«الراي» تقارب التحالف الدولي الناقص بمواجهة «داعش» وموقع لبنان فيه
«داعش» ... ومصير لبنان
فارس بويز
خليل مكاوي
• أميركا أدركت ان «داعش» خطر حقيقي على كيانيّة وتركيبة الشرق الأوسط ويهدد بأن يصبح عابراً للحدود
• الوضع في لبنان حساس وعلينا أن نتبع دائماً سياسة النأي بالنفس
• أميركا خافت على مصالحها وباتت هناك خشية من الخطر الذي يشكله الأجانب في صفوف «داعش» إذا عادوا إلى بلادهم
• في العراق شجّعت سياسة المالكي مع «القرف» السني من حال التهميش على تقوية «داعش»
• إيران كانت تريد أن يكون لها الدور الأول والوحيد في العراق لكن ظهور «داعش» أفشل مخططها
• إسرائيل تحاول أن تفرض على واشنطن أن يكون أي تفاهم مع طهران حول «داعش» شاملاً موضوع «حزب الله»
• حسم أمر «داعش» لا يمكن أن يتم بمعزل عن دعم واقعي على الأرض
• التحفظ الخليجي جعله ينظر إلى «داعش» على أنه خطر بعيد سيحدث توازنا مع قوة إيران
• الوضع في لبنان حساس وعلينا أن نتبع دائماً سياسة النأي بالنفس
• أميركا خافت على مصالحها وباتت هناك خشية من الخطر الذي يشكله الأجانب في صفوف «داعش» إذا عادوا إلى بلادهم
• في العراق شجّعت سياسة المالكي مع «القرف» السني من حال التهميش على تقوية «داعش»
• إيران كانت تريد أن يكون لها الدور الأول والوحيد في العراق لكن ظهور «داعش» أفشل مخططها
• إسرائيل تحاول أن تفرض على واشنطن أن يكون أي تفاهم مع طهران حول «داعش» شاملاً موضوع «حزب الله»
• حسم أمر «داعش» لا يمكن أن يتم بمعزل عن دعم واقعي على الأرض
• التحفظ الخليجي جعله ينظر إلى «داعش» على أنه خطر بعيد سيحدث توازنا مع قوة إيران
إلى الشرق الأوسط من جديد تعود أنظار العالم، بعد الإعلان عن بدء جولة أخرى من «صراع المحاور»، الذي يستعر في المنطقة بين محور تقوده الولايات المتحدة وآخر يقوده خصومها التقليديون روسيا وإيران والصين.
هذه المرة تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» هو الهدف، والقضاء عليه هو الغاية. ورغم أن العالم كله استشعر بخطر «داعش»، فإن سياسة القضاء عليه خضعت بدورها لمعايير السياسة الدولية والاصطفافات الإقليمية. ففي مؤتمر عقد في العاصمة الفرنسية باريس بعد اللقاء الذي احتضنته جدة في المملكة العربية السعودية، اتفق الغرب والعرب على وجوب القضاء على التنظيم، وأخذت الولايات المتحدة الأميركية على عاتقها مهمة تسليح المعارضة السورية المعتدلة في سورية ومقاتلة «داعش» جواً، في حين ابتعدت إيران أو «أُبعدت» عن هذا التحالف.
لبنان الذي تجرّع من كأس «داعش» المُرة حوادث عرسال الأخيرة وذبْح عسكرييْن اثنين مع اعدام ثالث من أصل مجموعة من العسكريين وعناصر قوى الامن الذين تحتجزهم «الدولة الاسلامية» و«جبهة النصرة»، حضر مؤتمر باريس ولقاء جدّة دون أن يكون انضمّ تماماً للمحور الغربي - العربي. «الراي» قاربت هذه التطورات الإقليمية وانعكاساتها المحلية مع وزير الخارجية السابق فارس بويز وسفير لبنان السابق لدى الأمم المتحدة خليل مكاوي. وفي ما يلي نص الحوارين:
بويز: عدم التفاهم مع طهران لمحاربة «داعش» سيطيل الأزمة ... ولبنان سيضطر للتعاون مع المحوريْن
رأى وزير الخارجية السابق فارس بويز أن «داعش» هو «خطر جديد على المنطقة برمّتها، وحتى على العالم، لأن هذا المشروع ليس مشروعاً موضعياً، بل مشروع دولة عبر العالم عابرة للحدود ومشروع توتاليتاري بامتياز»، لكنه اعتبر أن عدم التفاهم مع طهران حول محاربة هذا التنظيم «عملية ستطيل الأزمة وستعقدها أكثر».
ولفت بويز إلى أن إسرائيل «تحاول أن تفرض على الولايات المتحدة بأن يكون أي تفاهم مع طهران شاملاً موضوع (حزب الل) في لبنان، وربما ضمان أمن إسرائيل وهذا أمر مستقل حقيقة وأبعد تعقيداً»، محذراً من أن «التركيبة اللبنانية لا تتحمل دخول محاور، ومن هنا سيضطر لبنان لأن يتعاون على حدة مع كل من المحورين بحسب حاجته الواقعية».
? إدارة أوباما التي كادت أن تُخرِج الولايات المتحدة من المنطقة، ها هي عائدة إليها.. لماذا برأيكم وفي أي سياق إستراتيجي؟
ـ أعتقد أن مسؤولية إدخال الولايات المتحدة في هذا المستنقع تعود إلى أيام جورج دبليو بوش والمحافظين الجدد، لا بل أن أوباما ورث إرثاً سلبياً كبيرا وهو حاول جدياً الخروج من هذا الواقع، أكان ذلك من أفغانستان أو العراق. ولكن دون شك فإن المفاعيل وانعكاسات السياسة الأميركية السابقة ألزمته بعدد كبير من الأمور، ولذلك أعتقد أن حتى تورط أوباما الداخلي حالياً ناتج من سياسة بوش السابقة.
من ناحية أخرى، لا شك أن كثيراً من ردود فعل سياسة أوباما هي في الواقع ردود فعل على اتهامات بالضعف يتلقاها من الداخل الأميركي، وهي تتناقض أحياناً مع نيته الحقيقية بالخروج من المنطقة، وأعتقد أن قناعة أوباما وسياسته في المبدأ هي الخروج من منطقة الشرق الأوسط عسكرياً.
ولكن حتماً هذين العنصرين، أي عنصر الضعف الداخلي وردود الفعل على الاتهامات، وعنصر الإرث السابق يلزمانه أحياناً بالعودة.
? بدت الأسباب الموجبة لهذه العودة الأميركية، تتمثل في مكافحة الإرهاب المتمثل بـ «داعش».. هل هذا الخطر يشكل مبرراً كافياً لعودة الولايات المتحدة عبر تحالف غربي - عربي؟
- لا يوجد أدنى شك في أن حالة الإرهاب حالياً والتطورات الأخيرة التي جعلت «داعش» تسيطر على مناطق معينة في العراق وتثبت ضعف التركيبة العراقية، إضافة إلى فشل المعارضة السورية المعتدلة ونجاح التطرف الإسلامي ايضاً في سورية، كلها عناصر تفرض واقعاً معيناً وهو أن «داعش» أصبحت خطراً حقيقياً وواقعياً، وكل ما كان يقال عن أن هذا الأمر هو اختراع وتضخيم و«بعبع» غير صحيح على الإطلاق، وتبيّن في واقع الأمر أن هناك خطراً جديداً على المنطقة برمّتها، وحتى على العالم، لأن هذا المشروع ليس مشروعاً موضعياً. بل مشروع دولة عبر العالم عابرة للحدود ومشروع توتاليتاري بامتياز مبني على تفسيرات خاطئة للدين الإسلامي لا تتقبل أي مساومة. ومن هنا أعتقد حقيقة أن هناك خطراً حقيقياً يبدأ أولاً على كيانيّة وتركيبة ووجودية منطقة الشرق الأوسط بتاريخها، وحتى ليصبح عابراً للحدود في ما بعد. فالكلّ يعلم أن الدولة العراقية أوشكت على السقوط بشكل مفاجئ بين ليلة وضحاها، والكلّ يعلم أنه في سورية أوشك هذا التمدد أيضاً على وضع الدولة السورية في حال خطر قصوى. والكل يعلم أن عودة هؤلاء المقاتلين إلى بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة والدول الأوروبية تشكل خطراً على أنظمتها الأمنية. ومن هنا تخطى هذا الأمر التكهنات والاعتبارات التي تقول انه بعبع واختراع ومضخم.
? من هنا ترونه مبرّراً كافياً؟
ـ طبعاً، وأنا أعتقد أن المشكلة ليست هنا. وفي رأيي أن المبرر موجود وحقيقي وواقعي. المشكلة هي طريقة التعاطي مع هذه المشكلة. أعتقد أنه حتماً كان على الولايات المتحدة أن تستفيد من هذا الإجماع حول مواجهة هذا الأمر، وأن تقوم بمبادرة تحت لواء الأمم المتحدة والشرعية الدولية بتفاهم مع موسكو وبكين ما دام أن هذا الأمر جامعاً ولا خلاف حوله، وبالتعاون أيضا مع طهران ما دام هناك فعلاً حاجة لها أيضاً. ولا أعتقد أن الولايات المتحدة ستتورط براً، كما لا أظنّ أن حسم هذا الأمر يمكن أن يتم بمعزل عن دعم واقعي على الأرض.
وعملياً عدم التفاهم مع طهران حول هذا الأمر، سيطيل الأزمة ويعقدها أكثر. ولكن أنا واثق من أن هناك عنصرين يجعلان التفاهم الدولي مع ايران في هذا الملف صعباً أو غير ممكن. العنصر الأول هو ربما تحفظ بعض دول الخليج حيال أي تفاهم مع طهران حول الموضوع، وهذا نتيجة عنصر غياب الثقة، والصراع السني - الشيعي الذي طبعاً يجعل من الصعب حصول هكذا تفاهم شامل. ولكن الأهم من ذلك أعتقد أن إسرائيل أيضاً تحاول أن تفرض على الولايات المتحدة أن يكون أي تفاهم مع طهران شاملاً موضوع «حزب الله «في لبنان وموضوع ربما ضمان أمن إسرائيل وهذا أمر مستقل حقيقة وأبعد تعقيداً. فإسرائيل تحاول أن تضع المقاومة في لبنان في مرتبة الإرهاب الدولي الذي تشكله «داعش»، وأن تقول إما حل للأمرين وإما كل أمر في شكل منفصل.
? إذاً هنا يمكن الحديث عن ابتعاد إيران عن التحالف أم استبعادها منه؟
- أنا أعتقد أن إيران استبقت ما استشعرته بأنه محاولة فرض شروط عليها عبر استبعادها.
? خطر الإرهاب المتمثل بـ«داعش» فرض على اللاعبين الدوليين تعديلاً في أجنداتهم في المنطقة.. هل ستفسد سورية ما تحقق في العراق؟
- أعتقد أن الغرب أو هذا التحالف أو العالم لا يستطيع أن يواجه في الوقت عينه هذا الإرهاب والنظام السوري وطهران و«حزب الله» في ذات الوقت. وأعتقد أن هناك أولويات عندهم؛ ثمة ترتيب لواقع الأمور والأولويات لا بد أن يحصل. وأشك في إمكان الولايات المتحدة والغرب خوض مواجهة متلازمة لـ«داعش» والنظام في سورية ولـ«حزب الله» وطهران. ولا بد من التفاهم أو تحييد جزء من هذه المشاكل والانكباب على الجزء الأخطر والداهم والأهمّ.
? في ما يتعلق بلبنان؛ فهو شارك في لقاء جدة ومؤتمر باريس، وهو صاحب مصلحة في مكافحة الإرهاب، لكنه يحاذر في الانضمام إلى محور ما. كيف سيدير لبنان برأيكم دفة هذه المعركة وهل من انعكاسات على وجوده، ولا سيما أنه في وضع ما «بين بين» أو بين فكيْ كماشة؟
- الوضع اللبناني هو بالدرجة الأولى من النتائج المحتمة لهذه الخطة الهشة إلى حد معين، او لهذه الآلية الهشة. لبنان معني بمواجهة هذا الإرهاب، وهو من الضحايا الاساسيين لهذا الإرهاب، ولكن في الوقت عينه أمام تعقيد هذه الآلية، وجد لبنان نفسه غير قادر بسبب تركيبته الداخلية على الانضمام إليها كما هي الحالة الآن. فلا تتحمل التركيبة اللبنانية دخول محاور، ومن هنا سيضطر لبنان لأن يتعاون على حدة مع كل من المحورين بحسب حاجته الواقعية.
طبعاً هذا ضعف، وكنا نفضّل لو كانت هناك خطة عالمية مشتركة ومحور واحد وكان لبنان دخل في هذا الموضوع مثله مثل غيره. ولكن ما دام الأمر كما هو عليه، وما دامت التركيبة اللبنانية لا تتحمل دخول محاور وصراعات جانبية، فإن لبنان لن يستفيد فعلاً كلياً من هذا الواقع. يبقى عليه أن يرسم هو استراتيجيته الخاصة في مواجهة الإرهاب، محاولاً التعاون التكتيكي مع كل من المحورين بحسب مقتضيات الحاجة.
وتجدر الإشارة إلى أن المصالح التكتيكية تدخل على حساب المصالح الإستراتيجية لهذه اللعبة. والنظرة للإرهاب مختلفة بين ثلاث جهات. فإيران تنظر إلى هذا الإرهاب كخطر حتماً، ولكن ليس لدرجة ان تقبل بابتزازها والضغط عليها وجعلها تدفع أثماناً سياسية استراتيجية تتصل بـ«حزب الله» وتحجيم وضعها في المنطقة على هذا الأساس.
الولايات المتحدة والغرب يأخذان في الاعتبار أيضاً خطورة هذا الوضع، ويريدان مواجهته ولكن في الوقت نفسه هما مقيدان بعدم خسارة حلفائهما ولا سيما الخليجيين الذين لديهم تحفظ وينظرون إلى هذا الأمر حتماً كخطر ولكن ليس أقل خطراً مما تشكله طهران أو «حزب الله». وهناك أخيراً والأهمّ النظرة الإسرائيلية التي لا تعتبر أن هذا الإرهاب يشكل خطراً عليها بل تعتبر، وربما هي لعبت دورها في إنماء هذا الإرهاب، أنه عنصر مقايضة.
فإسرائيل ترى أولاً أن هذا الإرهاب دمّر القومية العربية التي كانت نهجاً مواجهاً أو رافضاً لحلولها الاستسلامية، وثانياً تعتبر أن هذا الإرهاب رسخ الفوضى أو التشتت في هذه المنطقة ما أضعف أخصامها التقليديين والتاريخيين. وثالثاً يبدو أن هناك تفاهماً بين إسرائيل وهذا الإرهاب اذ حتى هذه اللحظة لا نجد تصريحاً ولا موقفاً ولا أي عملية تزعج إسرائيل. وأمر غريب أن تكون إسرائيل هي الوحيدة بمنأى عن الإرهاب. ولذلك تحاول إسرائيل استغلال هذا الموضوع، الذي ربما لعبت دوراً في ايجاده من أجل المقايضة وكي تقول: تفضلوا إذا كان لا بد من وضع حد لهذا الإرهاب فيجب أن نضع حداً للمقاومة في الجنوب اللبناني وللنفوذ الإيراني الذي تستشعر إسرائيل بحجمه أو بثقله عليها. وهي التي في رأيي تلعب الدور الأساسي في عرقلة الولايات المتحدة في مشروع شامل لمواجهة الإرهاب.
إذاً هناك تحفظان يضغطان على أوباما، وأعتقد أن هذين التحفظين هما اللذان لعبا دوراً، الأول هو التحفظ الخليجي الذي ينظر إلى موضوع «داعش» على أنه خطر بعيد وفي الوقت نفسه ينظر إليه كعنصر توازن مع قوة إيران وامتداد إيران وحلفائها، وهذه مشكلة. والتحفظ الثاني أو المشكلة الثانية هي مشكلة إسرائيل ومحاولة إرضائها.
مكاوي: النظام السوري من أسباب ظهوره وإسرائيل لعبت دوراً باستبعاد إيران عن التحالف
أكد سفير لبنان السابق في واشنطن خليل مكاوي لـ»الراي»، أن «سورية كانت من الأسباب لظهور «داعش»، وفي العراق أيضاً فإن سياسة المالكي شجّعت مع «القرف» السني على تقوية «داعش» في بلاد الرافدين»، معتبراً أن عودة الولايات المتحدة إلى المنطقة عبر تحالف عربي ـ غربي لمحاربة «داعش» جاءت «عندما شعرت بخوف على مصالحها». وشدد على أن «الوضع في لبنان حساس»، لافتاً إلى أن «علينا أن نتبع دائماً سياسة النأي بالنفس، وأن تتحقق وحدة وطنية لبنانية حقيقية بإنتخاب رئيس جمهورية كي نتمكن من تجنيب بلدنا هذه المخاطر».
? إدارة أوباما التي كادت أن تُخرِج الولايات المتحدة من المنطقة، ها هي عائدة إليها.. لماذا برأيكم وفي أي سياق إستراتيجي؟
- الولايات المتحدة عائدة اولاً لأنها شعرت بخوف على مصالحها. فـ «داعش» وصلت إلى أربيل، ونحن نعرف أن في هذه الأخيرة مصالح إقتصادية كبيرة للولايات المتحدة بالإضافة إلى البترول الموجود هناك.
أما ثانياً، فبعدما أخذت «داعش» هذا الحجم المفاجئ وسيطرت على مناطق شاسعة من سورية والعراق، بات هناك خوف من أن تتمدد وتضرب كل المعادلات في المنطقة العربية. لذلك قرر الأميركيون التدخل بالجو، ليتمكنوا من مساعدة الجيش العراقي والجيش السوري الحر على وقف زحف «داعش»، الذي كان مستمراً قبل ذلك.
? بدت الأسباب الموجبة لهذه العودة الأميركية، تتمثل في مكافحة الإرهاب المتمثل بـ «داعش».. هل هذا الخطر يشكل مبرراً كافياً محلياً (في الولايات المتحدة) وإقليمياً ودولياً لعودة الولايات المتحدة عبر تحالف غربي ـ عربي؟
- في هذا الملف يجب التنبه الى ان أوباما ملتزم بوعده للشعب الأميركي بأنه لن يرسل قوات برية إلى العراق. هذا بالإضافة إلى أن خوف الولايات المتحدة من خطر انتشار «داعش» ليس فقط على المنطقة فحسب، اذ هناك خوف من الأجانب الذين يحاربون في صفوفها وأنهم قد يشكلون خطراً أيضاً إذا عادوا إلى بلادهم. ولذلك قررت الولايات المتحدة الانخراط في هذه المعركة. ونرى أن الكونغرس، الذي كان أولاً ضد أي تدخل، عاد وسمح بتسليح الجيش السوري الحر بالمال والسلاح.
? على صعيد المنطقة؟
- كل الدول الموجودة في هذه المنطقة، ومنها بلدان الخليج والعراق والأردن تتحسّب لهذه الجماعة التكفيرية والطريقة التي تتعامل بها مع الناس. ونحن في لبنان ذقنا قليلاً من «داعش» في عرسال. ولذا هناك خوف وباتت ثمة ضرورة لوجود جهد مشترك لإنهاء هذه الظاهرة التي أعتقد أن ما من بيئة حاضنة لها.
? في لبنان؟
- بالتأكيد ليس لها بيئة حاضنة في لبنان. كان لها نوع من الحضور في العراق، نظراً لسياسة المالكي ضد سنّة وأكراد العراق، ومن هنا فإن الانتصارات التي حققتها «داعش» في العراق بهذه السرعة كانت نتيجة «القرف» الكبير لدى سنّة العراق من تهميشهم وإخراجهم من المعادلة السياسية. ولذا آمل أن تتمكن الحكومة العراقية الجديدة من جمع كل المكونات العراقية، الأمر الذي إذا حصل في شكل سليم سيساعد في تسريع القضاء على «داعش».
? اللافت أن إيران وحلفاءها كانوا من أول مَن استشعروا خطر تنظيم «الدولة الإسلامية».. لماذا ابتعدوا أو أُبعدوا عن التحالف في مواجهة هذا الإرهاب؟
- لا أعتقد أن النظام السوري كان مستميتاً للدخول إلى التحالف، ولكن لا ننسى أن هذا النظام كان من أسباب ظهور «داعش». وفي العراق أيضاً فإن سياسة المالكي شجعت مع «القرف» السني على تقوية «داعش» داخل العراق.
? ماذا عن سبب الإبعاد أو الابتعاد؟
- أولاً، يجب ألا ننسى العامل الإسرائيلي بالنسبة إلى إيران. وأعتقد أن هذا الأمر لعب دوراً في موقف أميركا باستبعاد إيران. ويجب ألا يغيب عن بالنا أيضاً أن إيران تحارب جنباً إلى جنب مع النظام السوري داخل سورية. وكون سورية كانت من أسباب ظهور «داعش» فان إيران تتحمّل أيضاً مسؤولية كبيرة في هذا الشأن، لذا كان من غير المعقول، ولا تقبل الدول العربية، ولا سيما السعودية وسائر دول الخليج أن يكون لإيران والنظام السوري، الذي قتل شعبه على مدى ثلاث سنوات، دور في محاربة الإرهاب. فهذان الأخيران هما من تسببا بظهور الإرهاب وتمدُّده.
? خطر الإرهاب المتمثل بـ«داعش» فرض على اللاعبين الدوليين تعديلاً في أجنداتهم في المنطقة.. هل ستفسد سورية ما تحقق في العراق؟
- الأميركيون اتفقوا مع ايران إلى حد ما في العراق، ولا ننسى أن إيران قبل ظهور «داعش» لم تكن متساهلة، بل كانت تريد أن يكون لها الدور الأول والوحيد في العراق، لكن ظهور «داعش» أفشل مخطط المالكي، وتالياً أفشل مخطط إيران.
في سورية الوضع مختلف، فهناك إيران هي خلف النظام السوري وتمده بالمال والسلاح. لذا من غير الممكن أن تسمح الولايات المتحدة والدول العربية المعتدلة لسورية بأن يكون لها دور في محاربة «داعش».
? في ما يتعلق بلبنان؛ فهو شارك في لقاء جدة ومؤتمر باريس، وهو صاحب مصلحة في مكافحة الإرهاب، لكنه يحاذر الانضمام إلى محور ما. كيف سيدير لبنان برأيكم دفة هذه المعركة وهل من انعكاسات على وجوده، ولا سيما أنه في وضع ما «بين بين» أو بين فكي كماشة؟
- طبعاً الوضع في لبنان حساس، فنحن علينا أن نتبع دائماً سياسة النأي بالنفس وأن تتم وحدة وطنية حقيقية داخل لبنان بانتخاب رئيس جمهورية كي نتمكن من تجنيب لبنان هذا المخاض وهذه المخاطر التي تحوط بنا، بالإضافة إلى دعم الجيش بأسرع وقت، علماً ان التلكؤ الذي نلاحظه في دعم الجيش لا يجوز؛ الأموال موجودة فلماذا التأخير في تسليح الجيش؟
أنا أذكر أنه عندما خاضت إسرائيل الحرب في العام 1973، أقامت الولايات المتحدة جسراً جوياً لإسرائيل لإنقاذها. اليوم المال موجود، ويجب تسليح الجيش خلال شهر أو شهرين من مصادر مختلفة، إن كان من أوروربا أو أميركا أو أي مكان. من غير المعقول أن يبقى الجيش اللبناني من دون عتاد وقوة ضاربة ليتمكن من تأمين الحدود في الشمال الشرقي من لبنان.
هذه المرة تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» هو الهدف، والقضاء عليه هو الغاية. ورغم أن العالم كله استشعر بخطر «داعش»، فإن سياسة القضاء عليه خضعت بدورها لمعايير السياسة الدولية والاصطفافات الإقليمية. ففي مؤتمر عقد في العاصمة الفرنسية باريس بعد اللقاء الذي احتضنته جدة في المملكة العربية السعودية، اتفق الغرب والعرب على وجوب القضاء على التنظيم، وأخذت الولايات المتحدة الأميركية على عاتقها مهمة تسليح المعارضة السورية المعتدلة في سورية ومقاتلة «داعش» جواً، في حين ابتعدت إيران أو «أُبعدت» عن هذا التحالف.
لبنان الذي تجرّع من كأس «داعش» المُرة حوادث عرسال الأخيرة وذبْح عسكرييْن اثنين مع اعدام ثالث من أصل مجموعة من العسكريين وعناصر قوى الامن الذين تحتجزهم «الدولة الاسلامية» و«جبهة النصرة»، حضر مؤتمر باريس ولقاء جدّة دون أن يكون انضمّ تماماً للمحور الغربي - العربي. «الراي» قاربت هذه التطورات الإقليمية وانعكاساتها المحلية مع وزير الخارجية السابق فارس بويز وسفير لبنان السابق لدى الأمم المتحدة خليل مكاوي. وفي ما يلي نص الحوارين:
بويز: عدم التفاهم مع طهران لمحاربة «داعش» سيطيل الأزمة ... ولبنان سيضطر للتعاون مع المحوريْن
رأى وزير الخارجية السابق فارس بويز أن «داعش» هو «خطر جديد على المنطقة برمّتها، وحتى على العالم، لأن هذا المشروع ليس مشروعاً موضعياً، بل مشروع دولة عبر العالم عابرة للحدود ومشروع توتاليتاري بامتياز»، لكنه اعتبر أن عدم التفاهم مع طهران حول محاربة هذا التنظيم «عملية ستطيل الأزمة وستعقدها أكثر».
ولفت بويز إلى أن إسرائيل «تحاول أن تفرض على الولايات المتحدة بأن يكون أي تفاهم مع طهران شاملاً موضوع (حزب الل) في لبنان، وربما ضمان أمن إسرائيل وهذا أمر مستقل حقيقة وأبعد تعقيداً»، محذراً من أن «التركيبة اللبنانية لا تتحمل دخول محاور، ومن هنا سيضطر لبنان لأن يتعاون على حدة مع كل من المحورين بحسب حاجته الواقعية».
? إدارة أوباما التي كادت أن تُخرِج الولايات المتحدة من المنطقة، ها هي عائدة إليها.. لماذا برأيكم وفي أي سياق إستراتيجي؟
ـ أعتقد أن مسؤولية إدخال الولايات المتحدة في هذا المستنقع تعود إلى أيام جورج دبليو بوش والمحافظين الجدد، لا بل أن أوباما ورث إرثاً سلبياً كبيرا وهو حاول جدياً الخروج من هذا الواقع، أكان ذلك من أفغانستان أو العراق. ولكن دون شك فإن المفاعيل وانعكاسات السياسة الأميركية السابقة ألزمته بعدد كبير من الأمور، ولذلك أعتقد أن حتى تورط أوباما الداخلي حالياً ناتج من سياسة بوش السابقة.
من ناحية أخرى، لا شك أن كثيراً من ردود فعل سياسة أوباما هي في الواقع ردود فعل على اتهامات بالضعف يتلقاها من الداخل الأميركي، وهي تتناقض أحياناً مع نيته الحقيقية بالخروج من المنطقة، وأعتقد أن قناعة أوباما وسياسته في المبدأ هي الخروج من منطقة الشرق الأوسط عسكرياً.
ولكن حتماً هذين العنصرين، أي عنصر الضعف الداخلي وردود الفعل على الاتهامات، وعنصر الإرث السابق يلزمانه أحياناً بالعودة.
? بدت الأسباب الموجبة لهذه العودة الأميركية، تتمثل في مكافحة الإرهاب المتمثل بـ «داعش».. هل هذا الخطر يشكل مبرراً كافياً لعودة الولايات المتحدة عبر تحالف غربي - عربي؟
- لا يوجد أدنى شك في أن حالة الإرهاب حالياً والتطورات الأخيرة التي جعلت «داعش» تسيطر على مناطق معينة في العراق وتثبت ضعف التركيبة العراقية، إضافة إلى فشل المعارضة السورية المعتدلة ونجاح التطرف الإسلامي ايضاً في سورية، كلها عناصر تفرض واقعاً معيناً وهو أن «داعش» أصبحت خطراً حقيقياً وواقعياً، وكل ما كان يقال عن أن هذا الأمر هو اختراع وتضخيم و«بعبع» غير صحيح على الإطلاق، وتبيّن في واقع الأمر أن هناك خطراً جديداً على المنطقة برمّتها، وحتى على العالم، لأن هذا المشروع ليس مشروعاً موضعياً. بل مشروع دولة عبر العالم عابرة للحدود ومشروع توتاليتاري بامتياز مبني على تفسيرات خاطئة للدين الإسلامي لا تتقبل أي مساومة. ومن هنا أعتقد حقيقة أن هناك خطراً حقيقياً يبدأ أولاً على كيانيّة وتركيبة ووجودية منطقة الشرق الأوسط بتاريخها، وحتى ليصبح عابراً للحدود في ما بعد. فالكلّ يعلم أن الدولة العراقية أوشكت على السقوط بشكل مفاجئ بين ليلة وضحاها، والكلّ يعلم أنه في سورية أوشك هذا التمدد أيضاً على وضع الدولة السورية في حال خطر قصوى. والكل يعلم أن عودة هؤلاء المقاتلين إلى بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة والدول الأوروبية تشكل خطراً على أنظمتها الأمنية. ومن هنا تخطى هذا الأمر التكهنات والاعتبارات التي تقول انه بعبع واختراع ومضخم.
? من هنا ترونه مبرّراً كافياً؟
ـ طبعاً، وأنا أعتقد أن المشكلة ليست هنا. وفي رأيي أن المبرر موجود وحقيقي وواقعي. المشكلة هي طريقة التعاطي مع هذه المشكلة. أعتقد أنه حتماً كان على الولايات المتحدة أن تستفيد من هذا الإجماع حول مواجهة هذا الأمر، وأن تقوم بمبادرة تحت لواء الأمم المتحدة والشرعية الدولية بتفاهم مع موسكو وبكين ما دام أن هذا الأمر جامعاً ولا خلاف حوله، وبالتعاون أيضا مع طهران ما دام هناك فعلاً حاجة لها أيضاً. ولا أعتقد أن الولايات المتحدة ستتورط براً، كما لا أظنّ أن حسم هذا الأمر يمكن أن يتم بمعزل عن دعم واقعي على الأرض.
وعملياً عدم التفاهم مع طهران حول هذا الأمر، سيطيل الأزمة ويعقدها أكثر. ولكن أنا واثق من أن هناك عنصرين يجعلان التفاهم الدولي مع ايران في هذا الملف صعباً أو غير ممكن. العنصر الأول هو ربما تحفظ بعض دول الخليج حيال أي تفاهم مع طهران حول الموضوع، وهذا نتيجة عنصر غياب الثقة، والصراع السني - الشيعي الذي طبعاً يجعل من الصعب حصول هكذا تفاهم شامل. ولكن الأهم من ذلك أعتقد أن إسرائيل أيضاً تحاول أن تفرض على الولايات المتحدة أن يكون أي تفاهم مع طهران شاملاً موضوع «حزب الله «في لبنان وموضوع ربما ضمان أمن إسرائيل وهذا أمر مستقل حقيقة وأبعد تعقيداً. فإسرائيل تحاول أن تضع المقاومة في لبنان في مرتبة الإرهاب الدولي الذي تشكله «داعش»، وأن تقول إما حل للأمرين وإما كل أمر في شكل منفصل.
? إذاً هنا يمكن الحديث عن ابتعاد إيران عن التحالف أم استبعادها منه؟
- أنا أعتقد أن إيران استبقت ما استشعرته بأنه محاولة فرض شروط عليها عبر استبعادها.
? خطر الإرهاب المتمثل بـ«داعش» فرض على اللاعبين الدوليين تعديلاً في أجنداتهم في المنطقة.. هل ستفسد سورية ما تحقق في العراق؟
- أعتقد أن الغرب أو هذا التحالف أو العالم لا يستطيع أن يواجه في الوقت عينه هذا الإرهاب والنظام السوري وطهران و«حزب الله» في ذات الوقت. وأعتقد أن هناك أولويات عندهم؛ ثمة ترتيب لواقع الأمور والأولويات لا بد أن يحصل. وأشك في إمكان الولايات المتحدة والغرب خوض مواجهة متلازمة لـ«داعش» والنظام في سورية ولـ«حزب الله» وطهران. ولا بد من التفاهم أو تحييد جزء من هذه المشاكل والانكباب على الجزء الأخطر والداهم والأهمّ.
? في ما يتعلق بلبنان؛ فهو شارك في لقاء جدة ومؤتمر باريس، وهو صاحب مصلحة في مكافحة الإرهاب، لكنه يحاذر في الانضمام إلى محور ما. كيف سيدير لبنان برأيكم دفة هذه المعركة وهل من انعكاسات على وجوده، ولا سيما أنه في وضع ما «بين بين» أو بين فكيْ كماشة؟
- الوضع اللبناني هو بالدرجة الأولى من النتائج المحتمة لهذه الخطة الهشة إلى حد معين، او لهذه الآلية الهشة. لبنان معني بمواجهة هذا الإرهاب، وهو من الضحايا الاساسيين لهذا الإرهاب، ولكن في الوقت عينه أمام تعقيد هذه الآلية، وجد لبنان نفسه غير قادر بسبب تركيبته الداخلية على الانضمام إليها كما هي الحالة الآن. فلا تتحمل التركيبة اللبنانية دخول محاور، ومن هنا سيضطر لبنان لأن يتعاون على حدة مع كل من المحورين بحسب حاجته الواقعية.
طبعاً هذا ضعف، وكنا نفضّل لو كانت هناك خطة عالمية مشتركة ومحور واحد وكان لبنان دخل في هذا الموضوع مثله مثل غيره. ولكن ما دام الأمر كما هو عليه، وما دامت التركيبة اللبنانية لا تتحمل دخول محاور وصراعات جانبية، فإن لبنان لن يستفيد فعلاً كلياً من هذا الواقع. يبقى عليه أن يرسم هو استراتيجيته الخاصة في مواجهة الإرهاب، محاولاً التعاون التكتيكي مع كل من المحورين بحسب مقتضيات الحاجة.
وتجدر الإشارة إلى أن المصالح التكتيكية تدخل على حساب المصالح الإستراتيجية لهذه اللعبة. والنظرة للإرهاب مختلفة بين ثلاث جهات. فإيران تنظر إلى هذا الإرهاب كخطر حتماً، ولكن ليس لدرجة ان تقبل بابتزازها والضغط عليها وجعلها تدفع أثماناً سياسية استراتيجية تتصل بـ«حزب الله» وتحجيم وضعها في المنطقة على هذا الأساس.
الولايات المتحدة والغرب يأخذان في الاعتبار أيضاً خطورة هذا الوضع، ويريدان مواجهته ولكن في الوقت نفسه هما مقيدان بعدم خسارة حلفائهما ولا سيما الخليجيين الذين لديهم تحفظ وينظرون إلى هذا الأمر حتماً كخطر ولكن ليس أقل خطراً مما تشكله طهران أو «حزب الله». وهناك أخيراً والأهمّ النظرة الإسرائيلية التي لا تعتبر أن هذا الإرهاب يشكل خطراً عليها بل تعتبر، وربما هي لعبت دورها في إنماء هذا الإرهاب، أنه عنصر مقايضة.
فإسرائيل ترى أولاً أن هذا الإرهاب دمّر القومية العربية التي كانت نهجاً مواجهاً أو رافضاً لحلولها الاستسلامية، وثانياً تعتبر أن هذا الإرهاب رسخ الفوضى أو التشتت في هذه المنطقة ما أضعف أخصامها التقليديين والتاريخيين. وثالثاً يبدو أن هناك تفاهماً بين إسرائيل وهذا الإرهاب اذ حتى هذه اللحظة لا نجد تصريحاً ولا موقفاً ولا أي عملية تزعج إسرائيل. وأمر غريب أن تكون إسرائيل هي الوحيدة بمنأى عن الإرهاب. ولذلك تحاول إسرائيل استغلال هذا الموضوع، الذي ربما لعبت دوراً في ايجاده من أجل المقايضة وكي تقول: تفضلوا إذا كان لا بد من وضع حد لهذا الإرهاب فيجب أن نضع حداً للمقاومة في الجنوب اللبناني وللنفوذ الإيراني الذي تستشعر إسرائيل بحجمه أو بثقله عليها. وهي التي في رأيي تلعب الدور الأساسي في عرقلة الولايات المتحدة في مشروع شامل لمواجهة الإرهاب.
إذاً هناك تحفظان يضغطان على أوباما، وأعتقد أن هذين التحفظين هما اللذان لعبا دوراً، الأول هو التحفظ الخليجي الذي ينظر إلى موضوع «داعش» على أنه خطر بعيد وفي الوقت نفسه ينظر إليه كعنصر توازن مع قوة إيران وامتداد إيران وحلفائها، وهذه مشكلة. والتحفظ الثاني أو المشكلة الثانية هي مشكلة إسرائيل ومحاولة إرضائها.
مكاوي: النظام السوري من أسباب ظهوره وإسرائيل لعبت دوراً باستبعاد إيران عن التحالف
أكد سفير لبنان السابق في واشنطن خليل مكاوي لـ»الراي»، أن «سورية كانت من الأسباب لظهور «داعش»، وفي العراق أيضاً فإن سياسة المالكي شجّعت مع «القرف» السني على تقوية «داعش» في بلاد الرافدين»، معتبراً أن عودة الولايات المتحدة إلى المنطقة عبر تحالف عربي ـ غربي لمحاربة «داعش» جاءت «عندما شعرت بخوف على مصالحها». وشدد على أن «الوضع في لبنان حساس»، لافتاً إلى أن «علينا أن نتبع دائماً سياسة النأي بالنفس، وأن تتحقق وحدة وطنية لبنانية حقيقية بإنتخاب رئيس جمهورية كي نتمكن من تجنيب بلدنا هذه المخاطر».
? إدارة أوباما التي كادت أن تُخرِج الولايات المتحدة من المنطقة، ها هي عائدة إليها.. لماذا برأيكم وفي أي سياق إستراتيجي؟
- الولايات المتحدة عائدة اولاً لأنها شعرت بخوف على مصالحها. فـ «داعش» وصلت إلى أربيل، ونحن نعرف أن في هذه الأخيرة مصالح إقتصادية كبيرة للولايات المتحدة بالإضافة إلى البترول الموجود هناك.
أما ثانياً، فبعدما أخذت «داعش» هذا الحجم المفاجئ وسيطرت على مناطق شاسعة من سورية والعراق، بات هناك خوف من أن تتمدد وتضرب كل المعادلات في المنطقة العربية. لذلك قرر الأميركيون التدخل بالجو، ليتمكنوا من مساعدة الجيش العراقي والجيش السوري الحر على وقف زحف «داعش»، الذي كان مستمراً قبل ذلك.
? بدت الأسباب الموجبة لهذه العودة الأميركية، تتمثل في مكافحة الإرهاب المتمثل بـ «داعش».. هل هذا الخطر يشكل مبرراً كافياً محلياً (في الولايات المتحدة) وإقليمياً ودولياً لعودة الولايات المتحدة عبر تحالف غربي ـ عربي؟
- في هذا الملف يجب التنبه الى ان أوباما ملتزم بوعده للشعب الأميركي بأنه لن يرسل قوات برية إلى العراق. هذا بالإضافة إلى أن خوف الولايات المتحدة من خطر انتشار «داعش» ليس فقط على المنطقة فحسب، اذ هناك خوف من الأجانب الذين يحاربون في صفوفها وأنهم قد يشكلون خطراً أيضاً إذا عادوا إلى بلادهم. ولذلك قررت الولايات المتحدة الانخراط في هذه المعركة. ونرى أن الكونغرس، الذي كان أولاً ضد أي تدخل، عاد وسمح بتسليح الجيش السوري الحر بالمال والسلاح.
? على صعيد المنطقة؟
- كل الدول الموجودة في هذه المنطقة، ومنها بلدان الخليج والعراق والأردن تتحسّب لهذه الجماعة التكفيرية والطريقة التي تتعامل بها مع الناس. ونحن في لبنان ذقنا قليلاً من «داعش» في عرسال. ولذا هناك خوف وباتت ثمة ضرورة لوجود جهد مشترك لإنهاء هذه الظاهرة التي أعتقد أن ما من بيئة حاضنة لها.
? في لبنان؟
- بالتأكيد ليس لها بيئة حاضنة في لبنان. كان لها نوع من الحضور في العراق، نظراً لسياسة المالكي ضد سنّة وأكراد العراق، ومن هنا فإن الانتصارات التي حققتها «داعش» في العراق بهذه السرعة كانت نتيجة «القرف» الكبير لدى سنّة العراق من تهميشهم وإخراجهم من المعادلة السياسية. ولذا آمل أن تتمكن الحكومة العراقية الجديدة من جمع كل المكونات العراقية، الأمر الذي إذا حصل في شكل سليم سيساعد في تسريع القضاء على «داعش».
? اللافت أن إيران وحلفاءها كانوا من أول مَن استشعروا خطر تنظيم «الدولة الإسلامية».. لماذا ابتعدوا أو أُبعدوا عن التحالف في مواجهة هذا الإرهاب؟
- لا أعتقد أن النظام السوري كان مستميتاً للدخول إلى التحالف، ولكن لا ننسى أن هذا النظام كان من أسباب ظهور «داعش». وفي العراق أيضاً فإن سياسة المالكي شجعت مع «القرف» السني على تقوية «داعش» داخل العراق.
? ماذا عن سبب الإبعاد أو الابتعاد؟
- أولاً، يجب ألا ننسى العامل الإسرائيلي بالنسبة إلى إيران. وأعتقد أن هذا الأمر لعب دوراً في موقف أميركا باستبعاد إيران. ويجب ألا يغيب عن بالنا أيضاً أن إيران تحارب جنباً إلى جنب مع النظام السوري داخل سورية. وكون سورية كانت من أسباب ظهور «داعش» فان إيران تتحمّل أيضاً مسؤولية كبيرة في هذا الشأن، لذا كان من غير المعقول، ولا تقبل الدول العربية، ولا سيما السعودية وسائر دول الخليج أن يكون لإيران والنظام السوري، الذي قتل شعبه على مدى ثلاث سنوات، دور في محاربة الإرهاب. فهذان الأخيران هما من تسببا بظهور الإرهاب وتمدُّده.
? خطر الإرهاب المتمثل بـ«داعش» فرض على اللاعبين الدوليين تعديلاً في أجنداتهم في المنطقة.. هل ستفسد سورية ما تحقق في العراق؟
- الأميركيون اتفقوا مع ايران إلى حد ما في العراق، ولا ننسى أن إيران قبل ظهور «داعش» لم تكن متساهلة، بل كانت تريد أن يكون لها الدور الأول والوحيد في العراق، لكن ظهور «داعش» أفشل مخطط المالكي، وتالياً أفشل مخطط إيران.
في سورية الوضع مختلف، فهناك إيران هي خلف النظام السوري وتمده بالمال والسلاح. لذا من غير الممكن أن تسمح الولايات المتحدة والدول العربية المعتدلة لسورية بأن يكون لها دور في محاربة «داعش».
? في ما يتعلق بلبنان؛ فهو شارك في لقاء جدة ومؤتمر باريس، وهو صاحب مصلحة في مكافحة الإرهاب، لكنه يحاذر الانضمام إلى محور ما. كيف سيدير لبنان برأيكم دفة هذه المعركة وهل من انعكاسات على وجوده، ولا سيما أنه في وضع ما «بين بين» أو بين فكي كماشة؟
- طبعاً الوضع في لبنان حساس، فنحن علينا أن نتبع دائماً سياسة النأي بالنفس وأن تتم وحدة وطنية حقيقية داخل لبنان بانتخاب رئيس جمهورية كي نتمكن من تجنيب لبنان هذا المخاض وهذه المخاطر التي تحوط بنا، بالإضافة إلى دعم الجيش بأسرع وقت، علماً ان التلكؤ الذي نلاحظه في دعم الجيش لا يجوز؛ الأموال موجودة فلماذا التأخير في تسليح الجيش؟
أنا أذكر أنه عندما خاضت إسرائيل الحرب في العام 1973، أقامت الولايات المتحدة جسراً جوياً لإسرائيل لإنقاذها. اليوم المال موجود، ويجب تسليح الجيش خلال شهر أو شهرين من مصادر مختلفة، إن كان من أوروربا أو أميركا أو أي مكان. من غير المعقول أن يبقى الجيش اللبناني من دون عتاد وقوة ضاربة ليتمكن من تأمين الحدود في الشمال الشرقي من لبنان.