رؤى / القهوة أنثى

تصغير
تكبير
هل القهوة أنثى؟ هل هناك علاقة أَيْدُيُولُوجْيَا بين النساء والقهوة؟ هل للقهوة مساحة شاسعة في فسيولوجيا الفِكر والجسد عند النساء؟

تلك النقطة التي تدحرجت بصمت وخِفة شديدتين من سطح الفنجان نحو أسفله كم يا ترى تدحرجت معها فكرة ووجوه ودموع وأُمنيات؟ وهذا هو حال الأنثى بضعفها الفطري ومشاعرها السرّية وصمتها وقت حيرتها وعزلتها المتكررة عن الآخرين.

القهوة مقص فاخر... أحرص أن تقص به شريط يومك، وهي كذلك ابتسامة الأنثى صباحاً حينما يتعطر بها الرجل «ويدخل للشارع» سيجد أن فراشات الأحاسيس المُلوّنة تتطاير حوله وتقع بلطف ووداعه على سائر جسده.

للقهوة جوّ خاص تصنعه بروحها الاستثنائية وتُطعمه بكاكاو المزاج وحبيبات النشوة، وهذا ما يصنعه حضور الأنثى في لحظة الكون الوردية، فتراها تلتحف بسحر الدهشة وترفع أعمدة خيمة الليل لتُسهره متكئة على عرشها بين جفنيه تماماً مثلما تستدعي القهوة سهر الليل وحطب الحنين.

وكثير مِنا غرق في فنجان قهوة واضعاً يده على خده متأملاً بفتور وعي ذلك البخار الذي تزفره القهوة حين سخونة جوفها وبرودة الشتاء القارسة، فترانا نهيم لأبعد مدى في متاهات الذهن بين طموح مبصر وحظ ضرير، ورغبة ذات عناقيد بعيدة، وكذلك حال الأنثى عندما تأتي في مواسم الشوق متسللة بخطى وردية إلى ذاكرتنا، وهي ترتدي رائحة القهوة عطراً، حاملة في حقيبة حضورها سلال العتب الذهبية لتعلقها في رقبة العشق الطويلة، فنتوه مرغمين فرحين بين نهر الأنثى ومحيط الفنجان.

الكُتاب والشُعراء والروائيون يُدللون القهوة ويرفعون من مقامها حتى يصلوا لرضاها وتهبهم أجمل ما يمكن أن يجود به الفِكر من سطور ومشاعر وأفكار، والأنثى تحتاج لذلك، تحتاج لأن تُسكب في فنجان وتُشرب مع قطعة حلوى، حتى يذوب كبرياؤها وتتمدد أغصان رضاها وتورق أبهى أزهارها، فتمنحك أن ترتشفها على مهل مزاجك وأنت برتبة الرجل الأوحد الأجمل في تاريخها.

القهوة أنواع، والنساء أنواع، ولا تختلف النساء كثيراً عن القهوة، حيث لكلهما نكهة خاصة تميّزها عن الاخرى، ولون مختلف، وعطر لفنجالها/ لفستانها، وموطن لإنتاجها، والأهم من هذا كله هو لحظة صُنعهما! وأقمار النساء تدور في أربعة أفلاك من القهوة:

قهوة الاسبريسو هي الأنثى السادة الذكية الممتعة ذات المذاق القوي والوعي العميق، المثقفة التي تعشق عالم الكُتب وتعشق اللحظات البعيدة عن الصخب والثرثرة، ذات المزاج الفاخر الغير سهل.

قهوة اللاتيه هي الأنثى العذبة في روحها، ذات النكهة الغنية في حسها، المشبعة بالكاراميل الدلال، التي لها نصيب وافر من الغنج.

قهوة الكابتشينو هي أُنثى المغامرة والفرس الجامحة، ذات العنفوان الجسدي والجرأة في الطباع، التي يحتاج أن يرتشف فنجانها الرجل رشفات طويلة وبطيئة حتى يصل إلى سر جوهرها التكويني.

قهوة هوليداي بلند هي الأنثى الصدفة! أو الأنثى العابرة! التي تأتي لعالم الرجل فجأة وتختفي منه فجأة، كأنها الريح في شكل أنثى، ليس لها فنجان ثابت ولا مكان ثابت ولا موعد ثابت، تذهب بعيداً ويبقى طعمها في فم الذاكرة يشع باللذة المستحيلة.

بالنهاية... ولكن: يبقى الرجل هو «الباريستا» العظيم للأنثى وللقهوة، الذي يُبدِع ويحقق أجمل انتصارات تجاربه في قلب المرأة وقلب الفنجان.

* كاتب وأديب كويتي

@alrawie :Twitter

[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي