أماكن / فلين! (1)
| جمال الغيطاني |
طوال العمر أمسك بالزجاجات محكمة الاغلاق بالفلين، أو كما نسميها بالعامية المصرية «الفلة».
تلك السدادة المستديرة المبرومة، التي يتراوح قطرها وطولها طبقا لنوعية الزجاجة وطول عنقها واتساع فتحته.
لم أفكر قط في تلك السدادة اللدنة، المتماسكة اللينة، والتي يحتاج خلعها واخراجها الى مهارة خاصة، حتى يتم انتزاعها سليمة بواسطة فتاحة معدنية خاصة أو معالجتها بمهارة.
وأحيانا تفشل المحاولة، ينكسر جزء منها، فيتم دفعها الى داخل الزجاجة، حيث تعوم السدادة في السائل، سواء كان زيتا أو شربات أو ماء الورد أو أي سائل آخر بما في ذلك الأدوية.
غير أن دفعها الى الداخل يؤدي الى بقاء الزجاجة دون سدادة، ما يعرض محتوياتها للتلوث.
الفلين يحكم السد والاغلاق، والمهارة في انتزاعه سليما، بحيث يمكن ابقاء الزجاجة مغلقة به مع امكانية فتحها في أي وقت، بعد ابقاء جزء صغير من السدادة ظاهرا.
الحقيقة، أنني لم أتوقف ولم أفكر قط في الفلين، لم أسأل نفسي، من أي مادة هو؟، وكيف يصنع، ومن يحقق له تلك الأحجام المناسبة جدا للزجاجات، بحيث تبقى محكمة الاغلاق، فكثير من المشروبات أو الأدوية أو السوائل يجب أن تظل بمعزل عن الهواء حتى لا تفسد المواد المحفوظة.
أخيرا أدركت واكتشفت أن وراء هذه السدادات جهدا كبيرا وخطوات شتى قبل اكتمالها.
وقفت على ذلك أثناء زيارتي للبرتغال، الدولة الأولى لانتاج الفلين في العالم وبعدها اسبانيا، أي الأندلس العربي القديم، اكتشفت ذلك في أثناء اقامتي بمدينة سلفش جنوب البرتغال، والتي كان اسمها في الزمن العربي «شلب».
هنا عاش الملك الشاعر المعتمد بن عباد، والوزير ابن عمار الذي كان شاعرا أيضا وقتل في صراع دامٍ مع صديقه المعتمد.
في مدينة سلفش، جمعية للأدب العربي تهتم بتراث البرتغال الأندلسي، بعد أن كان مهملا لقرون طويلة والى وقت قريب.
زرت البرتغال أول مرة عام اثنين وتسعين من القرن الماضي، لم يكن الوجود العربي الذي استمر أكثر من خمسة قرون يحظى الا بعدة سطور في الكتب التي يبلغ تعداد صفحات بعضها الألف.
غير أنني رصدت ما تبقى من الزمن العربي في مشاهد وتفاصيل عديدة، في العمارة، في الطعام، في اللغة، حيث توجد أكثر من ألف كلمة عربية لاتزال مستخدمة في اللغة البرتغالية.
نزلت مدينة «شلب» مرتين خلال السنوات الأخيرة للمشاركة في مؤتمرات ثقافية محورها الأدب العربي.
في سلفش، مؤسسة للثقافة العربية ـ البرتغالية تديرها مثقفة كبيرة، تتقن العربية ومعجبة بثقافتها هي السيدة أنا ماريا يرا وقد دعتني مرتين للمشاركة.
المؤسسة جزء من ظاهرة عامة في البرتغال تمت خلال السنوات العشر الأخيرة للاهتمام بتاريخ البرتغالي العربي، تماما كما حدث في اسبانيا، حيث تم ترميم الآثار والمساجد والقصور، وأصبحت من أهم موارد السياحة في اسبانيا.
في مدينة شلب أو «سلفش الآن» قلعة متكاملة، تقوم فوق هضبة مرتفعة تشرف على الوادي الذي يخترقه نهر جميل رقيق، في هذه القلعة التي لاتزال تحتفظ بتفاصيلها العربية الطراز عاش المعتمد بن عباد الشاعر الشهير وأحد ملوك الطوائف، والذي أسره يوسف بن تاشفين وأرسله الى مدينة أغمات في المغرب مكبلا بالقيود، ظل فيها حتى مات.
في هذه المدينة الجميلة، زرت متحفا جديدا افتتح منذ شهور، متحف خاص بالفلين، أقيم في بناء ضخم كان في الأصل مصنعا ضخما، بل أحد أضخم المصانع في العالم لتصنيع الفلين.
المتحف ضمن خطة تتبناها وزارة الثقافة البرتغالية للحفاظ على الذاكرة الصناعية، بدأت في الخطة في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي واستهدفت انشاء متاحف للصناعة في البرتغال، باعتبار أن التراث الصناعي قدم قيما جديدة للحضارة الانسانية.
كما أدخل مكونات جديدة في العمارة والنسيج والطعام وشتى فروع الحياة الى غير ذلك من أنشطة لم يكن أحد يهتم بها في الماضي ولا يلتفت الى جمالياتها الفنية والعلمية، تماما مثلي.
تلك السدادة المستديرة المبرومة، التي يتراوح قطرها وطولها طبقا لنوعية الزجاجة وطول عنقها واتساع فتحته.
لم أفكر قط في تلك السدادة اللدنة، المتماسكة اللينة، والتي يحتاج خلعها واخراجها الى مهارة خاصة، حتى يتم انتزاعها سليمة بواسطة فتاحة معدنية خاصة أو معالجتها بمهارة.
وأحيانا تفشل المحاولة، ينكسر جزء منها، فيتم دفعها الى داخل الزجاجة، حيث تعوم السدادة في السائل، سواء كان زيتا أو شربات أو ماء الورد أو أي سائل آخر بما في ذلك الأدوية.
غير أن دفعها الى الداخل يؤدي الى بقاء الزجاجة دون سدادة، ما يعرض محتوياتها للتلوث.
الفلين يحكم السد والاغلاق، والمهارة في انتزاعه سليما، بحيث يمكن ابقاء الزجاجة مغلقة به مع امكانية فتحها في أي وقت، بعد ابقاء جزء صغير من السدادة ظاهرا.
الحقيقة، أنني لم أتوقف ولم أفكر قط في الفلين، لم أسأل نفسي، من أي مادة هو؟، وكيف يصنع، ومن يحقق له تلك الأحجام المناسبة جدا للزجاجات، بحيث تبقى محكمة الاغلاق، فكثير من المشروبات أو الأدوية أو السوائل يجب أن تظل بمعزل عن الهواء حتى لا تفسد المواد المحفوظة.
أخيرا أدركت واكتشفت أن وراء هذه السدادات جهدا كبيرا وخطوات شتى قبل اكتمالها.
وقفت على ذلك أثناء زيارتي للبرتغال، الدولة الأولى لانتاج الفلين في العالم وبعدها اسبانيا، أي الأندلس العربي القديم، اكتشفت ذلك في أثناء اقامتي بمدينة سلفش جنوب البرتغال، والتي كان اسمها في الزمن العربي «شلب».
هنا عاش الملك الشاعر المعتمد بن عباد، والوزير ابن عمار الذي كان شاعرا أيضا وقتل في صراع دامٍ مع صديقه المعتمد.
في مدينة سلفش، جمعية للأدب العربي تهتم بتراث البرتغال الأندلسي، بعد أن كان مهملا لقرون طويلة والى وقت قريب.
زرت البرتغال أول مرة عام اثنين وتسعين من القرن الماضي، لم يكن الوجود العربي الذي استمر أكثر من خمسة قرون يحظى الا بعدة سطور في الكتب التي يبلغ تعداد صفحات بعضها الألف.
غير أنني رصدت ما تبقى من الزمن العربي في مشاهد وتفاصيل عديدة، في العمارة، في الطعام، في اللغة، حيث توجد أكثر من ألف كلمة عربية لاتزال مستخدمة في اللغة البرتغالية.
نزلت مدينة «شلب» مرتين خلال السنوات الأخيرة للمشاركة في مؤتمرات ثقافية محورها الأدب العربي.
في سلفش، مؤسسة للثقافة العربية ـ البرتغالية تديرها مثقفة كبيرة، تتقن العربية ومعجبة بثقافتها هي السيدة أنا ماريا يرا وقد دعتني مرتين للمشاركة.
المؤسسة جزء من ظاهرة عامة في البرتغال تمت خلال السنوات العشر الأخيرة للاهتمام بتاريخ البرتغالي العربي، تماما كما حدث في اسبانيا، حيث تم ترميم الآثار والمساجد والقصور، وأصبحت من أهم موارد السياحة في اسبانيا.
في مدينة شلب أو «سلفش الآن» قلعة متكاملة، تقوم فوق هضبة مرتفعة تشرف على الوادي الذي يخترقه نهر جميل رقيق، في هذه القلعة التي لاتزال تحتفظ بتفاصيلها العربية الطراز عاش المعتمد بن عباد الشاعر الشهير وأحد ملوك الطوائف، والذي أسره يوسف بن تاشفين وأرسله الى مدينة أغمات في المغرب مكبلا بالقيود، ظل فيها حتى مات.
في هذه المدينة الجميلة، زرت متحفا جديدا افتتح منذ شهور، متحف خاص بالفلين، أقيم في بناء ضخم كان في الأصل مصنعا ضخما، بل أحد أضخم المصانع في العالم لتصنيع الفلين.
المتحف ضمن خطة تتبناها وزارة الثقافة البرتغالية للحفاظ على الذاكرة الصناعية، بدأت في الخطة في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي واستهدفت انشاء متاحف للصناعة في البرتغال، باعتبار أن التراث الصناعي قدم قيما جديدة للحضارة الانسانية.
كما أدخل مكونات جديدة في العمارة والنسيج والطعام وشتى فروع الحياة الى غير ذلك من أنشطة لم يكن أحد يهتم بها في الماضي ولا يلتفت الى جمالياتها الفنية والعلمية، تماما مثلي.