قال ابن الأَثير عن الخندمة هو جبل معروف عند مكة، وقال ابن بري كانت به وقعة يوم فتح مكة ومنه يوم الخَنْدَمَةِ. وذكرت كُتب التاريخ ومنها السيرة النبوية لابن هشام أنه كان هناك رجل من المشركين من أهل قريش قال بعضهم إن اسمه حِماسُ بن قَيْس بن خالد الكنائي كان يُعد سلاحه لمواجهة جُند الرسول صلى الله عليه وسلم قبيل دخولهم لمكة لفتحها، فرأته امرأته فقالت له: لماذا تُعِدُّهُ؟ فقال لمحمد وأَصحابه، وإني لأَرجو أَن أُخْدِمَكِ بعضَهُمْ. ثم أنشد يرجز:
إن يُقْبِلُوا اليومَ فما بي عِلَّهْ
هذا سِلاحٌ كامِل وأَلَّهْ
وذو غِرارَيْنِ سَريعُ السِّلَّهْ
فلما جاء جيش الصحابة رضوان الله عليهم بقيادة أبو سليمان سيف الله المسلول خالد بن الوليد لدخول مكة واجههم في البداية جيش من المشركين كان بقيادة صفوان ابن أمية وعكرمة بن جهل وسهيل بن عمرو، فما هي إلا لحظات قصيرة حتى انهزم جيش المشركين مرعوبين وعلى رأسهم قادتهم الثلاثة، وكان ممن فروا حِماسُ بن قَيْس، حيث ولى مدبراً مرعوباً فزعاً حتى دخل بيته وقال لزوجته: أغلقي علي بابي. قالت : فأين ما كنت تقول ؟ فقال:
إنَّكِ لو شاهَدْتِ يومَ الخَنْدَمَهْ
إذ فَرَّ صَفْوانُ وفَرَّ عِكْرِمَهْ
ولَحِقَتْنا بالسُّيوف المُسْلِمَهْ
يَفْلِقْنَ كلَّ ساعِدٍ وجُمْجُمَهْ
ضَرْباً فلا تُسْمَعُ إلا غَمْغَمَهْ
لهم نَهِيتٌ حَوْلَهُ وحَمْحَمَهْ
لم تَنْطِقِ باللوم أَدنى كَلِمهْ.
إن البعض حالهم في بعض المواقف كحال حِماسُ بن قَيْس بن خالد الكنائي في الحكاية المذكورة، حيث يغتر في حاله، ولا يُقدّر حجمه، ولا يعرف أين تكمن نقاط قوته ونقاط ضعفه، ويعطي الحماس مساحة شاسعة لخداعه، ولا يكيل الأمور بعقله، ولا يتأمل في شأن خصمه ومعضلته، ولا يحدد أين مدخله وأين مخرجه، وما سيكون ربحه إن ربح وما الذي سيخسره إن تمت خسارته، ولا يضع العاقل نفسه موضع الأبطال إلا إن كان أهلاً لذلك، والمكابرة على الباطل ندامة وخسارة، والعناد في غير مصلحه منقصة وأي منقصة، فعليك أن تدقق في ذاتك، وتتيقن من أحوالك، وتعرف مصدر ومنبع مشكلاتك، فتقف عليها بهدوء، وتجدل ضفائر همومك، وتستعين عليها بالدعاء والمشورة والتوكل على الله تعالى، لذا قال عليه الصلاة والسلام في جميل قوله العامر الخالد المستطير بالنور «رحِم الله امرأًعرف قدر نفسه».