تعتبر المقاومة السلمية من انجح الوسائل للتصدي للظلم وتغيير الواقع، وهي لا تعبر عن ضعف كما يزينه بعض الناس وانما تعبر عن قوة كامنة وتحد للطرف الاخر، يقول (المهاتما غاندي) محرر الهند من الانكليز: «اللاعنف هو أعظم أسلوب اعتمده الجنس البشري، وهو أقوى سلاح للتخريب ابتكرته عبقرية الانسان ضد سلطة الاستبداد».
وفي التاريخ المعاصر يوجد مئات الحالات التي تدل على نجاح الوسائل السلمية في إحداث التغيير المطلوب، ففي الهند طلب غاندي من الهنود انتاج الملح بأنفسهم عبر تجفيف المياه المالحة، وبذلك خسرت الشركات الانكليزية التي كانت تحتكر تلك الصناعة، كما كان الهنود يرفضون بيع البضاعة في متاجرهم لجنود الاحتلال الانكليزي، كما كان الهنود ينامون على قضبان الحديد للقطارات في طوابير طويلة ما يضطر القطارات للتوقف وهكذا.
وفي اوروبا الشرقية استخدم المحتجون وسائل متعددة لمقاومة الاحتلال مثل توزيع الزهور الحمراء على منتسبي القوات المسلحة من جيش وشرطة ما جعل كثيرا منهم يقفون مع الجمهور ويرفضون التصدي لهم بالقوة.
اما في تشيلي فقد تصدى الناس للحكومة بطريقة طريفة لكنها مؤثرة وذلك بالصعود إلى الاسطح او النزول إلى الشوارع وقت اذاعة نشرة الاخبار الحكومية، والطرق على الصفائح المعدنية، وقد عمدت الحكومة إلى تغيير مواعيد النشرة الاخبارية مرات عدة للقضاء على ذلك التمرد ولكن الناس تعاملوا مع ذلك التغيير واكملوا احتجاجاتهم.
وفي ساحة تيان في الصين في أوج سطوة الشيوعية وقف الناس في الساحة احتجاجا على السلطات، وبالطبع فقد دهمتهم السلطات وقتلت منهم الكثير، ولكن كان ذلك بداية النهاية للحكم الشيوعي البغيض في الصين.
مارتن لوثر كينج في الولايات المتحدة الاميركية كان له اسلوب مميز في الاحتجاج على الفصل العنصري في اميركا، فقد كانت الباصات تعزز الفصل العنصري ويجلس السود في المؤخرة، وقد يطلب منهم البيض الوقوف لكي يجلسوا مكانهم، فطلب مارتن لوثر كينج من الناس مقاطعة ركوب الباصات، ما كبدها خسائر فادحة وأوقف سير الباصات.
لاشك ان الدول العربية لها تجارب مشرفة ومهمة في مجال المقاومة السلمية، وهو ما رأيناه خلال فترة الانتفاضة الفلسطينية الأولى والثانية التي اعادت صياغة المقاومة الفلسطينية التي أفسدتها القيادات الفلسطينية خلال سنوات من الخيانة والتآمر على شعبها.
كذلك فان ثورات الربيع العربي في غالبيتها كانت ثورات سلمية لم ترفع سلاحا في وجه الانظمة القمعية التي واجهتها، لكنها حققت نتائج مذهلة لولا تدخل اطراف كثيرة لقطف ثمرتها.
ما شاهدناه بالامس في الانتخابات المصرية هو اكبر دليل على نجاح المقاطعة السلمية التي أثبتت للعالم بأن الشعب المصري الحر الذي خاض ثورة 25 يناير 2011 من اجل نيل حريته لا يمكن ان يتنازل عن حقوقه وان يقبل باهانته بتلك الطريقة الدموية المهينة، فلقد قاطعت غالبية الشعب المصري الذهاب للاقتراع بالرغم من الاغراء والتخويف والعقوبات.
ولئن كان المصريون لا يملكون القوة لمنع ما حدث لكنهم عبروا عن رفضهم لتلك المسرحية سلمياً، وبالطبع فلن توقف تلك المقاطعة الشاملة استكمال المشهد، لكن الرسالة وصلت واسقطت اسطورة الاعلام المخادع في مصر.
كم أشعر بالأسف لما أقدمت عليه جماعة الاخوان المسلمين من اجل التصدي للانقلاب في مصر من زج للناس في حرب غير متكافئة ضد قوات الجيش والشرطة، ما تسبب في مقتل الالاف من الابرياء وأشعر بالحزن أكثر لمواقف بعض القيادات الدينية التي حرضت الناس على النزول إلى الشوارع والتصدي للانقلاب بصدورهم العارية دون ان يدركوا المصالح الشرعية والقواعد الفقهية الواضحة للتصرف في تلك المواقف، فهم بذلك قد ساهموا في تلك المأساة.
د. وائل الحساوي
[email protected]