وليد الرجيب / أصبوحة

الواقع المصري الآن

تصغير
تكبير
في حواراتي مع بعض الوطنيين والتقدميين المصريين، حاولت فهم واقع اللحظة الآنية في مصر بعد إقرار الدستور الجديد وانتخاب عبدالفتاح السيسي رئيساً للجمهورية، وهل حدث التغيير المطلوب الذي يُلبي طموحات الشعب المصري ويحقق أهداف الثورة بموجتيها 25 يناير و30 يونيو.

أخبرني هؤلاء الأصدقاء أنه لم يحدث حتى الآن أي تحول جوهري في ممارسات السلطة الاجتماعية والاقتصادية، وإن موقف القوى الوطنية والتقدمية سيتحدد على أساس ممارسات السلطة الفعلية، والإجراءات التي تتخذها ومدى اقترابها وابتعادها عن أهداف وبرنامج القوى الديموقراطية والوطنية والتقدمية.


وحول تحديد التناقض الأساسي الآن إن كان لا يزال بين الشعب المصري وقواه السياسية وبين الإرهاب، يرى هؤلاء الأصدقاء أن الإرهاب بدأ يتقلص الآن بعد تصدي الجيش والشرطة له وللعنف الذي مارسه الإخوان المسلمين، مما أضعف تأثيرهم على الجماهير التي كشفت مخططاتهم بعيدة المدى وخطرهم على أمن مصر وشعبها وارتمائهم في أحضان الولايات المتحدة وإسرائيل، وتخليهم عن الشعب الفلسطيني وقضيته.

وأصبح التناقض الرئيسي الآن في المجتمع المصري هو بين كافة القوى الوطنية والديموقراطية والتقدمية المعبرة عن مصالح الجماهير الشعبية وفي مقدمتها العمال والفلاحون في مواجهة الامبريالية العالمية بقيادة الولايات المتحدة وحلفائها في الداخل والخارج، الذين يمثلون مصالح الرأسمالية الكبيرة التابعة وخاصة شرائحها المالية والتجارية من قوى اليمين المدني والديني، وهذا يتطلب تحالفا وطنيا واسعا يضم قوى وأحزاب اليسار والأحزاب القومية والناصرية والقوى الشبابية، إضافة إلى المنظمات العمالية والفلاحية التي تسعى إلى التغيير الحقيقي.

وإن أهداف هذه القوى هي إنهاء التبعية وتحقيق الاستقلال الوطني، وتحقيق العدالة الاجتماعية بمفهوم منحاز للفقراء والكادحين، ومواجهة الإرهاب الذي يقوض الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، وإصدار التشريعات التي تنظم الحقوق والحريات الواردة في الدستور، والتأكيد على حق التظاهر والإضراب والاعتصام، واستقلالية التنظيم النقابي وكافة منظمات المجتمع المدني، وتحقيق تنمية شاملة معتمدة على الذات تستند على القطاعات الإنتاجية وعلى دور رئيسي للدولة والقطاع العام والتعاوني، ومكافحة الفساد والاحتكار.

أما السياسة الاقتصادية الحالية فتعطي مؤشرات سلبية في ما يخص متطلبات الشعب الذي ضحى من أجل التغيير، ويرون أن تحميل الجماهير سرقات اللصوص والفاسدين الذين أهدروا ثروات الشعب وموارد البلاد هو أمر مرفوض، ولذا يجب فرض ضريبة تصاعدية على أصحاب الدخول العالية والشركات وخاصة قطاعات الاستثمار العقاري والمالي.

كما أن زيادة أسعار الخدمات والطاقة مثل الوقود والكهرباء والسلع الغذائية، هي في واقع الأمر تعني تحميل الجماهير الشعبية تبعات الأزمة الاقتصادية والعجز في الميزانية، وهذا سيوسع من الهوة الطبقية، كما يجب النظر إلى أن انتخاب السيسي بإرادة شعبية لا يعني شيكاً على بياض، فالشعب المصري تعلّم منذ سنوات أنه لا يوجد رئيس للجمهورية سواء السيسي أو غيره في منأى عن الثورة والتغيير بيد الشعب، إذا لم يلبي مصالح الغالبية العظمى من الشعب خصوصا الفقراء والكادحين والمهمشين لتحقيق العدالة الاجتماعية، وتنمية شاملة تعيد توزيع الثروة والدخل لصالح غالبية الشعب المصري، وإن ما يحدث الآن هو حالة من الترقب في انتظار قرارات ومواقف وإجراءات ملموسة من أجل تغيير السياسات والممارسات، بما فيها تقييد الحريات الذي ما زال مستمراً حتى الآن بمبررات مختلفة، وضرورة الضغط من أجل إقامة نظام يحقق مصالح الطبقات الشعبية ويساهم في إنجاز مهام التحرر الوطني والديموقراطي والاجتماعي الأساسية.

ونخلص من ذلك أن الثورات العربية لم تنته بعد، وقد تليها موجات ثورية جديدة في حال عدم تحقيق الأهداف التي قامت من أجلها الثورات، وإن الشعوب ماضية في طريق الثورة وأهدافها ستتحقق آجلاً أم عاجلاً، ولن تنخدع بالوعود المجردة المتناقضة مع الأفعال الملموسة على الأرض، فكما سقط حسني مبارك وسقط محمد مرسي لن يكون أي رئيس أو نظام محصن ضد الإسقاط والتغيير سواء السيسي أو غيره.

وليد الرجيب

osbohatw@gmail.com
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي