كميات هائلة من الوثائق أحرقت وألقي بها في البحر

لندن كانت تأمر موظفيها سراً بالتخلص من وثائق المستعمرات

تصغير
تكبير
كشف النقاب لأول مرة أمس عن أن الحكومة البريطانية أمرت ممثلياتها وموظفيها في أقطار عديدة كانت خاضعة للحكم البريطاني، ومنها عدد من البلدان العربية، بالتخلص من كميات هائلة من الوثائق والأوراق قبل خروج بريطانيا من تلك الأقطار، وذلك على العكس من الانطباع السائد لدى الجميع بأن بريطانيا احتفظت بملفاتها عن تلك البلدان وأودعتها في مخازن الأرشيف الوطني البريطاني في حي كيو غرب لندن، ويتضح أن ما هو موجود في هذا الأرشيف من وثائق الآن هو نذر قليل جداً من الوثائق الأصلية التي تم تدميرها عمداً بأوامر عليا.

ففي العام 1948 وبعد اتخاذ الحكومة البريطانية قرار إنهاء انتدابها على فلسطين في 15 مايو من ذلك العام، قام كبير موظفي إدارة الانتداب البريطاني على فلسطين السير هنري غورني، بناء على أوامر وتعليمات سرية وصلته من لندن وفقاً لما تم كشفه أمس، بإحراق كمية هائلة من وثائق حكومة الانتداب، بعد أن اختار مجموعة من الملفات لشحنها إلى بريطانيا، فأرسِلت هذه الملفات إلى ميناء حيفا ليتم شحنها من هناك. لكن إلى جانب الملفات كانت هناك أشياء أخرى تخص الإدارة البريطانية تقرر شحنها ويصل وزنها الإجمالي إلى 262998 طناً ومن ضمنها 25 طن هو وزن الملفات التي تم الاحتفاظ بها. فتم تكديس كل هذه الأغراض في مخازن الميناء إلى أن وردت تعليمات للجيش البريطاني بنقل الأغراض إلى مصر عبر صحراء سيناء.


عندما وصلت الأغراض إلى مصر في يونيو 1948 تبيّن أن الـ25 طناً من الملفات التي تم الاحتفاظ بها لم تكن من ضمن الأغراض التي تم شحنها. ونفى الإسرائيليون، الذين أعلنوا قبل ذلك التاريخ بنحو شهر في 15 مايو 1948 عن قيام دولتهم بموجب قرار تقسيم فلسطين، أي علاقة لهم باختفاء الملفات. وهكذا ضاعت سجلات الانتداب البريطاني على فلسطين إلى الأبد، ولم يبق منها سوى بعض النسخ المتوفرة في أرشيفات المكاتب الحكومية في بريطانيا والوزارات المختلفة، مثل مكتب رئاسة الحكومة، ووزارات المستعمرات والدفاع والخارجية والداخلية والمالية والمواصلات وغيرها من المكاتب الحكومية التي احتفظت بنسخ من التقارير التي تلقتها من فلسطين أو التي أرسلتها إلى إدارة الانتداب هناك. ووفقاً للمؤرخ البريطاني المشهور البروفيسور مارتن بيدل من جامعة أكسفورد، هناك إشاعات بأن الـ25 طناً من الملفات حُمِّلت من ميناء حيفا على ظهر مدمرة بريطانية وألقي بها في عرض البحر.

ووفقاً للوثائق التي أفرج عنها أمس وأتيح للجمهور الاطلاع عليها في مقر الأرشيف الوطني في حي كيو أقيمت خلف مباني المكاتب الحكومية في المستعمرات البريطانية كلها محارق للملفات والوثائق في عملية منظمة أطلق عليها اسم «عملية الشرعية» وذلك قبل خروج البريطانيين من تلك المستعمرات. ومن ضمن الوثائق التي تم الكشف عنها وثيقة هي عبارة عن تقرير وضعه وزير المستعمرات البريطاني إيان ماكلويد في عام 1961 يقول فيها صراحة أن الموظفين البريطانيين في المستعمرات تسلموا تعليمات واضحة بعدم تسليم حكومات البلدان التي تسلمت الحكم من بريطانيا أي من الوثائق الرسمية للحكم البريطاني خشية إحراج حكومة جلالتها» بمضمون تلك الوثائق.

ووفقاً للوثيقة يقول ماكلويد ان عملية التخلص من الوثائق تمت بسرية تامة وصدرت التعليمات للموظفين البريطانيين بأن يهتموا بعدم إبقاء أي أثر يشير إلى عملية تدمير الوثائق. وطلب منهم أنه يهتموا لدى حرق الملفات بأنه «لم يتبق منها سوى الرماد وأن يتم فحص الرماد بنبشه» للتأكد من تدمير الوثائق بالكامل.

كذلك تحدث التقرير عن أن الأوامر تضمنت تعليمات بالتخلص من الملفات عن طريق إلقائها بالبحر على النحو التالي: «أن يجري وضعها في صناديق كبيرة ذات وزن ثقيل وإلقائها في أماكن عميقة في البحر لا تتعرض لتيارات مائية وعلى مسافة بعيدة قدر الإمكان عن الشواطئ».

وتضمنت الوثائق التي تم الكشف عنها أمس معلومات تشير إلى أن عدداً من الموظفين البريطانيين في المستعمرات بعثوا برسائل إلى مسؤوليهم في لندن يصفون فيها سير عملية التخلص من الوثائق وإحراقها، ومنهم من أعرب عن خشيته من أن تظهر العملية كما لو أن الموظفين البريطانيين كانوا «يحتفلون بعيد استقلال البلد» الذي سلمت بريطانيا الحكم فيه لمواطنيها.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي