مقال / ألم يحنِ الوقت؟!

تصغير
تكبير
ما يحدث في الجزائر، لجهة ترشّح عبد العزيز بوتفليقة لدورة رئاسية رابعة، عجيب غريب حقاً!

لو كان ذلك قبل الزلزال الذي تشهد فصوله بلدان عربية عدة، لكان مفهوماً على مبدأ «ما من حاكم أفضل من حاكم» ولذا على كل رئيس أن يرشّح نفسه، أو أن يستفتي شعبه ثم يواصل تولّي المنصب إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولا.

أما وأن الزلزال قد حلَّ، وتداعياته لا زالت مستمرة، فمن الغريب ألا يتعظّ باقي الرؤساء!! من الغريب حتى من دون مرض، ومن دون تقدّم في السن! هل هي علامة مسجّلة باسمنا نحن العرب بالذات؟ّ!

ألا يكفي ما ناب حالنا، وأوضاعنا، وسمعتنا من السوء والهلهلة؟ ألا تكفي قرون مضت لنقوم بالتغيير لا وفق منطق العصر والتطور، بل وفق المنطق بحدِّ ذاته؟! المنطق البسيط، الطبيعي، العادي، الذي يفيد بأن تولّي منصبٍ ما، من رئاسة الدولة إلى مختار الحيّ، لا يعني بحالٍ من الأحوال انفراد شخص واحد فيه من أصل ملايين العقول والكفاءات بين أبناء الشعب!

لماذا يتمّ تغيير رئيس وزراء، أو نائب رئيس وزراء، وزير أو نائب وزير، مدير أو نائب مدير.... الخ وعند منصب الرئاسة تقوم القيامة دون أن تقعد؟ لا أسأل عن صلاحية الوزير وكفاءته، أو عدم صلاحيته وكفاءته ممن يتمّ تغييره، بل عن فكرة التغيير نفسها، ألا تراها تجري؟

ثم، هل متولّي منصب الرئاسة يعني حصوله على سند تملّك حصري لشخصه؟ أم أننا لا زلنا في زمن القبائل والعشائر حيث ان «الزعيم» يجب أن يبقى زعيماً حتى لو خلا من كلّ مقوّمات الاستمرار؟!

في مداخلات أعضاء الحزب الحاكم في الجزائر على القنوات الفضائية، ثمة فكرة غريبة هي الأخرى تفيد «أن الشعب يريد هذا الرئيس»: ما أدرى المتحدّث أن الشعب يريده؟ (وما أدرى المعارض أيضاً أن الشعب لا يريده؟) طالما ليس ثمة انتخابات حرّة ونزيهة وديموقراطية حقيقية في بلداننا العربية كما نعلم جميعاً؟

لِمَ لا تريد الشعوب الأخرى بقاء الحاكم نفسه حاكماً؟ ولِمَ تريد شعوبنا بالذات (كما يدّعي الموالون) استمرار الحاكم لولاية واثنتين وثلاث وأربع إلى ما شاء الله؟ أليس لأنها دُجّنت وهُجِّنت، وأُرضخت، وجُهِّلت حتى صارت قطيعاً على يدي الراعي وأزلامه ورجال إعلامه؟

وفي الواقع، خارج احتيالات الكلام وأفانين الكذب ما من تجمّع بشري سويّ ـ من أفراد أسرة إلى أفراد شعب ـ يرغب أو يريد أن ينفرد شخص واحد بالكلام والقرار والمصائر والثروات والعلاقات وما إلى ذلك! ما من تجمّع بشري إلا ويرغب في التداول. فإلغاء التداول إلغاء لعقول الناس، ولحقوق الناس، ولكرامات الناس، بل ولوجود الناس! إلغاء التداول نفي لكل جدارة ولكل كفاءة بين الملايين من البشر.

ألم يحن الوقت لنخرج من دائرة الصراع على ألف باء الحياة، من دائرة الصراع على المنطق البسيط للعقل ولسنّة الحياة البشرية؟ ألم يحن الوقت لنخطو خطوتين أو ثلاث خطوات خارج شريعة الغاب، وقانون الزرائب؟ ألم يحن الوقت لنتعلّم ونتّعظ، إنْ لم يكن من تجارب الشعوب والبلدان الأخرى، فمن تجاربنا وشعوبنا وما نحن فيه الآن؟ هل من الضروري أن يهبَّ الشعب، ويدفع الأثمان غالياً، لنمتثل إلى منطق التداول والديمقراطية والعدل؟

يؤلم ما يجري في الجزائر حقاً، ويوجع القلب، كما يؤلم ما يجري في غير الجزائر ويدمي القلب. أليس حريّاً، ولو لرئيس واحد، واحد على الأقل، أن يتنحّى من تلقاء نفسه وبإرادته، ويفسح في المجال لغيره، فيكون عبرة ومثالاً ونهجاً يُرتجى، ثم يدخل موسوعة غينس العربية؟!
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي