الرأي اليوم / مع الاحترام الشديد ... الكويت ليست محايدة

تصغير
تكبير
دائما ما يتم الخلط بين سياسة التوازن الخارجية الكويتية وبين الحياد أو عدم الحياد، فالتوازن الذي كان سمتنا الديبلوماسية لا يعني على الإطلاق أن الكويت موقفها رمادي هنا أو «مسايرة» هناك أو موافقة في مواقف كثيرة.

الفارق بين الموقف السياسي الكويتي ومواقف الدول الأخرى القريبة والبعيدة يستند بشكل أساسي على أربعة أمور:


أولا، الكويت أسست مدرسة ترفض الانفعال والجنوح إلى التطرف في اللغة والتعبير مهما كانت التحديات كبيرة أو التطورات مشتعلة.

ثانيا، الكويت من الدول القليلة التي تضع حسابات المستقبل قبل حسابات الحاضر عند اتخاذ أي موقف، بمعنى أنها لا تصفق مؤيدة لطرف حقق راهناً انتصاراً ما في السياسة أو العسكر بل تقرأ جيداً المعطيات السياسية والمواقف الدولية لبناء تصور منطقي لما ستؤول إليه الأمور كي لا تقع في مطبات الإحراج التي وقع فيها الآخرون.

ثالثا، إن أداة التعبير عن الموقف تستند الى خبرة عريقة تمتد لأكثر من نصف قرن، اسمها الديبلوماسية الهادئة والفاعلة. ديبلوماسية صامتة تقوم على مبدأ التوازن واحترام مختلف المواقف والبناء على المشتركات للخروج بحلول بلا صخب أو ادعاء أو دعاية.

رابعا، لا يمكن للكويت الرسمية وتحت أي مسمى أو ذريعة أن تقبل بالتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، لا بشكل مباشر ولا بشكل غير مباشر.

... ومع ذلك، فالكويت ليست محايدة.

وكيف تكون الكويت محايدة امام ملفات تبدو ظاهرياً بعيدة عن الحدود لكنها عملياً قد تنقل النار إلى صحن الدار؟

لنكن صريحين أكثر، في مواضيع التطرف الديني أو المذهبي لا يمكن للكويت أن تكون محايدة. ومع الاحترام لكل الأصوات التي طالبت الحكومة بأن تنأى عن نفسها في ما يتعلق بالتطورات العراقية والسورية وسيطرة تنظيمات متطرفة على مناطق كبيرة، فإن الكويت لا يمكن أن تنأى عن نفسها لأن التطورات بحد ذاتها امتدادية توريطية. وأيضا لا يمكن أن تنأى عن نفسها إزاء ما يعتبر أخطاء فادحة في عملية سياسية يشعر معها كثيرون بالإقصاء والتهميش ما يولد بيئة بائسة يائسة حاقدة تسمح باحتضان التطرف.

في الموضوع الإيراني أيضا الكويت ليست محايدة، فهي تلتزم الموقف الخليجي الموحد، لكنها في الوقت نفسه تدرك تمام الإدراك أن الاستقرار والأمن الإقليميين مصلحة كويتية وسعودية وبحرينية وقطرية وإماراتية وعمانية قبل أن يكونا مصلحة أميركية، وأن إيران المتعاونة العاقلة المتصالحة مع جيرانها أقرب إلى دول الخليج من العم سام، وأن التوتر في المنطقة وإن ساهمت فيه بطريقة أو بأخرى مواقف ايرانية عدائية ضد هذه الدولة أو تلك إلا انه قد يكون أيضا جزءاً من لعبة الأمم يتقاذف الكرة فيها كثيرون قبل أن تنتقل إلينا كرة من... نار.

وفي الموضوع الإيراني أيضا تعرف الكويت أكثر من غيرها أن الأميركي الذي يجيش المنطقة ضد إيران يمكنه أن «يبيع» المنطقة في لحظة إن اتفقت مصالحه مع إيران.

تدرك الكويت أن الدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة ليست جمعيات خيرية من جهة، ولا تعرف الكثير عن المنطقة من جهة أخرى. ولذلك فهي تبحث عن صيغة يكون القرار فيها تماما بيد أهل المنطقة دون إغفال عوامل المساعدة والتعاون والصداقات الدولية. لكن ان يساعدنا الأميركي شيء وأن نكون جزءاً من استراتيجيته شيء آخر، خصوصا أن ما حصل في أفغانستان والعراق وسورية ولبنان ومصر وليبيا وغيرها، دل دلالة قاطعة على واحد من أمرين: إما أن الأميركي يريد تعميم فوضى وانقسامات لا مثيل لها تعيد رسم خطوط الدول، وإما أنه يجرب بالبشر والحجر تحت شعارات عامة لكنه يصطدم بواقع جهله للمنطقة ونسيجها الاجتماعي... وفي الحالتين تفضل الكويت أن تبقى شعاب مكة بيد أهلها.

لا يمكن أن تكون الكويت محايدة في ما يتعلق بالتطرف، خصوصا في عهد الرئيس باراك أوباما الممتد لولايتين، فهذه الإدارة الأميركية قررت تحويل الشرق الأوسط الى حقل تجارب لاختبار قدرة التيارات الدينية السنية والشيعية على الحكم وتقديم نماذج مختلفة عن السائد حاليا. طبعا لا يهم واشنطن ان اشتعلت المعادلات وتحطمت أجزاء من المختبر وانفجرت عبوات وتذابح العاملون والخبراء... طالما أن الأرض ليست أرضهم وما دام سيد البيت الأبيض ترك العرب عرضة لهجمات المتطرفين بدل المارينز الذين سحبهم... لا تستطيع الكويت مسايرة الأميركيين في بناء هذا المختبر ولا تتحمل بالتالي عواقب المشاركة في إنتاج التطرف والإرهاب.

من فلسطين إلى لبنان، ومن سورية إلى العراق، ومن مصر إلى ليبيا فتونس والمغرب والجزائر، ومن اليمن إلى دول العرب الأفريقية المنسية... لم تكن الكويت محايدة على الاطلاق. انتجت تسويات هادئة ناجحة في الكثير من الأوقات لكن الصخب العربي لا تعجبه التسويات الهادئة والفشل العربي يكره النجاح.

جاسم بودي
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي