مقال

ولايات حتى الممات!

تصغير
تكبير
مسؤول الحملة الانتخابية لرئيس دولة عربية حار وارتبك في كيفية الرد على الأسئلة الموجّهة له من القنوات التلفزيونية، فراح يلجأ- مضطراً- إلى العناوين والشعارات العريضة المطاطة التي طالما لجأ إليها مختلف المبخرين لاستئثار حاكم واحد بالسلطة لعقود وعقود!

أصل الحكاية ألا يستأثر رجل واحد مهما كانت عبقريته فذّة، ومهما كانت البلاد مزدهرة في مرحلة رئاسته، بل ومهما رغب الشعب في استمراره في منصب الرئاسة! إذ الموضوع أساساً يتعلق بنصوص الدستور الذي يُفترض أن يتيح فترة رئاسة واحدة (أربع سنوات مثلاً) وفترة ثانية إذا ما أُعيد انتخابه... ثم مع السلامة!

ما من ثالثة ورابعة وخامسة تمكّن أوباما حتى لو خرج الشعب الأميركي مطالباً باستمراره بالمنصب! الأمر منصوص عليه في الدستور، اللهم... اللهم إلا إذا غيّر الرئيس نصّ الدستور لما يخدم استمراره في ولايات وولايات حتى الممات، بحيث يضمن حقّ إعادة ترشّحه وانتخابه على مدار العمر.

أما بشأن المصوتين والمؤيدين والمهللين فأمرهم سهل للغاية، إذ هم جموع العاملين في الدولة ودوائرها ومؤسساتها، وكل العمال والفلاحين، وكل من كان رزقه بيد الدولة.

المدير الذي يهدّد بإلغاء الموافقة على إجازة موظف في مؤسسة يديرها، يستطيع تطويع الموظف على هواه، فكيف الحال بتطويع جموع للخروج إلى الشارع الهتاف بحياة الرئيس والمطالبة بتجديد ولايته مرة بعد مرة؟!

ما أبأس حالنا العربية!

كل شيء على المفضوح والمكشوف، حتى لو كان الرئيس يعاني من أمراض مزمنة اضطرته للتداوي والعلاج في أحسن المشافي، ويكاد لا يستطيع رفع يده لتحية مؤيديه... فإن في رئاسته تكمن سلامة البلاد ويكمن أمنها.

السؤال ليس عمّا إذا كان هذا الرئيس يعاني من المرض أم لا؟ مؤهل لإدارة البلاد وقد قارب الثمانين من العمر أم لا؟ السؤال ليس ما توجّهه القنوات التلفزيونية لمدير حملة الرئيس الانتخابية وإجابته مسبقة الصنع بأن صحة الرئيس على خير ما يرام.

السؤال البسيط: هل تقوم البلاد، أي بلاد، على أكتاف شخص واحد، سواء مرض أم اعتزل أم عُزل؟! حين تكون البلاد معلّقة برابط واحد لا غير، إذا غاب- لسبب ما- غابت، فيا لبؤس تلك البلاد ويا لتعاسة أهلها!

أليس مهيناً للملايين من أي بلد كان أن يدور الصدّ والردّ، والسؤال والجواب فيما إذا كان يجب بقاء الرئيس لولايات لا محدودة إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولا... أم لا؟! ما هذه البلاد التي خلت سوى من شخص واحد يحكمها؟ ومن هؤلاء البشر الذين لم ينجبوا صالحاً للرئاسة سوى شخص واحد؟!

الأمر لا يتعلق بالمرض أو الصحة، بالشرعية الدستورية أو غيرها، أمر الولايات حتى الممات عار بحق العباد في بلد من البلدان، حتى ولو حدث ذلك في التاريخ القديم والحديث.

سنّة الكون التجديد. وسنّة الحياة البشرية ولادة أجيال بعد أجيال، فمن أين ابتكرنا فكرة الحاكم الأوحد الذي يظل في الحكم ولايات بعد ولايات حتى الممات؟! وكيف صار للناس أن يتصارعوا ويقتتلوا على مبدأ أقرّته الطبيعة وأسّسته الحياة وشاءت أهواؤنا أو مصالحنا أن نخالفه صراحة من دون أن يرفّ للمخالف جفن؟!

يا لبؤس حالنا العربية!
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي