الحلقة الخامسة / من يصنع رئيس «جمهوريات الداخل والخارج» في لبنان؟

بقرادوني لـ «الراي»: ذاهبون إلى انتخابات رئاسية على طريقة «لا يحكّ جلدك إلا ظفرك» ... وعون الأوفر حظاً

u0643u0631u064au0645 u0628u0642u0631u0627u062fu0648u0646u064a
كريم بقرادوني
تصغير
تكبير
• لن نشهد فراغاً ولا أحد سيعقد لأجلنا طائف ولا دوحة ولذا يجب أن نتكل على أنفسنا

• انتخاب شارل حلو كان الأكثر «لبنانية» وانتخاب سليمان فرنجية الأكثر لبنانية وديموقراطية

• بقدر ما يصبح محيط لبنان مثله يخف التدخل
في شؤونه

• المثال اللبناني سيكون المخرج للربيع العربي

• محيطنا كان يتدخل بشؤوننا لأن لا انتخابات فيه ... كانوا يحبون إجراء انتخاباتهم في لبنان

• التدخل الخارجي بالانتخابات الرئاسية في لبنان هو القاعدة والاستثناء هو القرار الوطني

• التمديد مشكلة تواجه نهاية العهود وتفتح مجالاً للتدخل الخارجي

• انتخاب إلياس سركيس وبشير الجميل وأمين الجميل كان بتوازن الجيوش على أرض لبنان
كـ «ساعة الرمل» تتناقص يوماً بعد يوم المهلة التي منحها الدستور للبرلمان اللبناني لانتخاب رئيس جديد للجمهورية. لكن الوزير السابق كريم بقرادوني يؤكد ان «في العام 2014 سنرى رئيسا للجمهورية»، مشيراً الى ان «ذلك قد لا يكون بالضرورة قبل 25 مايو، ولكن سيكون ذلك في مهلة قريبة جدا من هذا التاريخ».

والرئيس السابق لحزب «الكتائب اللبنانية» يجزم بان «هذه الانتخابات ستكون ديموقراطية وتشهد تداولاً في السلطة»، مشدداً على ان «رئيس الجمهورية ميشال سليمان ليس لديه أي حظ بالتمديد».

وبقرادوني الذي رافق عهديْ الرئيسين بشير وأمين الجميل وتابع عن كثب السياسة في كواليسها، يرى ان «التمديد لطالما شكل مشكلة تواجه نهاية العهد، وهي مشكلة تفتح مجالا للتدخل الخارجي»، مؤكداً أهمية «وضع مادة بالدستور غير قابلة للتعديل وتقضي بان تكون رئاسة الجمهورية لست سنوات غير قابلة للتمديد»، ومعتبراً ان رئيس تكتل «التغيير والاصلاح» النائب العماد ميشال عون هو «الأوفر حظاّ» في السباق الرئاسي «لانه يملك كتلة كبيرة يستند اليها، ولديه تحالف متين مع «حزب الله» و8 آذار».

وفي ما يأتي نص الحوار:

• أمام كل استحقاق رئاسي يُطرح عنوان «صناعة رئيس الجمهورية في لبنان».. علماً ان من المفروض ان مجلس النواب «سيد نفسه»... ما سبب هذا الانطباع؟

- «صناعة رئيس الجمهورية» تعود لسببين: الأول هو التدخل الخارجي في الانتخابات الرئاسية نظراً للوضع اللبناني منذ ما قبل الاستقلال حتى الآن. أما السبب الثاني فهو غياب الأحزاب والترشيحات في لبنان، علماً ان الأحزاب عادة هي التي تصنع الرؤساء حيث يخرجون من بيتها. اذاً عدم وجود أحزاب لخوض المعارك الرئاسية تدفع هذا الفرد المرشح والذي لا مهلة محددة لترشيحه، الى البحث عن كيفية ايجاد حلفاء أو صناعتهم لينتخبوه. وفي الداخل في ظل عدم وجود الأحزاب، يبحث المرشحون عن كيفية صناعة نفسهم مع الأحزاب، ومن هنا تقدم تنطبق عبارة «صناعة الرئيس» على الواقع اللبناني، أكثر من «انتخاب رئيس».

• بين الداخل والخارج، ما هي نسبة تأثير كل من هما في اختيار الرئيس اللبناني؟

- بحسب الظرف. فهناك مراحل في تاريخ لبنان كانت التعيينات فيها تأتي تقريباً من الخارج، وكان الصراع في المنطقة محصوراً بين قوّتين. فبعد الاستقلال أي بعد الحرب العالمية الثانية كانت كل من فرنسا والولايات المتحدة تصنعان وتؤثران بنسبة كبيرة على مجلس النواب اللبناني والقيادات السياسية لتصنع الرئيس، وكانت حينها نسبة الارادة الوطنية صغيرة. لاحقاً، ومع الوقت كبرت نسبة الارادة الوطنية وصغرت نسبة التدخل الخارجي حتى مرحلة الحرب اللبنانية (العام 1975). وبعد الحرب (1990) دخلنا مرحلة جديدة بات للسوري فيها النسبة الكبيرة من القرار فيما نسبة الارادة الوطنية أصغر. وقدمتُ هذين المثلين للقول ان نسبة التدخل الخارجي عادة أكبر من نسبة تأثير الارادة الوطنية بشكل عام.

لكن لا بد من الاشارة الى انه في بعض الأحيان، كان الانتخاب بنسبة شبه كاملة وطنياً لبنانياً. فعندما قرر الرئيس فؤاد شهاب عدم التمديد لنفسه العام 1964، قررت الكتلة الشهابية وفؤاد شهاب اختيار شارل حلو. البعض يقول ان الفاتيكان تدخّل لان شارل حلو كان صديقاً له، لكن انتخاب حلو كان صناعة لبنانية قد تكون بنسبة 100 في المئة، فالفاتيكان اذا تدخل فهو لا يُعدّ دولة ذات مصالح.

وبعد شارل حلو وصل سليمان فرنجية الى رئاسة الجمهورية اللبنانية بانتخابات لبنانية وديموقراطية انقسم فيها لبنان بين 49 و50 صوتاً، حيث فاز فرنجية بفارق صوت واحد. اذاً هذه انتخابات ديموقراطية بامتياز وصناعة داخلية، لان الخارج عادة يقدم اجماعاً أو توافقاً.

في لبنان عادة ما تكون نسبة التدخل الخارجي أكبر، لكن هناك حالات وطنية كان التدخل فيها مفقوداً والارادة الوطنية أكبر.

• هنا اذاً يمكن الحديث عن استحقاقات أكثر لبنانية؟

- نعم، هذان الاستحقاقان هما الأكثر لبنانية. وأعتقد ان الأكثر لبنانية كان انتخاب الرئيس شارل حلو، فضلاً عن ان انتخاب الرئيس سليمان فرنجية ليس فقط الأكثر لبنانية لا بل الأكثر ديموقراطية.

وبعد الرئيس سليمان فرنجية دخلنا مرحلة الحرب، وانتخاب الرؤساء الياس سركيس، بشير الجميل وأمين الجميل كان بتوازن الجيوش على أرض لبنان. ثم كانت مرحلة الاتفاق الأميركي - السوري الذي قضى بتكيلف سورية ادارة لبنان منذ عهد الرئيس الياس الهراوي الى اليوم في عهد الرئيس ميشال سليمان. اذ لا شك ان الارادة السورية كانت الأقوى.

وهنا اذا أردنا العودة الى مختلف الاستحقاقات يمكن القول ان بشارة الخوري كان خياراً انكليزياً ضد اميل اده الخيار الفرنسي. كميل شمعون كان خياراً بريطانياً أيضاً مع صداقات عربية كبيرة في المنطقة، أي انه بريطاني - عربي. فؤاد شهاب جاء انتخابه بنتيجة اتفاق صريح بين مصر (عبد الناصر) والولايات المتحدة.

شارل حلو انتخابه لبناني صرف بقرار من فؤاد شهاب الذي قرر عدم التمديد لنفسه واختار شارل حلو. عند انتخاب سليمان فرنجية، جرت معركة انتخابية بين «الحلف» و«النهج» أفرزت توازناً في القوى وفاز فرنجية على منافسه الياس سركيس بفارق صوت. لذا فان هذه الانتخابات لبنانية ديموقراطية صُنعت هنا في مجلس النواب.

مع دخول مرحلة الحرب بات التأثير خارجياً، فالياس سركيس الذي جاء بعد فرنجية هو نتيجة اتفاق بين «الجبهة اللبنانية» من جهة وسورية من جهة أخرى، ضد ريمون اده الذي أيّده الفلسطينيون وجزء من مجلس النواب.

بشير الجميل اختير بتأثير اسرائيلي واضح مع الاجتياح والسيطرة الاسرائيلية، وكان انتخاب زعيم حرب حقيقي بدعم من اسرائيل حيث لم يترشح أحد ضده وكانت المشكلة في تأمين النصاب لتأمين الانتخابات. وعند استشهاده بعد ثلاثة اسابيع من انتخابه انتُخب أمين بشبه اجماع عربي ودولي وداخلي اسلامي - مسيحي. غير ان هذا الاجماع كان في ظروف حرب، تم بسبب الاستشهاد، وفي ظل حالة ضياع، ووجود جيش الاحتلال الاسرائيلي والجيش السوري المنتشر بدءا من صوفر وحتى الحدود السورية، من دون اغفال الفلسطينيين ومخيماتهم، ورحيل ياسر عرفات. اي كان الوضع دراماتيكياً ولم يكن هناك تأثير دولي بل وضع عالمي يدعو الى انهاء «القصة» في لبنان.

بعد الشيخ أمين ساد الفراغ، ثم «الطائف» حيث كان انتخاب الرئيس رينيه معوض كناية عن ارادة عربية (سورية) ودولية (أميركية). وهو اغتيل ولم يستلم الحكم. أما الرئيس الياس الهراوي فجاء نتيجة اتفاق سوري - أميركي، بعد بدء الولايات المتحدة الأميركية سياسة جديدة في المنطقة. اذ خلال الطائف وبعده حصل تفاهم على ضرورة وضع حد لحرب لبنان من خلال قوة ردع عربية. فتم تفاهم سوري - سعودي باركته الولايات المتحدة. وكانت أول تجربة حقيقية بين واشنطن ودمشق، حيث بدأ الأميركيون يكتشفون ان الاستقرار في لبنان من الممكن ان يكون مفتاحه في دمشق. وبناء على براغماتيتهم، سلّم الأميركيون المفتاح لدمشق.

واستمر الوضع على هذا الشكل منذ ذلك الحين حتى اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري (العام 2005). اذاً الرئيس الياس الهراوي هو صناعة سورية بموافقـــة أمــــيركية، وبنفــــس الشروط تقريباً جاء الرئيس اميل لحود اي بشيء من اتفاق أميركي - سوري. والرئيس سليمان أيضا جاء بالشروط نفسها مع اتفاق أميركي - سوري.

• ألم يكسر اتفاق الدوحة هذا «العرف»؟

- لا، فاتفاق الدوحة كان بمثابة «ميني» طائف، وأضافوا عليه مسألة وجوب ملء الفراغ بانتخاب الرئيس ميشال سليمان وايجاد قانون انتخابي لاجراء الانتخابات وكانت العودة الى قانون الستين.

وبالمحصلة تجدين ان القاعدة هي التدخل الخارجي والاستثناء هو القرار الوطني. والتدخل الخارجي لم يكن قراراً أحادياً، فدائماً الخارج يكون غربياً وعربياً. والأميركيون يبحثون عن الأقوى عربياً والأكثر تأثيراً في لبنان ليتعاملوا معه ليأتوا به رئيساً. ونسبة التدخل الخارجي أكبر من نسبة الارادة الوطنية في انتخاب الرئيس؛ لذا الخارج يصنع رئيساً واللبنانيون ينتخبون رئيساً. وبقدر ما يكون التأثير الخارجي أقلّ تكون الانتخابات لبنانية، وبقدر ما تكون الصناعة الخارجية أكبر بقدر ما تكون الانتخابات النيابية أقل تأثيراً.

• كنت في دائرة القرار في المحلة الممتدة من آخر السبعينات حتى مطلع التسعينات، ما هي العبر الرئاسية التي يمكن استخلاصها من الاستحقاقات التي شهدتها؟

- العبرة الأولى، هي ان التمديد لطالما شكل مشكلة تواجه نهاية العهد، وهي مشكلة تفتح مجالاً للتدخل الخارجي. لهذا السبب أعتقد انه يجب الاقلاع عنه، ووضع مادة بالدستور غير قابلة للتعديل وتقضي بان تكون رئاسة الجمهورية لست سنوات غير قابلة للتمديد. فرغبة الرئيس عادة بالبقاء في الحكم واحدة من المشاكل التي ينقسم عليها اللبنانيون في الداخل فيلجأ كل منهم للخارج ويدعوه للتدخل. وفي هذا المجال أرى ان اثنين كانا كباراً جداً في موقفهما من التمديد؛ فؤاد شهاب الذي قُدّمت له عريضة موقّعة من أكثرية ثلاثة أرباع مجلس النواب للبقاء لكنه رفض وهو في نظر اللبنانيين ناجح وكبير لانه رفض التمديد. والرجل الثاني هو الياس سركيس، فعندما استشهد بشير الجميل قبل اسبوع من نهاية ولاية سركيس طلب الفرنسيون والأميركيون من الأخير البقاء لكنه رفض التمديد وأصرّ على اجراء الانتخابات؛ لذا تجدين هذا الرجل محترماً في ذهن اللبنانيين لاحترامه الدستور.

من هنا اعتبر انه لابد ان يتوافق اللبنانيون على رفض التمديد لرئيس الجمهورية، ففي أيام الحرب أجريت الانتخابات واثر اغتيال بشير الجميل ورينيه معوض أجريت الانتخابات.

خلال الحرب استحال اجراء انتخابات نيابية وبلدية، لكن الانتخابات الرئاسية كانت تتم. ولهذا السبب أؤيد وضع مادة واضحة في الدستور غير قابلة للتعديل، تحدد المهلة الرئاسية بست سنوات لا تُمدد، وهي المدة التي أعتبرها كافية.

العبرة الثانية، هي مسألة عدم وجود أحزاب، أي تعدد الترشيحات ومناورة الترشيحات. فأولاً لا ترشيحات وهذه تُعد «عجيبة غريبة»، حيث يتوجه النواب الى مجلس النواب فيما لا أسماء مرشحة والكل مرشحون. لذا يجب ان تضاف ماة دستورية تلزم تقديم الترشيحات قبل شهر من اجراء الانتخابات. فوجود الترشيحات يؤدي الى حصر المعركة ووضوحها.

واليوم يُظهِر وجود قوتين كبيرتين عند المسيحيين ان المعركة ستبدأ بين العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع. وبمعزل عن عاطفة المرء ومَن يؤيّد، فهذا أمر جيد، اذ بدأت المعركة بمرشحين معروفين. ولان لا ترشيحات، فان أكثر من اسم لا يزال مطروحاً من 14 آذار و8 آذار.

وأعتقد ان موضوع الترشيحات مادة الزام، ولابد من تعيين موعد للترشيح قبل الانتخابات لحصر المعركة، وهذا ما يساعد على توضيح الصورة وابراز خيارات داخلية تنمي الارادة الوطنية. فعندما تبقى الأمور مفتوحة تفقد المعركة بريقها وتفقد فكرة اختيار «الشخص والبرنامج».

وثالثاً، أعتقد انه لا يمكن اختيار رئيس في لبنان بصلاحيات مقيّدة كما هو الحال مع رؤساء ما بعد الطائف، اذ لابد من اعادة نظر بصلاحيات رئيس الجمهورية تماماً كرئيس الحكومة، حيث لا يمكن الاتيان برئيس حكومة يستغرق تسعة أشهر لتشكيل حكومة. البلد «ما بيحمل». ولابد من تحديد المهلة للرئيس المكلف. ومن الضروري اجراء تعديلات دستورية ضرورية لمنع هذا الأمر والتخفيف من التدخل الخارجي.

من هنا عندما يُمنع التمديد وتتم ترشيحات واضحة، يخفّ التدخل الخارجي. والأمر نفسه عندما تُمنح صلاحيات للرئيس ليدير اللعبة. وعندما تكبر الأحزاب في لبنان يخف التدخل الخارجي تحت وطأة الدينامية الداخلية.

ويعجبني نمط ترشح جعجع في مواجهة العماد عون بين أكبر حزبين مسيحييْن، تماما كالثنائية الحزبية. ولان الاستحقاق الرئاسي ليس مارونياً فقط بل لبنانياً، أحبذ ان يقدم فريقا 14 و8 آذار مرشحين لهما كجعجع وعون. اما امكان انتخاب أحدهما فمسألة أخرى.

• في ظل التوازن السلبي بين 8 و14 آذار، هل من الممكن الوصول الى تعادل في الأصوات ليتكرر سيناريو انتخاب الرئيس سليمان فرنجية؟

- نعم من الممكن، فالفوارق صغيرة. وتبدّل تصويت أي كتلة من الكتل لمصلحة هذا المرشح أو ذاك تشكل فارقاً. فعند انتخاب فرنجية تبدُّل نائب واحد غيّر الفارق هو النائب عبد اللطيف الزين الذي انتقل من «النهج» الى الفريق الآخر.

وفي المعركة المقبلة، الجنرال عون مدعوم من 8 آذار والدكتور جعجع من 14، وعند الفريق الأول من الواضح ان عون هو المرشح الوحيد، في حين في فريق 14 لا أعلم اذا كان سيكون المرشح واضحاً. وأتمنى ان يكون واضحاً سواء كان جعجع أم بطرس حرب.

أهمية لبنان في العالم العربي هو في قبول التعددية في البلد واحترامها وقبول بعضنا البعض؛ لبنان لا يُحكم لا من شخص ولا من طائفة ولا حزب ولا مؤسسة. لهذا لم يحكم العسكر لبنان ولا حزب واحد حكمه، مع ان العسكر والحزب الواحد حكما العالم العربي. ولم يصل أحد في لبنان الى الرئاسة وألغى باقي الطوائف. وفي رأيي ان هذه هي الميزة التي يبحث عنها العالم العربي، اذ لطالما كنا استثناءً فيه لجهة حرية الاعلام بصورة خاصة.

مشروع اسرائيل هو جعل العالم العربي على صورتها. واليوم لا أرى ان العالم العربي متجه ليصبح كاسرائيل دولة قائمة على دين، بل ليكون شبيهاً للبنان أي فيه الاعتراف بالآخر. وفي رأيي ان المثال اللبناني سيكون المخرج للربيع العربي لا المثال الاسرائيلي، ومن هنا أهمية ان نحافظ على هذا المثَل. فالعالم العربي لا يتجه الى التقسيم ولا الى التفكيك كما تشاء اسرائيل بايجاد دويلات طائفية حولها على صورتها، بل سيذهب الى بقاء هذه الدول تعددية تتقبل الآخر وبصورة خاصة تداوُل السلطة الذي هو السلطة الحقيقية. وبقدر ما يصبح محيط لبنان مثله، بقدر ما يخف التدخل في شؤونه. فمحيطنا كان يتدخل بشؤوننا لان لا انتخابات فيه، ولذا كانوا يحبون اجراء انتخاباتهم في لبنان.

• ماذا عن معايير القوة التي لابد ان يتسم بها الرئيس العتيد؟

- ان يمتلك حداً أدنى من الشعبية، فالرئيس القوي يمثل شعبية تحميه ليحافظ على ذاتيّته. وثانياً ان يكون قادراً على الجمع وعلى ان يكون نقطة التقاء لا نقطة خلاف. فالرئيس سليمان صار نقطة خلاف كبيرة في نهاية عهده، فيما رئيس الجمهورية لابد ان يكون الحل لا المشكلة. والرئيس القوي قادر على ايجاد حلّ، ويملك ما يكفي من حضور وقبول وشعبية واتصالات دولية حيث يستخدم الخارج لمصلحة قراره.

• كيف قرأتم لقاء الأقطاب في بكركي، وأيّ من المرشحين تعتبره الأوفر حظاً؟

- موقف بكركي يدفع باتجاه اجراء الانتخابات في موعدها الدستوري درءاً للفراغ والتمديد، وفي رأيي ان البطريرك يسعى لان تذهب هذه الرباعية الى البرلمان ليتأمن النصاب ولا سيما ان حلفاء كل منهم سيسيرون معهم.

ولا شك في ان البطريرك (الكاردينال مار بشاره بطرس) الراعي يجري نوعاً من استطلاع الرأي، ليكون بحوزته عدد من الأسماء عندما يُسأل، وهنا تصبح لعبة الخارج حول كيفية الحفاظ على استقرار لبنان. فعند اجراء الانتخابات قد يُسقط لبنان في ما يحدث في سورية وحولنا.

وفي رأيي ان الأهمّ هو دفع البطريرك الراعي باتجاه اجراء الانتخابات، ولا أعتقد ان لديه مرشحاً واحداً بل هناك ثلاثة أو أربعة أسماء في ذهنه، واختيار أي واحد منها يكون أمراً جيداً، لكن الأفضل والأهمّ هو اجراء الانتخابات. أعتقد ان هذا هو موقف بكركي الحقيقي، وانا ضد تسمية البطريرك لمرشح، فالكاردينال نصرالله صفير سمّى سابقاً أحد المرشحين لكن لم يسمعوا له وهذا ما يصبح مسّاً ببكركي. فلماذا نضع بكركي في موقع لتنتكس من خلال تسمية شخص ولا يصل الى سدة الرئاسة؟

دور بكركي الحقيقي يتمثل بما يقوم به البطريرك الراعي اليوم، فهو يدعو الى ضرورة الانتخاب وان يكون للبنان رئيس جمهورية مسيحياً مارونياً يأخذ موقعه في بعبدا ويمنع الفراغ. فهذا الموقع الوحيد الذي يشغله مسيحي في المنطقة، ولا بد من معرفة كيفية المحافظة عليه.

لا يهمّ اختيار الأفضل، فلو كنا في حالة عادية فيها أحزاب وترشيحات صحيحة يُفضل وصول الأفضل، لكن في الحالة التي نعيشها اليوم الأهمّ هو اجراء الانتخابات. فللحفاظ على الاستقرار في لبنان لا بد من اجراء الانتخابات في موعدها الدستوري، وعدم اجرائها في موعدها دخول في مغامرة لا نعلم الى أين تأخذنا. لذا أعتبر ان موقف البطريرك وطني حقيقي. وهو دَفَع مَن يمون عليهم أي الرباعية الموارنة للتوجه الى مجلس النواب على قاعدة «ان اتفقتم أفضل، وان لم تتفقوا فليفز من يفز، والمهم ان تتوجهوا الى الانتخابات».

• من هو المرشح الأوفر حظاً؟

- لا شك ان الأوفر حظا هو العماد ميشال عون، فهو يملك كتلة كبيرة يستند اليها، ولديه تحالف متين مع «حزب الله» و8 آذار. فضلاً عن ان لقوى الثامن من آذار مرشحاً واحداً حيث يؤكد المرشح الثاني سليمان فرنجية انه لن يترشح في وجه العماد عون وهو يطرح نفسه كرديف وهذا موقف شريف ويُقدّر. فيما المشكلة في قوى الرابع عشر من آذار ان الدكتور جعجع ترشح ووضع الجميع أمام الأمر الواقع، في حين ان الرئيس أمين الجميل والوزير بطرس حرب مرشحان. فعلى الأقل هناك ثلاثة مرشحين لقوى 14 آذار. واذا استمر ترشح الثلاثة، فان حظوظهم أقل من حظوظ الواحد. لذا أعتبر ان العماد عون هو الأوفر حظاً.

• هل من الممكن ان يتبوأ سدة الرئاسة في لبنان رئيس مسيّس الى هذا الحد؟

- بشارة الخوري وكميل شمعون كانا الأكثر سياسة. انتم تأخذون صورة الرئيس ميشال سليمان على انه غير مسيس، لكن هذه ليست القاعدة. فبشارة الخوري كان زعيم الدستوريين.

كل رؤساء الجمهورية اللبنانية كانوا مسيسين، باستثناء الذي وصلوا الى الرئاسة الأولى في الفترة الأخيرة وهم من العسكر. فبطبيعة العسكر وتربيته انه غير مسيّس. ولكن القاعدة ان الرئيس مسيس. فأمين الجميل ألم يكن مسيساً؟ الياس سركيس ألم يكن شهابياً حتى العظم؟

فؤاد شهاب لم يكن مسيساً وهو أقام أفضل دولة. ولكنني أعتبر ان صورة غير المسيس غطاء، فدور الرئيس هو صُنع (عمل) السياسة، لا بل ادارتها وادارة السياسيين. لذلك انا مع ان يكون الرئيس مسيساً وذات تجربة سياسة كبيرة كي ينجح.

• على سيرة العسكر، هل تُعدّ حالة صحية ان يتوالى على الرئاسة الأولى في لبنان العسكر؟

- لا. فالعكسر يأتي عادة كاستثناء وبتوافق لانهاء أزمة أو حرب على سبيل المثال كفؤاد شهاب. أما في الحالة العادية فان الدستور يمنع وصول العسكر، اذ ان قائد الجيش هو موظف فئة أولى وقد منعهم الدستور من الوصول الى سدة الرئاسة مدة قيامهم بوظيفتهم وخلال السنتين اللتين تليان تاريخ استقالتهم وانقطاعهم فعلياً عن وظيفتهم أو تاريخ احالتهم على التقاعد.

• أي اننا أمام مخالفات دستورية؟

- طبعاً. المخالفة الدستورية عند انتخاب الرئيس ميشال سليمان حصلت لكن تمت تغطيتها بالاجماع الذي حصل، ووجدوا لها «فذلكة» دستورية بان خارج مهلة الشهرين لا تحتاج تعديلاً لكن أصولاً كان لا بد من تعديل المادة الدستورية. أما في وقت الرئيس اميل لحود فتم تعديل الدستور «لمرة واحدة وبصورة استثنائية». فدستورنا مدني لا ديني ولا عسكري، يستبعد وصول العسكريين. واذا وصل عسكري الى سدة الرئاسة يقتضي ذلك تعديل الدستور.

• هل من سيناريو تتوقعه للأيام المقبلة؟

- خلافاً للتجارب ولاعتقاد غالبية السياسيين، أشعر باننا ذاهبون الى انتخابات رئاسية قد تكون في موعدها او في تاريخ قريب جداً من موعدها. وأؤكد لك انه في 2014 سنرى رئيساً للجمهورية. قد لا يكون ذلك بالضرورة قبل 25 مايو المقبل، ولكن سيكون ذلك في مهلة قريبة جداً من هذا التاريخ.

• رئيس منتخَب أم متَفَق عليه؟

- في رأيي ستجري انتخابات حقيقية، واذا تم التوصل الى تسوية سيكون ذلك بعد ان يستحيل نيل أحدهم الأكثرية المطلوبة، اذ لن يصل أحد من المرشحين بالاجماع. وفي رأيي ستحصل الانتخابات وستتم مواجهة بين 14 و8 آذار، وان حاز أحد منهم على الأكثرية المطلقة سيفوز وسيعترف به الجميع. وان لم يصل أحد منهم الى الأكثرية ستتم تسوية داخلية حينها بين الأفرقاء الأقوياء أي بين 8 و14 وهذا أمر جيد. لذا أعتقد ان هذه الانتخابات ستكون ديموقراطية وقد تطول الدورات، واذا انتهت بتسوية حول شخص خارج 8 و14 من داخل أو خارج مجلس النواب يكون عملاً ديموقراطياً يعطي الوجه التعددي للبنان ويؤكد نضوجه لاجراء الانتخابات. وفي رأيي سنشهد تداولاً للسلطة لان الرئيس سليمان ليس لديه أي حظ بالتمديد. ولن نشهد فراغاً او ونضطر لاجراء طائف أو دوحة لاختيار رئيس للجمهورية. وعلى كل حال العرب منشغلون بانفسهم ولا أحد سيعقد لأجلنا لا طائف ولا دوحة، ولذا يجب ان نتكل على انفسنا، حيث ينطبق علينا المثل «لا يحكّ جلدك الا ظفرك» ولا بد ان نطبّقه.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي