مقال / وجه الاستبداد الخفي!

تصغير
تكبير
كوارث ومحن النظام الاستبدادي لا تظهر كاملة أثناء اغتصاب المستبد للسلطة، وهو على رأس قمعه. يظهر بعضها، غير أن حاشية الحاكم من ملفقين وكذبة ودجّالين ومطبّلين ومجمّلين سيعمدون إلى تغليف هذا البعض ومواربته. سيكابرون بالمحسوس وغير المحسوس. سيجمعون ما تتيح لهم القواميس والمعاجم من مفردات لإظهار أن هذا البعض الظاهر ليس استبداداً.

وبين شدٍّ من رجال السلطة وجذب من المعارضين، سيعمد الناس المحكومون إلى طريقتهم الخاصة في إصدار الحكم بين النظام والمعارضة، فيقسمون البيدر مناصفة، بحيث يبدو أن بعضَ البعضِ صحيح، والبعض الآخر من البعض مغالاة من المعارضين!

أكثر من ذلك، سينقسم الناس أنفسهم إلى موالين بدرجة ما، وإلى معارضين بدرجة ما، فتكون السلطة الحاكمة- جراء هذا الانقسام والاختلاف بالرأي- فاسدة وقامعة بدرجة ما.

بعدها،يقرّ النظام عيناً!

حفنة من معارضين أشدّاء، يعرفون حق المعرفة حجم الكوارث والبلايا والمحن لن يؤثروا على بنية النظام، ويمكن بفبركة إعلامية وبضخٍّ دائم للكذب أن يظهر المعارضون كمجموعة متطرفة، أصحاب أجندات خارجية!

ويظل أمر نظام الاستبداد غائماَ، ملتبساً، قابلاً للرأي والرأي الآخر، متأرجحاً بين صدٍّ وردٍّ... إلى أن يسقط! بعد سقوطه واندحاره ستتعرى ممارساته، وبنيته، ومسالكه، وتخريبه، وجوهره، سيتعرى إلى آخر ورقة توت كان يستر بها عورة قمعه واستبداده!

أولى كوارث نظام الاستبداد تغييبه لأي حياة ديموقراطية، ولأي عمل سياسي أو نشاط فكري أو تجمّع بشري مهما قلّ عدده.أولى كوارثه ستظهر جليّة في المعارضين له، وفي طريقة تفكيرهم، وعملهم، وفي طريقة تدبّرهم للإرث الثقيل الأسود الذي خلّفه النظام!

ستظهر صورة النظام وحقيقة ممارسته طوال عقود ماضية في التخبّط الذي ستعاني منه المعارضة بعد سقوطه، وفي التنافر بين الناس والقوى والأحزاب (إنْ كان من قوى وأحزاب) التي نشأت سراً في ظل القمع والخوف والنفي، وتحت كابوس الاستبداد الذي لا بد أن يترك آثار ظلمه وظلامه على معارضيه وطرائق تفكيرهم وعملهم، على توافقهم وخلافهم، وعلى كل ما يمت إلى بناء البديل بصلة!

ما المأمول غير ذلك؟ ما المنتظر من بلاد حُكمت بالحديد والنار والمخابرات والرعب، وأُديرت شؤونها بالمزاج والفوضى والمحسوبيات، وتمّت الحيلولة من دون بناء مؤسسات وهيئات وتشريعات وقوانين ناظمة، ومن دون نمو أي حياة سياسية ديموقراطية معلنة، وأي ممارسات تنظيمية خارج الكهف؟ ما المأمول في بلدان حوّلتها أنظمة الاستبداد إلى مزارع خاصة أو مقابر عامّة؟!

لاشيء، سوى ما نراه ونشهده مما يجري في بلدان الربيع العربي! لا شيء سوى التخبّط والتعثر والوقوع والنهوض والتعثر مرة أخرى! فإخصاء الحياة السياسية المعافاة من شأنها أن تلد الخراب والفوضى والعجز، وهاد قد أُخصيت الحيوات السياسية في بلدان الربيع العربي فوُلد الخريف والزمهرير اللذان يعصفان الآن بمحاولات البحث عن طريق. محاولات بناء دولة ديموقراطية تعددية تداولية السلطة، وهذا الحاصل اليوم هو وجه الأنظمة الحاكمة من قبل وهو جوهر تخريبها وهو أثر استبدادها الذي كان يموّه ويضيّع ويلتبس لا على دول العالم فحسب بل حتى على شعوب البلدان أيضاً.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي