الكتاب جمع بين ذائقة اللغة بالفطرة والتخصص الأكاديمي

قراءة / «اللغة العربية المعاصرة» لليلى السبعان ... استجابة لمتطلبات العصر

تصغير
تكبير
اهتمام الدكتورة ليلى خلف السبعان باللغة العربية الفصحى وتطويرها- في لغة الإعلام المعاصر، والخطاب الإعلامي الكويتي والخليجي بالأخص، وعلى مستوى الوطن العربي عموماً، وعنايتها باللهجة الكويتية ومعجمها، وبالتعريب وأثره في إنماء الثروة اللغوية، ودراسة أشعار فحول شعراء العربية وشعراء الكويت... أقول: إن اهتمام السبعان بـ «مجمع اللغة العربية» والبيان العربي- قديمه وحديثه ومعاصره- ليس غريباً على باحثة «أكاديمية» متميزة في تخصصها، فهي أستاذ مساعد في قسم اللغة العربية وآدابها، بكلية الآداب- جامعة الكويت، إلى جانب توليها رئاسة تحرير مجلة (العربي) الكويتية ذائعة الصيت وواسعة الانتشار في عالمنا العربي وخارجه على مدى يقرب من الستين عاماً.

وقد صدرت طبعة جديدة لكتاب الدكتورة ليلى «اللغة العربية المعاصرة»- دراسة وتحليل في لغة الإعلام. تتجلى أهمية تقديم «قراءة» للكتاب، فـي أن مؤلفته تلفت النظر إلى ما مرت به اللغة العربية - ومازالت - من مراحل التهذيب والنقد والضعف والقوَّة.. حتى أصبح الشعر العربي «ديوان العرب».

يقع الكتاب في نحو مئتين وأربعين صفحة من القطع المتوسط، ويضم بين دفتيه بابين رئيسيين، ومقدمة، وخاتمة وقائمة المراجع باللغتين العربية والأجنبية، وفيما يلي «قراءة» لمضامين الكتاب. الباب الأول (الدراسة التمهيدية) اقتصرت فيه المؤلفة على تمهيد وفصل واحد عن: مستويات العربية الفصحى المعاصرة. أما الباب الثاني (الدراسة اللغوية بين الإفراد والتركيب) فاشتمل على ستة فصول، تناولت موضوعات هي: الدراسة الصوتية، في ثلاث حالات: مخارج الأصوات وكيفية النطق، والحركات القصيرة والطويلة، والمقاطع الصوتية (النبر/ التنغيم) وقضايا التذكير والتأنيث في اللغة المعاصرة، من خلال مناقشة المؤلفة لجملة قضايا وهي: الكلمات الخاصة بأوصاف النساء، وألفاظ الوظائف والمهن، وما يستوي فيه المذكر والمؤنث بالوصف، والمؤنثات المجازية، وما يؤنث بالتاء وبألف التأنيث الممدودة والمقصورة، وأسماء الأجهزة والمخترعات بين التذكير والتأنيث، والخلط بين المذكر والمؤنث في [صيغة] الجمع - صيغة فعيل وفعول في اللغة المعاصرة، وصيغة أفعل وفعلاء. كذلك تناولت المؤلفة صيغ الجموع في اللغة [العربية] المعاصرة وأهم ظواهرها، من خلال بيان دلالة الجمع على الكثرة والقلة في جموع التكسير، ودلالة جمعي المذكر والمؤنث السالم، وجموع القلة، ثم عرضت أيضاً لآراء النحاة قديماً وحديثاً في ذلك، والتبادل في الاستعمال بين جمعي القلة والكثرة في اللغة العربية المعاصرة، وتعدد الجموع في القرآن الكريم، ومعايير جموع التكسير، وأهم ظواهر الجموع في اللغة، وجمع الصفات - جمع التكسير- وجمع فاعل ومفعول على مفاعل ومفاعيل وجمع مُفعل ومَفْعِل على مفاعل ومفاعيل، وجمع أفعل على أفاعل، وجمع فعال على مفاعلة، وجمع الجمع في القرآن الكريم، وظاهرة جمع المصدر، وجمع فَعَلَهَ وفِعُله وفُعْله. كما عرضت المؤلفة لبعض شواهد جمع فعله في فصحى العصر.

وانتقلت بعد ذلك للحديث عن ظاهرة تبادل ضبط هذه الجموع في اللغة المعاصرة، وتثنية المقصور والممدود وجمعها، والتثنية والجمع في المقصور والممدود في اللغة المعاصرة. واهتمت المؤلفة ببيان أنواع (أشكال) الجملة العربية في فصحى العصر، في كل من: الجملة البسيطة، والممتدة أو الطويلة، والمتعددة والمركبة، والجملة الفرعية المتداخلة الطويلة، والجمل القصيرة.

وقد خصصت «د. ليلى» الفصلين الأخيرين من كتابها للحديث عن قضيتين كبيرتين من قضايا اللغة العربية، أولاهما: الدراسة الدلالية، حيث عرضت للمفردات المولدة والمعربة المحدَّثة والألفاظ المُعربة قديماً وحديثاً، والألفاظ المولدة في فصحى العصر، والألفاظ الأجنبية في اللغة المعاصرة، ووضعت جدولاً بمجموعة من الكلمات الأجنبية والمستخدمة في فصحى العصر، مثل كلمات: استاف التحرير = هيئة التحرير، وبرتوكول= العرف السياسي، [أو قواعد التعامل الرسمي بين الدول بواسطة ممثليها] وأوركسترا = الفرقة الموسيقية... إلخ من هذه الكلمات.

أما الفصل الأخير- ثانيهما- فقد تناولت فيه: الظواهر اللغوية المعاصرة في اللغة العربية، من خلال رصد بعض مظاهر التطور النحوي، وظاهرة «التضام» - إحدى القرائن التي تعين على تحديد مواقع الكلمات في الجملة. والعطف على المضاف قبل تمام المضاف إليه، والفصل بين الصفة والموصوف، والفصل بين المعطوف والمعطوف عليه والتراكيب العربية المحدثة التي دعت إليها حاجة العصر في اللغة العربية المعاصرة، مثل ألفـاظ (لا ولن، وبمجرد أن)... وعبارات: وهبك الله من الحكمة مثلما وهبك من قوة البصيرة، ولا يفسد الهدوء شيء مثلما تفسده الضوضاء... إلخ.

وختمت السبعان كتابها بالحديث عن قضية لغوية أثارت الكثير من الجدل بشأنها، ألا وهي قضية (الإعراب) الذي يضبط الكلمات [أو بالأحرى يوضح معناها ودلالتها في الجملة العربية]. ومن ثم تشير المؤلفة إلى ظاهرة التسكين التي ترتبط بالوقف على آخر الكلمات، والتي تعتبر من المعالم البارزة في الوصول إلى التسكين. وأبرز مظاهر الوقف العملية هي إسقاط حركة [الإعراب] الرفع والنصب والجر، واستبدالها بالسكون على آخر الكلمة. ومن ذلك ما يشيع في أجهزة الإعلام العربية من تسكين بعض الإعلاميين أغلب الكلمات، والوقوف عند مواضع - لا يصح الوقوف عليها وهو ما ترصده المؤلفة في كتابها- حيث لا يجوز الوقف (التسكين)، بين المسند والمسند إليه، وبين الصفة والموصوف، والمضاف والمضاف إليه، إذ يتأثر - بسبب ذلك - المعنى المراد من تركيب الجملة، مما يسيء إلى الربط العام للجملة اللغوية. ومـن أمثلة ذلك قـول بعضهـم أعلنت بنظيرْ - رئيسة وزراء باكستان - أن بلادها - تتطلع إلى اتفاقيةْ عدمْ إعتداءَ مع الهندْ، مع أن الأسلم لغةً ونطقاً هو: أعلنت بنظير رئيسةُ وزراءِ باكستان، أن بلادها تتطلعُ إلى اتفاقية عدم اعتداءٍ، مع الهند. (ص 203 من الكتاب)

ثم ختمت المؤلفة هذا الفصل من كتابها بعرض جدول [لغوي] يصحح نطق بعض الإعلاميين للأسماء والأعلام والمدن العربية والأجنبية، مقارنة بصحيح نطقها في اللغة العربية الفصحى، وصورة نطقها في فصحى العصر، مثل كلمات: الأردن، افريقيا، الجولان، الخرطوم، بنغلادش، مدغشقر، يوجسلافيا... إلخ من هذه الكلمات.

صفوة القول أن الدكتورة ليلى السبعان خلصت من كتابها (اللغة العربية المعاصرة) إلى هدف ونتيجة علمية مهمة دعت إليها طبيعة هذا العصر ذو «الريتم = الإيقاع» السريع، ألا وهي الدعوة إلى تيسير النحو وتبسيطه وتخليصه من صور التعقيد وتعدد الوجوه والأقوال.

تعقيب وملاحظة

إن هذا الجهد العلمي البارز للدكتورة ليلى السبعان الذي تميز به كتابها الذي بين أيدينا، يكشف عن رغبة علمية صادقة في سعي المؤلفة إلى وجوب استخدام الإعلاميين- في مختلف مواقعهم في وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمقروءة- اللغة العربية الفصحى والتزام وتحري الطريقة العلمية الصحيحة في النطق بها، من خلال أحاديثهم وحواراتهم ومخاطباتهم وكتاباتهم للقراء والمستمعين والمشاهدين، وبما يراعي الاستفادة بتقنيات العصر ووسائله المادية والتكنولوجية، ويعين على التحاور والتفاهم وسرعة الانجاز في توصيل الرسالة الإعلامية للأفراد في المجتمع، وذلك لكون اللغة السليمة المفهومة هي أداة الاتصال والتواصل والتعليم والتعلم للمتلقين والمستمعين والمشاهدين على السواء.

أما ملاحظتي- الاعتراضية- الوحيدة على الكتاب، فهي تضمين المؤلفة ما أسمته بـ «كلمة «أ. حيدر» تعليقاً على كتابها، فقد كان من الأفضل الاكتفاء بها في المصدر الذي نشرت فيه آنذاك. وبإيجاز شديد لم تكن الطبعة الجديدة (الثانية) من الكتاب بحاجة إليها، لأسباب عديدة، منها أنها لم تضف جديداً لقارئه، ولا تعدو إلا أن تكون تكراراً أشبه بصدى الصوت» لما تناولته الدكتورة ليلى السبعان على امتداد فصول وصفحات الكتاب، ناهيك عن أنها- في أقل «وصف»- (كلام جرايد) فكاتبها بعيد تماماً عن حقل التخصص الدقيق في مجال «لغة الضاض»، فمن أين يتأتى له الحكم على هذا الكتاب أو تقييمه»؟!
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي