«الراي» سألتهم... فجاءت الإجابات مختلفة
نقاد وكتاب: بعض الروائيين يستخدم «الجنس» في أعماله للحصول على لقب الأكثر مبيعاً
نجيب محفوظ
قبل أن تظهر كلمة «novel» أو رواية في العالم، كان مفهوم الجنس موجودا في المعتقدات والقصص الشعبية، وكانت تستخدم هذه التقنية من أجل الخير أو الشر، وفي الرواية المصرية عرف الجنس منذ رواية «زينب» لمحمد حسين هيكل التي تحكي عن حامد الذي يبحث عن الحب بعدما تزوجت ابنة عمه من شاب آخر ويحاول أن يجده مع الفلاحة زينب، ويقول الناقد الراحل غالي شكري عن رواية «زينب» في كتاب «أزمة الجنس في الرواية العربية»: ما نلاحظه في الرواية من أحاديث «عن» الجنس تكتسي بثوب فضفاض من الحياء والتخفي، لأن نظرة العصر والمجتمع إلى هذا الموضوع، كانت هي بعينها نظرته إلى سائر الأشياء نظرة ضبابية غائمة تحيل كافة المرئيات والعلاقات إلى ألوان باهتة غير واضحة».
بعد ثلاثين عاما من «زينب» يظهر أديب نوبل نجيب محفوظ ليضع مفهوما جديدا عن الجنس في رواياته، فقدّم الجنس المرتبط بالحياة المصرية، بعد محفوظ استخدم فن الإيروتيكي في الرواية، والآن بعد أن مضى على تاريخ الرواية المصرية مئة عام تقريبا، تغير مفهوم الجنس، وأصبح الروائيون يربطونه بعالم البورنوجرافيا.
وحول قضية توظيف الجنس في الأدب تحدث عدد من النقاد لـ«الراي»، ومن بينهم قال، أستاذ النقد الأدبي العربي في جامعة القاهرة الدكتور حسين حمودة: إن الجنس يمكن أن يمثل تجربة مهمة في الأدب، ويمكن أن يتم تناوله من زوايا وأبعاد متعددة متنوعة من خلال شخصيات فنية وبرؤية متسعة بغير حدود، المهم كيف سيتناوله المبدع حتى يصبح الجنس رمزا للحياة بشكل عام؟، الجنس يمكن أن يعبر عن الجانب العاطفي والاجتماعي والاقتصادي، ويمكن أن يكشف الأبعاد في حياة مستوى الفرد والجماعة داخل المجتمع المصري علي مستوى طرفي هذه العلاقة.
وأضاف: «العلاقة بين الرجل والمرأة علاقة أكثر عمقا في تاريخ الرواية المصرية التي تمثل الفطرة الإنسانية والعواطف والنفس البشرية، وتعني الأحساس بالوحدة والاغتراب، واكتمال هذه العلاقة خطوة حقيقية نحو السعادة، بمعنى أصح البحث عن الحقيقية واكتشاف أنفسهم».
ويرى حمودة أن الجنس في تاريخ الرواية مر بأكثر من مرحلة، ويقول: كانت هناك تجارب منذ نشأة الرواية المصرية مكتوبة بحرية محدودة جدا، رغم أن الجنس قد ظهر في الأعمال التراثية ومنها «ألف ليلة وليلة»، وكتب بحرية مطلقة.
يواصل: بعد مرور سنوات قدّم الأديب نجيب محفوظ، خصوصا في روايتي «بداية ونهاية» و«زقاق مدق»، نقلة مهمة في التعبير عن الجنس كاحتياج إنساني وأزمة اجتماعية، وتناولت هذه الأعمال الأسباب التي تجعل النساء يتجهن إلى ممارسة البغاء، بعد محفوظ كانت هناك تناولات كثيرة في الروايات المصرية كلها ساعدت على وضع مفاهيم للجنس في الرواية.
وأكد حمودة أن الكاتب الحقيقي يوظف الجنس توظيفا حقيقيا بعيدا عن الإثارة والرغبة والغرائز، وأن من يفعل ذلك يبحث فقط عن ترويج العمل ولا يهتم بالقيمة، ويقول: هناك شعرة فاصلة بين أن يتم توظيف الجنس في العمل الأدبي بطريقة فنية وإنسانية مثل «الإيروتيك» أو يستخدم بطريقة غرائزية مثل أفلام البورنوجرافيا، ومن بين الأعمال التي نجحت في أن تستخدمه بطريقة فنية رواية «باب الليل» لوحيد طويلة، وأن القارئ الفطن هو الذي يستطيع أن يميز هذه الشعرة الفاصلة في التناول.
وقال الناقد هيثم الحاج علي: هناك العديد من الروايات في تاريخ الأدب المصري استطاعت استغلال الجنس للتعبير عن دلالات تحمل قيما محددة، مثلما حدث في «منافي الرب» مثلا لأشرف الخمايسي وكل روايات صنع الله إبراهيم وغيرهما من الكتّاب الذين استطاعوا استغلال المكونات الاجتماعية كوسائل للتعبير عن أزمات المجتمع الذي يتصدون لها، وفي المقابل هناك كتّاب أقحموا الجنس داخل أعمالهم بحثا عن أن تدخل رواياتهم ضمن قائمة الأكثر مبيعا، فهؤلاء يوظفون البورنو عنصرا في الكتابة فقط لعرض المواقف الجنسية لذاتها دون استغلالها في بنية الرواية.
وأشار الحاج إلى أن الكتابة عن الجنس في الرواية تختلف حسب طبيعة موضوع العمل والهدف منه، وحسب الكاتب والجمهور الذي سيتلقاها وطبيعته، فهناك من يصرح بالتفاصيل، وهناك من يبدو كأنه يمسك بكاميرا لتصوير المشاهد، وهناك من يبدو كأنه يستغل الرمز بحساسية لتوصيل الحالة، وهناك من يكون في استخدامه للرمز أشبه بالمخرج السينمائي الذي يصور هذه العلاقة عن طريق فوران القهوة على النار مثلا، وبطبيعة الحال فالأفضل هو الطريقة التي تتوافق مع جو الرواية وما تريد التعبير عنه.
ويكمل: «تتعدد أهداف الكتاب من استخدام تقنية البورنو، ومنهم بالفعل من يحاول تقريب الأمر على المتلقي لكن ليس بالتعويض، حيث إن الرواية مثلا لن تستطيع منافسة الميديا، والكاتب الذي يستهدف كتابة رواية تعتمد على الجنس فقط اعتمادا منه على أن هذا سوف يصنع له نجاحا هو كاتب سيفشل قبل أن ينتقل للرواية التالية».
ويوضح الناقد سيد الوكيل أن الجنس يحاول الكشف عن العلاقة الضدية بين المدنس والمقدس، وكم هي ضدية مفتعلة، لأن المقدس يخرج بالضرورة من قلب المدنس على نحو ما تخبرنا أساطير الخلق، ويقول: ما الذي حدث؟ إنها الحضارة، التطور، الذي يسميه فرويد (الأنا السامية) تلك الخصيصة البشرية التي تسعى لقتل البدائي فينا، وهكذا نتصور أن هناك تعارضا ضديا بين التحضر وطاقتنا الجنسية، تلك التي أشار إليها فرويد بمصطلح (الليبدو) ويسميها (كارل يونج) الطاقة النفسية، وهذان المعنيان يجعلانها أكثر الطاقات الإنسانية تأثيرا في الحياة، فكلاهما يعني طاقة البدائي الكامن فينا، ومن ثم لا يمكن تجاهلها في الواقع، فضلا عن الأدب الذي هو أحد أهم تمثيلات الواقع.
وعن أدب البورنو قال: «هذا النوع من الكتابة يسطح المعنى العميق للجنس، ويحيله من كونه معنى إنسانيا إلى مجرد نمط، يعكس صورتنا عن الجنس وليس الجنس نفسه، هذه الصورة التي نشوهها بفعل الحضارة كمحاولة للتخلص من ذلك البدائي الكامن فينا، في الحقيقة نحن نخجل منه، نهرب ونبعد عنه قدر الإمكان، لأننا نتصور أنه يهدد تحضرنا، ولا نلتفت إلى أن ذلك التطور الحضاري، هو الذي حوّل الجنس من مجرد وظيفة لحفظ النوع كما هو عند الحيوانات، إلى متعة في حد ذاتها، لها طقوس وآداب وشروط حضارية، وقبل كل ذلك لها معنى إنساني عميق، دال على وعي الإنسان بوجوده، أين المشكلة إذاً؟ المشكلة تكمن عندما نتعامل مع الجنس بعيدا عن هذا المعنى، ويصبح مجرد بورونو، أي صورة نمطية ومبتذلة، سواء في الأدب أو السينما أو حتى في واقع الحياة اليومية، لأننا بذلك نجرده من هذا الرصيد الحضاري ونحيله إلى مجرد دور وظيفي بدائي يهدر تراثنا الحضاري».
بعد ثلاثين عاما من «زينب» يظهر أديب نوبل نجيب محفوظ ليضع مفهوما جديدا عن الجنس في رواياته، فقدّم الجنس المرتبط بالحياة المصرية، بعد محفوظ استخدم فن الإيروتيكي في الرواية، والآن بعد أن مضى على تاريخ الرواية المصرية مئة عام تقريبا، تغير مفهوم الجنس، وأصبح الروائيون يربطونه بعالم البورنوجرافيا.
وحول قضية توظيف الجنس في الأدب تحدث عدد من النقاد لـ«الراي»، ومن بينهم قال، أستاذ النقد الأدبي العربي في جامعة القاهرة الدكتور حسين حمودة: إن الجنس يمكن أن يمثل تجربة مهمة في الأدب، ويمكن أن يتم تناوله من زوايا وأبعاد متعددة متنوعة من خلال شخصيات فنية وبرؤية متسعة بغير حدود، المهم كيف سيتناوله المبدع حتى يصبح الجنس رمزا للحياة بشكل عام؟، الجنس يمكن أن يعبر عن الجانب العاطفي والاجتماعي والاقتصادي، ويمكن أن يكشف الأبعاد في حياة مستوى الفرد والجماعة داخل المجتمع المصري علي مستوى طرفي هذه العلاقة.
وأضاف: «العلاقة بين الرجل والمرأة علاقة أكثر عمقا في تاريخ الرواية المصرية التي تمثل الفطرة الإنسانية والعواطف والنفس البشرية، وتعني الأحساس بالوحدة والاغتراب، واكتمال هذه العلاقة خطوة حقيقية نحو السعادة، بمعنى أصح البحث عن الحقيقية واكتشاف أنفسهم».
ويرى حمودة أن الجنس في تاريخ الرواية مر بأكثر من مرحلة، ويقول: كانت هناك تجارب منذ نشأة الرواية المصرية مكتوبة بحرية محدودة جدا، رغم أن الجنس قد ظهر في الأعمال التراثية ومنها «ألف ليلة وليلة»، وكتب بحرية مطلقة.
يواصل: بعد مرور سنوات قدّم الأديب نجيب محفوظ، خصوصا في روايتي «بداية ونهاية» و«زقاق مدق»، نقلة مهمة في التعبير عن الجنس كاحتياج إنساني وأزمة اجتماعية، وتناولت هذه الأعمال الأسباب التي تجعل النساء يتجهن إلى ممارسة البغاء، بعد محفوظ كانت هناك تناولات كثيرة في الروايات المصرية كلها ساعدت على وضع مفاهيم للجنس في الرواية.
وأكد حمودة أن الكاتب الحقيقي يوظف الجنس توظيفا حقيقيا بعيدا عن الإثارة والرغبة والغرائز، وأن من يفعل ذلك يبحث فقط عن ترويج العمل ولا يهتم بالقيمة، ويقول: هناك شعرة فاصلة بين أن يتم توظيف الجنس في العمل الأدبي بطريقة فنية وإنسانية مثل «الإيروتيك» أو يستخدم بطريقة غرائزية مثل أفلام البورنوجرافيا، ومن بين الأعمال التي نجحت في أن تستخدمه بطريقة فنية رواية «باب الليل» لوحيد طويلة، وأن القارئ الفطن هو الذي يستطيع أن يميز هذه الشعرة الفاصلة في التناول.
وقال الناقد هيثم الحاج علي: هناك العديد من الروايات في تاريخ الأدب المصري استطاعت استغلال الجنس للتعبير عن دلالات تحمل قيما محددة، مثلما حدث في «منافي الرب» مثلا لأشرف الخمايسي وكل روايات صنع الله إبراهيم وغيرهما من الكتّاب الذين استطاعوا استغلال المكونات الاجتماعية كوسائل للتعبير عن أزمات المجتمع الذي يتصدون لها، وفي المقابل هناك كتّاب أقحموا الجنس داخل أعمالهم بحثا عن أن تدخل رواياتهم ضمن قائمة الأكثر مبيعا، فهؤلاء يوظفون البورنو عنصرا في الكتابة فقط لعرض المواقف الجنسية لذاتها دون استغلالها في بنية الرواية.
وأشار الحاج إلى أن الكتابة عن الجنس في الرواية تختلف حسب طبيعة موضوع العمل والهدف منه، وحسب الكاتب والجمهور الذي سيتلقاها وطبيعته، فهناك من يصرح بالتفاصيل، وهناك من يبدو كأنه يمسك بكاميرا لتصوير المشاهد، وهناك من يبدو كأنه يستغل الرمز بحساسية لتوصيل الحالة، وهناك من يكون في استخدامه للرمز أشبه بالمخرج السينمائي الذي يصور هذه العلاقة عن طريق فوران القهوة على النار مثلا، وبطبيعة الحال فالأفضل هو الطريقة التي تتوافق مع جو الرواية وما تريد التعبير عنه.
ويكمل: «تتعدد أهداف الكتاب من استخدام تقنية البورنو، ومنهم بالفعل من يحاول تقريب الأمر على المتلقي لكن ليس بالتعويض، حيث إن الرواية مثلا لن تستطيع منافسة الميديا، والكاتب الذي يستهدف كتابة رواية تعتمد على الجنس فقط اعتمادا منه على أن هذا سوف يصنع له نجاحا هو كاتب سيفشل قبل أن ينتقل للرواية التالية».
ويوضح الناقد سيد الوكيل أن الجنس يحاول الكشف عن العلاقة الضدية بين المدنس والمقدس، وكم هي ضدية مفتعلة، لأن المقدس يخرج بالضرورة من قلب المدنس على نحو ما تخبرنا أساطير الخلق، ويقول: ما الذي حدث؟ إنها الحضارة، التطور، الذي يسميه فرويد (الأنا السامية) تلك الخصيصة البشرية التي تسعى لقتل البدائي فينا، وهكذا نتصور أن هناك تعارضا ضديا بين التحضر وطاقتنا الجنسية، تلك التي أشار إليها فرويد بمصطلح (الليبدو) ويسميها (كارل يونج) الطاقة النفسية، وهذان المعنيان يجعلانها أكثر الطاقات الإنسانية تأثيرا في الحياة، فكلاهما يعني طاقة البدائي الكامن فينا، ومن ثم لا يمكن تجاهلها في الواقع، فضلا عن الأدب الذي هو أحد أهم تمثيلات الواقع.
وعن أدب البورنو قال: «هذا النوع من الكتابة يسطح المعنى العميق للجنس، ويحيله من كونه معنى إنسانيا إلى مجرد نمط، يعكس صورتنا عن الجنس وليس الجنس نفسه، هذه الصورة التي نشوهها بفعل الحضارة كمحاولة للتخلص من ذلك البدائي الكامن فينا، في الحقيقة نحن نخجل منه، نهرب ونبعد عنه قدر الإمكان، لأننا نتصور أنه يهدد تحضرنا، ولا نلتفت إلى أن ذلك التطور الحضاري، هو الذي حوّل الجنس من مجرد وظيفة لحفظ النوع كما هو عند الحيوانات، إلى متعة في حد ذاتها، لها طقوس وآداب وشروط حضارية، وقبل كل ذلك لها معنى إنساني عميق، دال على وعي الإنسان بوجوده، أين المشكلة إذاً؟ المشكلة تكمن عندما نتعامل مع الجنس بعيدا عن هذا المعنى، ويصبح مجرد بورونو، أي صورة نمطية ومبتذلة، سواء في الأدب أو السينما أو حتى في واقع الحياة اليومية، لأننا بذلك نجرده من هذا الرصيد الحضاري ونحيله إلى مجرد دور وظيفي بدائي يهدر تراثنا الحضاري».