د. حمد العصيدان / كلمات ناطقة

أولئك هم ذوو الدخل المحدود الحقيقيون

تصغير
تكبير
من يتابع مجمل القرارات الحكومية الصادرة أو التي في طريقها للصدور، وفي جميع المجالات، يجد أن المستهدف فيها فئة الوافدين أكثر من أي فئة أخرى، وكأن الهدف منها تضييق الخناق عليهم في سبيل إجبارهم على الرحيل، مع أننا لا يمكن بأي حال من الأحوال الاستغناء عن خدماتهم، وخصوصا من تستهدفهم القرارات بشكل مباشر.

فبدءا من القوانين المرورية التي ضيقت على الوافد الحصول على إجازة قيادة، والتي كان الهدف المعلن منها تخفيف الضغط على الطرق لإنهاء الأزمة المرورية التي لم تنته، مرورا بالمخالفات المرورية التي تعلن الإدارة العامة للمرور أنها تحرر ما لا يقل عن 30 ألف منها أسبوعيا، والتي واقع الحال يقول ان أكثر من 90 في المئة منها تقع على سيارات الوافدين، في انتقائية غريبة وعجيبة لرجال المرور، وقد عاينا نماذج منها على أرض الواقع.


ومرورا بما سبق أن أعلنه وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء عن دراسة لتطبيق فرض الضرائب على الوافدين، مؤكدا أنها في طريقها إليهم، ثم جاء لقاؤه في إذاعة الكويت الذي نشرته الصحف الأسبوع الماضي، ليؤكد أن الدولة تتجه لتخفيف دعم الديزل وإصدار «كرت» خاص للمواطن بشأن تخصيص بنزين مدعوم له، وهو ما يعني أن المستهدف من هذه المسألة كلها الوافد، فالديزل للسيارات الشاحنة التي تعمل على نقل الصلبوخ والرمال، أو آليات الأعمال الإنشائية التي يتولى قيادتها والعمل عليها وافدون. وفي تخصيص كروت البنزين ما يعني أن الكويتي سيملأ سيارته ببنزين بالسعر الحالي، فيما الوافد سيضطر لدفع 100 فلس أو أكثر ثمن ليتر البنزين إذا أراد قيادة سيارته!

وجاء تصريح وزير المالية يوم الخميس ليكمل المشهد المرسوم عندما أكد أن الدولة لا تتجه لفرض ضرائب على المواطنين، وإنما تعمل على إعادة توزيع المواد التموينية المدعومة بشكل لا يمس ذوي الدخل المحدود،عن طريق وقف توزيعها على ذوي الدخل العالي وتحويلها لذوي الدخل المحدود.

فإذا كان معنى كلام الوزير أن يوقفوا صرف المواد التموينية عن التجار فإن السؤال الذي يطرح نفسه: هل التجار يأخذون تلك المواد أصلا؟ ثم لماذا التكرار والتأكيد على مصطلح «ذوي الدخل المحدود»؟ وما المقصود منه؟ وهل بين المواطنين من هو من ذوي الدخل المحدود بمعناه الدقيق؟

فالكويتيون كلهم ينتمون إلى الطبقة الوسطى، وفي التعريف الدولي لمفهوم الدخل المحدود أنه يعني أولئك الذين لا يكادون يلبون الاحتياجات الأساسية لهم، وهم من أبناء الطبقة الدنيا في دول العالم، وبالتالي إطلاق مصطلح ذوي الدخل المحدود على الكويتيين فيه الكثير من التعسف والبعد عن الحقيقة، بل إن المصطلح ينطبق على الوافدين وليس المواطنين في الكويت، في ظل ما يأخذون من رواتب وما يطلب منهم دفعه ضريبة لوجودهم في الكويت، أقربه إيجار الشقق التي يسكنونها والذي أصبح يلتهم نصف رواتبهم الشهرية، في ظل جشع ملّاك العقارات الذين يعمدون إلى زيادة الإيجار سنويا، غير عابئين بوضع هذا الوافد وراتبه والتزاماته، فلنبتعد عن نغمة «الدخل المحدود» التي أصبحت سائدة في كلام مسؤولي الدولة وخاصة وزراءها.

وقبل ذلك، ومنذ أكثر من 10 سنوات طبق التأمين الصحي على الوافدين الذي «ترست» شركات التأمين منه ملايين الدنانير عجزت وزارة الصحة عن تحصيلها منها، ثم قصر تحصيل ذلك التأمين على الوزارة نفسها، فحصلت مئات الملايين، وعزمت على بناء مستشفيات خاصة بهم، فلا هي بنت ولا الوافد استفاد من التأمين الذي يدفع على مدار السنوات السابقة كلها، حتى أن الوافد يدفع رسم الكشف الطبي في المستوصف، وهناك أدوية لا تصرف له لأنها خاصة بالكويتيين، ثم يدفع رسوما على التحاليل الطبية وصور الأشعة، وكأننا في قضية التأمين الصحي نجبره على دفع «الخوّة» لوجوده في الكويت، والخوّة لمن لا يعرفها مصطلح جاهلي يعني أن يدفع الضعيف للقوي مالا أو حلالا فقط لأنه ضعيف وذاك قوي، وإلا فإنه سيتعرض لبطشه وسطوته!

أما إذا كان هناك هدف غير معلن للحكومة تحدثت عنه وزيرة الشؤون السابقة بأن لديهم خطة لترحيل 100 ألف وافد سنويا، فهل هذه الوسيلة للترحيل؟ ثم هل فكر المسؤولون أن إجراءاتهم التي اتخذوها تستهدف الفئة الحساسة من الوافدين التي تسير شؤون البلد من معلمين وأطباء وممرضين، بينما الفئة الحقيقية بعيدة عن كل ذلك، ونقصد بها العمالة الهامشية التي تسكن في مساكن جماعية تصل إلى 20 فردا في الغرفة الواحدة، وليس لديها سيارات، وأكثرها مخالف للإقامة ولا يدفع تأمينا صحيا... أليس منكم رجل رشيد؟!

[email protected]

@Dr_alasidan
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي