من يصنع رئيس «جمهوريات الداخل والخارج» في لبنان؟ / الحلقة الثانية

كواليس وكوابيس في الطريق إلى جلسة «لا انتخاب» الرئيس اللبناني

u0643u0631u0633u064a u0627u0644u0631u0626u0627u0633u0629 u0627u0644u0644u0628u0646u0627u0646u064au0629 ... u0647u0644 u062au0634u063au0644u0647 u0627u0644u0627u0646u062au062eu0627u0628u0627u062a u0623u0645 u0627u0644u062au0633u0648u064au0627u062a u061f
كرسي الرئاسة اللبنانية ... هل تشغله الانتخابات أم التسويات ؟
تصغير
تكبير
• «14 آذار» تبدو مربكة ومضطربة في مقاربة الانتخابات الرئاسية لوجود أربعة مرشحين من صفوفها

• أمين الجميل وسمير جعجع وبطرس حرب وروبير غانم من قوى «14 آذار» مرشحون للانتخابات

• الحريري يسعى لحفظ وحدة «14 آذار» وحماية تماسكها وتجنّب المفاضلة بين المرشحين من حلفائه

• معلومات تتحدث عن أن المرشح الفعلي لـ «حزب الله» هو رياض سلامة أو زياد بارود

• حسابات الرئيس الجميل ربما ترتبط بـ «الواقع المسيحي» أكثر من صلتها بالمعركة الرئاسية بعيْنها

• ميشال عون أدرك أن «التوازن السلبي» يحول دون وصوله إلى الرئاسة بأصوات حلفائه في «8 آذار»

• «حزب الله» يراهن على رفض «14 آذار» لتأييد ترشح عون كمخرج له من «الإحراج»

• جعجع تصدر المواجهة الرئاسية لضمان تحوّله إلى «ناخب قوي» وحجز مكان في «اللعبة السياسية»

لا رئيس جديداً للبنان في جلسة الأربعاء التي يتم التعاطي معها على أنها البداية وليست النهاية
قرع المايسترو الماهر ابو مصطفى (رئيس البرلمان نبيه بري) الجرس، معلناً فتح أبواب ساحة النجمة (مقر البرلمان) امام النواب الـ 128 يوم الاربعاء المقبل، كأنه أراد رمي كرة انتخاب الرئيس الثالث عشر للجمهورية في أحضان الآخرين ورفْع التحدي بوجه الكتل البرلمانية الكبرى، التي لم تتدبّر أمر مرشحيها حتى الآن.

ورغم ان بري، الذي يشكل آخر العنقود من جيل اللاعبين الذين يتميّزون بالدهاء وخفة الظل، أوعز بتحضير المطرقة والمظاريف والصندوقة الزجاجية استعداداً لجلسة الانتخاب قبل نحو شهر من انتهاء المهلة الدستورية، فان الاعتقاد الراسخ بأنه لن يتصاعد الدخان الابيض من المبنى العتيق في ساحة النجمة.

لماذا «استعجل» بري دعوة البرلمان لعقد جلسة الانتخاب؟... الأمر غير مفاجئ بعدما انقضى شهر من المهلة الدستورية ولم يبق منها سوى شهر، وربما أراد رئيس البرلمان الاستجابة لإلحاح البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، الذي واظب على مطالبة بري بتوجيه الدعوة من دون إبطاء وفي أسرع وقت ممكن.

غير ان الدوائر السياسية في بيروت قرأت في حركة بري محاولة لإصابة ثلاثة اهداف، هي:

* عملية اختبار لمواقف الكتل البرلمانية الكبرى من الاستجابة لتأمين نصاب الثلثين (86 نائباً من اصل 128) ومدى جهوزيتها لمعركة الانتخاب.

* عملية استطلاع بـ «الأصوات» لخيارات الكتل البرلمانية في شأن المرشحين «المعلنين»، خصوصاً انها لم تحسم تلك الخيارات بعد.

* عملية «جس نبض» او فحص نيات لاحتمالات التوصل الى «رئيس تسوية» او الذهاب الى الفراغ لاعتبارات تتصل بالمزاج الداخلي والخارجي.

وهذا يعني في مطلق الاحوال ان جلسة الاربعاء المقبل ليست لـ «الانتخاب» وانه لن يكون للبنان رئيس جديد في تلك الجلسة التي يتم التعاطي معها على انها البداية وليست النهاية.

والأكثر إثارة للانتباه في ملاقاة جلسة الاربعاء ان لا «14 آذار» حسمت خيارها في شأن مرشحها ولا «8 آذار» أخرجت اسم مرشحها الى العلن، الامر الذي يضفي على هذه الجلسة سيناريوات غامضة قبل ايام قليلة من انعقادها.

تحالُف «14 آذار»، الذي أنهكته الاغتيالات وتوارى قادته، إما الى خلف البحار وإما الى خلف الأسوار، لم يبق منه على الأرجح إلا تحالفات حزبية تحكمها الضرورة، بعدما أُخمدت روحه المدنية وابتعد عن الساحة وتنكّر لصنّاعه الحقيقيين وأصيب بنكسة «الارثوذكسي» (قانون الانتخاب)، وها هو مع كل استحقاق انتخابي، بلدي او اختياري او نيابي او رئاسي، يهتزّ وكأنه يقاوم انهياره.

وكالعادة مع كل استحقاق من هذا النوع، بدت «14 آذار» مربكة ومضطربة في مقاربة الانتخابات الرئاسية لوجود أربعة مرشحين من صفوفها... رئيس «حزب الكتائب» امين الجميل، رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، النائبان بطرس حرب وروبير غانم.

وكانت «14 آذار» اكثر ميلاً الى تبني جعجع كـ «مرشح أول» بعدما كان سبّاقاً الى اعلان ترشحه وبرنامجه، لكنها اضطرّت الى «فرملة» هذا التوجه بعدما فوجئت بإصرار الجميل على استباق جلسة الاربعاء بإعلان ترشحه. ولم يوحِ النائب غانم بأنه في وارد التريث، في حين قام حرب بانسحاب تكتيكي الى مقاعد الاحتياط.

ويفضي عدم توافق «مسيحيي 14 آذار» على مرشح واحد الى إرباك حليفهم السني، المتمثل بـ «تيار المستقبل» بزعامة رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، الذي يقارب هذه المسألة من اربع زوايا:

* حفظ وحدة «14 آذار» وحماية تماسكها على النحو الذي يتيح لها إدارة معركة الرئاسة بنجاح.

* تجنّب المفاضلة بين المرشحين من حلفائه في «14 آذار» والعمل على اقناعهم بالتفاهم على مرشح واحد.

* تفادي اي انطباع يشي بأن «التيار السني» الوازن في لبنان هو مَن يسمي الرئيس الماروني.

* الاعتقاد الضمني ان من الافضل لـ «14 آذار» الذهاب موحدة، وقوية لـ «تسوية» مع الفريق الآخر على «رئيس توافقي».

غير ان رغبة «تيار المستقبل» اصطدمت على ما يبدو بمنافسة الجميل وجعجع وحساباتهما المرتبطة في بعض جوانبها بـ «الساحة» المسيحية وبـ «التدافُع» على زعامتها.

لقد نجح جعجع، الذي يحلو لأنصاره مناداته بـ «الحكيم»، في اصطياد أكثر من عصفور بحجر واحد من خلال «ضربة المعلّم» حين فاجأ الجميع بإعلان ترشحه ومن ثم برنامجه الرئاسي وكأنه أطلق «صفارة الانطلاق» نحو السباق الرئاسي يوم لم يكن احد كشف عن أوراقه حيال الاستحقاق الرئاسي.

وبدا جعجع، الذي يتحصّن في «قلعته» في معراب نظراً للخطر على حياته بعد تعرضه لمحاولة اغتيال في 4 ابريل 2012، انه قرر خوض مواجهة رئاسية - سياسية مع حلفائه وخصومه في آن، وضمن حتى الآن تحقيق ما أراده من خلال الآتي:

* رفْع مستوى مكانته السياسية في البلاد بالانتقال من مجرّد رئيس حزب سياسي ومتحدّر من زمن الحرب وميليشياتها، الى نادي الأقوياء من مرشحي الرئاسة، وهي نقلة تنطوي على ما هو شخصي وسياسي في آن.

* إقدامه على تصدُّر المواجهة الرئاسية على النحو الذي يسمح له بـ «شطب» خصمه المسيحي، اي زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون، من المعادلة الرئاسية. فـ «توازُن الرعب» بين جعجع وعون كمرشحيْن يتواجهان «وجهاً لوجه» سيطيح بالاثنين معاً.

* ضمان تحوّله الى «ناخب قوي» بعدما حجز له مكاناً في «اللعبة السياسية» عبر ترشحه، فهو قدّم نفسه كـ «مرشح مواجهة» رافعاً سقف «14 آذار» التي قد تذهب الى «التسوية» لكن بشروطها عبر تقديم بدائل عن جعجع من صلب «14 آذار» كالنائب بطرس حرب.

اما الرئيس الجميل، الذي تريّث طويلاً قبل ان «يفشي» خبر عزمه على إعلان ترشحه كخيار جدي لخوض السباق الرئاسي، فإن حساباته ربما ترتبط بـ «الواقع المسيحي» اكثر مما هي على صلة بالمعركة الرئاسية بعيْنها.

فرئيس «حزب الكتائب» الذي كان انتُخب رئيساً للجمهورية العام 1982، هو الآن اكثر ميلاً لعدم التسليم بمحاولة جعجع القفز الى زعامة الشارع المسيحي، ويشكل إصراره على الترشح عناداً امام «منافسه الحليف» داخل 14 آذار وفي الفضاء المسيحي لهذا التحالف العريض.

ورغم ان الجميل يُبرِز في «الاسباب الموجبة» لترشحه انه الأكثر قبولاً لدى الطرف الآخر (8 آذار) من رئيس حزب «القوات اللبنانية»، وهو كان حرص على ابقاء قنواته مفتوحة مع السفير الايراني في بيروت غضنفر ركن ابادي وأَكثَرَ من أسفاره الى الخارج، فإنه يدرك ان لـ «8 آذار» حسابات أخرى لن تؤدي في اي حال الى وصول ايّ من مرشحي «14 آذار» الى سدة الرئاسة.

و«8 آذار» ليست افضل حالاً بالضرورة من خصومها، رغم الانطباع بان ثمة «لاعباً استراتيجياً» يدير اللعبة وسيقول كلمته في اللحظة المناسبة، والمقصود «حزب الله»، الذي اكتفى امينه العام السيد حسن نصرالله بالاشارة قبل مدة الى انه «سيكون لـ 8 آذار مرشح واحد للانتخابات الرئاسية».

المرشح الأكثر «تداولاً» في هذا الفريق هو العماد عون، الذي كان دخل يوماً القصر الجمهوري بقوة الامر الواقع وخرج منه بمواجهة عسكرية، وما زال حلم العودة اليه يراوده رغم بلوغه مشارف الـ 80 عاماً من العمر.

ومع بدء العدّ التنازُلي للانتخابات الرئاسية، أدرك العماد عون ان «التوازن السلبي» في البلاد يحول دون وصوله الى الرئاسة بأصوات حلفائه في «8 آذار»، وان الامر يحتاج الى الآخرين كجسر عبور الى القصر الرئاسي، فقرّر الانفتاح على «تيار المستقبل»، الذي غالباً ما ناصبه العداء بمناسبة ومن دون مناسبة.

استقبل العماد عون السفير السعودي في بيروت علي عواض العسيري قبل أشهر في دارته في الرابية كـ «اشارة انفتاح»، واعلن انه مستعد لزيارة المملكة حين توجّه اليه دعوة، والتقى سراً سعد الحريري في باريس وتعمّد إطلاق مواقف فُهمت على انها تشكل تمايزاً عن حليفه الاساسي «حزب الله»... كل ذلك في الطريق الى الاستحقاق الرئاسي، فما الذي يحدث على هذا المستوى؟ لماذا يحاذر الجنرال اعلان ترشحه عن «8 آذار»؟ وهل هو المرشح الفعلي لـ «حزب الله»؟.

منذ عودته من منفاه الباريسي في الـ 2005، قرّر العماد عون الالتصاق بـ «حزب الله» وحلفاء سورية في لبنان، أمّن «الغطاء المسيحي» للحزب في حرب يوليو 2006، وبارَكَ عمليّته العسكرية في بيروت وبعض الجبل في 7 مايو 2008، وغالباً ما استخدم «عضلات» الحزب لتهديد الاخرين بـ «7 مايو جديد»، وشنّ حملات قاسية وبالنيابة عن «حزب الله» احياناً ضد «تيار المستقبل» والمملكة العربية السعودية.

ربما ظنّ زعيم «التيار الوطني الحر» ان تحالفه القوي مع «حزب الله» يتيح قلب قواعد اللعبة الداخلية والتلاعب بـ «التوازنات» وفرْض وقائع جديدة تشكل أقصر الطريق أمامه الى الرئاسة الاولى، وهو «التمرين» الذي جرى في هذا الاتجاه يوم قرر تحالف عون - «حزب الله» (العام 2011) إقصاء الزعيم السني الاول (سعد الحريري) عن رئاسة الحكومة وإرغامه حتى على الخروج من لبنان.

لم يتردّد السيد نصرالله في القول ان للعماد عون ديناً لدى «حزب الله» وجمهوره نتيجة وقوفه الى جانبهم في حرب يوليو 2006، الا ان التجربة دلّت على وجود «اولويتين» للحزب ولعون لا تلتقيان دائماً، فزعيم «التيار الوطني الحرّ» يريد السلطة، اما «حزب الله» فإنه يريد لبنان جزءاً من محور يدين بالولاء لايران.

هذا الاختلاف ولّد «خلافات» بين الجانبين تزايدت في الأشهر الأخيرة وحتى الامس القريب، ومن مظاهرها العلنية:

* الافتراق في الموقف من إجراء الانتخابات النيابية في موعدها، فالعماد عون أرادها والحزب مشى في تأجيلها.

* الافتراق في الموقف من تعيين قائد للجيش، فالعماد عون أراد صهره العميد شامل روكز، اما الحزب فعمل على التمديد للقائد الحالي جان قهوجي.

* المفاضلة البالغة التعقيد التي يديرها الحزب بين حليفيه غير المتناغمين، الرئيس بري والعماد عون، فهما في «حرب باردة» على الدوام.

غير ان المسألة الأكثر أهمية في تحديد طبيعة العلاقة بين الطرفيْن تكمن الآن في ان عون بات متطلباً في أولويته المتصلة بالسلطة، في حين ان «حزب الله» الذي بات يلعب «على المكشوف» بعد تدخله العسكري في سورية، لم يعد يحتاج لـ «غطاء» من عون، وهو غير راغب في تقديم أثمان إضافية لقاء هذه العلاقة.

وثمة مَن يحلو له القول ان العماد عون أراد العلاقة على طريقة «الزواج الماروني» أما «حزب الله» فتعامل معها على انها «زواج متعة»، وتالياً فإن «حزب الله» يراهن الآن على رفض «14 آذار» لتأييد عون كمرشح للرئاسة لان من شأن ذلك ان يفقده القدرة على الوصول، ويشكل تالياً مخرجاً للحزب من «إحراج» خوض معركة حمْله على الأكتاف الى قصر بعبدا.

هذا ما سيحصل على الأرجح لان «تيار المستقبل»، الذي ابدى انفتاحاً على عون بـ «نسخته الجديدة»، حرص على إبقاء الجسور الممدودة في مسائل لا ترقى الى الانتخابات الرئاسية، وخصوصاً ان الحريري لن يُقْدِم على اي خطوة تؤدي الى «خلط الاوراق»، وليس في وارد التخلي عن حلفائه في «14 آذار»، رغم كل ما يشاع عن نصائح غربية بأهمية التفاهم مع زعيم «التيار الوطني الحر» في إطار علاقة تشكل «صمام امان» داخلياً.

مَن هو المرشح الفعلي لـ«حزب الله»؟... ثمة معلومات تتحدث تارة عن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي أدار بعناية ملف العقوبات على ايران و«حزب الله» وعلى نحو اطمأنّ له الحزب، اضافة الى معلومات اخرى تتحدث عن الوزير السابق زياد بارود الذي شكلت تجربته في وزارة الداخلية علامة ايجابية بالنسبة الى الحزب، الذي يحفظ له المواجهة التي خاضها في وجه المدير العام لقوى الامن الداخلي آنذاك اللواء اشرف ريفي.

هذه اللوحة التي تشتمل على «ما قلّ ودلّ» من معطيات في «البازل اللبناني» عشية الذهاب الى جلسة انتخاب رئيس لن يُنتخب يوم الاربعاء المقبل، ليست سوى «مسودّة اولية» لمعركة غامضة من الصعب التكهن بنتائجها الا مع ربع الساعة الأخير من 25 مايو المقبل.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي