نافذة / الفلسفة قبل وبعد سقراط

| u062du0645u064au062fu064a u0639u0628u062f u0627u0644u0644u0647 u0627u0644u0631u0634u064au062fu064a |
| حميدي عبد الله الرشيدي |
تصغير
تكبير
سقراط... رحلة بحث عن الحقيقة: جرت العادة على أن يتم قياس عبقرية وعظمة وقوة ونفوذ وتأثير شخصيات التاريخ الكبرى، وفي شتى المجالات، بحجم مساهماتها في تغيير هذا التاريخ،لاسيما إذا كانت هذه الشخصية من الضخامة بحيث يعتبر ظهورها في حد ذاته نقطة فارقة لما قبلها وما بعدها. وهكذا كان سقراط، الذي دفع العالم لتقسيم تاريخ الفلسفة إلى مرحلتين. مرحلة ما قبل سقراط ومرحلة ما بعد سقراط. ذكر الكاتب أحمد سالم في مقدمة كتابه الفلسفة: كان الفلاسفة اليونانيون كحكماء الإغريق السبعة نشطاء قبل سقراط أو بشكل معاصر له، وشرح المعرفة المتقدمة كان في وقت سابق لسقراط. ونشأت شعبية مصطلح فلسفة ما قبل سقراط (pre-Socratic philosophy) مع عمل هيرمان ديلز (الشظايا من قبل سقراط). ومن الصعب في بعض الأحيان تحديد حجم الحجة الفعلية التي استخدمها الفلاسفة قبل سقراط في دعم أنشطتهم خصوصاً آراءهم. وفي حين أن معظم هذه النصوص المنتجة الكبيرة قبل سقراط ضاعت ولم يصلنا منها نصوص في شكل كامل. كل الاقتباسات هي جزء نصي. والفلاسفة المؤثرون قبل سقراط منهم كتالس، وأنكسيمندروس، وانكسيماينس، وبارمنديس، وهيرقليطس. لكن الاهتمامات الأساسية قبل سقراط على حد ما هو معروف من الاجراء التي تبقى منها كانت مرتبطة بالغالب بالميتافيزيقا؛ وكان همهم الأساسي هو فهم تركيب العالم الأساسي أو معرفة مبدأ وأصل العالم. برز أيضاً في فكرهم حجج أساسية حول التمييز بين الوحدة والكثرة إضافة إلى إمكانية التغيير، ورفض الفلاسفة قبل سقراط التفسيرات التقليدية الأسطورية لظواهر رأوا من حولهم لصالح تفسيرات أكثر عقلانية ومنهم من يسأل: من أين يأتي كل شيء؟ من هو خلق كل شيء؟ كيف نفسر تعدد الأشياء الموجودة في الطبيعة؟ كيف يمكن أن نقدم وصفاً للطبيعة رياضياً؟ وعلى الرغم من أن العالم قد عرف وعلى امتداد تاريخه عشرات الفلاسفة العظام الذين أثروا مسيرة الإنسانية إلا أن سقراط الذي صرف حياته تماماً للبحث عن الحقيقة والخير، يظل هو الأعظم على الإطلاق لأنه كان أول من نزل من الفلاسفة من بروجهم العاجية إلى عامة الناس حيث رجل الشارع العادي، بعد أن جرت العادة على أن يأتي الناس إلى الفلاسفة، ولا يأتي الفلاسفة إلى الناس، فكان سقراط يعلم العامة في الشوارع والأسواق، ويبصرهم بحقوقهم، ويدفعهم للتفكير في واقعهم، وما يستطيعون القيام به لتغيير هذا الواقع نحو الأفضل. وقد ابتدع سقراط منهجاً لنفسه لإقناع الآخرين وتبصيرهم بحقوقهم عرف بـ(المنهج السقراطي)، وبسبب هذا المنهج وما يرتبط به مما يعرف بـ( الحوار السقراطي) وبسبب قدرة سقراط الفائقة بفعل منهجه وحواره على التأثير في شعبه، فقد انقلبت عليه الطبقة الحاكمة، لينتهي الأمر بإعدامه في أخطر رحلة بحث عن الحقيقة انتهت بالقضاء على صاحبها. ومن ذات أثر كبير بعد مقتل سقراط، على أفلاطون باعتباره التلميذ النجيب لأستاذه سقراط ومن ثم فإن هذه الأفكار كانت تشكل حيزاً كبيراً من تفكير الفلاسفة ومن بينهم أفلاطون. وذكر في كتاب «جمهورية أفلاطون» المدينة الفاضلة... عندما وضع رؤيته في الجمهورية سواء من جهة المرأة أو من جهة التنظيم السياسي والأخلاقى للجمهورية. وعموماً فإنه يمكن أن نسمى الفلسفة السابقة على سقراط بالفلسفة الأيونية نسبة إلى اقليم أيونيا الذي نشأت فيه، فهناك في أيونيا وهي منطقة موانئ تجارية كانت أولاً تحت سيطرة الليديين، ثم وقعت بعد ذلك تحت سيطرة الحكم الفارسي، وفي مدنها ملطية وافسوس وكلازومناي وساموي ولدت الفلسفة الأولى وسمح لها التسامح التقليدي في أمور الاعتقادات الذي سار عليه الحكم الفارسي ضد حساسية الديموقراطية الأثينية وضيق أفقها قد سمح لها بأن تنمو بغير عراقيل. وكان الوضع القائم انذاك التيموقراطية. حيث إن الدستور المثالي عندما يتحقق في الواقع فإن يتعرض للعديد من الظروف التي تغيره وتبدله، ومن ثم فإن المدينة التي كان يقطرها الفلاسفة الفاضلة عندئذ تتحول من دولة ارستقراطية يحكمها عقول الحكماء إلى دولة تيموقراطية تحكمها العاطفة والحماسة والقوة الغضبية. ويقرر أفلاطون أن أهم أسباب تغير الحكم وفساده، إنما يرجع إلى الفساد الذي يصيب حكام المدينة إذ يحدث ذلك نتيجة عدم مراعاة قوانين الدولة والدخول في زيجات خاطئة. عندئذ في تلك الحالة يختلط المعون الذهب والفضي مع الحديد والنحاس فيقع الحكم في يد طبقة يغلب على طبيعتها الحقد والكراهية وتسودها الحماسة للحرب والنضال، وبالتالي تتحول في تلك الحالة إلى الدولة الارستقراطية أو التيموقراطية.

وعندما يسوء الحال ويدب الفساد في الطبقة الحاكمة يتحول الحكم من يد الأوليجارشية إلى يد الديموقراطية... وهذا ما أتمناه. وذلك لأنه يأتي يوم تضعف فيه الطبقة الحاكمة لإهمالها تربية أبنائها وتضحياتها بكل القيم في سبيل شهوة المال فيجد الفقراء أنفسهم من حيث الفضيلة والقوة كما أن عددهم أكبر من حكامهم الأغنياء فينتصرون عليهم ويساوون بين الجميع حتى يستولوا على الحكم... وفي هذه الدولة لا يقدس الإنسان شيئا إلا الحرية ولكن ما يظنه في هذه الدولة لا يؤدي إلا إلى الفوضى حيث إن كل فرد في هذه الحالة سيتتبع أهواءه، ومن ثم تتعدد المبادئ والقوانين، ومن ثم يبدو الناس من الظاهر أنهم متساوون لكنهم في الحقيقة غير متساوين والسلام.

* كاتب كويتي
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي