أبو زينة ... «أنا يا ما قلت»!

تصغير
تكبير
لم يكن غير القدر قادراً على جعل القلم يسقط من يدك في ميادين صاحبة الجلالة. حوربت وحاربت. أتعبت ولم تتعب. محارب لم يكن لانصاف الحلول مكان في قاموسك ولم تكن المهادنة تعرف طريقا الى رمحك – ريشتك.

أعرفك منذ 25 عاما، وكأنك أنت منذ 25 عاما. لم يتغير فيك شيء ... لم يتغير منك شيء. سلامك الداخلي هو الصمود في حروبك الخارجية. لم تعترف بدفاتر الجامعة ومقررات المهنة بل بالمشاكسة في خلق الخبر والابداع في نقل الخبر. التزمت الخط الذي ارتضيته وارتضاك وكنت رائدا في كل شيء تواكب تطور الصحافة في الصفوف الاولى. هكذا كنت مع القلم والدفتر، ثم مع التسجيل، ثم مع الكمبيوتر فالاجهزة الذكية فوسائل التواصل الاجتماعي... كنت الاسرع والابرع.


التزمت الخط الذي ارتضيته وارتضاك. لم تلبس «طاقية الاخفاء» ولم تغط وجهك بقناع... كنت انت. محارب حتى في الساحات التي لا تحتاج الى حرب وكأنك تواجه من تخاذل في الصف معك قبل ان تقاتل من رماك بسهامه من الضفة الاخرى. ومن صلابة الفارس في الميدان الى نبل الفارس في الحياة العامة... وجهان لعملة واحدة. تمد اليد لكل من ارجعها وتصل ما انقطع حتى مع اعتى الخصوم.

البقاء في الميادين اتعبك يا عبد الله لكن التعب نفسه لم يسلم من تجاهلك. كنت تسقط عن حصانك فتبتسم وتكمل المسير وتعتبر ان الحصان هو الذي سقط. دمرتك حالة الانكار ودمرت اهلك واصحابك ورفاق دربك. لم تزر طبيبا الا بعد معركة تخوضها زوجتك معك او بعد ان يخذلك جسدك وتتمرد قدماك على المسير، وعندما تعود من الطبيب تخون كل تعليماته ولا تخون عادة عاداتك... من التدخين الى الطعام الى السهر الى الاجهاد في العمل.

عندما حصلت الثورة ضد حكم الرئيس السابق حسني مبارك، كان عبد الله كمال من ندرة الندرة في الوفاء والالتزام وعدم تغيير الموقف ونقل البندقية من كتف الى اخرى. كان يخرج عبر الفضائيات مدافعا مهاجما رغم علمه الدقيق بكل ما ستؤول اليه الامور. لم تكن الصورة المتغيرة تزعجه بقدر ما كان يزعجه اعلاميو السلطة الذين كبروا في عهد مبارك وعند اول تجمع شعبي ادلوا بتصريحات ينتقدون فيها مبارك مثل «انا يا ما قلت» و«وانا ياما حذرت». ولانه لم يفعل ما فعله غيره اجتاح احترامه قلوب خصومه قبل محبيه، وعندما اثبتت التطورات اللاحقة الكثير مما كان يتوقعه لم يمهله القدر لاستعادة شعور غاب عنه.

قبل فترة شعر بآلام في صدره. خضع للعلاج واجريت له قسطرة، لكنه قال لي ان «كل شيء تمام يا باشا». ماذا عن الضغط يا عبد الله؟: «لا مفيش حاجة من ده الضغط طبيعي وفل الفل». لم يكن يريد لوضعه الصحي ان يفرمل اندفاعه وهو الذي يعمل 22 ساعة في اليوم ويبتكر مشروعا تلو الآخر. وقبل ان يدخل المستشفى امس بدقائق كان يغرد في السياسة وشجونها.

توقف قلب عبد الله كمال، ولو قيض له ان يتكلم في عليائه لوجدته يخاطب زوجته ريهام وابنتيه الجميلتين زينة وعليا بالقول: «لا ما فيش حاجة خالص شدة وتزول»... هذا الرجل الذي عاش حالة انكار صحية لم يترك لنا غير دمع الفراق ونحيب الشجن.

«انا ياما قلت» بصدق يا عبد الله استحلفك ان تنتبه لصحتك لكنك «ياما» صددتني. وانا «يا ما حذرت» من اجهادك لنفسك وانتشارك غير الطبيعي في مئة مكان في الوقت نفسه، لكنك «ياما» رددت عليّ: «هو انا مقصر في حاجة؟». لم تقصر أبداً لكن الاعمار مثل الاقدار ايضا تأتي بحساب وتنتهي بحساب، أما انت يا صديقي وحبيبي ورفيقي فلم يكن العمر في حسابك ابدا.

أجبرك القدر على الاستراحة، وأجبرنا القهر على مراجعة الحساب... وحسابك فائض دائماً بالحضور لا بالغياب.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي