أنوار مرزوق الجويسري / فواصل فكرية

مرحلةُ نُـضجٍ

تصغير
تكبير
بعد انقطاعٍ عن السياسة التي أرهقتنا جميعاً تعود المطالبات والأصوات وتُفتح الملفات، وبعد انقطاعٍ شخصي عن السياسة أعودُ لأكتب هذا المقال في ما يخص الجانب الواقعي من السياسة عربياً ومحلياً، على الرغم من أن الكتابة في السياسة باتت أسلوباً عاجزاً عن التغيير إلا أن المبدأ يستحق المحاولة.

في أغلب القضايا السياسية يصعُبُ تحديد الموضوعية، وتلك حقيقةٌ جوهرية تهمنا جميعاً حين نُدلي بآرائنا السياسية ونتحاور مع بعضنا، فما تراه موضوعياً حيادياً يراه غيرك مُتحيّزاً مُتطَرِّفاً، والسبب في ذلك أن القضايا السياسية لا تكون أبداً قضايا سياسية بحتة وإنما تدخل فيها الجوانب الإنسانية.. الحقوقية.. الوطنية.. أو الدينية، وهذا ما يجعل الموضوعية صعبة التحديد مما يصعب الاتفاق عليها أو تعريفها أو الوصول إليها.


حينما كتب الدكتور طارق الحبيب تغريدته التي يدعو فيها لحاكم مصر الجديد أُثيرت بلبلة وآراء تناقض أو تهاجم، ذلك بلا شك كان متوقّعاً، فالقضية حسّاسة جداً وتحمل جانباً إنسانياً كبيراً، وقد نتفق جميعاً أن باب الدعاء مفتوح للظالم والعادل والمسلم والكافر، إلا أن المُعارِض للتغريدة كان يعتقد بموضوعيته فهو يملك الحق الإنساني ليُعارض، أما قائلها فيعتقد بموضوعيته بتعامله مع الواقع الذي حدث ولا مفر منه ثم لابد من التعاطي معه رغم الألم والخسارة، وكِلا الطرفين يرى أنه ينطلق من جانب موضوعي، فالإنسانية جانب موضوعي والتعامل مع الواقع جانب موضوعي آخر، إلا أن التعارض كان لابد واقع.

إن ما أُثير كخلفية لهذا الموضوع جعلني أتيقن أن مثل تلك الخلافات تُعلّمنا الكثير وتُربي فينا حسّ المسؤولية تجاه القضايا التي تمر فيها أمتنا، كما أن القادة مهما كانت تخصصاتهم فهم في المواقع الحرجة التي تجعل من أي كلمة منهم تُحسب كموقف سياسي، أما مشكلتنا الأزلية التي لم نتخلص منها بعد فهي نظرتنا للآخر إما معنا أو علينا ولا سبيل للوسط.

تظل القضايا السياسية موطناً للشك والفتن، ولست أقول بذلك أن نمتنع عن المشاركة فيها من تأييد أو معارضة أو المساهمة في قول الحق أو جانب منه، إلا أننا بحاجة لنَفَسٍ طويل وصبرٍ هائل وحكمة تُمكّننا من الاستماع لكل الأطراف بقلبٍ صافٍ، نلتمس الأعذار ولا نخوض في النوايا، نتحرّى الموضوعية ونبحث عنها في الجوانب المختلفة لا من جانبنا فقط. من الصعب جداً أن تقوم بكل ذلك وحدك وتكتشف كل ذلك بعقلك وحيداً، وهنا تكون الجماعات التي تتناقش وتحاور وتقرأ هي التي تنتفع وتنفع، أما التي تحاول جاهدةً لتربح وحدها تخسر خسراناً مُبيناً، الأولى وصلت لمرحلة النضج الفكري والسياسي محاوِلةً الوصول لحلٍ يُحقق أقل الخسائر، والثانية مازالت تخوض مع الخائضين وتسلك درب المُفسدين من حيث لا تدري.

anwaraljuwaisri@hotmail.com

@anwar1992m
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي