البعض يعتبرها «وحشاً» والبعض الآخر ... «وهماً»
«المخدرات الرقمية» ... «جرعة تخويف» أم (over) تبسيط؟!
«المخدرات الرقمية» ... إلى أي مدى تشبه المخدرات العادية المعروفة؟!
الذبذبات الموسيقية تؤثر على الدماغ
محمد صعب
... وبعضها يؤدي إلى تعطيل الدماغ بشكل دائم
تأثيرات غير ملموسة للمخدرات الرقمية
• بعض الشباب الأجنبي بعدما شعر بعدم الاكتفاء من هذا النوع اندفع إلى طلب مخدرات تقليدية
• وزير الداخلية الكويتي دعا جمعية «جاد» لإعطاء محاضرة عن المخدرات بحضوره شخصياً
• المجتمع الأميركي استسلم للمخدرات بانتقاله من مكافحتها إلى تنظيمها وسيعتبر المخدرات الرقمية أمراً عادياً
• المؤكدون لوجودها يعتبرون أنها تسبب الإدمان الحقيقي من خلال انسياب النغمات الموسيقية عبر الأذنين لتصل إلى الدماغ فتؤثر على ذبذباته الطبيعية
• البعض يعتبرها مجرّد إدمان سلوكي لعمل ما من دون إمكان التوقف عنه
• الدور التوعوي هو الأهم في محاربتها في ظل عالم الإنترنت اللا محدود
• وزير الداخلية الكويتي دعا جمعية «جاد» لإعطاء محاضرة عن المخدرات بحضوره شخصياً
• المجتمع الأميركي استسلم للمخدرات بانتقاله من مكافحتها إلى تنظيمها وسيعتبر المخدرات الرقمية أمراً عادياً
• المؤكدون لوجودها يعتبرون أنها تسبب الإدمان الحقيقي من خلال انسياب النغمات الموسيقية عبر الأذنين لتصل إلى الدماغ فتؤثر على ذبذباته الطبيعية
• البعض يعتبرها مجرّد إدمان سلوكي لعمل ما من دون إمكان التوقف عنه
• الدور التوعوي هو الأهم في محاربتها في ظل عالم الإنترنت اللا محدود
إشكالية قديمة أعيد طرحها، ضجّت بها وسائل الإعلام ومواقع التواصل الالكتروني، أثارت هلع الأهل وحشرية بعض الشباب واستنفار الجهات المعنية الرسمية والمدنية. كيف لا والأمر يتعلق بمخدر، لكنه ليس من نوع الحشيش والماريجوانا والكوكايين، بل «مخدّرات رقمية» يتمّ تجرُّعها عبر الانترنت تماشياً مع عصر التكنولوجيا وهي موسيقى أو أصوات تُبث عبر الـ mp3 وتتم تقويتها من خلال تردّد النقر بالأذنين أو نغمة رتيبة معينة. اختصاصيون في هذا المجال يؤكدون آثارها السلبية وآخرون ينفون الأمر جملة وتفصيلاً ويعتبرونها «وحشاً وهمياً» نفخ فيه الإعلام، فهل هذا الخطر حقيقي؟
المؤكدون لوجودها يعتبرون ان المخدّرات الرقمية أو Digital Drugs تؤدي الى إدمان حقيقي من خلال انسياب النغمات الموسيقية عبر الأذنين لتصل إلى الدماغ فتؤثر على ذبذباته الطبيعية، وهذا ما أكده رئيس جمعية «جاد» جوزيف حواط لـ «الراي» حيث تساءل «لماذا نشكك بها إذا كانت جميع الدراسات أثبتت أنها موجودة ومضرة، الا إذا كان للبعض مصلحة بعدم محاربتها؟».
هذا النوع من «المخدرات» يتم بيعه عبر الإنترنت، على شكل ملفات صوتية (mp3) تُحمل أولاً بشكل مجاني كعيّنة تجريبية ومن ثم يتم شراؤها. ويشرح حواط «الفارق بين الذبذبات الموسيقية والموسيقى العادية»، ويوضح «نقول ذبذبات موسيقية كونها لم نستطع حتى الآن وصفها بشكل دقيق، اذ ان صوتها عنيف ولا دخل لها بالموسيقى، مع العلم أنني من أكثر الاشخاص الداعمين للعلاج بالموسيقى وقد زرت عدة مراكز دولية في الصين واليابان تعالج مدمني المخدرات من خلال الموسيقى الهادئة، كصوت العصافير والماء».
وعما إذا كان تأثير «المخدّرات الرقميّة» يماثل تأثير بقية أنواع المخدرات أجاب: «كلا بالطبع، هناك فارق، كالفارق عندما نقول أعور وأعمى، فالمخدرات العادية تسبب تبعية نفسية وجسدية بينما الأخرى تسبب فقط تبعية نفسية، الأولى تحتاج إلى طبيب ومستشفى وعلاج أما الثانية فتحتاج فقط إلى طبيب نفسي كما أن الخروج منها أسرع».
وأضاف: «انزعج البعض في لبنان كيف أغلقنا الموقع الالكتروني الذي يبيعها والعمل على بداية قانون يمنعها، فهم يعتبرونها بديلاً عن المخدرات كونها أنظف ولا تحتوي على مواد كيمائية، ويستخدمونها عوض شراء هيرويين مضروب بعظم بقري وكوكايين مضروب بزجاج وطبشور».
يوجد كتاب توجيهات يتضمن القواعد الخاصة بهذا النوع من المخدر يتألف من 40 صفحة يحتوي على جميع المعلومات الخاصة بهذا المخدر وطريقة تعاطيه «أما الادمان على هذا النوع من الموسيقى فيختلف بحسب البنية الجسدية للشخص والكمية والنوعية التي يتعاطاها، فعندما يتعاطى أغنية»اوفر دوز«ليس كمَن يتعاطى أغنية حشيش، بالاضافة الى الفترة الزمنية بين الجرعة والأخرى، فهذه العناصر هي التي تحدد متى يصل الى الإدمان» بحسب حواط الذي أنكر وجود أي حالة إدمان على «المخدرات الرقمية» في لبنان كما تم تداوله عبر وسائل الاعلام.
وختم: «في هذا الموضوع حتى لو تمت محاربته قانونياً وإغلاق المواقع التي تبيعه يبقى دور الأهل من خلال التوعية هو الأهم، فهي خطرة كون باستطاعتها الدخول الى أي منزل من دون القدرة على محاربتها بواسطة القانون لأن عالم الانترنت عالم اللاحدود».
هذه الخشية ترجمها طلب وزير العدل اللبناني، أشرف ريفي، من النيابة العامة العمل على مكافحة «المخدرات الرقمية»، حيث جاء في بيان أنه طلب من النائب العام التمييزي، القاضي سمير حمود، «اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لمكافحة ظاهرة المخدرات الرقمية». وأضاف البيان أن وزير العدل أكد ضرورة حجب المواقع الإلكترونية التي تروج للمخدرات الرقمية، محذرا من أنها تشكل «خطورة على الشباب اللبناني»، و«الأمن الاجتماعي لكل اللبنانيين».
وعلى العكس من ذلك اعتبر المعالج النفسي المتخصّص بشؤون الإدمان لدى الراشدين دكتور جوزف الخوري أن «هذا النوع الذي يسمونه مخدراً لا يتم الحديث عنه الا في لبنان والسعودية وبعض الدول العربية، الأمر الذي يدفع الى وضع علامات استفهام حول هذا الموضوع»، وأضاف: «هناك نظريات منذ العام 1890 تقول انه اذا استمعنا الى درجتين مختلفتين من الترددات الصوتية، من الممكن ان تؤدي الى تأثير على الدماغ، من دون أن يستطيع أي أحد تحديد ماهية هذا التأثير وفيما إذا كان يشبه تأثير المخدرات، ولذلك هذه النظرية طمست من دون أن تتم متابعتها أو تطويرها، فهذا الأمر ليس له ثوابت علمية ويجب ألا يخشى منه».
واضاف الخوري: «تحدث ولد من أوكلاهوما في أميركا العام 2010 عن هذا الموضوع أمام رفاقه وهم يلعبون على البلاي ستيشن، فقاموا بتجربتها ما أثار الذعر لدى أهالي التلاميذ، كُتب عن هذا الموضوع حينها في موقعين الى أن أثارته قناة لبنانية من أسابيع من خلال عرضه في تقرير»، واستطرد: «انا حكيم ادمان تابعت العديد من الحالات في لبنان وأميركا ولم تمرّ عليّ حالة ادمان من هذا النوع، كما أنه لا يوجد أي كتاب طبي ولا مرجع علميا يتحدث عن هذا الامر ولا يوجد موقع على الانترنت تحدث عن هذا الموضوع يمكن أخذه على محمل الجد».
وتابع: «اذا تم اغلاق المواقع في لبنان التي تروّج له، هناك العديد من المواقع الاجنبية التي تضم مثل تلك الملفات، لكن كل مَن جرّبها أخبر أنه لم يشعر سوى بشيء بسيط، مع العلم أن الانسان يستطيع ان يتأثر عاطفياً بموسيقى معينة سواء موسيقى رقص او طرب أو غيرها فما الخطر الزائد؟».
ولفت الى «ان هناك ادماناً على القمار والانترنت لكن مصطلح مخدرات خطأ استعماله في هذه الحالة. وهذا يسمى ادمانا سلوكيا اي عمل نقوم به بشكل دوري من دون امكان التوقف عنه لكن المشكلة لا تكون فيه بل في كيفية التعامل معه».
من جانبه اعتبر الخبير النفساني المحلف لدى المحاكم الدكتور روجيه بخعازي في حديث لـ «الراي» أن «هذا ليس مخدراً، لكنه في محل ما يعطي الشخص نشوة، والنشوة ليست بالضرورة أن تكون مخدراً باختصار هي مخدر بلا مخدر»، واضاف «الاستماع لها يعود الى القيم الاجتماعية والدينية لكل شخص، فهي مسموحة في المجتمعات الغربية لانهم يعتبرونها نشوة، لكن في المجتمعات الشرقية يحظرونها كون لدينا بعض المحرمات».
وشرح انه «لا يمكن للجسم أن يطلب مثل هذا النوع من الموسيقى فالعقل فقط يمكن أن يطلبها اذا اعتاد عليها، اذ يمكن اعتبارها كالحاسوب والهاتف والالعاب التي يتم الاعتياد عليها من خلالهما، حيث يشعر اللاعب بالنشوة عند فوزه لكن الادمان عليها يحتاج وقتاً بحسب الأشخاص كما أن الاقلاع عنها يحتاج الى علاج».
على المتعاطي بحسب ما يتم تداوله الجلوس في غرفة خافتة الإضاءة، وأن يرتدي ثياباً فضفاضة، يضع سماعات، يسترخي ويغمض عينيه ثم يشغل الملف الصوتي، على أن تكون قوة الصوت أقل من 1000 إلى 1500 هيرتز وحينها تقوم المخدرات الرقمية على تزويد السماعات بأصوات تشبه الذبذبات و«هذه الموسيقى كما البوب والهيبي موجودة منذ زمن وهي مرحلة يمر بها الإنسان إما يخرج منها وإما يدخل في عالم آخر كعالم المخدرات والجنس والعوالم الثانية التي تعطيه نشوة» بحسب بخعازي.
ورداً على كل ما اثير حول ملف «المخدرات الرقمية»، قام عدد من الشبان بتصوير مقطع فيديو ساخر تحت عنوان «اول اصابة بالمخدرات الرقمية في لبنان» ونشروه على موقع «يوتيوب»، حيث يُظهِر الفيديو ثلاثة شبان يتصرفون بطريقة هيسترية في تقليد ساخر للاصابات بهذا النوع من المخدر.
مصدر في مكتب مكافحة المخدرات أكد لـ «الراي» أنه «لا يوجد شيء رسمي في هذا الموضوع، وقد نشهد مع الايام مكافحة لهذا النوع الذي يسمونه مخدرا، لكن يجب أن نرى في البداية اذا كان الأمر صحيحاً، وهل هناك ادلة حسية على امكان إدمانها، كما أنه يجب بداية أن يتم ادراجها في قائمة المخدرات ضمن قانون اصول المحاكمات الجزائية الذي نعتمد عليه». وشرح «توجد اليوم أنواع من المخدرات يجرمها القانون، كالحشيش والكوكايين وحبوب الهلوسة في حين أن هناك أنواعاً اخرى لا يجرمها كالسيلفيا والمدواخ رغم الاثبات العلمي على كونها مخدّراً».
مستشار وزير العدل اللبناني روى لـ «الراي» ملابسات قرْعه «ناقوس الخطر»
القاضي صعب فجّر «حرباً استباقية» ضدّ «المخدرات الرقميّة»
| بيروت - من أسرار شبارو |
هو مَن فتح الملف ومَن أثار القضية، هو مَن خشي على الشباب من مخدّر قد يصيبهم في اللاوعي ويهدد بفقدانهم لتوازنهم الجسدي والنفسي. ورغم علامات الاستفهام التي وضعها العديد من المختصين والأطباء النفسيين والجمعيات المدنية، الا انه اتخذ قراره وطرَح الموضوع بعد درسه من جميع جوانبه.
هو المستشار القانوني لوزير العدل اللبناني أشرف ريفي القاضي محمد صعب الذي لفتته الظاهرة الالكترونية الغريبة ففتح النقاش حولها ليس في لبنان وحسب بل في الدول العربية كذلك.
وفي حديث لـ «الراي» أكد صعب أنها «ليست المرة الأولى يثار فيها هذا الموضوع في لبنان، لكن للأسف كل مَن قارَبَ هذا الموضوع إما تعاط معه من منطلق ثورة سريعة أو انه اتخذ موقفاً مسبقاً أو أنه لم يتعمق بواقع المخدرات»، وأضاف: «هذا الموضوع طُرح في الامارات العربية المتحدة وتحديداً في الشارقة وايضاً في السعودية ومصر لكن تمّ طرحه بخجل، باستثناء الشارقة حيث كان الطرح جدياً من قبل نائب مدير الشرطة الذي قام بحملة توعية كبيرة». واستطرد متسائلاً «أما لماذا عاودتُ طرحه اليوم؟ فالسبب يعود الى جواب رئيس جمعية «جاد» (جوزف حوّاط) التي تعمل في مجال مكافحة الادمان داخل لبنان وخارجه منذ أعوام طويلة، اذ عند سؤالي عما اذا كانت مرّت عليه حالات لشباب يتعاطون هذا النوع من المخدر، أبلغني عن وجود حالتين لشابين بمراحل تعاطيهما الأولى وقد عُرضا على معالج نفسي، وعندها رأيتُ أنه يجب التحرك واثارة القضية».
وعن كون فتْح القضية لفت نظر الشباب اليها أجاب: «اذا كان هناك مرض موجود ولا يتم الحديث عنه فهل هذا يلغي وجوده؟ كيف أكتشفه اذا كنتُ لا أعلم عوارضه؟ ربما العوارض موجودة لكن الناس غير منتبهين لها ويعتبرونها أمراً عادياً. ما قمتُ به خطوة استباقية للتوعية». واضاف: «الأشخاص الذين علموا بالموقع علموا كذلك بأضراره، بينما لو تعرفوا عليه من دون معرفة أضراره ومن دون توعية لكان الشباب تورطوا، كما أنه من المفترض إذا كان يوجد خطر لم يتغلغل بعد في مجتمعنا عدم انتظاره كي يتغلغل».
وعما اذا كان يتواصل مع دول عربية تعاني من هذه المشكلة أجاب: «قبل إثارة هذا الموضوع في لبنان كان وزير الداخلية الكويتي الشيخ محمد الخالد قد دعا جمعية «جاد» لاعطاء محاضرة عن المخدرات، وكنت سأقصد الكويت للحديث للمرة الأولى عن هذا النوع من المخدرات، لكن تم تأجيل الأمر بسبب ارتباطات لوزير الداخلية المصرّ على الحضور شخصياً لسماع المحاضرة، حيث تم تأجيل الموعد الى تاريخ يحدد لاحقاً».
صعب تحدث عن متابعته الموضوع حين طُرح على الإعلام الاميركي في العام 2010، وعن الانقسام الذي كان حاصلاً حول ما اذا كان تعاطي المخدرات الرقمية يعطي الشعور نفسه الذي تعطيه المخدرات العادية، اذ اعتبر البعض أنها تعطي الشعور ذاته فيما قال البعض الآخر ان الاحساس الذي يشعر به متعاطوها قريب من المخدرات العادية، لكنهم حسموا الموضوع على أنها مضرّة رغم الاختلاف على مقدار الضرر.
ويوضح القاضي صعب ان «بعض الشباب الأجنبي الذين تعاطوا هذا النوع من المخدرات، وبعدما وصلوا الى مرحلة شعروا بعدم الاكتفاء منها، اندفعوا الى طلب مخدرات تقليدية واستطاعوا الوصول اليها عبر الموقع نفسه بوسائل غير ظاهرة، ما يؤكد أنه في الظاهر يتم الترويج لمخدرات رقمية، لكن الترويج في الواقع هو للمخدرات التقليدية».
الموقع ( i-doser) لا يزال يعمل في أميركا أما السبب في رأي صعب فيعود إلى كون هذا البلد «فشل في مكافحة المخدرات رغم صرف أموال طائلة، ما أدى الى انقلاب في السياسة الأميركية من مكافحته الى تنظيمه، اي بدل صرف أموال لمكافحته تحصيل المال عند تنظيمه، وهذا ما حصل. وقد تحققت اول خطوة في أوائل هذا العام مع تشريع ولاية كولولاردو الماريجونا محتفلة بـ «الأربعاء الأخضر» الذي بيعت فيه الماريجوانا للمرة الاولى في 136 متجراً، كما هناك 21 ولاية في واشنطن على السكة. هذا المجتمع استسلم للمخدرات وسيعتبر المخدرات الرقمية امراً عادياً».
وتساءل «مَن أنشأ هذا الموقع؟ ولماذا تمت تسمية الملفات التي يتم تحميلها من خلاله بأسماء المخدرات، في حين كان بإمكانهم خداع الناس بتسميات أخرى، وهذا يعني أنهم يعملون على تكريس هذه التسميات». واضاف: «بعيداً عن ذلك، فإن تسمية اي منتج بأسماء المخدرات يعني الترويج لها (...) وهذا الموقع سيتم اغلاقه في لبنان خلال ايام بعد طلب وزير العدل من النيابة العامة التحرُّك».
وعن إنكار أطباء لبنانيين اختصاصيين في علم النفس وجود هذا النوع من المخدرات قال القاضي محمد صعب: «اذا كانوا مقصّرين وغير مطلعين على الموضوع ما ذنبي؟»، ليختم واضعاً علامات استفهام حول جميع مَن يعارضون إغلاق الموقع.
المؤكدون لوجودها يعتبرون ان المخدّرات الرقمية أو Digital Drugs تؤدي الى إدمان حقيقي من خلال انسياب النغمات الموسيقية عبر الأذنين لتصل إلى الدماغ فتؤثر على ذبذباته الطبيعية، وهذا ما أكده رئيس جمعية «جاد» جوزيف حواط لـ «الراي» حيث تساءل «لماذا نشكك بها إذا كانت جميع الدراسات أثبتت أنها موجودة ومضرة، الا إذا كان للبعض مصلحة بعدم محاربتها؟».
هذا النوع من «المخدرات» يتم بيعه عبر الإنترنت، على شكل ملفات صوتية (mp3) تُحمل أولاً بشكل مجاني كعيّنة تجريبية ومن ثم يتم شراؤها. ويشرح حواط «الفارق بين الذبذبات الموسيقية والموسيقى العادية»، ويوضح «نقول ذبذبات موسيقية كونها لم نستطع حتى الآن وصفها بشكل دقيق، اذ ان صوتها عنيف ولا دخل لها بالموسيقى، مع العلم أنني من أكثر الاشخاص الداعمين للعلاج بالموسيقى وقد زرت عدة مراكز دولية في الصين واليابان تعالج مدمني المخدرات من خلال الموسيقى الهادئة، كصوت العصافير والماء».
وعما إذا كان تأثير «المخدّرات الرقميّة» يماثل تأثير بقية أنواع المخدرات أجاب: «كلا بالطبع، هناك فارق، كالفارق عندما نقول أعور وأعمى، فالمخدرات العادية تسبب تبعية نفسية وجسدية بينما الأخرى تسبب فقط تبعية نفسية، الأولى تحتاج إلى طبيب ومستشفى وعلاج أما الثانية فتحتاج فقط إلى طبيب نفسي كما أن الخروج منها أسرع».
وأضاف: «انزعج البعض في لبنان كيف أغلقنا الموقع الالكتروني الذي يبيعها والعمل على بداية قانون يمنعها، فهم يعتبرونها بديلاً عن المخدرات كونها أنظف ولا تحتوي على مواد كيمائية، ويستخدمونها عوض شراء هيرويين مضروب بعظم بقري وكوكايين مضروب بزجاج وطبشور».
يوجد كتاب توجيهات يتضمن القواعد الخاصة بهذا النوع من المخدر يتألف من 40 صفحة يحتوي على جميع المعلومات الخاصة بهذا المخدر وطريقة تعاطيه «أما الادمان على هذا النوع من الموسيقى فيختلف بحسب البنية الجسدية للشخص والكمية والنوعية التي يتعاطاها، فعندما يتعاطى أغنية»اوفر دوز«ليس كمَن يتعاطى أغنية حشيش، بالاضافة الى الفترة الزمنية بين الجرعة والأخرى، فهذه العناصر هي التي تحدد متى يصل الى الإدمان» بحسب حواط الذي أنكر وجود أي حالة إدمان على «المخدرات الرقمية» في لبنان كما تم تداوله عبر وسائل الاعلام.
وختم: «في هذا الموضوع حتى لو تمت محاربته قانونياً وإغلاق المواقع التي تبيعه يبقى دور الأهل من خلال التوعية هو الأهم، فهي خطرة كون باستطاعتها الدخول الى أي منزل من دون القدرة على محاربتها بواسطة القانون لأن عالم الانترنت عالم اللاحدود».
هذه الخشية ترجمها طلب وزير العدل اللبناني، أشرف ريفي، من النيابة العامة العمل على مكافحة «المخدرات الرقمية»، حيث جاء في بيان أنه طلب من النائب العام التمييزي، القاضي سمير حمود، «اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لمكافحة ظاهرة المخدرات الرقمية». وأضاف البيان أن وزير العدل أكد ضرورة حجب المواقع الإلكترونية التي تروج للمخدرات الرقمية، محذرا من أنها تشكل «خطورة على الشباب اللبناني»، و«الأمن الاجتماعي لكل اللبنانيين».
وعلى العكس من ذلك اعتبر المعالج النفسي المتخصّص بشؤون الإدمان لدى الراشدين دكتور جوزف الخوري أن «هذا النوع الذي يسمونه مخدراً لا يتم الحديث عنه الا في لبنان والسعودية وبعض الدول العربية، الأمر الذي يدفع الى وضع علامات استفهام حول هذا الموضوع»، وأضاف: «هناك نظريات منذ العام 1890 تقول انه اذا استمعنا الى درجتين مختلفتين من الترددات الصوتية، من الممكن ان تؤدي الى تأثير على الدماغ، من دون أن يستطيع أي أحد تحديد ماهية هذا التأثير وفيما إذا كان يشبه تأثير المخدرات، ولذلك هذه النظرية طمست من دون أن تتم متابعتها أو تطويرها، فهذا الأمر ليس له ثوابت علمية ويجب ألا يخشى منه».
واضاف الخوري: «تحدث ولد من أوكلاهوما في أميركا العام 2010 عن هذا الموضوع أمام رفاقه وهم يلعبون على البلاي ستيشن، فقاموا بتجربتها ما أثار الذعر لدى أهالي التلاميذ، كُتب عن هذا الموضوع حينها في موقعين الى أن أثارته قناة لبنانية من أسابيع من خلال عرضه في تقرير»، واستطرد: «انا حكيم ادمان تابعت العديد من الحالات في لبنان وأميركا ولم تمرّ عليّ حالة ادمان من هذا النوع، كما أنه لا يوجد أي كتاب طبي ولا مرجع علميا يتحدث عن هذا الامر ولا يوجد موقع على الانترنت تحدث عن هذا الموضوع يمكن أخذه على محمل الجد».
وتابع: «اذا تم اغلاق المواقع في لبنان التي تروّج له، هناك العديد من المواقع الاجنبية التي تضم مثل تلك الملفات، لكن كل مَن جرّبها أخبر أنه لم يشعر سوى بشيء بسيط، مع العلم أن الانسان يستطيع ان يتأثر عاطفياً بموسيقى معينة سواء موسيقى رقص او طرب أو غيرها فما الخطر الزائد؟».
ولفت الى «ان هناك ادماناً على القمار والانترنت لكن مصطلح مخدرات خطأ استعماله في هذه الحالة. وهذا يسمى ادمانا سلوكيا اي عمل نقوم به بشكل دوري من دون امكان التوقف عنه لكن المشكلة لا تكون فيه بل في كيفية التعامل معه».
من جانبه اعتبر الخبير النفساني المحلف لدى المحاكم الدكتور روجيه بخعازي في حديث لـ «الراي» أن «هذا ليس مخدراً، لكنه في محل ما يعطي الشخص نشوة، والنشوة ليست بالضرورة أن تكون مخدراً باختصار هي مخدر بلا مخدر»، واضاف «الاستماع لها يعود الى القيم الاجتماعية والدينية لكل شخص، فهي مسموحة في المجتمعات الغربية لانهم يعتبرونها نشوة، لكن في المجتمعات الشرقية يحظرونها كون لدينا بعض المحرمات».
وشرح انه «لا يمكن للجسم أن يطلب مثل هذا النوع من الموسيقى فالعقل فقط يمكن أن يطلبها اذا اعتاد عليها، اذ يمكن اعتبارها كالحاسوب والهاتف والالعاب التي يتم الاعتياد عليها من خلالهما، حيث يشعر اللاعب بالنشوة عند فوزه لكن الادمان عليها يحتاج وقتاً بحسب الأشخاص كما أن الاقلاع عنها يحتاج الى علاج».
على المتعاطي بحسب ما يتم تداوله الجلوس في غرفة خافتة الإضاءة، وأن يرتدي ثياباً فضفاضة، يضع سماعات، يسترخي ويغمض عينيه ثم يشغل الملف الصوتي، على أن تكون قوة الصوت أقل من 1000 إلى 1500 هيرتز وحينها تقوم المخدرات الرقمية على تزويد السماعات بأصوات تشبه الذبذبات و«هذه الموسيقى كما البوب والهيبي موجودة منذ زمن وهي مرحلة يمر بها الإنسان إما يخرج منها وإما يدخل في عالم آخر كعالم المخدرات والجنس والعوالم الثانية التي تعطيه نشوة» بحسب بخعازي.
ورداً على كل ما اثير حول ملف «المخدرات الرقمية»، قام عدد من الشبان بتصوير مقطع فيديو ساخر تحت عنوان «اول اصابة بالمخدرات الرقمية في لبنان» ونشروه على موقع «يوتيوب»، حيث يُظهِر الفيديو ثلاثة شبان يتصرفون بطريقة هيسترية في تقليد ساخر للاصابات بهذا النوع من المخدر.
مصدر في مكتب مكافحة المخدرات أكد لـ «الراي» أنه «لا يوجد شيء رسمي في هذا الموضوع، وقد نشهد مع الايام مكافحة لهذا النوع الذي يسمونه مخدرا، لكن يجب أن نرى في البداية اذا كان الأمر صحيحاً، وهل هناك ادلة حسية على امكان إدمانها، كما أنه يجب بداية أن يتم ادراجها في قائمة المخدرات ضمن قانون اصول المحاكمات الجزائية الذي نعتمد عليه». وشرح «توجد اليوم أنواع من المخدرات يجرمها القانون، كالحشيش والكوكايين وحبوب الهلوسة في حين أن هناك أنواعاً اخرى لا يجرمها كالسيلفيا والمدواخ رغم الاثبات العلمي على كونها مخدّراً».
مستشار وزير العدل اللبناني روى لـ «الراي» ملابسات قرْعه «ناقوس الخطر»
القاضي صعب فجّر «حرباً استباقية» ضدّ «المخدرات الرقميّة»
| بيروت - من أسرار شبارو |
هو مَن فتح الملف ومَن أثار القضية، هو مَن خشي على الشباب من مخدّر قد يصيبهم في اللاوعي ويهدد بفقدانهم لتوازنهم الجسدي والنفسي. ورغم علامات الاستفهام التي وضعها العديد من المختصين والأطباء النفسيين والجمعيات المدنية، الا انه اتخذ قراره وطرَح الموضوع بعد درسه من جميع جوانبه.
هو المستشار القانوني لوزير العدل اللبناني أشرف ريفي القاضي محمد صعب الذي لفتته الظاهرة الالكترونية الغريبة ففتح النقاش حولها ليس في لبنان وحسب بل في الدول العربية كذلك.
وفي حديث لـ «الراي» أكد صعب أنها «ليست المرة الأولى يثار فيها هذا الموضوع في لبنان، لكن للأسف كل مَن قارَبَ هذا الموضوع إما تعاط معه من منطلق ثورة سريعة أو انه اتخذ موقفاً مسبقاً أو أنه لم يتعمق بواقع المخدرات»، وأضاف: «هذا الموضوع طُرح في الامارات العربية المتحدة وتحديداً في الشارقة وايضاً في السعودية ومصر لكن تمّ طرحه بخجل، باستثناء الشارقة حيث كان الطرح جدياً من قبل نائب مدير الشرطة الذي قام بحملة توعية كبيرة». واستطرد متسائلاً «أما لماذا عاودتُ طرحه اليوم؟ فالسبب يعود الى جواب رئيس جمعية «جاد» (جوزف حوّاط) التي تعمل في مجال مكافحة الادمان داخل لبنان وخارجه منذ أعوام طويلة، اذ عند سؤالي عما اذا كانت مرّت عليه حالات لشباب يتعاطون هذا النوع من المخدر، أبلغني عن وجود حالتين لشابين بمراحل تعاطيهما الأولى وقد عُرضا على معالج نفسي، وعندها رأيتُ أنه يجب التحرك واثارة القضية».
وعن كون فتْح القضية لفت نظر الشباب اليها أجاب: «اذا كان هناك مرض موجود ولا يتم الحديث عنه فهل هذا يلغي وجوده؟ كيف أكتشفه اذا كنتُ لا أعلم عوارضه؟ ربما العوارض موجودة لكن الناس غير منتبهين لها ويعتبرونها أمراً عادياً. ما قمتُ به خطوة استباقية للتوعية». واضاف: «الأشخاص الذين علموا بالموقع علموا كذلك بأضراره، بينما لو تعرفوا عليه من دون معرفة أضراره ومن دون توعية لكان الشباب تورطوا، كما أنه من المفترض إذا كان يوجد خطر لم يتغلغل بعد في مجتمعنا عدم انتظاره كي يتغلغل».
وعما اذا كان يتواصل مع دول عربية تعاني من هذه المشكلة أجاب: «قبل إثارة هذا الموضوع في لبنان كان وزير الداخلية الكويتي الشيخ محمد الخالد قد دعا جمعية «جاد» لاعطاء محاضرة عن المخدرات، وكنت سأقصد الكويت للحديث للمرة الأولى عن هذا النوع من المخدرات، لكن تم تأجيل الأمر بسبب ارتباطات لوزير الداخلية المصرّ على الحضور شخصياً لسماع المحاضرة، حيث تم تأجيل الموعد الى تاريخ يحدد لاحقاً».
صعب تحدث عن متابعته الموضوع حين طُرح على الإعلام الاميركي في العام 2010، وعن الانقسام الذي كان حاصلاً حول ما اذا كان تعاطي المخدرات الرقمية يعطي الشعور نفسه الذي تعطيه المخدرات العادية، اذ اعتبر البعض أنها تعطي الشعور ذاته فيما قال البعض الآخر ان الاحساس الذي يشعر به متعاطوها قريب من المخدرات العادية، لكنهم حسموا الموضوع على أنها مضرّة رغم الاختلاف على مقدار الضرر.
ويوضح القاضي صعب ان «بعض الشباب الأجنبي الذين تعاطوا هذا النوع من المخدرات، وبعدما وصلوا الى مرحلة شعروا بعدم الاكتفاء منها، اندفعوا الى طلب مخدرات تقليدية واستطاعوا الوصول اليها عبر الموقع نفسه بوسائل غير ظاهرة، ما يؤكد أنه في الظاهر يتم الترويج لمخدرات رقمية، لكن الترويج في الواقع هو للمخدرات التقليدية».
الموقع ( i-doser) لا يزال يعمل في أميركا أما السبب في رأي صعب فيعود إلى كون هذا البلد «فشل في مكافحة المخدرات رغم صرف أموال طائلة، ما أدى الى انقلاب في السياسة الأميركية من مكافحته الى تنظيمه، اي بدل صرف أموال لمكافحته تحصيل المال عند تنظيمه، وهذا ما حصل. وقد تحققت اول خطوة في أوائل هذا العام مع تشريع ولاية كولولاردو الماريجونا محتفلة بـ «الأربعاء الأخضر» الذي بيعت فيه الماريجوانا للمرة الاولى في 136 متجراً، كما هناك 21 ولاية في واشنطن على السكة. هذا المجتمع استسلم للمخدرات وسيعتبر المخدرات الرقمية امراً عادياً».
وتساءل «مَن أنشأ هذا الموقع؟ ولماذا تمت تسمية الملفات التي يتم تحميلها من خلاله بأسماء المخدرات، في حين كان بإمكانهم خداع الناس بتسميات أخرى، وهذا يعني أنهم يعملون على تكريس هذه التسميات». واضاف: «بعيداً عن ذلك، فإن تسمية اي منتج بأسماء المخدرات يعني الترويج لها (...) وهذا الموقع سيتم اغلاقه في لبنان خلال ايام بعد طلب وزير العدل من النيابة العامة التحرُّك».
وعن إنكار أطباء لبنانيين اختصاصيين في علم النفس وجود هذا النوع من المخدرات قال القاضي محمد صعب: «اذا كانوا مقصّرين وغير مطلعين على الموضوع ما ذنبي؟»، ليختم واضعاً علامات استفهام حول جميع مَن يعارضون إغلاق الموقع.