حارس بلا حراسة

تصغير
تكبير
واقفاً بين الخشبات الثلاث أبداً، متسلّحاً بالقدرة على لمس الكرة باليد داخل «المنطقة المحرمّة»، يبقى حارس المرمى عنصراً فريداً ومضطلعاً بدور «مختلف» في رياضة كرة القدم.

الانكليزي بول غاردنر، كاتب شهير في مجلة «وورلد سوكر» المتخصصة في اللعبة الاكثر شعبية والذائعة الصيت، اتخذ موقفاً متحفظّاً نوعاً ما من اللاعب ذي القفازين، وذلك عبر مقال تطرق فيه الى ضرورة التحرك ضد الحرّاس الذين يعتبرون العنف احد حقوقهم المكتسبة.

يقول غاردنر (84 سنة): «ثمة ما يجب القيام به بخصوص تلك العلاقة الحميمة بين الحارس والحكم. حارس المرمى عنصر محميٌّ للغاية في كرة القدم، وهذه ضرورة. لكن ان تتجاوز تلك الحماية حدودها وان يرمق الحكّام تدخلات عنيفة من هؤلاء ضد اللاعبين بعين اللا مبالاة، فهذا مرفوض لأن المسألة تجاوزت حد المنطق. هذه ليست حماية، انها أشبه باذن رسمي يحصل عليه الحارس لالحاق الأذى بالغير».

تطرق الكاتب بالتحديد الى ذاك الخطأ الخطير الذي اقترفه الحارس الالماني الغربي (سابقاً) هارالد «توني» شوماخر بحق المدافع الفرنسي باتريك باتيستون خلال الدور نصف النهائي من بطولة كأس العالم الـ12 في اسبانيا عام 1982: «لم يُحتسب أي خطأ، وقرأنا بعدها أن لا حكم الساحة ولا الحكمين المساعدين لاحظوا الواقعة. قد يكون الأمر كذلك، لكني اعتقد شخصياً أن أحداً ما كان ليتحرك حتى ولو بدا الالتحام أوضح مما ظهر عليه».

يرى غاردنر أن ثمة اقتناعاً في حق الحارس بالتقدم بقوة وسرعة نحو الكرات العالية منها خصوصاً والقفز من دون حسابات الى حيث يتجمهر عدد كبير من اللاعبين في سعي لالتقاطها او ابعادها، «وهنا تبقى النتائج التي يخلّفها هؤلاء غير خاضعة للمساءلة»، ويضيف: «قد يصطدمون بأحد زملائهم وربما يعرضون أنفسهم للاصابة. المهم ان امكان معاقبة الحراس يبقى خياراً تحكيمياً صعباً».

ويسرد الكاتب الذي يعرف بتخصصه في كرة القدم في الولايات المتحدة الاميركية، عدداً من الامثلة حول «عنف الحراس»، بينها حادثة وقعت خلال مسابقة دوري ابطال منطقة الـ«كونكاكاف» (اميركا الشمالية والوسطى والبحر الكاريبي) عام 2012، عندما خرج جوش ساوندرز حارس فريق لوس انجليس الاميركي من مرماه وقفز لابعاد كرة ارتقى اليها ايضاً احد لاعبي ميتابان الهندوراسي. كان المشهد مخيفاً اذ اصطدمت ساقا الحارس برأس اللاعب المتقدم بشكل خطير، الا ان الحكم لم يحرّك ساكناً.

وفي الدوري الاميركي للمحترفين «ام ال اس»، جمعت احدى مباريات السنة الجارية بين فريقي نيويورك رد بولز وكولومبوس كرو.

ويتابع غاردنر في سرد وقائع تؤكد ذاك «الامتياز» الذي يحظى به الحراس: «في ديسمبر 2012، اصطدم الحارس الفرنسي هوغو لوريس لاعب توتنهام بصورة خطرة بالاسباني «ميتشو» مهاجم سوانسي سيتي خلال احدى مباريات الدوري الانكليزي الممتاز. لم يحتسب الحكم أي خطأ ضد لوريس، الذي اعترف بُعيد المباراة بأنه خشي تعرض «ميتشو» لاصابة لا تحمد عقباها اثر الالتحام».

ويطرح غاردنر حلولاً: «علينا تبنّي قوانين واضحة. في البداية نضمن حماية الحراس ضد الاخطاء الخطرة. وأرى أنه يجب تفعيل تلك الحماية بصورة أكبر داخل منطقة الست ياردات. ولكن خارجها، يتوجب على هؤلاء ان يعوا أن لا حقوق اضافية او امتيازات لهم خلال الصراع على الكرة، وأنهم لن يحصلوا على معاملة خاصة من الحكام فقط لكونهم حراس مرمى. خبرة غاردنر في مضمار كرة القدم وصوته المسموع في عالم «المستديرة»، يحتمان تحركاً للجنة الحكام في الاتحاد الدولي لكرة القدم «الفيفا». ولكن هل يكفي تحرّك تلك اللجنة لاعتماد تغيير جوهري في قواعد اللعبة؟ وهل بقي خافياً على تلك اللجنة نفسها هذا الامر طوال هذه السنين؟ وهل يتوجب اقحام «انترناشونال بورد» وهي الجهة المولجة تعديل قوانين اللعبة في هذه المسألة؟

يملك غادرنر وجهة نظر تستحق الدراسة بعمق، الا انه لم يطرحها من باب الرغبة في زيادة عدد الاصابات في المباريات وتفعيل المنحى الهجومي، كما حصل قبل اعوام عندما نادى البعض بتوسيع المرمى وبالغاء التسلل. ما كتبه يدخل في صميم كرة القدم وفي قلب كينونتها.

البعض سيقول «نحبها هكذا»، والبعض الآخر سيدّعي «نحبها وان تغيرت». ولكن مهما قيل يبقى ذاك اللاعب بين الخشبات الثلاث، مرتدياً زياً مختلفاً عنصراً مميزاً وربما «مرفّهاً» أحياناً في رياضة يعتمد فيها خصوصاً على ذراعيه وقبضتيه، فيما تقوم هي أساساً على حركة القدمين بشكل رئيسي.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي