مقال / حصاد الطغيان!

تصغير
تكبير
رأس الأسباب لما يجري الآن في عالمنا العربي، خصوصاً منه الدول التي شهدت نهوضاً شعبياً: الطغيان، والاستئثار بالسلطة، وإلغاء الآخر. ففي هذا أسُّ الأزمة والمحنة، وأسُّ كل مظهر من مظاهر التطرف والتسلّح والاقتتال!

فالطاغية العربي لا يريد أن يبني بلداً، ولا هو يفكر في ذلك أساساً. لا يريد أن يؤسس لمستقبلِ بلدٍ، ولا هو يفكر بذلك أساساً. قوة البلد ترعب الطاغية، تُشعره بأن ثمة من هو أقوى منه. وازدهار البلد يرعب الطاغية إذ يخالف ويناقض ما لأجله طغى الطاغية.

على البلدان المحكومة بالطغاة أن تبقى مزارع لهم. أن تكون مجرد مداجن وزرائب محكومة بهوى الطاغية ومزاجه وميوله الشخصية وزمرة دمه وعقده النفسية وعقد رجاله وعسسه ومستشاريه والدائرين في فلكه!

أي هيئة ممكنة. أي مؤسسة محتملة. أي قوانين ونواظم ليست ملك يديه، ورهن إرادته، وطوع سلطته المطلقة.. تشكّل خطراً حقيقياً على سلطته.

البلد العربي الذي يُلغى، ويتم شلُّ كل فاعلية فيه وكل نشاط داخله، وكل إبداع يظهر فوق أرضه، البلد الذي تُصادر فيه الحريّات، ويقمع الرأي الآخر، ويُلغى سوى التبخير للطاغية.. يضعف ويُصاب بالشلل كما أراد له الطاغية، لكنه ـ بالمقابل ـ لا ينهض ساعة تقتضي مصلحة الطاغية أن ينهض.

لن ينبت من أرض بلد حُكم بالطغيان لعقود وعقود سوى طغاة صغار وسوى متطرفين وفاسدين ومفسدين ووصوليين وانتهازيين وباعة قيم وضمائر. لن ينبت سوى رجال عسس إضافيين على جيش عسس الطاغية ارتبطت حيواتهم وعيش عائلاتهم بخدمة الطغيان والاستزلام له.

البلد المحكوم بالطغيان هو الأرض المناسبة بامتياز لتوليد الغلّ والحقد والضغينة في نفوس الناس المحكومين ولتوليد الترصّد والتحفّز للانقضاض على كل شيء ولتدمير كل شيء وللإطاحة بكل شيء.

المهمّش، والمظلوم، والمقهور، والمجوَّع، والمنبوذ، والمصادرة حقوقه، لا يمكن له حين ينفجر أن يتناثر على أشكال هندسية منظّمة وذات أطوال موّحدة! ولا يمكن له، حين ينفجر، أن يتطاير في اتجاهات مرسومة بدقة ونحو أهداف بعينها لا يحيد عنها!

ربما من قبيل الأحلام، أو الأوهام، أن نأمل انفجاراً «محترماً» منظّماً، يقوم على أسس، وينشد أهدافاً، ويسلك عبر مسالك محددة وموصلة إلى الأهداف، ويكون كلاً جامعاً موحّداً مثل حبّات السبحة في خيطها!

من قبيل الأحلام والأوهام، أن يكون ذلك كذلك بعد طغيان يدوم لعشرات السنين، زارعاً الفساد والشرور والوصولية والانتهازية، ومحكماً آلة الطغيان إحكاماً شديداً لا منفذ له، ولا بصيص ضوء، ولا أيّ متنفّس من أي نوع أو شكل!

من قبيل الأحلام أو الأوهام أو الأمنيات التي ظهرت في العديد جداً من المقالات والمقابلات والحوارات التي جرت وتجرى اليوم في مختلف البلدان العربية، ومن خلال مختلف وسائل الإعلام وهي أمنيات طيبة، لكن طيبتها تتجاوز الواقع، وتصرف النظر أو تغضّ البصر عن حقيقة أشدّ بداهة من البداهة وهي أن الطغيان حين يربض على حيوات الناس، في وضح النهار، وتحت أنظار العالم كله دون استثناء، ولزمن يساوي أجيالاً، لن يُنتج بالمطلق غير ما نشهده اليوم من نتائج على الأرض العربية.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي