«الراي» واكبت انطلاقة الجمعية التي ترصد «فنون الرشوة»

«دكانة البلد»... «آخر موضة» لمحاربة الفساد في لبنان

تصغير
تكبير
«رخصة سوق من دون اختبار، ترخيص سيارة مفيّمة أو «نصف مفيمة»، هويات مزورة، شهادات بروفيه بالرخِص، ومع كل شهادتيْ بروفيه شهادة بكالوريا مجاناً، تصفير عدادات الكهرباء بأحدث تقنيات، واسطة (عالخفيف)، رخصة بناء مفتوحة، أصوات للانتخابات بأسعار مقبولة في الجملة والمفرق، وظائف في المؤسسات العامة»... هذه عيّنة من «البضائع» التي تم عرضها في «دكانة البلد» التي افتتحت في إحدى المحلات القديمة ذات الجدران الحجرية في منطقة الجميزة في بيروت.

افتتاح «الدكانة»، الذي حضره حشد من الإعلاميين والمدونين والمعنيين وفعاليات المجتمع المدني وجمع من المواطنين المهتمين، سبقته حملة إعلانية، علّقت خلالها ملصقات عدة في شوارع بيروت، عارضةً «خدمات البيع والشراء على الملأ».


الفكرة صدمت اللبنانيين للوهلة الأولى، فهم اعتادوا على الفساد لكنهم لم يألفوا «بيعه» بهذه «الوقاحة» وعلى طريقة «الفانوس السحري»، ليتبين لهم أنها حملة جمعية «سكّر الدكانة» لمكافحة الفساد في قالب عكسي ساخر.

«الدكانة» ما هي في واقع الحال إلا مرآة لحال الفساد التي تنخر جسد لبنان ومؤسساته منذ عقود، حتى ترسّخت في أذهان «أهل البلد» ثقافة المحسوبيات والرشاوى وتغيير القانون حسب الحاجة والسمسرات و «على عينك يا تاجر»، ما جعل لبنان أشبه بـ «دكانة الفساد» تحقق إيرادات سنوية تفوق مليار ونصف مليار دولار، أي ما يعادل 10 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، وبعبارة أخرى، فإن عُشر دخل اللبناني تمتصّه منظومة الفساد تلك وفق بيان صدر عن جمعية «سكّر الدكانة».

وعن سبب تسمية الجمعية بهذا الاسم قال رئيسها عبدو مدلج لـ «الراي» «الفساد جعل مجتمعنا أشبه بدكانة، إذ يمكن الحصول على أي شيء من خلال دفع الرشاوى. حتى الحقوق يمكن شراؤها، ولذلك اقترحنا إقفال هذه الدكانة، وأطلقنا على جمعيّتنا اسم «سكّر الدكانة».

«... بلّغ عن الفساد ليصير عنّا بلد»، هو شعار الحملة التي لاقت «تجاوباً كبيراً لاسيما من وسائل التواصل الاجتماعي، ففي أربع وعشرين ساعة تمت مشاهدة فيلم الحملة على موقع يوتيوب من قبل 25 ألف شخص»، بحسب مدلج الذي يوضح انه «في يوم واحد جمعت صفحة الحملة على فايسبوك خمسة آلاف منتسب، بالإضافة إلى تقديم 600 تبليغ عن رشاوى طالت جميع الوزارات والبلديات على موقعنا الالكتروني».

فبعدما صُنّف لبنان من بين البلدان الخمسين الأكثر فساداً في العالم بحسب منظمة الشفافية الدولية، أصبح رفع الصوت ومحاربة الفساد واجباً. وبدل أن يكون المواطن جزءاً من نظام يعمل عبر الرشاوى والتزوير وبيع الحقوق بالجملة والمفرق، يرغب العاملون في جمعية «سكّر الدكانة» أن يكون اللبنانيون في أساس حملتهم ضد الفساد الذي يشاركون فيه يومياً حتى باتوا يجدون له الأسباب «فما نعتبره مجرد دعم صغير لتسهيل إنجاز معاملاتنا من خلال الرشوة أو المحاباة أو أي شكل آخر من أشكال الفساد، هو في الواقع حقنة إضافية تغذي منظومةً متكاملة ستكون كلفتها علينا في النهاية باهظة تفقدنا حقوقنا» وفق ما يقول مدلج.

أما عن كيفية التعاطي مع التبليغات فإن «سكِّر الدكانة» الجمعية غير الحكومية التي تأسست في 19 ديسمبر 2013، ستقوم بجمع البيانات وفرْزها وتصنيفها من أجل تحديد اتجاهات الفساد في لبنان، لتعمل في مرحلة لاحقة على وضع حلول مع المؤسسات المعنية، مع الإشارة إلى وجوب ارتكاز البلاغ، أكان في الواقع، أو «الكترونيا»، على حادثة مؤكدة، وليس على حديث أو خبر عابر.

ويؤكد مدلج ان «المعلومات ستبقى سرية سواء بالنسبة للشخص الذي يبلّغ أم الموظف الذي يتلقى الرشوة، فالهدف الحديث عن مؤسسات وليس أفراد لأن المرحلة التالية ستكون طرح حلول على المؤسسات للوصول إلى وقف الفساد».

عروض «الدكانة» لن تستمر طويلاً، لتبقى متابعة التبليغات عبر موقع الكتروني والهواتف الذكية وصناديق شكاوى وخط ساخن. ولا تطلب الجمعية التي تم تأسيسها من ثلاثة أشخاص حملوا على عاتقهم فتح الطريق أمام محاربة الفساد، دعما لأي من السياسيين أو أي حزب، «فنحن نريد البقاء مستقلين سياسياً حتى نتمكن من العمل بحرية وفعالية. اما المال فنحصل عليه من منظمة بريطانية تدعم المبادرات الراغبة في بناء القطاع العام، غير أن هذه المنظمة لا تتدخل في نشاطاتنا، ونحن نسعى خلف دعم الشعب اللبناني والناشطين» بحسب ما جاء في بيان الجمعية.

«لأننا جميعاً شركاء في الفساد كل يوم. نعقْلن الفساد ونجد له المبرّرات والمسوغات إلى درجة أننا ما عدنا متحمسين أو حتى راغبين في مكافحته. لكن الفساد يلقي بعبء ثقيل على حياتنا، ويحدّ من وصولنا إلى المعلومات، ويقوِض تفكيرنا النقدي السليم، ويعوِق مسيرة التغيير، ويسجننا خلف قضبان انعدام الكفاءة الاقتصادية والسياسية»... لهذا كله حان وقت مكافحته»... صرخة أطلقتها جمعية «سكّر الدكانة».

فهل ستنجح الجمعية أن تكون «المضاد الحيوي» الفعال للقضاء على «الفيروس» المستشري في لبنان ونشر ثقافة النزاهة والحكم الرشيد؟ يجيب مدلج: «بالتأكيد ستنجح المسيرة فالناس تعبوا من الفساد ولأوّل مرة أصبح بإمكانهم أن يعبّروا عن رأيهم ويفضحوا الواقع الذي يعيشونه».
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي