د. وائل الحساوي / نسمات

يوم أكل الثور الأبيض !

تصغير
تكبير
في عام 1982، خلال دراستي في الولايات المتحدة الاميركية كنت اتابع احداث العالم من خلال ما يصلني من مجلات وأشرطة، وكانت الثورة السورية ضد حافظ الاسد مشتعلة، وتصلنا مجلة بدائية اطلق عليها «النذير» بحسب ما أذكر، تتحدث عما يجري في سورية، وقد صوّرت الامور بأن الجيش البعثي قد انهزم، وأن سقوط سورية في يد الثوار قد اصبح وشيكا وهو مسألة ايام قليلة.

كما دعت (رابطة الشباب المسلم العربي) بعض قيادات الاخوان المسلمين في سورية امثال عدنان سعد الدين الذين تحدثوا عن بطولات الثوار التي قاربت اعمال الملائكة، وقاموا بجمع التبرعات للثورة، حيث وضع كثير من الحضور كل ما لديهم من اموال وذهب وسيارات تحت طوع الثورة متأثرين بحماس الدكتور طارق السويدان واسلوبه الخطابي المؤثر.


لقد نمنا على ذلك الحلم الجميل ثم استيقظنا بعد اسابيع على وقع جريمة نكراء راح ضحيتها اكثر من 40 الفا من ابناء مدينة حماة السورية في ما يشبه الابادة الكاملة، فاكتشفنا حينها بأن (الأحلام لا تبني القصور)!

أتابع ما يجري اليوم في العراق من انتصارات حققتها الميليشيات السنّية في شمال العراق على قوات المالكي، والتي يبدو انها قد أخذتها على حين غرة دون أن تحسب حسابا لذلك الهجوم الخاطف عليها، ومع أن تنظيم «داعش» قد كان رأس الحربة في الهجوم على الموصل وتكريت، لكن خرجت علينا العديد من البيانات من جهات سنّية ومنها هيئة علماء المسلمين وشيخ عشائر الانبار ومحافظو بعض البلدات وكلها تدعي بأن داعش لا تمثل إلا اقل القليل ممن قادوا تلك الثورة، وان ثوار العشائر هم من نفذ ذلك الهجوم!

كثير من المتحدثين أخذه الحماس فبدأ بالاعلان عن بدء معركة السيطرة على بغداد ما اثار الفزع في قلوب العالم الذي استغل الفرصة للحشد المتواصل لمنع سقوط بغداد في ايدي الثوار.

وقد شاهدنا ردة الفعل الايرانية المبالغ فيها للثأر للمالكي وارسال فيلق القدس إلى العراق، وتهديدات القادة الايرانيين بالدفاع عن النظام، كما شاهدنا نداءات علماء الشيعة العراقيين للتطوع والتحرك لقتال العشائر، ناهيك عن استعدادات واشنطن لاسقاط ذلك العدوان.

في المقابل، فإن الدول العربية التي يفترض بها الدفاع عن ذلك الشعب الذي انتفض لاسترداد كرامته قد صمتت صمت القبور واكتفت بالتنديد بداعش وأخذت احتياطاتها لمنع عدوان داعش عليها، بل شاهدنا اغلب وسائل الاعلام العربية تكتفي بالحديث عن داعش واعتدائها على الموصل وتكريت وتحذر من زحفها على دول الخليج، وتنشر صورا لمذابح ارتكبها جنود داعش ضد قوات المالكي.

اضف إلى ذلك أن الثوار لايكاد يجمعهم ناطق رسمي أو مجلس موحدللحديث باسمهم، بل وتجد تضاربا في تصريحاتهم، فمنهم من ينفي نيتهم الزحف على بغداد ومنهم من يؤكد ذلك.

النتيجة التي لا اتمناها ولكني اشعر بأنها ستكون حتمية هي أن هؤلاء جميعا سيتكالبون على ثوار العشائر بمساندة الولايات المتحدة، وسيتم ارتكاب مجازر شنيعة بحقهم تذكرنا بما حدث في حماة عام 82! فإلى متى نكرر تلك الاخطاء وننساق وراء المتحمسين دون وجود مخطط واضح أو قيادة موحدة؟!


د. وائل الحساوي

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي