في رحلتها بين اللغات، سقطت أجزاء مهمة من قصة «كليلة ودمنة» الشهيرة، كانت تضيء جوانب مهمة من حيثيات القصة نستطيع من خلالها فهم المغازي الكثيرة التي قصدها الكاتب.
فالفيلسوف الهندي بيدبا عندما كتب قصته الرئيسة باللغة السنسكريتية، وجعل شخصياتها من الحيوانات كان هدفه الابتعاد عن الملك الظالم دبشليم الذي لم يكن يقبل بالنقد أو المعارضة، فجعل قصته الرئيسية بين الثور والأسد، وأخوين من أبناء آوى، هما كليلة ودمنة، وقصر الأحداث على تلك الشخصيات، حتى أدخل شخصية النمر «كومبارس» كان المفتاح لكشف الحقيقة.
هذا ما قرأنا بالترجمة العربية للقصة التي نقلها عن الفارسية الكاتب المشهور عبدالله ابن المقفع، وهي المرحلة الثانية من الترجمة بعد انتقال القصة من الهندية إلى الفارسية بأمر من كسرى أنوشروان الذي كلف طبيبه برزويه بترجمتها. ولأن الترجمة ركزت على الحدث الرئيس أغفلت بعض الأحداث المهمة التي يمكن معرفتها بالرجوع إلى النص الأصلي باللغة الأم.
فبعيدا عن بطانة السوء لملك الغابة، التي تمثلت في شخصية دمنة، وسعيها لتخريب الصداقة بينه وبين ضيفه شتربة، حتى نالت ما أرادت قبل أن تقع في شر أعمالها، كانت هناك أمواج من العمل «الخبيث» لرعايا الغابة في سبيل تحقيق الغايات الرخيصة والدنيئة بعيدا عن أنظار الملك الذي وجد في ضيفه أنيسا، بعدما كشف زيف بطانته. فكانت المؤامرات والدسائس هنا وهناك تهدف لإبعاد هذا الطرف عن عرين الملك، أو تشويه صورة ذاك الطرف، سعيا وراء الوصول إلى غايات ذاتية، حتى لو كانت على حساب القيم والأخلاق، طبعا هذا في عالم الفانتازيا الذي تقوم عليه القصة من الأساس، كونها على لسان الحيوانات.
فالضبع ـ في القصة ـ وجد فرصته في أن يعيث فسادا بعيدا عن أعين الملك، فأخذت أنيابه تفتك بصغار المملكة، دون أن تأخذه رحمة أو رأفة، وأتبعه في عمله هذا الذئب الفاسد، وقبله النمر الحاسد، حتى أصبحت الغابة اسما على مسمى، ضحايا الظلم من رعاياها الصغار الذين وجدوا أنفسهم في مواجهة الأطماع الكبرى لضعاف النفوس الذين كسروا قوانين الطبيعة التي كانت سائدة، فشهدت الغابة حالة لافتة من النزوح لم يلتفت إليها ملك الغابة إلا بعد فوات الأوان، وهو الذي سخّر كل جهوده لمعركته المصطنعة مع ضيفه شتربة، حتى صارت الغابة شبه فارغة من سكانها ينعب في جوانبها البوم، وينعق على تلالها الغربان، ولما ضاقت به الدنيا لجأ إلى والدته التي قالت له المقولة التي ترددت بعدها كثيرا عندما قالت له: ابكِ مثل النساء ملكا مضاعا لم تحافظ عليه مثل الرجال!
***
شكرا وزارة التربية
في تفاعل سريع لما كتبناه في مقالنا الأسبوع الماضي، حول بعض المظاهر المخلة في مدرسة ابتدائية، اتصل بي مدير الشؤون التعليمية والإدارية في الوزارة أنور العوضي، أبدى فيه اهتمام الوزارة بما ورد في المقال، مؤكدا أن معالي الوزير أعطى توجيهاته بمتابعة كل ما ورد.
وقد علمنا أن مدير المنطقة التعليمية زار المدرسة ووقف على وضعها، وهذا يثلج الصدر ويعزز ثقتنا بالمسؤولين الذين يرفضون أي مظاهر غير تربوية في مرافق الوزارة.. فشكرا لكم جميعا.
[email protected]Dr_alasidan@