خواطر تقرع الأجراس

ثقافة... الديجتال

u0645u0635u0637u0641u0649 u0633u0644u064au0645u0627u0646
مصطفى سليمان
تصغير
تكبير
لا حضارة بلا ثقافة. ولا ثقافة بلا كتاب. ولا كتاب بلا قارئ جاد. معادلات ثلاثية الأبعاد، وبخاصة في عصر العولمة. فأين نحن من هذه الأبعاد الثلاثية؟

لا حضارة نؤسس لها سوى الحضارة الاستهلاكية المستوردة من وراء البحار، والمثبّطة للإبداع الحضاري الحقيقي.

ولا ثقافة نؤسس لها إلا ثقافة التسطيح والتخلف والتطرف، وثقافة الكراسي السلطوية الحارقة، المحروقة!

ولا كتبَ نروّج لها إلا كتب الطبخ والتجميل، وتمجيد السلاطين، وتحضير الأرواح والأشباح، وتسخير العفاريت والشياطين في وصال العاشقين، وأسرار الضم، ولم الشمل، وتفريق المُلتَم. الكتب الجادة التي تنفع الناس وتمكث في الأرض موجودة، على ندرتها، ولها قراؤها النادرون مثلها، لكنها مصادَرة ومطارَدة مع مؤلفيها، وممنوعة... من الصرف، في معارض الكتب العربية!

ولا قارئ نُعِدّه لاستيعاب تحديات عصره في جميع مجالات العلوم والمعارف التي باتت تتفرع في تخصصاتها، كتفرُّع الأجهزة الأمنية في عالمنا العربي! إنه قارئ عابر للعناوين، مُغَيَّب في دهاليز ثقافة الديجتال السطحية، ثقافة الصورة والفيديو، و(اللايكات).

والثقافة التلفزيونية ثقافة مرتبطة بالثقافة الديجتالية البصرية (سريعة الذوبان ) من الذاكرة... مثل حليب نيدو؟!

والسّيل العرم يأتي من الفضائيات الترفيهية (وبخاصة المشهورة بالنكات الجنسية). إنه سيل جارف لعقول ومخيلات شبابنا وشاباتنا، يُلهب غرائزهم الحمراء بالشبق الإعلامي.

هناك محطات فتح الكف والفنجان وقراءة الأبراج، وحل الفوازير التي تتكاثر في رمضان!. وهناك محطات الترفيه والتسلية كتجميع صورة مبعثرة لفنان أو فنانة، أو اكتشاف الأخطاء السبعة بين صورتين... وكل هذا تقدمه دُمية، صبية حسناء ترتدي لباساً يخجل العري من تعرّيه...! وتبقى المسكينة في تمايل مِغناج، وتراقُصٍ موزون كرقّاص الساعة، تتوسل إلى العالقين في شباكها: (اتصلوا الآن)! وتدغدغ الأحلام بوهم الذهب، أو سراب السيارة، أو تذكرة في طيارة لبلاد الواق واق... وكل هذا بالتواطؤ والسمسرة مع شركات الهواتف المحمولة.

وهناك محطات (طبية) ترتدي الرداء الطبي الأبيض متقمِّصةٌ العلمية، ومدّعية أن منتجاتها حاصلة على أرفع الشهادات الطبية المعتمدة من الهيئة الدولية الفلانية والعلانية! ومعلنةً عن أحدث الطرق التجميلية في تسوية تضاريس الأرداف، وتكبير أو تصغير النهود، أونفخ الخدود، والشفاه والوجنات، أو رفع المؤخرات؟!... وتزفّ بشرى وصول حبوب ومراهم تضخيم، أو تكبير، أوتصغيرالأعضاء التناسلية الذكورية، وتضييق المهبل الأنثوي لزيادة المتعة والإثارة أو... تبييض الأعضاء الحسّاسة؟! بيّضَ الله وجوهكم.

الثقافة الجنسية العلمية– بعيداً عن الإثارة الإعلامية للغرائز– مطلوبة وضرورية. وأنا من الداعين إلى فرض تدريس مقررات الثقافة الجنسية العلمية المتدرّجة مع بدء سن المراهقة في المرحلة التأسيسية حتى نهاية المرحلة الثانوية؛ لتحصين شبابنا وشاباتنا من السيل العرم لثقافة الديجيتال على اختلاف مصادرها لأنها مثيرة للغرائزية، وبعيدة عن التثقيف الجنسي العلمي الهادف، ولارتباطها بمشروع تجاري إعلاني بلغة جنسية شبقية لكسب المال.

ثقافة الديجيتال تُسطِّح العقل، وتجعل القارئ الديجتالي إنساناً رقمياً افتراضياً صامتاً منعزلاً، رغم اتصاله بالعالم كله، إذا لم نقل : وقد تجعله منحرفاً أخلاقيا، ومتطرّفاً دينياً... داعشياً!.

إنها الثقافة الجوفاء، ثقافة فقاعة الصابون القزحية الألوان، سرعان ما تنفقع، وتتلاشى في الهواء بلا أثر.

هناك في الفضاء الديجتالي صحف ومجلات، وكتب وموسوعات، ومواقع تعليم لغات، ومناهج دراسية... ولكنَّ معظم الديجتاليين يُعرضون عنها، فتُعرض هي عنهم ؛ لأن معايشة ثقافة هذه المواقع للقارئ الديجتالي تتطلّب مصابرة لم يعتدها. هو أشبّه بالكنغر الأسترالي الذي يقفز قفزاً متواثباً!

هناك قرّاء جادّون، وجلِدون، شعارهم: «لا رآني اللهُ أرعى روضةً/ سهلةَ الأكناف مَن شاء رعاها».

*كاتب سوري
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي