«الراي» جالت على بعضها وعاينتْ القلق والنقمة و... الأمل

فنادق لبنان تخرج من أسبوع المداهمات بـ... «تنذكر وما تنعاد»

تصغير
تكبير
نقيب أصحاب الفنادق في لبنان لـ «الراي»: نسبة التغير في الحجوزات لا تؤشر إلى هلع وهجرة من قبل السياح
... مداهمات، اعتقالات، تفجيرات، نزلاء عرب ومن جنسيات مختلفة يغادرون البلاد مع عمليات «التنظيف» التي تنفذها الأجهزة الأمنية لفنادق العاصمة من إرهابيين «فعليين» ومحتملين.

إنها صورة فنادق بيروت في الأيام الماضية التي صارت «في عين» الحدَث الأمني و«مسرح عملياته»، هي التي كان يفترض ان تشكّل هذا الصيف عنواناً للسياحة المستعادة والسواح العائدين بعد انقطاع، فإذ بها تتحوّل ومحيطها الى ما يشبه «الثكن الامني» وسط عمليات دهم للعديد منها بحثاً عن مطلوبين وصولاً الى وقوع الحادث غير المسبوق في تاريخ البلاد حين أقدم انتحاري يفترض انه سعودي على تفجير نفسه داخل غرفته في فندق «duroy» في الروشة وكان معه انتحاري آخر تم توقيفه من قوة جهاز الامن العام الذي كان يهمّ باقتحام الغرفة 307 حين دوى الانفجار.

وإذا كانت عودة مسلسل التفجيرات وحدها كفيلة بأن «تفرْمل» الموسم السياحي الموعود والذي كان يعوّل عليه القطاع السياحي لتعويض عاميْن من الركود المخيف نتيجة انكفاء الخليجيين خصوصاً عن زيارة لبنان بسبب الأوضاع الأمنية فيه وتحذيرات دول مجلس التعاون الخليجي لرعاياهم من السفر إليه، فإن انتقال العمليات الأمنية الى قلب الفنادق بدا أشبه بـ «ضربة قاصمة» أصابت ركيزة السياحة اي القطاع الفندقي الذي لم يرتبط اسمه بالعنف إلا في زمن الحرب الاهلية (1975 - 1990) وتحديداً بداياتها في إطار ما اصطُلح على تسميته بـ «حرب الفنادق» في وسط بيروت التي مهّدت لانتقال المعارك الى الأسواق التجارية.

فجأة وبعد نحو ربع قرن على انتهاء الحرب اللبنانية بدت فنادق الشطر الغربي من العاصمة خصوصاً وكأنها استرجعت «الدفاتر السود» وإن كانت الاجهزة الامنية تجمع على ان الواقع الأمني في البلاد «ممسوك»، إلا أن الواقع السياحي بدا في ظل الاجراءات المتخذة، وإن كان لا مفرّ منها، وكأنه يدفع فاتورة باهظة لـ «الحرب الوقائية» ضدّ الخلايا الإرهابية والتي يُخشى ان تضرب «تشظياتها» القطاع الفندقي ومعه موسماً «احترق» بـ «لهيب» الامن قبل ان تشتدّ شمس الصيف.

وفي رحلة «تقصي حقائق»، جالت «الراي» على الفندق الذي كان محور «الصخب» الامني - الإعلامي؟

من فندق «نابليون» في الحمراء الذي انطلقت منه أولى المداهمات في 20 يونيو بدأت جولتنا. هذا الفندق الذي تركزت عليه عدسات الكاميرات وكان حديث الناس لأيام، بات أشبه بمكان يسكنه موظفوه. وراء مكتب الاستقبالات تقف نجاة المصري مبتسمة، وإلى جانبها موظف آخر رفض النطق بأيّ كلمة تاركاً المسؤولية لزميلته التي أكدت لـ «الراي» أن ما حصل «سيؤثر بالتأكيد على القطاع السياحي ككل وبشكل خاص على الفنادق، فبالإضافة إلى حلول شهر رمضان المبارك حيث تكون الحجوزات في العادة منخفضة، وقع ما لم يكن في الحسبان، وفي الوقت الذي لم يلغ أحد من الزبائن حجزه إلا أنه لم تحصل أي حجوزات جديدة، أما نسبة الإشغال في الفندق الآن فتصل إلى أربعين في المئة فقط».

نجاة وصفت حالة النزلاء أثناء المداهمات «حيث سيطر الخوف على الجميع الذين خافوا على عائلاتهم، فهم ليسوا أفراداً بل مجموعات ومن جميع الجنسيات، وإن وضّب الخليجيون حقائبهم وعادوا أدراجهم بعد المداهمات، فإن العراقيين والسوريين ما زالوا ثابتين، فقد اعتادوا في بلدانهم على ما هو أفظع، وبالتأكيد لا ألوم أحداً على رعبه، فنحن كموظفين أصبحنا نشعر بالخوف لدى قدومنا إلى العمل، فكيف هم؟».

المداهمة التي اضاءت على اسم الفندق لها وجهان بحسب نجاة «فالزبائن الدائمون لم يتأثروا بما حصل، بل على العكس هاتفونا للاطمئنان عنا، أما الزبائن العاديون فكلٌّ منهم له تفكيره، وكان وقع الحدث عليه مختلفاً لكن في جميع الأحوال لا يمكن لومهم».

وعن تدقيق الأمن العام بالحجوزات قالت: «كل الفنادق لديها (داتا) ترسلها يومياً إلى الأمن العام، وعلى هذا الأساس تم دهم الفندق، مع التنويه بأن القوى الامنية لم تقم بمضايقة أي من الموظفين».

في الجهة المقابلة يقع فندق «ماي فلاور» الذي كانت تغادره سائحة أجنبية ويدخله شابان من الجنسية السورية بعدما ركنا سيارتهما التي تحمل لوحة من العاصمة السورية «دمشق».

في هذا الفندق تشعر وكأن الحياة «تنبض»، فحركة الموظفين في الممرّ الرئيسي تشعرك وكأن العمل في أوجّه، لكن عند سؤال الموظف إيلي محفوظ تتغيّر الصورة، اذ اعتبر «أن الوضع إلى الوراء، والعديد من الزبائن ألغوا حجوزاتهم كما غادر الكثيرون بعد المداهمات في نابوليون».

محفوظ الذي أكد أن نسبة الحجوز تكون منخفضة في شهر رمضان، توقع انخفاض الحجوز أكثر فأكثر في ظل الوضع الذي يمر به لبنان «فالموظفون يخشون على أنفسهم كيف إذاً الزبائن»، ملقياً اللوم على وسائل الإعلام «التي تقوم بتضخيم الخبر والمعلومات، وقد «حرقوا» اسم فندق نابوليون، رغم أنه كان بالامكان عدم ذكر اسمه».

وعما إذا كان الأمن العام شدد إجراءاته، أجاب: «أساساً الإجراءات مشددة، فكيف إذا تلقى معلومات عن الخلايا الارهابية؟»، موضحاً «ان الفندق لا يدقق بحقائب النزلاء، فهذا عمل الاجهزة الأمنية في مطار رفيق الحريري، وبصراحة لو دخل وخرج الزبون لا أريد أن أعلم إن كان يحمل متفجرات، اذ لا أريد أن يفجّرها بي».

لا يتأمل إيلي خيراً في المستقبل القريب «فمنذ بدء الأزمة السورية رحنا نشعر بتراجع الحركة وإن ازداد زبائننا من الجنسية السورية، لكن السوري غير الخليجي، فأمواله كما هي ولا يستطيع أن يدخل أموالاً اضافية، ولذلك يخشى صرفها، وفي جميع الأحوال لا يصرف كالخليجي الذي أعتقد أنه سيحرمنا من قدومه بعد منع بعض الدول العربية لرعاياها من المجيء إلى لبنان».

... «إذا كان اللبناني «عيّيش» وينسى بسرعة، فإن الخليجي قد لا ينسى بسهولة، وفي كلتا الحالتين الموسم السياحي ضُرب، و«صابتها» ليلى عبداللطيف و«الموسم ليس واعداً هذا العام»، يضيف محفوظ ممازحاً.

في منطقة الروشة وتحديداً قرب فندق «duroy» أصوات التصليحات تضجّ في المكان. تنظر إلى الأعلى فتتفاجأ ببقعة سوداء، كـ «بصمة» تشهد على قصة انتحاري فضّل الموت ولو في غير المكان المحدد له على أن يتم توقيفه فيما أصيب «زميله» الانتحاري وجُرح ثلاثة عناصر من «الأمن العام».

عند مدخل الفندق الغارق في تصليحاته، يستقبلنا أحد الإداريين والدهشة لا تزال بادية عليه. كيف لا والانفجار ليس بسيطاً كما يتخيله البعض، فقد تضرر الطابق الثاني والثالث والرابع.

بدأ هذا الموظف الإداري الحديث لـ «الراي» عن «المشاريع الانتحارية» التي عاشت في الفندق لأيام، «فنزيلا الغرفة 307 علي بن ابراهيم بن علي الثويني وعبد الرحمن بن ناصر بن عبد الرحمن الشنيفي، كانا قليلا الحركة، ولم يكونا يدخلان ويخرجان كثيراً، فالثويني الذي رمى الحزام الناسف شوهد مرات قليلة يتناول إفطاره في المطعم التابع للفندق، أما الشنيفي الموقوف حالياً لدى الأمن العام فكان أقل حركة».

وأضاف: «النزيلان لم يخرجا من غرفتهما في الأيام الأربعة الأخيرة، وحينها تواصل الأمن العام مع إدارة الفندق وتم ابلاغها أن النزيلين مشتبه فيهما، فطلبوا تزويدهم بالمعلومات عنهما للتأكد إذا كانت أوراقهما الثبوتية مزّورة، وحتى عمال التنظيف تم منعهم من تنظيف الغرفة، ولم يكونا يردان على هاتف الفندق الداخلي، وقد ظننا لوهلة أنهما غادرا الفندق، لكن عناصر الأمن العام أكدوا لنا وجودهما في الغرفة وأنهما تحت المراقبة».

وبحسب هذا «الإداري»، حُددت ساعة الصفر للمداهمة في اليوم الثاني عشر من نزولهما في الفندق، بعد تمديد اقامتهما التي كانت محددة اسبوعاً بأسبوع آخر، «وتمت المداهمة عند الساعة السابعة من مساء 25 يونيو بالتنسيق مع ادارة الفندق وحصل ما حصل».

الفندق سيعاود استقبال زبائنه، الذين غادروه جميعاً، في عيد الفطر، وإلى حينه أملت ادارة الفندق أن يعمّ السلام لبنان.

على باب فندق «رمادا بلازا» الواقع على الزاوية المجاورة لـ «دوروي» والذي تم دهمه غداة عملية «duroy» يستقبلك رجل الأمن بابتسامة عريضه. تسأله عن الوضع فيجيب «أن كل الأمور تمام و لا يوجد شيء».

تشعر لوهلة وكأن خبر دهم الفندق في 26 يونيو وتوقيف شابين من الجنسية اليمنية لا صحة له. تدخل بهو الفندق، تشعر وكأنك في عالم آخر، عالم خارج بيروت، عالم تسمع فيه خرير مياه البركة التي تتوسط المكان. هنا المقاعد فارغة من نزلائها، لا حركة سوى لبضعة موظفين ينتظرون دخول زبون لا خروجه. يقترب مستشار العلاقات العامة للفندق حبيب سعد ليؤكد لـ «الراي» أن «غالبية فنادق بيروت تعرضت لعمليات دهم، لكن هناك مَن تمت الاضاءة عليه في الاعلام والبعض الآخر لا»، موضحاً انه بالنسبة لـ «رامادا» الذي أخذ حيزاً في وسائل الإعلام «تم تفتيشه من الطابق السابع عشر نزولاً، ولم يعثروا على شيء، وإدارة الفندق تعاونت معهم إلى اقصى الحدود، وجرى اعطاؤهم أسماء النزلاء مع جنسياتهم وتاريخ وصول ومغادرة كل منهم، أما مَن تم توقيفهما فليسا مطلوبين في الأساس، لكن الارباك الذي بدا على وجهيهما دفع بالأجهزة الأمنية إلى توقيفهما على ذمة التحقيق ولم يتم اطلاقهما حتى الساعة».

«التضخيم الاعلامي لم يؤثر علينا فقط بل هشّم صورة لبنان»، بحسب سعد الذي كان له عتب على الأجهزة «حيث كان بامكانها أن تدهم بصمت»، مضيفاً: «أخطر مطلوب نعيم عباس تم توقيفه قبل أشهر عند الساعة الخامسة فجراً ولم يتم نشر الخبر إلا ظهراً، لكن في المداهمات التي حصلت أخيراً نشعر وكأن هناك مَن يريد الصورة».

نسبة الحجوز في «رامادا بلازا» هبطت من 42 بالمئة إلى 23 بالمئة وذلك لسببين «فالصدمة التي حصلت جعلت بعض النزلاء يغادرون كونهم غير مضطرين للبقاء في مثل هكذا وضع، أما البعض الآخر فسافر من أجل تمضية شهر رمضان في بلده».

سعد اعتبر أن ما حصل يجري في جميع بلدان العالم «فهذه عمليات استباقية أمنية ضد الارهابيين، وإذا لم تقع تفجيرات على الأرض، فسينسى السياح الأمر فقد مضى على هذه الحالة في لبنان سنوات».

نقيب أصحاب الفنادق في لبنان بيار الأشقر أكد لـ «الراي» أن شيئاً لم يتغير مبدئياً بسبب عمليات الدهم، لكن صودف أننا على أبواب شهر رمضان وفي الأساس يحصل في هذا الشهر ركود، وحتى لو كان لبنان في أجمل أيامه». واضاف: «قبل الانفجار كانت نسبة التشغيل في فنادق بيروت تناهز الثمانين في المئة، وهبطت بعده إلى الستين بالمئة. ونسبة العشرين بالمئة طبيعية ولا تؤشر الى هلع وهجرة من قبل السياح، لأنه من الطبيعي أن تهبط نسبة الإشغال في بداية رمضان، وكان لدينا خوف من أن تهبط نسبة الإشغال أكثر، لذلك لا نستطيع أن نقدر إذا انخفضت بسبب المداهمات أو شهر رمضان».

الأشقر أمل في عودة السياح بعد عيد الفطر شرط «أن يكون هناك استقرار أمني وعدم وقوع أي حادث، فقبل تأليف الحكومة وقع العديد من الانفجارات وعمليات الخطف وعندما هدأ الوضع عاد السيّاح».
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي