نحو ألق ثقافي

مع تراوري وإمبراطورية التكرور

 u0639u0644u064a u0627u0644u0639u0646u0632u064a
علي العنزي
تصغير
تكبير
يحدث أن تقرأ رواية، مضى على كتابتها سنوات، ولم يسبق لك أن قرأتها، وتود لو تقاسمتها مع القراء...

رواية ميمونة للكاتب السعودي محمود تراوري، لا تقارع التابوهات التقليدية (الجنس، والدين، والسياسة)، وتتفرغ للمناداة بالحرية والانعتاق.

ميمونة... عبارة عن عمل روائي نيجاتيف لواقع احدى أقليات الجزيرة العربية، التي تعاني من وضع اجتماعي مشوه، أجاد المؤلف تصوير حالتها، تبعاً لكتابة ذاتية علمية صارمة مأزومة.

على غرار روايته الأخيرة جيران زمزم، والتي سبق وأن طالعناها معاً عبر هذا العمود، يتحدث تراوري في ميمونة، عن أقلية ذات بشرة سمراء تسمى في المجتمع السعودي (التكارنة).

ويجلو، أن التكارنة، ينسبون– من غير وجه حق- إلى دولة التكرور Tukulor State، التي يرجع زمنها إلى العصر الحجري، والتي أعاد تأسيسها الحاج عمر بن سعيد (1797 – 1864) في القرن 19، تحت اسم إمبراطورية التكرور Toucouleur Empire. (انظر كتاب الخرطوم الشعب والدعاة، لعبد الله عبدالماجد إبراهيم).

وهكذا إذاً فإن الحديث عن إمبراطورية التكرور، ما هو إلا حديث عن شعب ينحدر من مملكة عريقة امتدت من غرب السودان حيث دارفور، مروراً بمالي والنيجر وتشاد ونيجيريا والسنغال وموريتانيا في أراض شاسعة تزيد على مساحة الجزيرة العربية والعراق والشام معا... ورغم ذلك فإنه بسبب قلة الوعي التاريخي العربي يتم الاستخفاف بأسلافهم في الجزيرة العربية!

وحيث أن مؤسس إمبراطورية التكرور، كان مسلماً، فقد نزح على أرض الواقع، الكثير من سكان مملكة التكرور إلى أرض الحجاز، حيث بكة الطاهرة، سعياً لأداء فريضة الحج، ومع مرور الوقت، وتوالي الهجرات، نسب كل صاحب بشرة سمراء، استقر في إقليم الحجاز، لمملكة التكرور وسمى بالتكروني.

ولما كان ذلك، فإن تراوري يسلط الضوء، في روايته المميزة ميمونة، على عذابات هذه الأقلية المهمشة، في حياتها ومعيشتها...

يتتبع تراوري قصة أسرة تكرونية/ أفريقية قدمت للحجاز، وعاشت في مكة؛ معرفاً المتلقين، على معنى أن تكون تكرونياً، مُشكلا لوحدة عرقية سمراء في المجتمع.

تسرد ميمونة - وهي في سن الشيخوخة في الرواية– حكاية أجدادها النافرين من أفريقيا، مذ كانت في أحشاء أمها، مروراً بطفولتها، حتى أصبحت جدة.

تنقب ميمونة في صناديق الماضي، ساردة لحفيدتها قدس ارتحالات/عذابات أسرتها مع تجارة الرق، وتطلب منها أن تحفظ تاريخ الأسرة، وترويه للأجيال التالية، حيث ان التاريخ تتناقله الأجيال: «شوفي يا قدس، إحنا مننا تكارنة، بس الناس تقول كدة... قدس حبيبتي، قولي للناس كل اللي سمعتيه مني... حكيهم يا بنتي، لا يحسبونا مقطوعين».

ومن هاته، فمن قلب أدغال أفريقيا، هاجرت العائلة الأفريقية المسلمة، متحملة مشقة الطريق... حلماً بمجاورة الحرم المكي الشريف... ذلك الطريق الذي كانت مكابدته، أهون من مكابدة سمة الدونية.

* أستاذ النقد والأدب

[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي