محطة / المسرحية الشعرية «أصوات قرطاج»... محور لقاء ندوة تونسية

u0645u0624u0644u0641u0627 u0627u0644u0645u0633u0631u062du064au0629 u0639u0628u062f u0627u0644u0648u0627u062du062f u0628u0631u0627u0647u0645 u0648u064au0648u0633u0641 u0631u0632u0648u0642u0629
مؤلفا المسرحية عبد الواحد براهم ويوسف رزوقة
تصغير
تكبير

«أصوات قرطاج»... مسرحيّة شعريّة، صدرت حديثا عن دار «تبر الزّمان»، والتي التقى في تأليفها الرّوائي عبد الواحد براهم والشّاعر يوسف رزوقة، كانت محور لقاء نظّمته مكتبة آرت- لبريس في صلامبو/ الكرم (احدى ضواحي تونس العاصمة) الأسبوع الماضي.

تداول على مقاربة الكتاب، بحضور مؤلّفيه وجمهور هذه المناسبة، كلّ من الدكتور محمّد حسين فنطر، مختص في دراسة الحضارات الفينيقية وحضارات ما قبل الميلاد في شمال افريقيا وهو الى ذلك، رئيس كرسي بن علي لحوار الحضارات والأديان و صاحب عديد المؤلفات في مجال اختصاصه والدّكتور محمود الماجري، باحث وناقد، يعمل أستاذا في المعهد العالي للمسرح، انصرف باكرا عن كتابة الشعر الى دراسة المسرح . من تآليفه في المجال المسرحي، مسرحية « وقائع حرب لم تقع».


امرأة تصنع التاريخ

أشاد فنطر بهذه المسرحية الشعريّة، مشيرا الى أن مأتى اعجابه بها، كون المسرحية متمحورة حول قرطاج التي هو عاشق لها ثمّ أفاض في الحديث عن قرطاج التي أسهمت في بناء المتوسّط وفي دمقرطة المعرفة عبر شيوع أبجديتها لتدخل من ثمة غربيي البحر الأبيض المتوسط الى التّاريخ، في اشارة الى أنّ الفينيقيين ابتدعوا الانسان الفرد الذي يصنع مصيره بنفسه، دون لجوء الى القبيلة، معلّقا على ذلك بقوله: لم تكن هناك قبائل في قرطاج بل كان هناك الفرد القرطاجنّي، متوقّفا عند «دستور قرطاجة» الذي اعتبره متقدّما على «دستور أثينا»، موضّحا أنّ أثينا كانت في ذلك الوقت مجرّد قرية مقارنة بقرطاج التي كانت في عنفوان نفوذها.

واستخلص أنّ قرطاج هي المدينة الوحيدة في المتوسط، التي تنسب الى امرأة هي عليسة التي كانت لها كلمة في صناعة تاريخ شمال افريقيا.

وفي معرض حديثه عن «أصوات قرطاج»، ركّز فنطر على ضرورة العودة الى الأصول بعين ثاقبة، مستشهدا بفلوبار الذي استوحى عمله «صلامبو» من التراث القرطاجنّي ومعلّقا على «أصوات قرطاج» بأنّها هي الأخرى تنطلق من تراثنا الزّاخر، فهي «ملحمة شعريّة رأيت فيها أثرا لأثر فطربت وغمرتني سعادة من يؤمن أنّ التّراث يثري الخيال ويخصب المبدعين».

شعرية احتفاء الكلمة بالتّاريخ

أمّا الدكتور محمود الماجري، فقد اعترف في مداخلته الواردة تحت عنوان «أصوات قرطاج أو شعريّة احتفاء الكلمة بالتّاريخ»، بأنه أسير كتابة شعرية متشابكة بين القديم والحديث، بين عمود شعريّ عتيق وأفق كلام جديد ينهلان معا من ماض فينيقيّ مازال يسكننا ولا نزال حيارى أمام أمجاده الغابرة.

وأضاف: النّصّ هو استعراض لتاريخ قرطاج، من مرحلة التأسيس الى يوم انتحار حنّبعل، حاول المؤلّفان من خلاله تقديم مسيرة المدينة دون ارتباط بتفاصيل الأحداث وأعطيا الكلمة فيه لثماني عشرة شخصيّة من بينها ثلاث شخصيّات نسائيّة وقطّعاه الى تسع لوحات تنطلق من الأطلال لتنتهي الى بريق أمل.

يفتح النّصّ بسيدي محرز واقفا على الأطلال، لا ليبكيها بل ليعطي اشارة البدء في قصّ تفاصيل الحكاية. انّها حكاية فرار علّيسة، ديدون المرأة الهائمة كما سمّاها أبناء البلد، لتأسيس مملكة أخرى على مساحة جلد ثور ولحكاية جلد الثور هذه قصّة أخرى، اذ تنقل لنا كتب الفولكلور أنّ هذه الأسطورة خرجت من شمس المتوسّط وانتقلت الى ثلوج الشمال ليصنّفها المصنّفون ضمن حكايات الخداع.

أرضا نريد

بحجم جلد الثّور تكفي

كي نكون معا

ونحلم بالقمر

هل خدعت علّيسة ملك البربر أم برهنت على قدرة فائقة في الهندسة؟

لئن حشر دانتي علّيسة في جحيمه بدعوى شهوانيّتها فلا شكّ لأنها عذبت آنيوس وفرضت على الرّومان فحولة المرأة أمام ضعف الملوك، فحولة دفعتها الى الارتماء في لهيب النّار احتراقا واضاءة لما سيأتي من شؤون. تفاصيل أخرى غصّ بها النّصّ، فيها سيفاكس وصوفونيبا ولكنّ قمّتها حنّبعل الذي يبقى، على انهزامه وانتحاره في نهاية النّصّ، بطلا ايجابيّا موسوما بهالة من الشّجاعة والاقدام.

ويستشهد الماجري بما جرى على لسان حنّبعل:

أمّا أنا

فلم يعد لي في هذه الدّنيا ما أمدّ له يدا

أو ما به أحيا

اذن، اليّ بالسّمّ الزّعاف

لقد تخيّرت انتصار المنهزم

لأمت

لتكتب لي الحياة (ص 141)

ليخلص في استنتاجه الى أنّ «أصوات قرطاج» هي «نصّ شعريّ وسمه كاتباه بمسرحية شعرية فلم يخطئا في ذلك ولعل انسياب الشّعر فيه هو الذي جعله ينأى عن ضوابط النّصّ المسرحيّ، التقليدي الذي يقوم على جانبين اثنين، جانب الحوار حيث نسمع الشخوص تنطق وجانب الاشارات الركحية حيث نقرأ ارشادات المؤلّف. أليس في هذا الاختيار تأكيدا على ما يذهب اليه المسرحيّون من أنّ النّصّ المسرحيّ النّموذجيّ هو النّصّ الذي يولد وهو في حالة انتظار اخراج محتمل؟

انّ «أصوات قرطاج» لتحتوي على امكانات عديدة لتدخّل مشهديّ يجعل منه نشيدا ركحيّا مليئا بالصّور ومزدحما بالحركة والجمال.

ويتساءل الماجري: هل نصدّق الكاتب حينما يدّعي أنّه كتب نصّا تاريخيّا؟ أم نصدّق المسرح حين يرتبط بالآن وهنا؟ هل من معنى لكتابة نصّ تاريخيّ لا يجعل منّا قرّاء لدقائق حاضرنا؟ كيف يمكن أن نقرأ أو نؤوّل تلك الخاتمة الجميلة، المربكة ضمن لوحة « لا بدّ من أمل» ؟ ، جاء فيها:

انظري أيتها الآلهة

لا ضمير لهم هؤلاء الملوك

عبيد وان توجوهم

وهم خدم طيعون لروما

أذلاّء أنفسهم قبل أن يفرض الذل فرضا عليهم

تموت المدائن لكنّ نبع المبادئ لا، لن يموت (ص 141)

ولأنّ النصّ مسبوك سبكا شعريّا، رقيقا فانّ خير ما نختم به هو هذا الخطاب الرّاقي في صوره وبليغ معانيه وفي مشهديّته ذات التّفاصيل السّينمائيّة:

على غير عادته، باكرا حلّ فصل الخريف ليغمرنا الثّلج من كلّ صوب / رياح الصّقيع اخترقت – وهي تعصف عصفا – جلود الجنود. / بدأنا التّسلّق والألب يبدو عنيدا على غير عادته.. النّتوءات أدمت أصابعنا ومناكبنا / لنواصل ! يمنع حتّى التّلفّت نحو الوراء ! / الصّفوف الطّويلة تصعد، تصعد.../ تهوي الصّخور العظيمة من تحت أقدام بعض الجنود / يفرّ الأدلاّء / أمّا الدّواب فكانت تنوء بما حملت / فهي لا تتقدّم الاّ لتجفل نحو الوراء / وقد نتلفّت حينا لنبصر حينا بكلّ حمولته يتخبّط في هوّة فيضجّ الجميع ويعلو الصّراخ./ أخيرا وصلنا، نعم../ من على قمّة الألب، لاح لنا الأفق الأزرق اللاّنهائيّ / فلننحدر حذرين ! هو السّفح أخضر، أخضر يبدو لنا وقريبا / ولكننا للوصول الى ذلك السّفح، لا بدّ من بعض صبر ! ولا بدّ أن نهزم العقبات: الجليد، الصّخور، الى غير ذلك../ صبرا إذاً! هذه الألب عشرين ألفا من الجند قد أكلت /وتركنا بها نصف ما عندنا من خيول ومن فيلة / جبال هي أم هي عين الجحيم؟ / ولكننا رغم كلّ الصّعاب، انتصرنا على الجبل المستحيل / نعم وكأنّا أطحنا بأعتى الجيوش ./ افرحوا الآن يا جند قرطاج.. يا من قهرتم معا جبل المستحيل ! الى قلب روما الطّريق أمامكم الآن مفتوحة / فازحفوا نحوها / فهي منّي لكم هبة فادخلوها.(ص 89).

انّ احتفاء حاضر الكلام بماضي الزمان، يختم الماجري، لهو من بين أسباب ارتياحي الى هذا النّصّ وما أكثر الأسباب الأخرى التي تدعو الى الاقبال عليه قراءة وتحليلا وتجسيدا مشهديا.


ذاكرة الجرح

من جهته، أشار يوسف رزوقة الى أنّه أراد من خلال هذه المسرحية التي ساهم في صوغها شعريا أن ينتصر لجدته عليسة ولجده حنبعل فكلاهما جرح في تلافيف ذاكرته وهو يفعل ذلك ثأرا من الرومان على خلفية أن هذه المسرحية تنفض الغبار عما لم يقله مؤرخو روما.

في حين ذكّر عبد الواحد براهم بدوافع انجاز هذه المسرحية وبالظروف التي حفّت بها حتى تستوي نصّا مسرحيّا.

ويذكر أنّ عبد الواحد براهم ، واضع النّصّ الأصل لهذه المسرحيّة هو كاتب روائيّ، عمل سنوات في مهنة التّعليم ، في وزارة الثّقافة ثمّ بالألكسو، أرسى قواعد عدّة مؤسّسات للنّشر كما ترأس اتّحاد النّاشرين لثلاث سنوات و ترأس شركة تصدير الكتاب التّونسي لمدّة ست سنوات نشر على مدى 40 سنة عددا لا يحصى من البحوث والقصص والرّوايات نذكر منها: في بلاد كسرى، ظلال على الأرض، مربّعات بلاستيك، حب الزّمن المجنون، بنزرت تاريخ وذاكرة، بحر هادئ سماء زرقاء، تغريبة أحمد الحجري كما حاز على العديد من الجوائز الأدبيّة منها الجائزة الأولى لمسابقة مدينة «المدينة» للرّواية لسنة 2002 عن رواية «قبة آخر الزمان».

أمّا الطّرف الثّاني، مسوّغ هذا التّأليف المسرحيّ شعريّا فهو الشّاعر يوسف رزوقة، باحث في الشّعريّات وأمين عام شعراء العالم بأميركا اللاّتينيّة وصاحب العديد من المؤلّفات الشعريّة نذكر منها: أمتاز عليك بأحزاني ، برنامج الوردة ، اسطرلاب يوسف المسافر، الذئب في العبارة، بلاد ما بين اليدين ،أزهار ثاني أوكسيد التاريخ، اعلان حالة الطوارئ، الأعمال الشعرية (الجزء الأول)، يوغانا : كتاب اليوغا الشعرية، الفراشة والديناميت، أرض الصفر والأعمال الشعرية في جزئها الثاني الى جانب مؤلفات أخرى بالفرنسية والاسبانيّة والبرتغاليّة.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي