جعجع التقى الحريري في باريس

لبنان أمام «سيناريوات متضاربة» قبل «خميس الرئيس» ... أو الاستعداد للفراغ

تصغير
تكبير
«حبس أنفاسٍ»، «حرب نفسية»، «عضّ أصابع» و«عدّ اصوات». هذا غيض من فيض «ما ينتاب» لبنان قبل ستة أيام من انتهاء ولاية رئيس الجمهورية ميشال سليمان، فإما يسلّم «الأمانة» الى خلَف منتخب في «ربع الساعة الاخير» ويتجدّد «الستاتيكو» الذي يحكم الوضع اللبناني منذ تشكيل حكومة الرئيس تمام سلام، وإما يحلّ الشغور الذي يمكن ان يفتح البلاد على لعبة التوازنات الجديدة الآخذة بالارتسام في المنطقة المترنّحة فوق «فوهة» يتزاحم فيها «الماء والنار» في ملفات مرشحة للاحتواء وأخرى برسم المزيد من «التشظيات».

هي أيام فاصلة يعيشها لبنان الذي يضرب الخميس المقبل موعداً مع جلس انتخابية خامسة تنصبّ الجهود الداخلية والخارجية كي لا تنتهي الى الحصيلة نفسها للجولات الرابعة السابقة اي الى عدم تأمين النصاب وان تفضي الى «الإفراج» عن الرئيس الـ 13 للبنان وقطع الطريق على سابقة لم تشهدها البلاد في تاريخها وهي ان يستلم رئيسٌ (سليمان) الحكم من فراغ استمر ستة اشهر بعد انتهاء ولاية العماد اميل لحود خريف 2007 وان يسلّم الى فراغ لا يُعرف الى متى قد يستمرّ. وهذا التطوّر اذا حصل لن يكون ممكناً قراءته الا على انه إمعان في تظهير «الازمة البنيوية» في النظام اللبناني وتحديداً في «جمهورية الطائف» التي انطلقت «على أشلاء» رئيسٍ اغتيل (رينية معوض في نوفمبر 1989)، وأكملت مع رئيسٍ مدّد ولايته ثلاث سنوات (الياس الهرواي)، وخلَفٍ كرّر تجربة التمديد (اميل لحود) التي أدخلت البلاد في نفق مظلم من الانقسام الحاد الذي شكّل عامل الوجود السوري احد «فتائله» الرئيسية وانفجر مع اغتيال رئيس الحكومة رفيق الحريري (فبراير 2005) وصولاً الى تركه سدة الرئاسة لفراغ لم يتم ملؤه الا بعد إحداث اختراق «عسكري» كسر التوازنات في مايو 2008 (العملية العسكرية لـ «حزب الله» في بيروت والجبل) ومهّد لـ «اتفاق الدوحة» الذي أمّن تفاهماً متكاملاً على الانتخابات الرئاسية والحكومة الجديدة والقانون الذي حكم انتخابات 2009.


واذا كان فراغ الـ 2007 - 2008 لقي «حاضنة» عربية - اقليمية - دولية تضمن إنهاءه بأقل الخسائر، فان المشهد الخارجي لا يشي بأن «الجرّة قد تسْلم هذه المرّة»، ولا سيما في ظل الموقف العربي - الدولي البالغ الوضوح بان الاستحقاق الرئاسي «شأن لبناني» وان الاجندة الخارجية مثقلة بملفات ساخنة ولا مكان فيها لـ عبء» اضافي، وان من الأفضل للبنانيين تدبُّر أمرهم في الاستحقاق الرئاسي «بالتي هي أحسن» وضمن المهلة الدستورية عوض ترك هذا الملف بعدها للعبة التوازنات والمقايضات الخارجية التي لم تحصد «بلاد الأرز» يوماً منها الا الخيبات.

وقبل اربعة ايام من جلسة 22 الجاري التي يُرجح بحال لم تفض الى انتخاب رئيس ان يعقبها رئيس البرلمان نبيه بري بدعوات متتالية في الايام الثلاثة الأخيرة من انتهاء المهلة الدستورية وانتقال صلاحيات رئاسة الجمهورية الى مجلس الوزراء مجتمعاً، برزت سيناريوات عدة لـ «الخميس الموعود» راوحت بين حديْ «قمة التفاؤل» بانها ستخرج برئيس، و«قمة التشاؤم» بانها ستمهّد للفراغ. وهذه السيناريوات هي:

* ان لا يؤمن فريق «8 آذار» والعماد ميشال عون نصابها (86 نائباً من اصل 128) على غرار ما فعل في الجلسات السابقة تحت عنوان «التفاهم اولاً» على اسم الرئيس بالنسبة الى «حزب الله» وهو ما كرّره القيادي فيه ابراهيم امين السيد اول من امس من بكركي، والحصول على موافقة «تيار المستقبل» (بقيادة سعد الحريري) على ترشّحه بالنسبة الى العماد عون.

* ان يؤمّن فريق «8 آذار» او العماد عون النصاب ويكرر سيناريو الاوراق البيض في وجه مرشّح «القوات اللبنانية» الذي سيبقى في هذه الحال سمير جعجع، فيكون هذا الفريق «برأ ذمّته» تجاه الكنيسة المارونية تحديداً كما المجتمع الدولي ورفع عنه مسؤولية تحميله تبعات الفراغ من خلال رفضه تأمين النصاب.

* ان يتوافر النصاب وتحصل المفاجأة بانتخاب العماد عون رئيساً كما يروّج قريبون من الأخير متحدّثين عن «أصوات في الجيب» تناهز 61 صوتاً، وان الاصوات الاربعة الباقية لإكمال «النصف زائد واحد» (65 صوتاً) يمكن ان تأتي من «هنا او هناك» من الكتلة المستقلّة.

* ان يتوافر النصاب ويخرج عون «الى الضوء» في ترشّحه وينال قرابة 60 صوتاً، فيكون ضمَن بذلك تفوّقه على مرشح «14 آذار» وحجز لنفسه موقعاً متقدماً بين المرشحين في مرحلة الفراغ او ما قبلها، فإما ينجح في تأمين الاصوات المطلوبة او موافقة «تيار المستقبل» او يكون كرّس نفسه «الصانع الرئيس للرئيس العتيد».

* ان يتأمن النصاب وتكون التوافقات الداخلية برعاية خارجية أمنت تفاهماً على اسم تسْووي يشعر جميع الاطراف بان لهم حصة فيه ويشكّل استمراراً بمواصفاته للمناخ الذي وفّر تشكيل حكومة الرئيس سلام مستفيداً من «المهادنة» السعودية - الايرانية.

وفي ظل كل هذه السيناريوات وعلى وقع النصائح الخارجية بتفادي انتظار مآل التقارب الايراني - السعودي الذي لن تتضح آفاقه قبل تلبية وزير الخارجية الايراني دعوة الرياض الى زيارتها، تبقى الاحتمالات السلبية راجحة حيال الاستحقاق الرئاسي وسط ملامح مساع للتكيف الاستباقي مع الفراغ، من دون ان تسقط بالكامل الفرصة الضئيلة المتبقية لمفاجأة انتخابية. علماً ان دوائر سياسية لم تستبعد ايضاً إمكان وقوع فراغ لوقت غير طويل يكون حصل خلاله «إنهاك» الاطراف الداخليين وحشْرهم في زاوية «آخر الدواء الكي» اي رئيس من خارج التقابُل بين 8 و 14 آذار.

وفي موازاة ذلك، اكتسبت ثلاثة تطورات اهمية بارزة وهي:

* اللقاء الذي جمع ليل اول من امس جعجع وسعد الحريري في باريس والذي شكل الاستحقاق الرئاسي العنوان الابرز فيه ويفترض ان يكون حدد خريطة طريق تعاطي «14 آذار» مع المراحل اللاحقة من السباق الرئاسي سواء بالنسبة الى استمرار السير برئيس حزب «القوات اللبنانية» او اعتماد مرشح آخر، وما الخطوات الكفيلة تفادي الفراغ.

* الرسالة الاولى من نوعها في ولايته التي وجّهها الرئيس سليمان، الذي يقيم السبت المقبل احتفالاً في قصر بعبدا يلقي فيها خطاباً وداعياً، الى مجلس انواب وحضّه فيها على انتخاب رئيس جديد للبلاد في ما تبقى من المهلة الدستورية. واعتُبرت هذه الخطوة بمثابة «جرس انذار» حيال الاحتمال المتعاظم لحلول مرحلة الفراغ الرئاسي بعد 25 مايو ويرجح ان يقوم رئيس البرلمان نبيه بري بتلاوة الرسالة في جلسة الخميس المقبل.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي