من مزارع شبعا إلى بريتال

نزاع مثلث الأضلاع بين «حزب الله» وإسرائيل و«النصرة»

تصغير
تكبير
لم يكن ممكناً مقاربة تنقُّل «كرة النار» على «رقعة الشطرنج» في لبنان من البقاع الشمالي الى منطقة الجنوب، اي من «التماس» المباشر مع الحرب السورية الى «خطوط الاشتباك» المعلّق مع اسرائيل بمعزل عن «البازل» الاقليمي الذي يرتسم فيه «قوس الأزمات» التي تلهب المنطقة.

وبدا من الصعب في بيروت قراءة استعادة «حزب الله» لـ «العمليات التذكيرية» في مزارع شبعا المحتلة حيث تبنى تفجير عبوة بدورية اسرائيلية ما ادى الى جرح 3 جنود، الا على انها الطرف الثاني من «خيط نار» بات يمتد من البقاع الشمالي وصولاً الى البقاع الغربي وحاصبيا ومنطقة العرقوب جنوباً.


اما طرف الخيط الاول فيه فتمثّله، كما نقلت تقارير لبنانية عن مصدر ديبلوماسي غربي «عملية خلط الأوراق المتسارعة ميدانياً من جهة القنيطرة باتجاه الجولان السوري المحتل، إلى بلدة عين عرب عند الحدود التركية، فضلاً عن تطورات العراق وتعثر العملية السياسية في اليمن».

فالعملية التي نفذّها «حزب الله» في مزارع شبعا وأعقبها بتبنٍ رسمي سريع، اكتسبت أبعادها البالغة الدلالات لأنها أعقبت المواجهة الاولى من نوعها بين مقاتلين من «جبهة النصرة» و«حزب الله» داخل الاراضي اللبنانية والتي وقعت الاحد الماضي بعدما نفّذت «الجبهة» هجوماً على عدد من مواقع الحزب في جرود بريتال. علماً ان تقارير صحافية اشارت الى ان فجر، أول من امس، شهد احتدام المواجهات في المقلب السوري حيث نفذ المسلّحون هجوما آخر أوسع على عدد من المراكز التابعة للجيش السوري و«حزب الله» بدءاً من الزبداني مرورا بمنطقة عسال الورد حتى أطراف وادي بخعة ورأس يبرود ما أدى الى اشتباكات شرسة تدخل فيها الطيران الحربي والمروحي ما منع تقدم المسلحين وتحقيق اهدافهم، وهو ما شكّل «إنذاراً مبكراً» الى آتٍ لن يكون أقل «تفجراً» على الحدود الشرقية للبنان.

وتبعاً لذلك تقاطعت القراءات في بيروت عند اعتبار العملية في مزارع شبعا متعددة الاتجاهات وتنطوي على الرسائل الآتية من شقين متداخلين:

* الشقّ الاول وضَع العملية في سياق استعادة «حزب الله» نشاطه العسكري على الجبهة الجنوبية نتيجة تمادي الدولة العبرية في اعتداءاتها على الاراضي اللبنانية وهي التي كان جيشها قصف موقعاً للجيش اللبناني في منطقة شبعا، كما فجّر جهاز تنصت في عدلون ما ادى الى مقتل عنصر لحزب الله هو حسن علي حيدر في 15 سبتمبر الماضي، علماً ان تنفيذ العملية باسم مجموعة «الشهيد حسن علي حيدر» جاء حاملاً «توقيع الثأر». من دون إغفال ما ينطوي عليه هذا التطور من محاولة إحياء «بوصلة» المقاومة بوجه اسرائيل كقضية مركزية.

* اما الشق الثاني وهو الأهمّ، فحمل بُعدين مزدوجيْن. الاول تأكيد «حزب الله» ان ما يحكى عن «حرب استنزاف» يعدّ المسلحون السوريون لإغراقه فيها على جبهة البقاع الشمالي لن تنفع لأن جهوزية الحزب مكتملة ولان قدرته العسكرية لا تكفي فقط للدفاع عن مواقعه في بريتال ومحيطها بل للهجوم ايضاً على جبهة شبعا.

والبُعد الثاني «استباقي» وجاء بمثابة «بطاقة صفراء» لإسرائيل بأن الحزب على استعداد لتسخين جبهة شبعا وصولاً إلى القنيطرة السورية، بحال وفّرت تل ابيب المساعدات او ممراً آمنا لمسلحي «النصرة» و«داعش» للانتقال إلى العرقوب أو إلى مزارع شبعا وقرية الغجر السورية، علماً ان تقارير متزايدة ترجح أن يفتح المسلحون جبهة حاصبيا- شبعا جنوباً بعد عرسال وبريتال.

ونقلت قناة «الميادين» عن مصدر مسؤول في «حزب الله» ان «العملية (في مزارع شبعا) هي ردّ على الترابط بين المجموعات التكفيرية في سورية والعدو الإسرائيلي. فالترابط بين التكفيريين وإسرائيل ظهر في أكثر من موقع ولا سيما في جبهة الجولان».

كما أعلن أن العملية ترد على التهويل الإسرائيلي الذي تصاعد أخيرا والذي وصفه بأنه لا طائل منه، ووضع العملية أيضاً في إطار الرد على القائلين بانشغال المقاومة في سورية وانخفاض جهوزيتها في مواجهة إسرائيل، وعلى القائلين إن المقاومة محشورة وعاجزة عن مواجهة العدو على جبهتين.

وفي موازاة هذه القراءات، من الواضح ان عملية «حزب الله» جاءت لتضيف عامل انقسام جديداً الى الواقع اللبناني، وهو ما عبّر عنه الموقف الاعتراضي-وإن كان هادئا- للرئيس سعد الحريري الذي ربط بين مواجهات بريتال وتحريك جبهة شبعا، وهو ما سيتكرّس ايضاً اليوم في مجلس الوزراء حيث يفترض ان يثير وزراء» 14 آذار» هذا الملف من زاوية موقفهم المتعلق بحصرية السلاح بيد الدولة ووجوب امتلاكها وحدها قرار الحرب والسلم.

وسيشكّل هذا العنوان اختباراً فعلياً للحكومة التي يشارك فيها «حزب الله» والتي تكرر دائماً التزامها بالقرار 1701، وسط استحالة صياغة موقف موحّد سواء أكان يغطي العملية التي نُفّذت في مزارع شبعا ام يدينها، ولا سيما بعدما حمّلت اسرائيل الحكومة اللبنانية مسؤولية هذه العملية التي جاءت لتصيب بيروت بإرباك، وهي التي تبحث عن مظلة دولية تقيها شرّ الانزلاق بالكامل الى الاتون السوري وتوقف تآكل المؤسسات الدستورية الواحدة تلو الأخرى. يُذكر ان لجنة مشتركة من الجيش اللبناني واليونيفيل قامت، امس، بالكشف الميداني على المناطق التي استهدفها القصف المدفعي الاسرائيلي، اول من امس، حيث تبين ان القذائف تجاوزت الخط الحدودي، في محور مزارع شبعا ولمسافة تراوحت بين 2 و3 كيلومترات شمال هذا الخط، فيما سجلت حركة مكثفة لدوريات مدرعة وراجلة اسرائيلية على طول الخط الحدودي الممتد من رويسة العلم وحتى بركة النقار غرب شبعا.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي