مقال
الزجاجة والفيل!
أراد صديقي الشاعر، المشرف على منتدى ثقافي عربي، أن يقيم أمسية شعرية مختلفة عن المعتاد، وذلك بأن يجمع عدداً من القصائد الشعرية لعدد من الشعراء العرب، بصرف النظر عن الأجيال التي ينتمون إليها، تكون هذه القصائد قد استلهمت موضوعها من الربيع العربي وفق تجلّيه في نهوض شعوب عدد من بلداننا العربية.
وفكّر بألا يتمّ إلقاء القصائد من قِبل أصحابها، وإنما من مجموعة ممثلين مسرحيين محترفين، وبإشراف مخرج متميّز، يدير الممثلين على الخشبة وينوّع في أساليب الإلقاء وتوزيع الإضاءة وما إلى ذلك.
بالطبع، الفكرة ليست جديدة، تمّ تنفيذها من قبل في عروض عديدة قُدِّمت في أكثر من بلد عربي. ولذا لا أتحدث عنها هنا بصفتها جديدة مبتكرة بل لسبب آخر سأوضحه في ما يلي:
بالطبع قام صديقي بجمع بعض القصائد من أصحابها، وبعضها من خلال المعارف والأصدقاء، وبعضها الثالث من خلال المنشور على مواقع الانترنت المختلفة.
ومثل أي نتاج أدبي، كان ثمة فوارق في المستويات الفنية للقصائد، ودرجات مختلفة من حيث التعبير عن الحدث وأساليب متنوعة وما إلى ذلك.
لكن الأمر الرئيس الذي تكشّف لصديقي، وكان مشتركاً بين القصائد على اختلافها واختلاف شعرائها، هو أنها لم تستطع تمثّل الحدث الكبير والتعبير عنه!
وحين سألت صديقي عمّا يعني تماماً أجابني بأنه لا يقصد أن القصائد لم ترتقِ إلى مستوى الحدث، بل هي لم تستطع استيعاب الحدث وتمثّله، فظلت على الدوام أدنى منه رغم أن بعضها كان رمزياً وبعضها الآخر عاطفياً وجدانياً، وبعضها الثالث خطابياً مباشراً إلا أنها في الإجمال كانت أقل تعبير وأضعف مما يحدث على الأرض.
وختم صديقي كلامه بالقول: أحسست أن ما يجري على الأرض أكثر هولاً، وأعمق غوراً، وأبعد أثراً حالياً ومستقبلياً مما جاءت عليه القصائد.
تحدثنا بعد ذلك كثيراً. عاودنا قراءة القصائد معاً. وتوقفنا مع عدد منها. وتأثرنا بالصدق الذي ميّز بعض القصائد عن بعضها الآخر... غير أن الأمر بدا لنا كما لو كنا نحاول إدخال فيل في زجاجة!
لا ذنب للزجاجة، ولا ذنب للفيل!
لا ذنب للشعر والشعراء، ولا ذنب لضخامة ما حدث ويحدث. لا ذنب لشدّة الزلزال. ولا ذنب لعمق التصدّعات التي خلّفها الحدث ويخلّفها الآن في مجتمعاتنا.
وبدقة يمكن القول إنه ما من ذنب، ولا من مذنب أساساً. كل ما في الأمر أن الكتابة العربية ـ شعراً ونثراً ـ لم يواجه أصحابها حدثاً جللاً بهذا الحجم والاتساع وقوة الأثر. لم نواجه جميعنا ـ كتّاباً وغير كتّاب ـ ثورات أو هبّات أو انتفاضات شعبية ـ ليكن اسمها ما يكون ـ على غرار ما حدث منذ نهوض تونس إلى اليوم.
وهنا بالضبط يكمن الموضوع. لا عهد للكتّاب ولا للفنانين ولا لمختلف المبدعين بأحداث كهذه وبانعطافات كبرى كهذه. إننا أمام ظاهرة غير مسبوقة في تاريخنا الحديث والمعاصر، الأمر الذي يجعل من الصعب بل والمستحيل التعبير عنها سواء من خلال قصة أو شعر أو رواية أو غير ذلك. يقول صديقي: ولعل هذا المستحيل هو ما جعلني امتنع عن كتابة ولو قصيدة واحدة عمّا حدث.
وفكّر بألا يتمّ إلقاء القصائد من قِبل أصحابها، وإنما من مجموعة ممثلين مسرحيين محترفين، وبإشراف مخرج متميّز، يدير الممثلين على الخشبة وينوّع في أساليب الإلقاء وتوزيع الإضاءة وما إلى ذلك.
بالطبع، الفكرة ليست جديدة، تمّ تنفيذها من قبل في عروض عديدة قُدِّمت في أكثر من بلد عربي. ولذا لا أتحدث عنها هنا بصفتها جديدة مبتكرة بل لسبب آخر سأوضحه في ما يلي:
بالطبع قام صديقي بجمع بعض القصائد من أصحابها، وبعضها من خلال المعارف والأصدقاء، وبعضها الثالث من خلال المنشور على مواقع الانترنت المختلفة.
ومثل أي نتاج أدبي، كان ثمة فوارق في المستويات الفنية للقصائد، ودرجات مختلفة من حيث التعبير عن الحدث وأساليب متنوعة وما إلى ذلك.
لكن الأمر الرئيس الذي تكشّف لصديقي، وكان مشتركاً بين القصائد على اختلافها واختلاف شعرائها، هو أنها لم تستطع تمثّل الحدث الكبير والتعبير عنه!
وحين سألت صديقي عمّا يعني تماماً أجابني بأنه لا يقصد أن القصائد لم ترتقِ إلى مستوى الحدث، بل هي لم تستطع استيعاب الحدث وتمثّله، فظلت على الدوام أدنى منه رغم أن بعضها كان رمزياً وبعضها الآخر عاطفياً وجدانياً، وبعضها الثالث خطابياً مباشراً إلا أنها في الإجمال كانت أقل تعبير وأضعف مما يحدث على الأرض.
وختم صديقي كلامه بالقول: أحسست أن ما يجري على الأرض أكثر هولاً، وأعمق غوراً، وأبعد أثراً حالياً ومستقبلياً مما جاءت عليه القصائد.
تحدثنا بعد ذلك كثيراً. عاودنا قراءة القصائد معاً. وتوقفنا مع عدد منها. وتأثرنا بالصدق الذي ميّز بعض القصائد عن بعضها الآخر... غير أن الأمر بدا لنا كما لو كنا نحاول إدخال فيل في زجاجة!
لا ذنب للزجاجة، ولا ذنب للفيل!
لا ذنب للشعر والشعراء، ولا ذنب لضخامة ما حدث ويحدث. لا ذنب لشدّة الزلزال. ولا ذنب لعمق التصدّعات التي خلّفها الحدث ويخلّفها الآن في مجتمعاتنا.
وبدقة يمكن القول إنه ما من ذنب، ولا من مذنب أساساً. كل ما في الأمر أن الكتابة العربية ـ شعراً ونثراً ـ لم يواجه أصحابها حدثاً جللاً بهذا الحجم والاتساع وقوة الأثر. لم نواجه جميعنا ـ كتّاباً وغير كتّاب ـ ثورات أو هبّات أو انتفاضات شعبية ـ ليكن اسمها ما يكون ـ على غرار ما حدث منذ نهوض تونس إلى اليوم.
وهنا بالضبط يكمن الموضوع. لا عهد للكتّاب ولا للفنانين ولا لمختلف المبدعين بأحداث كهذه وبانعطافات كبرى كهذه. إننا أمام ظاهرة غير مسبوقة في تاريخنا الحديث والمعاصر، الأمر الذي يجعل من الصعب بل والمستحيل التعبير عنها سواء من خلال قصة أو شعر أو رواية أو غير ذلك. يقول صديقي: ولعل هذا المستحيل هو ما جعلني امتنع عن كتابة ولو قصيدة واحدة عمّا حدث.