لكنني لا أشعر بها. وفي العربية لغتي سيئة، لأنهم لم يعلّمونا حبّها.

• هل هي مسؤولية الأهل أم المدرسة؟

ـ الإثنان معاً. ففي البيت لم نكن نتكلم العربية إلا في ما ندر. وفي المدرسة أيضاً، إذ كنا نُعاقب في حال تكلمنا العربية. اللغة العربية صعبة جداً وغنية في الوقت نفسه، وطريقة تعليمها خاطئة وتقليدية، وكأنها تمنعك من حبها. أعتقد أن هناك جهلاً لطريقة تسويق اللغة العربية بطريقة إبداعية تدفع الناس إلى حبها.

أعلم أن الكتابة بالفرنسية تحدّ من الجمهور وتحصره بالدول الفرنكوفونية، في ما وضْع كتابي بالعربية يخوّله الانتشار من المغرب إلى عمان. إلا أنني لا أرتاح إلا عند الكتابة بالفرنسية؛ فأنا أحب الثقافة الفرنسية وفرنسا التي أعتبرها أم النور ثقافياً. واحدة من الأمور التي أندم عليها هي أنني لا أكتب بالعربية. طُرح عليّ ترجمة كتابي إلى لغة الضاد، وقد أعهد بذلك إلى أحدهم للقيام بذلك.

• اخترتَ صورة فوتوغرافية لمنطقة جبلية كغلاف للكتاب، فيما المتعارف عليه هو اختيار رسومات. هل اتجهتَ نحو هذا الخيار لأن دير القمر تعدّ من البلدات القليلة في لبنان التي ما زالت تحتفظ بتراثها وبقيت طبيعتها بكراً وتالياً هي تشبه ما كانت عليه في الإطار الزمني للرواية؟

ـ أؤمن بأن ما من فعل نقوم به إلا وله سبب وضرورة في مكان ما. أقول ذلك، لأن هذه الصورة التقطتها عبر هاتفي الجوال خلال زيارتي لإحدى ضيع الشوف على متن دراجتي النارية التي أعشق قيادتها.

بعد إنجازي الكتاب، أردتُ اختيار غلاف له يعبّر عن مضمونه، ففكرتُ في انتقاء صورة لعمّال الحرير في فرنسا ولم أجد ما أعتبره جميلاً. فنصحني الناشر باختيار صورة من لبنان، فوقَعتُ على تلك الصورة في هاتفي صدفة. ابنتي ديان سألتني لماذا لا أستخدمها كغلاف، فعملتُ على تنقيتها وجعلها أكثر ملاءمة للكتاب. وبقي أنها تخلو من شجرة توت، فأضفنا الأخيرة إليها عبرالفوتوشوب. لقد أثنى الكثيرون على الصورة، مؤكدين أنها تذكّر بلبنان وهنْدسة بيوته في القرن التاسع عشر. وأنا لم أشأ اختيار صورة لدير القمر أو بيت الدين، فأحوّل الغلاف إلى بطاقة بريدية. أردتُ صورة واقعية تلعب فيها الطبيعة دوراً، ولا سيما أن الشخصيات اللبنانية في روايتي عاشت في الطبيعة.

لروايتي الجديدة فكرة لا علاقة لها بلبنان، لكنني أبقيتُ على أبوابٍ مفتوحة في هذه الرواية فلم أقتل شخصياتها جميعاً، بحيث يمكن لهذه الرواية أن تستمر في أعمال مقبلة.

• توزعتْ الأحداث في الرواية في القرن التاسع عشر بين فرنسا وجبل لبنان، حيث امتزج التاريخ السياسي مع البيئة الاجتماعية في البلدين.. وهذا ليس بالأمر السهل. هل يمكن القول انك أردت في تجربتك الأولى اختيار التحدي الأصعب؟

ـ لم أرغب بأمر سهل. أردت أمراً يميزني عن الآخرين. لا يعني ذلك أنني أعتدّ بنفسي، ولكنني أردت إثبات نفسي.

لا تنسي أنني عملت في مجال الإعلانات لسنوات طويلة، وهناك ما يسمى positioning، حيث تعطى خاصية لأمر. وأنا أردت أن أميّز نفسي. الفكرة الأساسية التي راودتني كانت عمّال الحرير الذين قاموا بأول ثورة عمّالية في فرنسا في القرن التاسع عشر. ثم تساءلت كيف يمكنني أن أربط بين هذا الموضوع وبلدي لبنان، الذي كان معروفاً حتى نهاية القرن التاسع عشر بشجر التوت التي فاق عددها ثلاثة ملايين شجرة موزعة بين مناطق المتن وكسروان والشوف، وربما في الجنوب أيضاً. وما زالت الكرخانات موجودة إلى يومنا هذا في عدد من هذه المناطق.

لذا أخذتُ ثورة العمال ـ الحقيقية، واتخذتُ دير القمر في أوائل القرن التاسع عشر، متطرقاً إلى وقائع تاريخية، وقمت بابتكار الشخصيات لأكتب الرواية. لذا فإن هذا الكتاب رواية مستندة إلى وقائع تاريخية، وفيها بولس الذي أرسله ذووه إلى فرنسا لاكتساب تقنيات جديدة في مجال صناعة الحرير لمواكبة تطور العصر. غير أن الأمور لا تجري دائماً كما نتوقعها، ومن هنا تنطلق تطورات القصة.

• بولس الذي توجّه إلى فرنسا لتعلّم هذه التقنيات، يشبه اللبناني الذي يهاجر إلى مجتمعات غريبة فينخرط فيها.. حتى أننا نجده في الرواية يشارك في الثورة ويُسجن ويتزوّج من فرنسية. هل أردتَه النموذج اللبناني العابر للزمن؟

ـ نعم، واللبناني سيظلّ على هذا النحو. لكن الفارق أن في روايتي كان جريس والد بولس يتوقّع عودة ابنه، إذ كان الاولاد ينصاعون للخيار المهني الذي يحدده آباؤهم. فيما بولس قرر أن سبب سعادته لا يكمن في النسيج، بل في عمل مختلف تماماً وهو الدمى المتحركة.

وألفت إلى أن لورون مورغي اخترع غينيول فعلاً، وهو أنجب ابنتاً اسمها روزالي؛ لكنني زوّجتُها من بولس.

• على سيرة بولس، الذي توجه إلى فرنسا لتعلم تقنيات صناعة الحرير لكنه عدل عن غايته وتحول إلى العمل في مجال الدمى المتحركة. هل أردتَ إسقاط تحولك نحو للكتابة على هذه الشخصية؟

ـ كل الشخصيات في الكتاب هي أنا، الجيد والسيىء. فـ جان جاك مجرم ومحتال، وأوغستان مثالي، وبولس واقعي، وجريس يحب الأرض. أعتقد أن المرء حين يكتب يضع جزءاً من شخصيته في كل شخصية يبتكرها. أنا أضع نفسي مكان هؤلاء.

بولس يشبهني من ناحية تبديل قدَره كي لا يصبح عامل نسيج والعودة إلى دير القمر، بل أراد طي الصفحة وأن يفعل ما يشاء. لكن بولس كان في الخامسة والعشرين، وأنا في التاسعة والخمسين، وبالتالي هو أكثر شجاعة مني.

• يتذبذب الخط الدرامي للرواية بين الربح والخسارة، الحب والخيانة، بين الرفاهية والشقاء.. هل أردتَ بتناول الرواية لكل هذه الأمور أن تنال رضى أكبر قدر ممكن من الأذواق؟

ـ لا لم يكن ودي أبداً أن أعجب كل الناس. فأنا أعتقد أنه في حياة كل إنسان هذه التناقضات التي لا تتوقف بين الوفاء والخيانة وبين الحب والكراهية؛ كل هذه الأمور موجودة داخلنا، وإن لم يكن داخلنا فمن حولنا. أعتقد أن القصة واقعية، ونحن نعيشها كل يوم.

• كخبير في الإعلان والدعاية والترويج، كيف يخدمك باعك الطويل في هذا المضمار لترميز أو تبطين السطور لإيصال العبرة من روايتك؟

ـ ساعدتني خبرتي في هذا المضمار في تركيبة الكتاب وفي المقتطفات التي وضعتها في كل قسم، لا أكثر. ربما في الغلاف أيضاً. لكن لا أكثر.

وحين كنتُ أعمل في مجال الإعلانات أكد لي الكثيرون أنه لا يليق بي العمل فيه، بل يليق بي أن أكون محاضراً أو أستاذاً أو محامياً. قالوا لي انني أقوم بعملي بالطريقة المناسبة، لكن شغفه لا يجري بدمي. فعلى مدى أعوام مارست عملاً بطريقة جيدة، ولكنني لم أحبه في أعماقي ولم أكن سعيداً، إذ لطالما شعرتُ بأن هناك شيئاً في داخلي لا يخرج، ولا يجدر بي هدر هذه الرغبة بسبب الخوف أو الكسل أو الرهبة من كلام الناس. لقد رميتُ كل شيء خلفي، وساعدتْني زوجتي وأولادي على القيام بما أحب وأرغب؛ وحين كبر أولادي ولم تعد تثقل كاهلي المسؤوليات، كان القرار وفعلتها. أندم قليلاً لأنني لم أفعلها سابقاً، لكن لا بأس.

• اتخذتَ من مسقط رأسك دير القمر إطاراً جغرافياً لأحداث الرواية، هل أردت بذلك أن يكون عربون محبة ووفاء لبلدتك؟

ـ بالتأكيد، وليس فقط دير القمر، فأنا تحدثتُ عن الشوف وتوقفتً مراراً عند بيت الدين.

وأنا اخترت بلدتي، لأنني أحبها كثيراً، فضلا عن أنني أعرفها جيداً كمعرفتي لجيبي، وأعرف جوّها وناسها وبإمكاني وصفها بطريقة صحيحة. فكل ما سردتُه عن دير القمر موجود ودقيق. علماً ان الكتاب الجديد الذي أعدّه، لا علاقة له بدير القمر ولا لبنان ولا المنطقة، وبالتالي سيكون أصعب. ولكن الموضوع يثير إعجابي.

• هلا حدثتنا عن الكتاب الجديد؟

ـ لا! (يضحك). سيكون رواية تاريخية، تقع أحداثها في القرنين السابع والثامن عشر بين بلدين لن أكشف هويتيهما.

• لماذا تختار تلك الحقبة الزمنية؟

ـ لا أحبّ العصر الحالي، وكثيرون يقولون لي انه يليق بي أن أحيا في القرن التاسع عشر. وأنا أرتاح حين أكتب عن الماضي، ربما يعود ذلك إلى أنني متخصص في التاريخ. هذا فضلاً عن أن أموراً كثيرة من الماضي تفسر ما نعيشه في الحاضر. من هنا فإن موضوع كتابي الجديد هو حقيقة تاريخية، قلة تحدثوا عنها.

• كروائي جدي وجديد في هذا المجال، إلى أي مدى تعتبر أن القراءة ما زالت بحال جيدة، لينمو طموحك في الكتابة ويزدهر؟

ـ لا يمكننا أن نتخذ لبنان مثالاً، فالناس لا يقرأون في لبنان والدول العربية. هم يقرأون الصحف وليس الكتب، في ما الكتاب والجريدة أمران منفصلان، وفي العالم العربي لا ننشأ على حبّ الكتاب. لكن يبقى في ما يتعلق باللغة العربية، أن هناك قرّاء كثيرين، لذا أفكر في نقل كتابي الى العربية في حال لقي أصداء طيبة.

وحين أشاهد ما يحصل في فرنسا على سبيل المثال، عندما تجري La rentrée littéraire في أكتوبر ونوفمبر والجوائز التي يتم توزيعها أرى أهمية القراءة وأبقى متفائلاً جداً. فرغم أن نسبة القراءة تراجعت، إلا أن عدداً كبيراً من الناس ما زالوا يقرأون. فالقراءة لا تموت، بل نوعيتها وطريقتها هي التي تتبدّل. الكتاب لم يعد يباع كما في السابق، من دون أن يعني ذلك زوال القراءة. كثر يقرأون اليوم على الكومبيوتر اللوحي، وكتابي موجود على موقعيْ إي بوك وآمازون.

أنا من جهتي لا أحب القراءة على الآي باد، وأفضل الكتاب لأنه حيّ. له رائحة، مع إمكانية تسجيل الملاحظات الهامشية، بعكس الكومبيوتر اللوحي.

• كخبير في الإعلان، كيف ستسوّق هذا الكتاب، وماذا تتوقع له؟

ـ هذا سؤال صعب، فحين أنجزتُ الكتاب وطبعتُه انفصل عني، ليصبح الحكَم هو القارئ الذي سيعلن اذا كان أعجبه ونفعه.. وعما إذا كان سيكون له مستقبل أم لا، أنا لا اعرف.

ما لمستُه إلى الآن كلمات ظريفة من الأصدقاء، لكنني طلبتُ منهم أن يرشدوني إلى مكامن الخلل في الكتاب لأتعلم من أخطائي. فهذه تجربتي الأولى، وعليّ أن أتنبه لأخطائي كي لا أكررها في الكتب اللاحقة.

أتوقع لكتابي أن ينال إعجاب القرّاء، ولكنني لا أعلم ما هو قدر هذا الإعجاب. مهمتي أن أكتب، ولم أفكر يوماً في أن علي بيع 100 ألف نسخة! وقد أرسلتُ كتابي إلى نحو 15 دار نشر، فنلتُ ثمانية «لا».الناشر الذي نشر روايتي، أحبها وأخبرني أنه سينشرها على نفقته الخاصة.

بعض دور النشر تجبر الكاتب على المساهمة في التكاليف، وأنا أرفض ذلك، لأن هذا الشرط يعني أن الكتاب يتطلب مزيداً من العمل. أما ناشر روايتي، فأخبرني أنه أحبها، وقد عملنا معاً لمدة شهرين لتصويب بعض الأمور فيها، وكان الشهران هما الأجمل في رحلة الكتابة، لأن التعاون فتح لي عينيّ على أمور كثيرة. وأنا لا أريد تحويل الكتابة عملية تجارية، ولن أقوم بأي دعاية أو إعلان فالكتابة ليست بزنس. ويقول الفيلسوف الكبير فولتير:لن تغتني بالكتابة، بل لا بد أن تكون غنياً عند الكتابة. والغنى هنا هو غنى الكلمة والثقافة.

• في الختام، بعد إصدار الكتاب الأول، إلى أين سيقودك طموحك في السنوات المقبلة؟

ـ مشاريعي للمستقبل هي عدم التوقف عن الكتابة. فأنا شرعتُ في الكتاب الثاني، وفي رأسي فكرة لم تختمر بعد لكتاب ثالث.

طويتُ صفحة عملي في الإعلانات لأنقطع للكتابة، وليس لإنجاز كتاب والجلوس في المنزل. Les muriers de la tourmente كانت التجربة الأولى وستتبعها تجارب أخرى، في القصة والرواية والمقالة، ولا أعلم إذا كنت سأنجزها خلال إقامتي في لبنان أم في الخارج؛ فأنا أغار من الكتّاب الذين يحيون في مدن كبيرة وراقية، لأنهم يعيشون في بيئة تساعد على الإبداع. وأنا أشعر كأنني أحلق على متن غيمة، لأنني قمت بأمر أحبه. وعلى كل شخص أن يفعل بالمثل كي لا يندم. الكتابة فيروس إيجابي يسري في دمي، ويجعلني سعيداً دائماً؛ وأنا ضمّنتُ كتابي عبرة بوجوب أن يتبع المرء غريزته وألا يخاف، وهو الأمر الذي عشتُه، إلى جانب إضافتي قصص الحب وعذاب العمال والفلاح اللبناني والتدخل السياسي. وهنا أشير إلى أن في الكتاب لطشات سياسية حول عدم تبدل الأوضاع في لبنان، فالقوى الخارجية ما زالت تلعب بنا كما فعل الإنكليز والعثمانيون في ما مضى، لأننا لا نتفق كلبنانيين. وختاماً تبقى ذكرى «الراي» إيجابية جداً في حياتي ولن أنساها.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي