«الراي» جالت في المنطقة والتقت مسلحين يستطلعون الأرض خشية أي «تسلّل»

«الأمن الذاتي» تسلّق جبل الشيخ من «تشققات» الزلزال السوري

تصغير
تكبير
الرحلة الى جبل الشيخ ليست بالأمر السهل، فطبيعة الارض والطريق الوعرة تضعك أمام مهمة صعبة للكشف عما يدور خلف تلك القرى «الدرزية» اللبنانية في منطقة راشيا الوادي (البقاع).

في الطريق الى جبل الشيخ، قليلاً ما تشاهد أو تصادف آلية او دورية للجيش اللبناني، بحال اردتَ الوصول عن طريق عيحاً صعوداً. علماً ان حدود القرى الدرزية في راشيا الوادي مفتوحة، نتيجة تداخُل الاراضي اللبنانية والسورية في مسارب جبل الشيخ، وهو ما جعل شريطها الحدودي أشبه بالشريط الوهمي. وسابقاً كانت هذه المسارب ممراً لعمليات التهريب من الطرفين، في المنطقة الواسعة الممتدة حوالي 30 كيلومتراً من حاصبيا لجهة شبعا الى شويا والخلوات ـ والكفير، مروراً بعين عطا وعين حرشا وبكيفا وراشيا وعيحا وكفرقوق ودير العشاير في منطقة راشيا. اما من الجهة الثانية فتترابط هذه القرى من الجانب السوري مع قرى حضر وبيت جنّ ــ عرنة ــ دربل ــ الريمة ــ بقعسم ــ قلعة جندل في القنيطرة، وصولاً إلى يعفور في ريف دمشق، مروراً بقطنا داخل الأراضي السورية.


عند التلال المطلّة على مسارب جبل الشيخ، ينتشر عدد من الشباب يحملون السلاح ويجوبون التلال المطلة على منافذ سلسلة جبال «حرمون»، بغية حراستها من تسلل مسلحي المعارضة السورية والمنشقّين عن الجيش السوري المرابض في الجهة الاخرى، ومنعاً لتهريب السلاح الى «المسلحين»، على حد تعبير «وسيم» الشاب الذي يقف بلباسه المدني ويحمل على كتفه «رشاشاً» حربياً نوع «كلاشنيكوف» ويرتدي جعبة عسكرية تتوزع على أطرافها ذخائر وقنابل.

خلال دقائق تجمّع نحو ستة مسلحين، حاولوا مراراً وتكراراً من خلال شرحهم أن يوضحوا ان وجودهم في الجبل هو «لحماية الاهالي»، بعدما شهدت القرى الدرزية في المقلب الآخر في الجهة السورية معارك ضارية بين «الجيش الحر» واللجان الشعبية سقط فيها عدد من القتلى والجرحى. ثم بحكم صلة القربى والمصاهرة بين عائلات القرى الدرزية والسورية الحدودية، تعكّرت الاجواء بين أبناء العرقوب «السنّة» المؤيدين للثورة السورية، وبين اهالي راشيا الدرزية، على اثر نقل جرحى من شبعا (ذات الغالبية السنية) الى مستشفيات البقاع الغربي في جب جنين للمعالجة، ما حدا بالتيارات السياسية النافذة في المنطقة والاحزاب الى عقد اجتماع موسع للتهدئة.

وعند بداية أحداث عرسال في 2 اغسطس الماضي، وانتشار حواجز الامن الذاتي في غالبية المناطق والقرى «الشيعية» في البقاع الشمالي، بدأت ظاهرة الامن الذاتي تطل في مناطق لبنانية أخرى، لتحل محل الدولة اللبنانية في مؤسساتها الامنية والعسكرية، المفترض انها الحامي الوحيد للناس على اختلاف طوائفهم ومذاهبهم.

ظاهرة «الامن الذاتي»، أخذت دورها في قرى راشيا، وهي تظهر في شوارع القرى وتحديداً عين عطا، كونها ترتبط بطريق حاصبيا - شبعا، التي كثيراً ما تسلكها سيارات الصليب الاحمر اللبناني لنقل الجرحى الذين اصبحوا ينقلون بفانات عمومية للركاب، بغية عدم استفزاز الاهالي، مما حدا بمسلحي الامن الذاتي، التابعين لحركة «النضال العربي» و»الحزب السوري القومي الاجتماعي» (مؤيدين للنظام السوري) الى توقيف فان بعد إطلاق النار عليه واصابة بعض مَن في داخله وتسليمهم للجيش، وهذه الحوادث المتكررة في المنطقة أوجدت حالة من البلبلة وطرحت السؤال عن الدولة ودورها.

المسلحون يقولون انهم نزلوا عند رغبات اهالي القرى بعد مشاهدة رعيان الماعز لمسلحين سوريين يختبؤون في احدى المغر في جبل عيحا. وبحسب «وليد» فهو ليس مرتاحاً لأن يكون حارساً عند التلال «لان هذا العمل يكلف جهداً كبيراً»، ويضيف: «يومياً اسير مشياً في هذه الجبال لأكثر من 10 كيلومترات، عدا عن وعورة الطريق. «لو في جيش كنا ارتحنا، نحن مش غاويين الامن الذاتي»، لكن ما حصل في عرسال جعلنا نستنفر كل قوانا لنحفظ هذه المنطقة».

لم ينكر «الشباب» انتمائهم لـ «حركة النضال» التي يتزعمها النائب السابق فيصل الداوود، ليردف «سليم» أن «هذه المنطقة فيها منافذ كانت تُستعمل سابقاً للتهريب بالاتجاهين، واليوم يستعملها المسلحون معبراً لهم ولتهريب السلاح»، موضحاً أن وجوده هنا «ليس لفتح معركة مع اي جهة انما للاستطلاع وتبليغ الاجهزة الامنية والعسكرية».

وفي عين عطا، لا يختلف المشهد سوى في ان المسلحين يجوبون الشوارع باسم «لجان شعبية» على مرأى من الجيش وقوى الامن الداخلي.

وحسب أحد المسلحين الذي رفض الافصاح عن اسمه وانتمائه، انهم يعتمدون على شبان حزبيين لهم في شبعا، يبلغونهم عن الاشتباه بسيارة او بأشخاص يستقلون فانات فتجري متابعتهم، وعلى اثرها يتم نصب الحواجز لهم، ويوقفون ويسلمون الى الجيش للتحقيق معهم، ومَن له علاقة بأي عمل ارهابي يجري توقيفه ومَن لا يثبت عليه شيء يُترك». لينهي حديثه «نحن نساعد الدولة ولا نحلّ محلها».

دويّ أصوات المدفعية والقذائف من المقلب الاخر، يُشعر زائر هذه المنطقة للوهلة الاولى انه في قلب المعركة. هذه الأصوات الآتية من خلف جبل الشيخ تقلق أهالي وادي التيم، الممتدّ في لبنان من حدود ينطا دير العشائر حتى شبعا، وخصوصاً أن الحدود باتت معبراً لمسلحي المعارضة الذين تأتي غالبيتهم الى شبعا بهدف زيارة عائلاتهم، عدا عن ان الجرحى الذين يتلقون العلاج في مستشفيات البقاع والمستشفيات الميدانية يُنقلون بعدها الى شبعا ليقضوا فيها فترة نقاهة، وما أن يرتاحوا حتى يعودوا الى ميدان المعركة، حسب احد الناشطين في العمل الاغاثي، معتبراً «ان ما يشاع عن أن هؤلاء الجرحى يشكلون خطراً هو كلام غير دقيق وغير صحيح، لان جميعهم يعودون من حيث أتوا بعد العلاج».

وعن تكرار سيناريو عرسال في جبل الشيخ وشبعا، ترفض فاعليات شبعا هذا الكلام، موضحة انه «مع البلدية وضعنا حدوداً لكل التحركات في شبعا، باستثناء المتعلقة بالعمل الاغاثي، وابلغنا الجميع ان شبعا لم تعد قادرة على استيعاب نازحين».

كما رفضت الفاعليات نفسها «ان تكون شبعا موضع شبهة»، موضحة «ان موقع البلدة الاستراتيجي يحتم عليها ان يلجأ اليها النازحون من بلدة بيت جن الحدودية».

الا ان قوى «8 آذار» ومؤيدي النظام السوري في لبنان وتحديداً في منطقة جبل الشيخ، يحذرون من تكرار سيناريو عرسال وجرودها، بحيث تكون شبعا وجرود جبل الشيخ مسرحاً «للمسلحين والارهابيين»، بحسب احد قياديي مجموعات «الامن الذاتي» الذي قال: «توجد في شبعا بيئة حاضنة لهؤلاء كما كان عليه الأمر في عرسال، اذ سرعان ما تحوّل عناصر «الحر» و«النصرة» الى تنظيم «داعش» الذي اراد إعلان إمارته من عرسال، وهذا ما نتخوف من ان يحصل في هذه المنطقة انطلاقاً من شبعا ولذا تحركنا، كي يعرف الجميع اننا لسنا لقمة سائغة».

وقدّرت بعض المصادر ان يكون عدد مسلحي الامن الذاتي في تلك المنطقة نحو 80 عنصراً من حركة «النضال» و«القومي»، مع غالبية ساحقة من «النضال»، مشيرة الى انه اذا وقع ما يستدعي «الاستنفار العام» فان عدد المسلحين حينها قد يصل الى 250 عنصراً من جميع الاحزاب بما فيهم «التقدمي الاشتراكي» التابع للزعيم الدرزي وليد جنبلاط.

وحسب رئيس حركة «النضال» فيصل الداوود، فان خطوة حراسة الحدود اتت نتيجة الفراغ الذي تركته المؤسسة العسكرية اللبنانية «ما حدا بالاهالي لأن يطالبوا الاحزاب في المنطقة بان تحمي القرى من اي تسلل لـ «داعش» وغيرها من التنظيمات الارهابية»، واضاف «ان عدم قدرة الجيش بعديده وعتاده على سد جميع هذه المنافذ الجبلية، رفع منسوب القلق لدى الاهالي من تسرب اي فتنة يمكن ان يسببها هؤلاء المسلحين. ولذلك كنا من اول المستجيبين لنداء الاهالي، حفاظاً على السلم الاهلي في المنطقة والتعايش المشترك، خصوصاً ان هذه المنطقة كانت شهدت تمركزاً للجيش اللبناني سرعان ما تم نقله الى اماكن ساخنة ومتوترة».

ولفت الداوود الى «ان هذه الخطوة هي بمثابة استطلاع استباقي، وان عملنا هو وراء الجيش وليس امامه، ونحن في خدمة الدولة ومؤسساتها»، مطالباً الدولة بـ «ان تعزز مراكز الجيش في هذه المنطقة، لأن وجود الجيش يزرع الثقة والطمأنينة بين الاهالي».

جنبلاط خلال جولة في حاصبيا والعرقوب: علينا بالوحدة ... التحالف الدولي لن يأتي بالعجائب

| بيروت - «الراي» |

يدرك الزعيم الدرزي وليد جنبلاط حجم الأخطار التي يواجهها لبنان في الأمن والسياسة، ويكاد لا يهدأ مع ارتفاع منسوب القلق الذي يساوره على المصير الوطني بسبب الموجات المتوالية من تداعيات الواقع اللاهب في سورية والعراق، وآخرها الارهاب المتمثل بتنظيم «الدولة الاسلامية».

ولم يخف جنبلاط، الذي يدير محركاته بقوة، مخاوفه كزعيم لواحدة من الأقليات (الدرزية) من مغبة امتداد نار الصراع المذهبي الى لبنان، لذا ضاعف من حركته الداخلية لكسر المأزق الرئاسي ويواصل جولاته الميدانية للحد من الاحتقان في البيئات الشعبية على وهج التفاعلات التي تحدثها أزمة النزوح السوري.

وقصد جنبلاط امس منطقة حاصبيا – العرقوب، وهي منطقة بالغة الحساسية كونها متاخمة للحدود السورية، وكانت شهدت احتكاكات قبل مدة بين «البيئة الدرزية» في المقلب اللبناني ومجموعات من النازحين السوريين، خصوصاً على تخوم بلدة عين عطا أثناء نقل جرحى من المقلب السوري الى أحد مستشفيات المنطقة.

وحرص الزعيم الدرزي، الذي استقبل من فاعليات المنطقة، الدرزية والسنية والشيعية، على التأكيد انه «ليس من فتنة ولن تحدث فتنة في هذه المنطقة طالما أبناؤها تمتعوا بالوعي الوطني والعربي والقومي». وقال: «أتيت الى حاصبيا والعرقوب، العرقوب الذي انطلقت منه الحركة والوطنية والمقاومة الوطنية ثم المقاومة الاسلامية، أتيت الى حاصبيا هذه المنطقة التي قسم من أرضها ما زال محتلا في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، علينا ان لا ننسى ان ارضنا محتلة».

أضاف: «لقد أتيت الى حاصبيا في يوم جميل وفرح لكنه حزين، إذ كل يوم نخسر شهداء من الجيش اللبناني، ان في الخطف أو المواجهة، فلتكن الأولويات ولنحاول ان نخفف من السجال السياسي الداخلي، ولنحاول ان نرشد الاعلام الذي بعضه يحلل ليهاجم الجيش وقدراته»، لافتاً الى ان «كل ما يقال عن المحور الدولي لا نظن انه سيقيم عجائب، وليتولى هذا المحور محاربة ما يسمى الارهاب في العراق، لكن هنا تبقى علينا المسؤولية بان نحمي الجيش ومؤسسات الدولة ونتضامن ونحاول ان نبعد الخلافات السياسية ونضعها جانبا من اجل حماية لبنان».
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي