يزيد من الظاهرة ركون غالبية الزوجات إلى الاستسلام خوفاً من العادات والتقاليد و... «المرأة المطلقة»!
«طق الحريم»... عُرْفٌ أقرّته سطوة الرجل و«خنوع» المرأة






آراء رجالية
• أسامة: العنف لا يقف عند الضرب فقط ولتتحمّل المرأة حدوداً يجب ألا تتعداها
• فهد: تصرف غير حضاري ولكن أنصح المرأة باستشارة الأهل قبل الإقدام على خطوة قد تندم عليها
• جاسم: على الزوجة بحث المشكلة مع زوجها ولا يجوز طلب الطلاق لأتفه الأسباب
معنَّفات
• عهد: عانيت عنفاً كلامياً وجسدياً وفضلت الصبر والتحمّل لأحافظ على أسرتي
• زينب: عشت عنفاً قاسياً في البداية لكن زوجي أصبح مع الوقت قليل الغضب
غير معنَّفات
• زينة ... ليست مجبرة على تحمّل المآسي حتى لو قسا عليها المجتمع ولم ترحمها الألسنة
• مها: المرأة تلتزم الصمت في مجتمع يمنح الرجل حصانة كاملة بينما يجب أن يعاقب
• هاجر: من يعنّف زوجته لا يستحقها ولا أتخلى عن كرامتي
• سارة: على المرأة ألا تصبر دقيقة واحدة... والقضاء خلاصها
• المحاكم سجلت أحكاما عديدة ضد أزواج قتلوا زوجاتهم عمدا أو ضربا أفضى للموت
• أسامة: العنف لا يقف عند الضرب فقط ولتتحمّل المرأة حدوداً يجب ألا تتعداها
• فهد: تصرف غير حضاري ولكن أنصح المرأة باستشارة الأهل قبل الإقدام على خطوة قد تندم عليها
• جاسم: على الزوجة بحث المشكلة مع زوجها ولا يجوز طلب الطلاق لأتفه الأسباب
معنَّفات
• عهد: عانيت عنفاً كلامياً وجسدياً وفضلت الصبر والتحمّل لأحافظ على أسرتي
• زينب: عشت عنفاً قاسياً في البداية لكن زوجي أصبح مع الوقت قليل الغضب
غير معنَّفات
• زينة ... ليست مجبرة على تحمّل المآسي حتى لو قسا عليها المجتمع ولم ترحمها الألسنة
• مها: المرأة تلتزم الصمت في مجتمع يمنح الرجل حصانة كاملة بينما يجب أن يعاقب
• هاجر: من يعنّف زوجته لا يستحقها ولا أتخلى عن كرامتي
• سارة: على المرأة ألا تصبر دقيقة واحدة... والقضاء خلاصها
• المحاكم سجلت أحكاما عديدة ضد أزواج قتلوا زوجاتهم عمدا أو ضربا أفضى للموت
لم تكن تدري أنها بخطوتها كانت كمن «يستجير من الرمضاء بالنار»... هربت من قسوة حياة أسرية تعصف بها المشاكل، فوقعت في جحيم حياة زوجية قوامها ضرب بالكرسي وتكسير وشتم واهانة، و... وخيانة «أشكره».
ذلك ملخص «كوكتيل عذابي» تتذوقه «ر.ز» مع كل اشراقة شمس، وهي أم لطفل وحيد كانت دخلت القفص الذهبي قبل 8 سنوات، هربا من مشاكل أسرية سرقت منها ربيع طفولتها، ظنا منها أن الزواج هو الخلاص، فكانت النار التي أتت على ما تبقى من نفسيتها وحياتها.
اليوم، تعيش «ر. ز» كدمية خشبية على مسرح بائس، يحرك خيوطها «مزاج الزوج» لسيناريو واخراج من «الوالدة» ونقصد بها حماة الزوجة التي تلمح في عينيها مرارة أيام طويلة وسنوات تعيسة ودموع هامدة، وكأنها بركان صمت وكبت سيغلي الى أجل غير مسمى، فلا ملجأ آخر لها ولا سند.
الزوجة الثكلى اعترفت بأنها لا تتجرأ على أي خطوة، خوفا من خسارة ولدها، وهي على يقين أيضا أن عائلتها غير مستعدة لاستقبال امرأة مطلقة... ويبقى قدرها البقاء تحت رحمة الزوج وأمه المتسلطة التي تحقن ابنها دائما وتلفق الأكاذيب ضد الزوجة.
هذه رواية من آلاف القصص والحكايات التي تحتويها جدران المنازل، وتختفي تحت أستار العادات والتقاليد، تارة والخوف من تداعيات التصريح تارة أخرى، لتبقى المعاناة مفتوحة على مزيد من اللوعة والاسى.
ولعل ما تحفل به أروقة المحاكم من قضايا أسرية قوامها عنف الزوج تجاه الزوجة لا يعبر، رغم كثرتها، عن حقيقة الوضع الذي يتخذ من الموروث الثقافي والتقليدي ذريعة لكل الممارسات التي تجعل من «سي السيد» الآمر الناهي ولا كلمة تعلو على كلمته في البيت.
«الراي» أرادت فتح صفحتها لنساء عانين من هذه القضية، ليبحن عن مكنونات أنفسهن، ويطلقن زفرة من صدر يغلي جراء ما يعانين منه، لعل أصواتهن تصل الى من يستطيع أن يخفف من معاناتهن... ولكن غالبية النساء اللاتي التقينا بهن رفضن التحدث عن تجربتهن، متعللات بأسباب وأسباب، في حقيقة الأمر أن القاسم المشترك بينها هو الخوف الذي يعتريهن، من الزوج، من المجتمع، ومن العواقب التي تنتج للبوح، لاسيما وأن احداهن وصفت بنات جنسها بـ«طير مكسور الجناح».
العنف بنظر النساء
ولأننا لم نلق تجاوبنا من النساء ذوات المشكلة، انتقلنا الى سيدات أخريات يعشن حياة زوجية خالية من العنف لنستمع الى آرائهن حول الموضوع، فقالت زينة، 23 عاما وهي امرأة تزوجت قبل عامين وأم لطفلة، ان «العنف ضد المرأة لا يعبر عن الرجولة، لأن الزواج أساسا يجب أن يكون مبنيا على أسس الاحترام، وكل فتاة تحلم أن ترى في زوجها الحبيب والأب والأخ والصديق. الحبيب يمنحها السعادة، والأب يمنحها السند والراحة، والأخ يدافع عنها، أما الصديق فهو بئر الأسرار الذي سيخفف الهموم عن كاهلها»
وأضافت «ولكن في حال انعدمت هذه الصفات وظهر العنف الى الواجهة، على المرأة أن تعي حقوقها جيدا فهي ليست مجبرة على تحمل المآسي حتى لو قسا عليها المجتمع ولم ترحمها ألسنة الناس».
أما عهد، 35 عاما متزوجة منذ 15 سنة وهي أم لثلاثة أطفال، فقالت: «عانيت من العنف الكلامي والجسدي في بداية زواجي، ولكن فضلت أن أصبر وتحملت الكثير لأحافظ على أسرتي. والحمد لله تغير زوجي بعدما أدرك أن العنف لن يأتي بأي نتائج ايجابية بل على العكس». وتابعت ضاحكة «زوجي مل من المشاكل وشاف ان الحياة أبسط من جذي وما في شي يستاهل».
مها، 32 عاما ومتزوجة منذ 7 سنوات وأم لولد وبنت، تقول: «ليست لي تجربة شخصية ولا أعرف أحدا واجه هذا النوع من العنف، ولكن بحسب ما نرى في الاعلام، هذه الآفة منتشرة بشكل كبير وغالبا ما تلتزم المرأة الصمت طويلا في ظل مجتمع ذكوري يمنح الرجل الحصانة الكاملة. ولكن أشعر أنا شخصيا أن الرجال أصبحوا أكثر تحضرا باستثناء البعض وكل من يعنف المرأة لأي سبب كان، يجب أن يعاقب».
من جانبها تقول هاجر، 25 عاما متزوجة منذ 4 سنوات وأم لطفلة واحدة: «أنا ضد العنف وكل رجل يعنف زوجته لا يستحقها. يجب على المرأة أن تتصدى للعنف فهي ليست مجبرة على التخلي عن كرامتها من أجل أي رجل في العالم. نحن في مجتمع حضاري ولسنا في غابة».
أما مريم، 27 عاما والمتزوجة حديثا، فتقول «العنف موجود في كل بيت ولكن تختلف أشكاله والسبب الأساسي لهذه المشكلة هو التربية الخاطئة وما يزيد الطين بلة هو أن المرأة تلتزم الصمت غالبا وتصبر وتتحمل. على المجتمع ادراك خطورة الموضوع الآن فمجتمع فاسد اليوم سيؤدي الى مجتمع أكثر فسادا في المستقبل والعكس صحيح».
في المقابل، تؤكد زينب، 36 عاما وأم لثلاثة أولاد بعد زواج 12 عاما، أن «العنف واقع عانيت منه، ولم أسلم من أذاه، ولكن زوجي قد خفت حدته كثيرا عن بداية الزواج وأصبح أكثر هدوءا، وهذا لا يمنع أن تكون له حالات من الثورة والغضب بين فترة وأخرى».
من جانبها تقول هناء، 60 عاما: «أنا زوجة وأم عشت حياتي من دون عنف، ولم أشهده يوما في بيتي. حتى بين صديقاتي وزميلاتي، هذا الموضوع غير شائع. أنا لا أجزم أن العنف غير موجود قطعا، ولكن بحالات استثنائية. وفي حال تعنفت المرأة، عليها أن ترضى بنصيبها وتتحمل وتضحي من أجل الأولاد».
تابعنا جولتنا، ووسعنا دائرة الاستطلاع حاملين في جعبتنا سؤالا من جزأين لنطرحه على كافة شرائح المجتمع «ذكوراً واناثاً» من مختلف الأعمار والتوجهات والسؤال هو:
هل المرأة الكويتية معنفة؟ وهل يجب على المعنفة التصدي للعنف أم عليها التحمل والتضحية من أجل أطفالها؟. فقال دانة 18 عاما: «أشعر أن المرأة الكويتية معنفة وحالات الزواج الناجحة والمبنية على الاحترام نادرة. وفي حال العنف، على المرأة أن تأخذ موقفا في البداية، وعليها أن تصبر على أمل أن يتغير الزوج، ولكن اذا تفاقم الوضع، فالطلاق هو الحل الأفضل لأن استمرار المشاكل سيؤذي نفسية الأطفال».
أما سارة، 30 عاما غير متزوجة، فقالت: «لا أرى أن العنف منتشر بشكل كبير في المجتمع الكويتي بل هناك اعتدال نوعا ما. اذا عنفت المرأة، فيجب ألا تتحمل دقيقة واحدة وفي حال رفض الزوج الطلاق عليها اللجوء الى المحاكم».
• فاطمة - 52 عاما: العنف موجود في المجتمع الكويتي وبرأيي، العنف زاد والمشاكل تفاقمت بعد التطور والانفتاح لأن الرجل لم يعد مكتفيا بامرأة واحدة نظرا لكل المغريات الذي يجدها عبر الاعلام والانترنت. في حال لا قدر الله عنف الرجل زوجته، عليها أن تصبر لأن الطلاق ليس بالأمر السهل ولا يجب أن تتعامل معه المرأة باستخفاف ففي العجلة الندامة وفي التأني السلامة».
• آلاء - 28 عاما: العنف موجود دون شك ولكن نحن مازلنا أفضل من بقية المجتمعات الخليجية. اذا ضرب الزوج زوجته وكانت هي «الغلطانة»، فعليها تحمل نتيجة أفعالها ولكن اذا كان الخطأ صادرا عن الزوج، فعليها أن تمنعه فهي ليست مجبرة على التضحية على حساب نفسها حتى لو كان لديها أطفال».
آراء رجالية
بدوره يقول أسامة، 33 عاما: «العنف موجود في المجتمع الكويتي ولكن بأشكال مختلفة فهناك رجال لا يضربون الزوجة ولكنهم يهينونها بالكلام الجارح. وعن موقف المرأة، برأيي أن عليها التحمل والتضحية ولكن الى حد معين وفي النهاية لا توجد قاعدة وكل ردة فعل تعتمد على حجم العنف».
فهد، 36 عاما ومتزوج، يقول: «أنا شخصيا لا أعنف زوجتي، لأنني أعتبر هذا التصرف غير حضاري ولكن بشكل عام هناك عنف في مجتمعنا الكويتي ولكن النسبة ضئيلة جدا مقارنة بالدول الخليجية الأخرى. واذا زاد العنف على حده، فعلى الطرفين التروي والتواصل لحل المشكلة ولكن ان لم يجد ذلك نفعا، فأنصح المرأة باستشارة الأهل قبل التهور والاقدام على خطوة قد تندم عليها».
ويقر جاسم، 24 عاما، بأن العنف موجود في الكويت لكنه لا يطول كل الناس أي لا نستطيع التعميم، مشددا على أنه في حال تعرضت الزوجة للعنف، فعليها بحث المشكلة مع الزوج، ولا يجوز أن تنفصل عن زوجها لأتفه الأسباب لأن ذلك سيؤثر على الأولاد والروابط الأسرية.
وباء عالمي
العنف ضد المرأة موجود منذ أقدم العصور حين كان الانسان جاهلا وعاريا لا موطن له ولا حضارة. اذا، الموضوع ليس بالأمر المستجد ولكن الغريب هو بقاء هذا الوباء الاجتماعي متفشيا رغم كل التطور والانفتاح العلمي والثقافي الذي بلغه العالم اليوم.
وبحسب تعريف الجمعية العامة للأمم المتحدة، العنف ضد النساء هو أي اعتداء ضد المرأة مبني على أساس الجنس يتسبب باحداث ايذاء أو ألم جسدي، جنسي أو نفسي ويشمل العنف التهديد بالاعتداء، الضغط النفسي والحرمان التعسفي للحريات.
وفي هذا السياق، أظهرت دراسة قام بها صندوق الأمم المتحدة لرعاية المرأة سنة 2008 أن نسبة المعنفات جسديا من قبل أحد أفراد الأسرة تتراوح بين 13 و61 في المئة، وقد بلغت هذه النسبة في كل من البيرو واثيوبيا وبنغلاديش 50 في المئة. وفي المغرب مثلا، سجلت المحاكم 41 ألف قضية عنف ضد المرأة.
وفي العالم أجمع، هناك أعداد كبيرة من المعنفات مع اختلاف النسب بين دولة وأخرى والعنف يصل أحيانا الى حد الموت كما حدث أخيرا مع الضحية اللبنانية منال العاصي التي قضت بعد أن ضربها زوجها ضربا مبرحا وعذبها بكل الطرق الوحشية حتى الهلاك دون أن يرف له جفن.
الزوجة في الإسلام... معزَّزة مكرَّمة
من الناحية الشرعية، نجد أن الاسلام كرم المرأة وخصها بمكانة اجتماعية واعطاها اهمية كبيرة، لما تتحمله من مشقة في حمل ابنائها وتربيتهم وراعى خصائصها، والفرق بينها وبين الرجل فشرع القوانين التي تجعلها مكرمة في موقعها والرجل مكرما في موقعه، وجعل بينهما مودة ورحمة واحتراما متبادلا.
فالعنف أمر مستنكر في الشرع فقد ضمن الاسلام للمرأة حقوقها فهي الام والاخت والبنت والعمة والخالة والجدة وحررها بعد ان كانت مستعبدة وساوى بينها وبين الذكر في الانسانية، قال تعالى: «يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا» (النساء1).
إن الرسول صلى الله عليه وسلم، لم يضرب أي امرأة على الاطلاق بل كان معروفا بالرفق ومن أشهر ما قاله في هذا السياق: «استوصوا بالنساء خيرا». وقد اعتبرت الكثير من المراجع الدينية أن «العنف ضد المرأة أكان جسديا أو معنويا أو ماديا سببه التقاليد والأعراف والثقافات الفاسدة والبعيدة عن الاسلام».
أربعيني ... سؤالنا هزّه!
أثناء استطلاعنا وجهنا سؤالا عن العنف ضد الزوجة الى مواطن أربعيني، فكانت ردة فعله سلبية جدا، وكأن الموضوع يمسه، وبدت على وجهه تعابير الغضب، وقال لنا «دوروا غيري... دوروا غيري». وكأن حال هذا الرجل يقول انه من ممارسي العنف ضد الزوجة، وفق ما بدا لنا من ردة فعله اللافتة للنظر.
16 في المئة من حالات الطلاق بسبب العنف
أشارت احصائية 2010 الصادرة من ادارة الاحصاء والبحوث في وزارة العدل الى أن أهم الأسباب التي تراها الزوجات سبباً للخلاف والطلاق العنف بنسبة 7.2 في المئة وسرعة الغضب بنسبة 5.6 في المئة واستعمال ألفاظ بذيئة في التعامل بنسبة 3.1 في المئة.
وأشارت احصائية صادرة عن الكتاب الاحصائي لسنة 2007 في وزارة العدل الى أن حالات الطلاق ارتفعت من 4242 حالة في 2006 الى 4942 في 2007 بمقدار 700 حالة أي بمعدل 16.5 في المئة، وهو ما يدل على ازدياد لجوء المواطنين للعدالة لأسباب عدة منها الضرر بسبب استعمال العنف.
الرأي القانوني:
فواز الخطيب: 368 قضية في المحاكم المتوسط السنوي لـ«العنف ضد المرأة»
في الجانب القانوني لقضية العنف الزوجي قال المحامي فواز الخطيب انه لا توجد احصائيات دقيقة تتعلق بعدد قضايا العنف ضد الزوجات، ونحتاج لدراسات تخصصية تبيّن طبيعة العنف وأشكاله وأسبابه وكيفية تفاديه، لافتا الى أنه في سنة 2010 نشرت وزارة العدل احصائية تضمنت متوسطاً لعدد قضايا العنف ضد المرأة حيث بلغت 368 قضية سنوياً وأشارت الاحصائية أن عدد القضايا المسجّلة في سنة 2009 تبلغ 443 قضية مقارنة بسنة 2000 والتي كان اجماليها 345 قضية.
وأضافت الاحصائية لأنواع الجرائم المُرتكبة التي تعرضت لها المرأة في الكويت ومنها الضرب المفضي الى الموت والعاهة المستديمة والأذى البليغ والشروع في القتل والمواقعة بالاكراه وهتك العرض وغيرها.
وذكر الخطيب ان المشرع الكويتي أكد على مبدأ حسن العشرة في العلاقة الزوجية، حيث نص في المادة الأولى من قانون الأحوال الشخصية الكويتي أن للزواج مقاصد سامية في بناء المجتمع الصالح وتأسيس حياة قوامها السكينة والمودة والرحمة.
وحول وجود مواد في القانون الكويتي تتضمن حماية المرأة المتزوجة من العنف، قال الخطيب انه يجب التفرقة بين حالتيّن، الأولى في ما يتعلق بتعاطي قانون الأحوال الشخصية مع استعمال العنف ضد الزوجة، فقد أتاح القانون للزوجة طلب التفريق للضرر وفقاً للمادة 126 والتي نصّت على أنه لكل من الزوجيّن أن يطلب التفريق بسبب اضرار ا?خر به قو?ً أو فع?ً بما ? يستطاع معه دوام العشرة، ونصّت المادة 130 على أنه اذا تبيّن أن الاساءة كلها من الزوج فيتوجب الزامه بجميع الحقوق المترتبة على الزواج والط?ق.
وعليه بهذه الحالة، نجد أن القانون أتاح للزوجة طلب التفريق بسبب استعمال الزوج العنف، ويتوجب أن تثبت ذلك من خلال الحصول على التقارير الطبيّة التي تُثبت الضرر الذي تعرضت له، ولها أن تلجأ للقضاء طالبةً التفريق.
أما الحالة الثانية في ما يتعلق بتعاطي قانون الجزاء الكويتي مع هذا الموضوع، فنجد أن القانون كان له نظرة شمولية لجرائم القتل والضرب والجرح والايذاء. ففي المادة 153 نص القانون على أن كل من جرح أو ضرب غيره عمداً، أو أعطاه مواد مخدرة دون أن يقصد قتله ولكن الفعل أفضى الى موته يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز 10 سنين. وقد خفف المشرع العقوبة على الزوج في حال أنه تفاجأ بتلبس زوجته بالزنا وقتلها في الحال أو قتل من يزني بها أو قتلهما معاً فنص على عقابه بالحبس مدة لا تجاوز ثلاث سنوات.
وبذلك يتضح أن القانون الكويتي تعاطى مع حالات العنف المُجرمة ضد الغير بقواعد عامة ولم يخصص قواعد خاصة بما يتعلق باستعمال العنف ضد الزوجة من الناحية الجزائية.
هذا من جهة، وفي حال تعرض الزوجة للعنف بسبب الضرب فقد وفّر المشرع لها حماية كما هو الحال لجميع الأفراد في المادة 160 من قانون الجزاء والتي نصّت على أن كل من ضرب شخصاً أو جرحه أو ألحق بجسمه أذى أو أخل بحرمة الجسم وكان ذلك على نحو محسوس يعاقب بالحبس مدة ? تجاوز سنتين، وعليه يكون للزوجة الحق بتقديم شكوى أمام الادارة العامة للتحقيقات، ولها أيضاً المطالبة بتعويض عن الضرر التي تعرضّت له نتيجة الفعل المُجرّم الذي قام به الزوج.
ومن ثم يتضّح بأن المشرع الكويتي لم يخصص عقوبات خاصة لحالات ضرب الزوجة واستعمال العنف ضدها بل عاملها معاملة العامة دون تخصيص، وهو ما لا يمنع من صدور قوانين مستقبلاً تُجرّم استعمال العنف ضد الزوجة والأبناء بمواد جزائية أشد تمنع العنف ضد الأسرة وهو ما يكفل حماية أفضل للأسرة وقد يؤدي للحد من حالات الطلاق.
وعما اذا كان هناك زوجات كويتيات استعملن حقهن في مقاضاة أزواجهن بسبب استعمال العنف، قال الخطيب ان الوعي القانوني لدى الأفراد عموماً في ازدياد بدولة الكويت، وعدد القضايا المرفوعة من قبل الزوجة بتزايد مستمر في ما يتعلق بالتفريق بسبب الضرر، وكذلك الدعاوى الجزائيّة المتعلقة بالضرب أو الأذى، وهو ما يدل على ازدياد في وعي المرأة الكويتية لحقوقها باللجوء للعدالة وهو بطبيعة الحال أمر محمود حيث ان التعايش في بيئة يغلب فيها العنف أمر غير صحي ويؤدي الى أمراض نفسية قد تؤدي الى ارتكاب جرائم مستقبلاً من قبل الزوجة أو الأبناء. وبالتالي فالشكاية كحق قانوني أمر ننصح به دوماً حفاظاً على النفس والأبناء بل ان عدم استعمال هذا الحق يؤدي بالضرورة الى تمادي الزوج.
الرأي النفسي:
صديقة حسين: المعتدي يعكس بيئة نشأ وعانى فيها العنف والضرب
للوقوف على ظاهرة العنف الأسري، ولاسيما عنف الزوج تجاه زوجته، التقينا المستشارة النفسية في جامعة الخليج للعلوم والتكنولوجيا والمعالجة النفسية في مركز السور للتقييم والعلاج النفسي، صديقة حسين، التي قالت «العنف المنزلي ليس حكرا على عرق أو صنف محدد من البشر، الا أن نسبة حدوثه أعلى في المجتمع الشرقي. ورأت حسين أن المعتقدات المتأصلة في المجتمع مثل هيمنة الذكور واحساسهم بالتفوق في ما يتعلق بأمور السيطرة ومن له الأحقية بذلك، وكلها أسباب تؤدي الى استخدام العنف، بغض النظر عما وصل اليه المجتمع من التقدم والحداثة».
وأضافت «لكن مسألة العنف المنزلي لا تزال خلف أبواب مغلقة، ودائما ما يكون الظاهر لنا الاتزان والاحترام اذ ان قليلين، هم من يعترفون بأنهم اما مسيئون أو ضحايا الاساءة. فالصمت يكون بسبب الخوف مما قد يسببه الاعتراف من فوضى في حياتهم العملية والعائلية وما يترتب على ذلك من احراج. ويخاف الضحايا أيضا مما قد يلحق بهم من أذى اذ هم حاولوا اخبار أحد بتعرضهم للعنف المنزلي.
ورأت أنه من الجدير بالذكر أن المسيئين يحاولون التقليل من شأن تعديهم على الآخرين بإلقائهم اللوم على الضحايا، بأنهم من استفزوهم لفعل ذلك، ويصف كل من الضحايا و المعتدون ما حدث بأنه عراك عائلي قد خرج عن السيطرة.
وأكدت الدكتورة صديقة أن العنف المنزلي سلوك مكتسب وليس متوارثا جينيا. فغالبا ما يكون المعتدي قد نشأ في منزل قد تعرض فيه للاعتداء الجسدي «مثل الضرب وغيره» كوسيلة لتأديبه أو فرض السيطرة عليه. كما أن هنالك من يعتبرون الفتيان أفضل من الفتيات في كل شيء. وفي بعض أنحاء العالم يؤدي هذا الاعتقاد الى أن يقتل الجنين اذا كان أنثى، وتحرم الفتيات من جميع الامتيازات التي تعطى للفتيان.
وذكرت أن هذا النوع من الانحياز والتفرقة في المعاملة منذ الصغر يغرس في نفوس وأذهان الاناث الاحساس بعدم الأمان. كما يتأصل لديهم اعتقاد أنهم أقل منزلة من الذكور، وأنهم سوف يقضون بقية حياتهم غير قادرين على التحرر من قيود الخضوع لهذه الأحاسيس و الاساءة.
ولفتت الى انه في أحيان أخرى تكون الاساءة باللفظ، و يكون الغرض من ذلك التأثير على مشاعر المرأة، ما ينعكس سلبا على احترامها لذاتها و ثقتها بنفسها. وهذه الاساءات من شأنها أن تعزز من احساس المرأة بعدم الأمان والعجز واليأس وعدم المحبة وتدني احترامها لذاتها، وهي العلامات الخمس للكآبة.
والى حد كبير فان ما يحدث قد حث النظام القانوني في الدولة على مساعدة النساء المساء اليهم، كما أن هناك مراكز استشارات عدة و جماعات أخرى من النساء لتقديم الدعم و المساعدة لمن تحتجنها. ولكن على النساء أن يواجهن الاساءة بأن يخبرن أياً من أفراد عائلاتهن من الدرجة الأولى وأن يتوجهن بعد ذلك الى النظام القضائي في مناطقهن حتى يتمكن من وضع حد لما يتعرضن له من اساءة واعتداء.
ذلك ملخص «كوكتيل عذابي» تتذوقه «ر.ز» مع كل اشراقة شمس، وهي أم لطفل وحيد كانت دخلت القفص الذهبي قبل 8 سنوات، هربا من مشاكل أسرية سرقت منها ربيع طفولتها، ظنا منها أن الزواج هو الخلاص، فكانت النار التي أتت على ما تبقى من نفسيتها وحياتها.
اليوم، تعيش «ر. ز» كدمية خشبية على مسرح بائس، يحرك خيوطها «مزاج الزوج» لسيناريو واخراج من «الوالدة» ونقصد بها حماة الزوجة التي تلمح في عينيها مرارة أيام طويلة وسنوات تعيسة ودموع هامدة، وكأنها بركان صمت وكبت سيغلي الى أجل غير مسمى، فلا ملجأ آخر لها ولا سند.
الزوجة الثكلى اعترفت بأنها لا تتجرأ على أي خطوة، خوفا من خسارة ولدها، وهي على يقين أيضا أن عائلتها غير مستعدة لاستقبال امرأة مطلقة... ويبقى قدرها البقاء تحت رحمة الزوج وأمه المتسلطة التي تحقن ابنها دائما وتلفق الأكاذيب ضد الزوجة.
هذه رواية من آلاف القصص والحكايات التي تحتويها جدران المنازل، وتختفي تحت أستار العادات والتقاليد، تارة والخوف من تداعيات التصريح تارة أخرى، لتبقى المعاناة مفتوحة على مزيد من اللوعة والاسى.
ولعل ما تحفل به أروقة المحاكم من قضايا أسرية قوامها عنف الزوج تجاه الزوجة لا يعبر، رغم كثرتها، عن حقيقة الوضع الذي يتخذ من الموروث الثقافي والتقليدي ذريعة لكل الممارسات التي تجعل من «سي السيد» الآمر الناهي ولا كلمة تعلو على كلمته في البيت.
«الراي» أرادت فتح صفحتها لنساء عانين من هذه القضية، ليبحن عن مكنونات أنفسهن، ويطلقن زفرة من صدر يغلي جراء ما يعانين منه، لعل أصواتهن تصل الى من يستطيع أن يخفف من معاناتهن... ولكن غالبية النساء اللاتي التقينا بهن رفضن التحدث عن تجربتهن، متعللات بأسباب وأسباب، في حقيقة الأمر أن القاسم المشترك بينها هو الخوف الذي يعتريهن، من الزوج، من المجتمع، ومن العواقب التي تنتج للبوح، لاسيما وأن احداهن وصفت بنات جنسها بـ«طير مكسور الجناح».
العنف بنظر النساء
ولأننا لم نلق تجاوبنا من النساء ذوات المشكلة، انتقلنا الى سيدات أخريات يعشن حياة زوجية خالية من العنف لنستمع الى آرائهن حول الموضوع، فقالت زينة، 23 عاما وهي امرأة تزوجت قبل عامين وأم لطفلة، ان «العنف ضد المرأة لا يعبر عن الرجولة، لأن الزواج أساسا يجب أن يكون مبنيا على أسس الاحترام، وكل فتاة تحلم أن ترى في زوجها الحبيب والأب والأخ والصديق. الحبيب يمنحها السعادة، والأب يمنحها السند والراحة، والأخ يدافع عنها، أما الصديق فهو بئر الأسرار الذي سيخفف الهموم عن كاهلها»
وأضافت «ولكن في حال انعدمت هذه الصفات وظهر العنف الى الواجهة، على المرأة أن تعي حقوقها جيدا فهي ليست مجبرة على تحمل المآسي حتى لو قسا عليها المجتمع ولم ترحمها ألسنة الناس».
أما عهد، 35 عاما متزوجة منذ 15 سنة وهي أم لثلاثة أطفال، فقالت: «عانيت من العنف الكلامي والجسدي في بداية زواجي، ولكن فضلت أن أصبر وتحملت الكثير لأحافظ على أسرتي. والحمد لله تغير زوجي بعدما أدرك أن العنف لن يأتي بأي نتائج ايجابية بل على العكس». وتابعت ضاحكة «زوجي مل من المشاكل وشاف ان الحياة أبسط من جذي وما في شي يستاهل».
مها، 32 عاما ومتزوجة منذ 7 سنوات وأم لولد وبنت، تقول: «ليست لي تجربة شخصية ولا أعرف أحدا واجه هذا النوع من العنف، ولكن بحسب ما نرى في الاعلام، هذه الآفة منتشرة بشكل كبير وغالبا ما تلتزم المرأة الصمت طويلا في ظل مجتمع ذكوري يمنح الرجل الحصانة الكاملة. ولكن أشعر أنا شخصيا أن الرجال أصبحوا أكثر تحضرا باستثناء البعض وكل من يعنف المرأة لأي سبب كان، يجب أن يعاقب».
من جانبها تقول هاجر، 25 عاما متزوجة منذ 4 سنوات وأم لطفلة واحدة: «أنا ضد العنف وكل رجل يعنف زوجته لا يستحقها. يجب على المرأة أن تتصدى للعنف فهي ليست مجبرة على التخلي عن كرامتها من أجل أي رجل في العالم. نحن في مجتمع حضاري ولسنا في غابة».
أما مريم، 27 عاما والمتزوجة حديثا، فتقول «العنف موجود في كل بيت ولكن تختلف أشكاله والسبب الأساسي لهذه المشكلة هو التربية الخاطئة وما يزيد الطين بلة هو أن المرأة تلتزم الصمت غالبا وتصبر وتتحمل. على المجتمع ادراك خطورة الموضوع الآن فمجتمع فاسد اليوم سيؤدي الى مجتمع أكثر فسادا في المستقبل والعكس صحيح».
في المقابل، تؤكد زينب، 36 عاما وأم لثلاثة أولاد بعد زواج 12 عاما، أن «العنف واقع عانيت منه، ولم أسلم من أذاه، ولكن زوجي قد خفت حدته كثيرا عن بداية الزواج وأصبح أكثر هدوءا، وهذا لا يمنع أن تكون له حالات من الثورة والغضب بين فترة وأخرى».
من جانبها تقول هناء، 60 عاما: «أنا زوجة وأم عشت حياتي من دون عنف، ولم أشهده يوما في بيتي. حتى بين صديقاتي وزميلاتي، هذا الموضوع غير شائع. أنا لا أجزم أن العنف غير موجود قطعا، ولكن بحالات استثنائية. وفي حال تعنفت المرأة، عليها أن ترضى بنصيبها وتتحمل وتضحي من أجل الأولاد».
تابعنا جولتنا، ووسعنا دائرة الاستطلاع حاملين في جعبتنا سؤالا من جزأين لنطرحه على كافة شرائح المجتمع «ذكوراً واناثاً» من مختلف الأعمار والتوجهات والسؤال هو:
هل المرأة الكويتية معنفة؟ وهل يجب على المعنفة التصدي للعنف أم عليها التحمل والتضحية من أجل أطفالها؟. فقال دانة 18 عاما: «أشعر أن المرأة الكويتية معنفة وحالات الزواج الناجحة والمبنية على الاحترام نادرة. وفي حال العنف، على المرأة أن تأخذ موقفا في البداية، وعليها أن تصبر على أمل أن يتغير الزوج، ولكن اذا تفاقم الوضع، فالطلاق هو الحل الأفضل لأن استمرار المشاكل سيؤذي نفسية الأطفال».
أما سارة، 30 عاما غير متزوجة، فقالت: «لا أرى أن العنف منتشر بشكل كبير في المجتمع الكويتي بل هناك اعتدال نوعا ما. اذا عنفت المرأة، فيجب ألا تتحمل دقيقة واحدة وفي حال رفض الزوج الطلاق عليها اللجوء الى المحاكم».
• فاطمة - 52 عاما: العنف موجود في المجتمع الكويتي وبرأيي، العنف زاد والمشاكل تفاقمت بعد التطور والانفتاح لأن الرجل لم يعد مكتفيا بامرأة واحدة نظرا لكل المغريات الذي يجدها عبر الاعلام والانترنت. في حال لا قدر الله عنف الرجل زوجته، عليها أن تصبر لأن الطلاق ليس بالأمر السهل ولا يجب أن تتعامل معه المرأة باستخفاف ففي العجلة الندامة وفي التأني السلامة».
• آلاء - 28 عاما: العنف موجود دون شك ولكن نحن مازلنا أفضل من بقية المجتمعات الخليجية. اذا ضرب الزوج زوجته وكانت هي «الغلطانة»، فعليها تحمل نتيجة أفعالها ولكن اذا كان الخطأ صادرا عن الزوج، فعليها أن تمنعه فهي ليست مجبرة على التضحية على حساب نفسها حتى لو كان لديها أطفال».
آراء رجالية
بدوره يقول أسامة، 33 عاما: «العنف موجود في المجتمع الكويتي ولكن بأشكال مختلفة فهناك رجال لا يضربون الزوجة ولكنهم يهينونها بالكلام الجارح. وعن موقف المرأة، برأيي أن عليها التحمل والتضحية ولكن الى حد معين وفي النهاية لا توجد قاعدة وكل ردة فعل تعتمد على حجم العنف».
فهد، 36 عاما ومتزوج، يقول: «أنا شخصيا لا أعنف زوجتي، لأنني أعتبر هذا التصرف غير حضاري ولكن بشكل عام هناك عنف في مجتمعنا الكويتي ولكن النسبة ضئيلة جدا مقارنة بالدول الخليجية الأخرى. واذا زاد العنف على حده، فعلى الطرفين التروي والتواصل لحل المشكلة ولكن ان لم يجد ذلك نفعا، فأنصح المرأة باستشارة الأهل قبل التهور والاقدام على خطوة قد تندم عليها».
ويقر جاسم، 24 عاما، بأن العنف موجود في الكويت لكنه لا يطول كل الناس أي لا نستطيع التعميم، مشددا على أنه في حال تعرضت الزوجة للعنف، فعليها بحث المشكلة مع الزوج، ولا يجوز أن تنفصل عن زوجها لأتفه الأسباب لأن ذلك سيؤثر على الأولاد والروابط الأسرية.
وباء عالمي
العنف ضد المرأة موجود منذ أقدم العصور حين كان الانسان جاهلا وعاريا لا موطن له ولا حضارة. اذا، الموضوع ليس بالأمر المستجد ولكن الغريب هو بقاء هذا الوباء الاجتماعي متفشيا رغم كل التطور والانفتاح العلمي والثقافي الذي بلغه العالم اليوم.
وبحسب تعريف الجمعية العامة للأمم المتحدة، العنف ضد النساء هو أي اعتداء ضد المرأة مبني على أساس الجنس يتسبب باحداث ايذاء أو ألم جسدي، جنسي أو نفسي ويشمل العنف التهديد بالاعتداء، الضغط النفسي والحرمان التعسفي للحريات.
وفي هذا السياق، أظهرت دراسة قام بها صندوق الأمم المتحدة لرعاية المرأة سنة 2008 أن نسبة المعنفات جسديا من قبل أحد أفراد الأسرة تتراوح بين 13 و61 في المئة، وقد بلغت هذه النسبة في كل من البيرو واثيوبيا وبنغلاديش 50 في المئة. وفي المغرب مثلا، سجلت المحاكم 41 ألف قضية عنف ضد المرأة.
وفي العالم أجمع، هناك أعداد كبيرة من المعنفات مع اختلاف النسب بين دولة وأخرى والعنف يصل أحيانا الى حد الموت كما حدث أخيرا مع الضحية اللبنانية منال العاصي التي قضت بعد أن ضربها زوجها ضربا مبرحا وعذبها بكل الطرق الوحشية حتى الهلاك دون أن يرف له جفن.
الزوجة في الإسلام... معزَّزة مكرَّمة
من الناحية الشرعية، نجد أن الاسلام كرم المرأة وخصها بمكانة اجتماعية واعطاها اهمية كبيرة، لما تتحمله من مشقة في حمل ابنائها وتربيتهم وراعى خصائصها، والفرق بينها وبين الرجل فشرع القوانين التي تجعلها مكرمة في موقعها والرجل مكرما في موقعه، وجعل بينهما مودة ورحمة واحتراما متبادلا.
فالعنف أمر مستنكر في الشرع فقد ضمن الاسلام للمرأة حقوقها فهي الام والاخت والبنت والعمة والخالة والجدة وحررها بعد ان كانت مستعبدة وساوى بينها وبين الذكر في الانسانية، قال تعالى: «يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا» (النساء1).
إن الرسول صلى الله عليه وسلم، لم يضرب أي امرأة على الاطلاق بل كان معروفا بالرفق ومن أشهر ما قاله في هذا السياق: «استوصوا بالنساء خيرا». وقد اعتبرت الكثير من المراجع الدينية أن «العنف ضد المرأة أكان جسديا أو معنويا أو ماديا سببه التقاليد والأعراف والثقافات الفاسدة والبعيدة عن الاسلام».
أربعيني ... سؤالنا هزّه!
أثناء استطلاعنا وجهنا سؤالا عن العنف ضد الزوجة الى مواطن أربعيني، فكانت ردة فعله سلبية جدا، وكأن الموضوع يمسه، وبدت على وجهه تعابير الغضب، وقال لنا «دوروا غيري... دوروا غيري». وكأن حال هذا الرجل يقول انه من ممارسي العنف ضد الزوجة، وفق ما بدا لنا من ردة فعله اللافتة للنظر.
16 في المئة من حالات الطلاق بسبب العنف
أشارت احصائية 2010 الصادرة من ادارة الاحصاء والبحوث في وزارة العدل الى أن أهم الأسباب التي تراها الزوجات سبباً للخلاف والطلاق العنف بنسبة 7.2 في المئة وسرعة الغضب بنسبة 5.6 في المئة واستعمال ألفاظ بذيئة في التعامل بنسبة 3.1 في المئة.
وأشارت احصائية صادرة عن الكتاب الاحصائي لسنة 2007 في وزارة العدل الى أن حالات الطلاق ارتفعت من 4242 حالة في 2006 الى 4942 في 2007 بمقدار 700 حالة أي بمعدل 16.5 في المئة، وهو ما يدل على ازدياد لجوء المواطنين للعدالة لأسباب عدة منها الضرر بسبب استعمال العنف.
الرأي القانوني:
فواز الخطيب: 368 قضية في المحاكم المتوسط السنوي لـ«العنف ضد المرأة»
في الجانب القانوني لقضية العنف الزوجي قال المحامي فواز الخطيب انه لا توجد احصائيات دقيقة تتعلق بعدد قضايا العنف ضد الزوجات، ونحتاج لدراسات تخصصية تبيّن طبيعة العنف وأشكاله وأسبابه وكيفية تفاديه، لافتا الى أنه في سنة 2010 نشرت وزارة العدل احصائية تضمنت متوسطاً لعدد قضايا العنف ضد المرأة حيث بلغت 368 قضية سنوياً وأشارت الاحصائية أن عدد القضايا المسجّلة في سنة 2009 تبلغ 443 قضية مقارنة بسنة 2000 والتي كان اجماليها 345 قضية.
وأضافت الاحصائية لأنواع الجرائم المُرتكبة التي تعرضت لها المرأة في الكويت ومنها الضرب المفضي الى الموت والعاهة المستديمة والأذى البليغ والشروع في القتل والمواقعة بالاكراه وهتك العرض وغيرها.
وذكر الخطيب ان المشرع الكويتي أكد على مبدأ حسن العشرة في العلاقة الزوجية، حيث نص في المادة الأولى من قانون الأحوال الشخصية الكويتي أن للزواج مقاصد سامية في بناء المجتمع الصالح وتأسيس حياة قوامها السكينة والمودة والرحمة.
وحول وجود مواد في القانون الكويتي تتضمن حماية المرأة المتزوجة من العنف، قال الخطيب انه يجب التفرقة بين حالتيّن، الأولى في ما يتعلق بتعاطي قانون الأحوال الشخصية مع استعمال العنف ضد الزوجة، فقد أتاح القانون للزوجة طلب التفريق للضرر وفقاً للمادة 126 والتي نصّت على أنه لكل من الزوجيّن أن يطلب التفريق بسبب اضرار ا?خر به قو?ً أو فع?ً بما ? يستطاع معه دوام العشرة، ونصّت المادة 130 على أنه اذا تبيّن أن الاساءة كلها من الزوج فيتوجب الزامه بجميع الحقوق المترتبة على الزواج والط?ق.
وعليه بهذه الحالة، نجد أن القانون أتاح للزوجة طلب التفريق بسبب استعمال الزوج العنف، ويتوجب أن تثبت ذلك من خلال الحصول على التقارير الطبيّة التي تُثبت الضرر الذي تعرضت له، ولها أن تلجأ للقضاء طالبةً التفريق.
أما الحالة الثانية في ما يتعلق بتعاطي قانون الجزاء الكويتي مع هذا الموضوع، فنجد أن القانون كان له نظرة شمولية لجرائم القتل والضرب والجرح والايذاء. ففي المادة 153 نص القانون على أن كل من جرح أو ضرب غيره عمداً، أو أعطاه مواد مخدرة دون أن يقصد قتله ولكن الفعل أفضى الى موته يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز 10 سنين. وقد خفف المشرع العقوبة على الزوج في حال أنه تفاجأ بتلبس زوجته بالزنا وقتلها في الحال أو قتل من يزني بها أو قتلهما معاً فنص على عقابه بالحبس مدة لا تجاوز ثلاث سنوات.
وبذلك يتضح أن القانون الكويتي تعاطى مع حالات العنف المُجرمة ضد الغير بقواعد عامة ولم يخصص قواعد خاصة بما يتعلق باستعمال العنف ضد الزوجة من الناحية الجزائية.
هذا من جهة، وفي حال تعرض الزوجة للعنف بسبب الضرب فقد وفّر المشرع لها حماية كما هو الحال لجميع الأفراد في المادة 160 من قانون الجزاء والتي نصّت على أن كل من ضرب شخصاً أو جرحه أو ألحق بجسمه أذى أو أخل بحرمة الجسم وكان ذلك على نحو محسوس يعاقب بالحبس مدة ? تجاوز سنتين، وعليه يكون للزوجة الحق بتقديم شكوى أمام الادارة العامة للتحقيقات، ولها أيضاً المطالبة بتعويض عن الضرر التي تعرضّت له نتيجة الفعل المُجرّم الذي قام به الزوج.
ومن ثم يتضّح بأن المشرع الكويتي لم يخصص عقوبات خاصة لحالات ضرب الزوجة واستعمال العنف ضدها بل عاملها معاملة العامة دون تخصيص، وهو ما لا يمنع من صدور قوانين مستقبلاً تُجرّم استعمال العنف ضد الزوجة والأبناء بمواد جزائية أشد تمنع العنف ضد الأسرة وهو ما يكفل حماية أفضل للأسرة وقد يؤدي للحد من حالات الطلاق.
وعما اذا كان هناك زوجات كويتيات استعملن حقهن في مقاضاة أزواجهن بسبب استعمال العنف، قال الخطيب ان الوعي القانوني لدى الأفراد عموماً في ازدياد بدولة الكويت، وعدد القضايا المرفوعة من قبل الزوجة بتزايد مستمر في ما يتعلق بالتفريق بسبب الضرر، وكذلك الدعاوى الجزائيّة المتعلقة بالضرب أو الأذى، وهو ما يدل على ازدياد في وعي المرأة الكويتية لحقوقها باللجوء للعدالة وهو بطبيعة الحال أمر محمود حيث ان التعايش في بيئة يغلب فيها العنف أمر غير صحي ويؤدي الى أمراض نفسية قد تؤدي الى ارتكاب جرائم مستقبلاً من قبل الزوجة أو الأبناء. وبالتالي فالشكاية كحق قانوني أمر ننصح به دوماً حفاظاً على النفس والأبناء بل ان عدم استعمال هذا الحق يؤدي بالضرورة الى تمادي الزوج.
الرأي النفسي:
صديقة حسين: المعتدي يعكس بيئة نشأ وعانى فيها العنف والضرب
للوقوف على ظاهرة العنف الأسري، ولاسيما عنف الزوج تجاه زوجته، التقينا المستشارة النفسية في جامعة الخليج للعلوم والتكنولوجيا والمعالجة النفسية في مركز السور للتقييم والعلاج النفسي، صديقة حسين، التي قالت «العنف المنزلي ليس حكرا على عرق أو صنف محدد من البشر، الا أن نسبة حدوثه أعلى في المجتمع الشرقي. ورأت حسين أن المعتقدات المتأصلة في المجتمع مثل هيمنة الذكور واحساسهم بالتفوق في ما يتعلق بأمور السيطرة ومن له الأحقية بذلك، وكلها أسباب تؤدي الى استخدام العنف، بغض النظر عما وصل اليه المجتمع من التقدم والحداثة».
وأضافت «لكن مسألة العنف المنزلي لا تزال خلف أبواب مغلقة، ودائما ما يكون الظاهر لنا الاتزان والاحترام اذ ان قليلين، هم من يعترفون بأنهم اما مسيئون أو ضحايا الاساءة. فالصمت يكون بسبب الخوف مما قد يسببه الاعتراف من فوضى في حياتهم العملية والعائلية وما يترتب على ذلك من احراج. ويخاف الضحايا أيضا مما قد يلحق بهم من أذى اذ هم حاولوا اخبار أحد بتعرضهم للعنف المنزلي.
ورأت أنه من الجدير بالذكر أن المسيئين يحاولون التقليل من شأن تعديهم على الآخرين بإلقائهم اللوم على الضحايا، بأنهم من استفزوهم لفعل ذلك، ويصف كل من الضحايا و المعتدون ما حدث بأنه عراك عائلي قد خرج عن السيطرة.
وأكدت الدكتورة صديقة أن العنف المنزلي سلوك مكتسب وليس متوارثا جينيا. فغالبا ما يكون المعتدي قد نشأ في منزل قد تعرض فيه للاعتداء الجسدي «مثل الضرب وغيره» كوسيلة لتأديبه أو فرض السيطرة عليه. كما أن هنالك من يعتبرون الفتيان أفضل من الفتيات في كل شيء. وفي بعض أنحاء العالم يؤدي هذا الاعتقاد الى أن يقتل الجنين اذا كان أنثى، وتحرم الفتيات من جميع الامتيازات التي تعطى للفتيان.
وذكرت أن هذا النوع من الانحياز والتفرقة في المعاملة منذ الصغر يغرس في نفوس وأذهان الاناث الاحساس بعدم الأمان. كما يتأصل لديهم اعتقاد أنهم أقل منزلة من الذكور، وأنهم سوف يقضون بقية حياتهم غير قادرين على التحرر من قيود الخضوع لهذه الأحاسيس و الاساءة.
ولفتت الى انه في أحيان أخرى تكون الاساءة باللفظ، و يكون الغرض من ذلك التأثير على مشاعر المرأة، ما ينعكس سلبا على احترامها لذاتها و ثقتها بنفسها. وهذه الاساءات من شأنها أن تعزز من احساس المرأة بعدم الأمان والعجز واليأس وعدم المحبة وتدني احترامها لذاتها، وهي العلامات الخمس للكآبة.
والى حد كبير فان ما يحدث قد حث النظام القانوني في الدولة على مساعدة النساء المساء اليهم، كما أن هناك مراكز استشارات عدة و جماعات أخرى من النساء لتقديم الدعم و المساعدة لمن تحتجنها. ولكن على النساء أن يواجهن الاساءة بأن يخبرن أياً من أفراد عائلاتهن من الدرجة الأولى وأن يتوجهن بعد ذلك الى النظام القضائي في مناطقهن حتى يتمكن من وضع حد لما يتعرضن له من اساءة واعتداء.