يعرض على شاشة «الراي» يومياً خلال رمضان

«ريحانة».... المرأة التي هزمت العنف الاجتماعي

تصغير
تكبير
• حياة الفهد تفرّغت لهذا العمل... فأمتعت الجمهور وحققت ما أرادت

• عبد المحسن النمر قدم شخصية جديدة أضافت إليه الكثير مع زهرة عرفات

• عبد الله بوشهري وأسيل عمران يعيدان الزمن الجميل للرومانسية

• صلاح الملا الضاحك الباكي... يتفاعل بملامحه مع كل مشهد درامي
ما زالت سيدة الشاشة الخليجية الفنانة القديرة حياة الفهد تمتع جمهورها من خلال مسلسل «ريحانة»، والذي يعرض عبر شاشة تلفزيون «الراي» خلال رمضان مع مجموعة من النجوم بينهم عبد المحسن النمر، صلاح الملا، أحمد السلمان، زهرة عرفات، عبير أحمد، عبد الله بوشهري، أسيل عمران، مي عبد الله، مي البلوشي، غرور وغيرهم. فمنذ الحلقات الأولى للعمل، بات من الواضح تركيز الفهد على تقديم مفهوم جديد للدراما في منطقة الخليج تعتمد على كشف قضايا جوهرية وطرح يحمل تطوّراً حقيقياً لهذه الصناعة التي اعتمدت خلال السنوات الماضية على قضايا معلّبة ومكررة في غالبية الأعمال، لكنها أدركت أن الجمهور قد سئم من هذا التكرار، وهو ما جعلها تتفرغ تماماً هذا الموسم للبحث عن حكاية جديدة تليق بجمهورها وتاريخها الفني فقدمت لنا هذا المسلسل.

الحكاية بدأت منذ المشاهد الأولى للعمل من خلال عدد من الخطوط الدرامية التي استلهمت شغف الجمهور، امرأة تعرضت للعنف منذ الصغر من قبل أخيها لمجرد أنها تريد أن تتعلم، لدرجة أنها أصيبت في يدها التي من المفترض أن تتسلح بالعلم من خلالها. وبعدما نضجت وامتلكت خبرة الحياة، أرادت أن تضع حداً للعنف الذي تتعرض له بقية النساء من جميع أطياف المجتمع، سواء من الأهل أم الزوج أو غيرهم، فقامت بتأسيس دار أطلقت عليها «دار الأمان» تستطيع أي امرأة لا تجد مأوى أن تأتي إليها بشكل قانوني من أجل مساعدتها في حل مشكلتها أو للإقامة فيها. هذه الدار التي ظهرت فيها نماذج كثيرة لنساء تعرضن للعنف وحكاية مختلفة لمجموعة من النساء والأطفال. ولعل من يقرأ الأحداث جيداً والتفاصيل وينظر حوله بشكل متجرد، سيجد أنها حكايات موجودة، ولكن للأسف مسكوت عنها بفعل العادات والتقاليد تارة، أو قلة الحيلة تارة أخرى. وبعضها قد يكون موجوداً بين أورقة المحاكم والمخافر، ولعل الملفت في الأمر أن مثل هذه الحالات مع الأسف الشديد تحدث داخل بعض الأسر المعروفة أو التي لها وضعها المرموق في المجتمع، لكن المسلسل كشف المستور ونفض الغبار عنها. ولعل وجود صراع آخر في المسلسل تعرضت على إثره للخطف» فضيلة» ابنة ريحانة مديرة ومؤسسة هذه الدار كنوع من الإبتزاز والضغط عليها لتغلق باب الدار في وجه بعض النساء كان خير شاهد، إلا أنها لم تتخل عن مبادئها رغم الخطر التي يهدد كيانها وأسرتها.

ليس هذا فحسب، بل إن ريحانة تواجه صراعاً إدارياً من نوع آخر داخل المؤسسة نفسها، سواء من خلال أنيسة، وهي شخصية تجسدها مي البلوشي وأحد الصحافيين الذي يحاول بقدر الإمكان أن يضع العديد من العراقيل والفتن ليحاول أن يوظف زوجته في الشؤون المالية للدار طمعاً في مقدراتها.

الأمر الجميل في مسلسل «ريحانة» أن حياة الفهد ابتعدت فيه عن دور المرأة المغلوب على أمرها، وظهرت في قمة حيويتها بـ»لوك» جديد يتناسب تماماً مع الشخصية التي تجسدها وكذلك الصراع الذي يدور بينها وبين زوجها «أبو عمر»، وهي شخصية الفنان صلاح الملا. وحاولت الفهد في سياق الأحداث أن تحافظ على أسرتها وتظهر كامرأة معتدلة متصالحة مع نفسها في التعامل مع بيتها ومع الآخرين رغم كم الضغوط التي تتعرض لها لأنها مصممة أن تنتصر على هذا الكمّ من المشاكل التي تواجهها، خصوصاً العنف الاجتماعي، وهي القضية المحورية للعمل. كما جسدت الفهد بعض الحوارات الرائعة، حين قالت في أحد المشاهد إن هذه الدار لكل العرب والمسلمين، كما هي حال الديرة عندما قصدت الدار سيدة غير كويتية «دنيا» وقالت أنا غريبة.

الفنان صلاح الملا «أبو عمر» شخصية تعرف جيداً متى تتفاعل مع الأحداث، وكثيراً ما يجعل المشاهد في حيرة من أمره، فهو يخلق أجواء الكوميديا كلما أراد والتراجيديا أيضاً كلما شعر بأن هناك حاجة لها. لكن من الصعب أن تغفل له مشهداً واحداً، لأنه يلوّن في أدائه ببذخ ويعرف متى يغيّر ملامحه وتحركاته في «اللوكيشن» وله نظرات ثاقبة، فاستطاع أن يباري الفهد ويتحرك في مساحة متميزة وساهم بشكل كبير في رسم صورة للحياة داخل أسرة فيها امرأة تهتم بعملها وتدافع عن مبادئها بحركاته وإيماءاته وحالته المضحكة الباكية ودهائه في أحيان كثيرة، بينما يجسد الفنان عبد المحسن النمر شخصية «معاذ» زوج زهرة عرفات «سمية» التي يحاصرها بشكه وغيرته غير المعقولة كونها كانت متزوجة من قبل، لدرجة أنه استخدم معها العنف أكثر من مرة لتهرب منه إلى دار الأمان.

النمر يقدم شخصية جديدة كلياً في هذا العمل، واستطاع أن يتعايش معها ببراعة وتقمّص السلوك النفسي والحركي لها بشكل جيد لدرجة كبيرة، في حين أضفت زهرة عرفات خطوة مهمة في مسيرتها الفنية من خلال شخصية سمية، المرأة التي تواجه شخصاً غير سويّ نتيجة ظروف لا ذنب لها فيها. فهي المرأة التي تزوجت من قبل أكثر من مرة وأحبها شخص وأنجبت منه طفلة، لكنه حوّل حياتها إلى جحيم نتيجة الشك والغيرة وراح يراقبها ويعنّفها بالرغم من أنه في قرارة نفسه ما زال يحبها ولا يستطيع أن يبتعد عنها. عرفات التي تعرضت للظلم في حياتها الزوجية، نجحت في أن تجعلنا نعيش حالتها ونتعاطف معها خلال الحلقات التي شاهدناها، لكن من الواضح أن شخصيتها تخفي الكثير تجاه عبد المحسن النمر.

أجواء رومانسية

في مسلسل «ريحانة» صراع آخر، ولكنه صراع رومانسي تفوح منه رائحة الحب والغرام، وهو بعد درامي يجذب الكثيرين من الجيل الجديد ويحافظ على توازن الحكاية. إنها قصة الفنانة أسيل عمران والفنان عبد الله بوشهري، أو «حسين وثريا»، وهي حكاية على طريقة روميو وجولييت، شاب من أسرة فقيرة يعمل في «السكراب»، يقع في غرام طالبة جامعية من أسرة مرموقة والدها يرفض زواجه منها، إلا أن الأحداث تسير على عكس الاتجاه حيث تتمسك ثريا بحبها من حسين وتهرب معه ثم يطارده حاشية والدها ورجاله، بالرغم من أن الأحدث تؤكد لنا براءة الحب وسلامة أهدافه ونبل مقاصده. وقد استطاع بوشهري أن يعيد أيام الزمن الجميل من الرومانسية وبساطتها رغم أمنياته كشاب فقير يعمل في «السكراب»، لكن سلوكه وأهدافــــــــه وأداءه الصــــادق كانت هي مؤهلاته ليكون فارس أحلام أسيل عمران التي تقدم أفضل أدوارها على الإطلاق في هذا العمل، وهو ما يُحسب للمخرج سائد الهواري الذي استطاع أن يوظف إمكاناتها وبراءتها بشكل رومانسي متميّز، وقد أجادت بشكل كبير. وبعد هذا العمل سيكون لها شأن مختلف.

كذلك الفنان أحمد السلمان الذي يتميز بلزمة «يسعدلي»، يقدم حكاية في كل مشهد من خلال سخريته وأجوائه الشريرة والكوميدية أيضاً، ويثبت هو الآخر أن لديه إمكانات جبارة تحتاج إلى من يستغلها بشكل متميز. كما أن عبير أحمد التي عادت أخيراً إلى الساحة الفنية بشكل و»لوك» جديدين، تقدم نموذجاً للفنانة المحترفة التي تعرف ماذا تقول، فهي تقدم شخصية فتاة مصرية ولدت في الكويت وأحبت شخصاً وتزوجته وتخلى عنها هي وابنها، ولكن رغم مشاكلها تبهر من حولها وتعيش مشاكلهم، فهي كالفراشة تحلّق وتعيش دورها بشكل مبهر تجعل المشاهد يتعاطف مع دنيا الزوجة التي قهرتها الحياة وكذلك دنيا التي تحتفظ بجمالها وأنوثتها.

أما الفنانتان مي عبد الله ومي البلوشي، فتقدم كل منهما مساحة مختلفة، فالأولى هربت مع أولادها من أبيها الذي حاول أن يزوجها من رجل يكبرها في العمر ولجأت إلى دار الأمان لتعيش على ذكرى زوجها المتوفى، بينما تجسد البلوشي دور امرأة قوية تعمل إدارية في الدرار، الكلمة الأولى والأخيرة لها بعد ريحانة، حادة في التعامل مع النزلاء، وقد لاحظ الجميع التغيرات التي قدمتها من أجل هذا الدار، ولذلك ستكون شخصية أنيسة من أهم الأدوار التي تقدمها البلوشي في مسيرتها الفنية. كما أن هناك الكثير من الشخوص في المسلسل يقدمون أدواراً متميزة، ولعل جهد المؤلف حسين المهدي في تقديم حكاية لها علاقة بالواقع جعل هناك مصداقية كبيرة، ليس في الأحداث فحسب، ولكن فــــي أداء الفنانين إذا ما وضع في الاعتبار أن مجمل القضايا التي يتبناها المسلسل يخشى المجتمع أن يكشف عنها أو أن يتم الخوض فيها بالرغم من أنها متواجدة بقوة. كــــــــما أن تعدد الخطوط الدرامية في المســــــلسل جعل المشاهد يترقب الحلقات.

وقد استطاع المخرج سائد الهواري أن يجعل المشاهد يعيش حالة جديدة في الدراما الخليجية بعدما خرج عن التقليد المتعارف عليه بعيداً عن الفلل والقصور والحوائط، وذهب إلى «السكراب» واستخدم «الأكشن» بشكل رائع من دون مبالغة أو نفخ عضلات، لا سيما عند خطف «فضيلة»، وكذلك في تعامل رجال أبو ثريا مع عبد الله بوشهري، ولكنه في النهاية قدم الحالة التي يريدها من دون إثارة مبتذلة أو خروج عن المألوف. ولعل استخدامه «للكروسات» في تقطيع المشاهد كان جيداً، وأيضاً عدم اعتماده على الإبهار في الإضاءة جعلته يقدم للمشاهد حالة درامية حقيقة تحتمل قراءة كثيرة وتطرح آراء متعددة علها تجد حلولاً منطقية في زمن ضعفت فيه القيم وساد فيه اللامعقول وأصبح كل شيء مباحاً.

في الختام، تبقى حياة الفهد نموذجاً فريــــــداً في هذه المنطقة من العالم العربي، تسعى دائماً من خلال خطواتها الفنــــــية أن تقـــــدم لنا في كل عمل شيئاً جديداً وحكاية مختلفة، وفي مسلسل «ريحانة»، كانت بصماتها واضحة في كل مراحله، ويبقى انتقاؤها لأعمالها شـــــيئاً يفخر به كل فنان يشاركها في هذا العمل الذي حاولت من خلاله أن تهزم العنف الاجتماعي وتحلحل الكثير من القضايا، بل وتحل الكثير منها، لذا ستظـــــل دائماً هي سيــدة الشــــاشة الخليجية.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي