بنازير بوتو... «ابنة القدر» التي حملت جينات الزعامة
إنها مسيرة حياة سيدة ولدت لتكون زعيمة ولدت تحمل جينات الزعامة خاضت معارك كثيرة. أخطأت؟ نعم، ولكنها أيضاً قدمت الكثير لبلدها، وخاضت معارك سياسية وانتخابية قاسية. إنها بنازير بوتو التي شغلت قصة اغتيالها العالم، ومازالت على كل لسان.
مواقف بوتو ومحطات حياتها حوتها دفتا كتاب صدر حديثاً عن دار «نهضة مصر» بعنوان «بنازير بوتو... ابنة القدر»، للكاتبة المصرية نوال مصطفى، ألقت من خلاله الضوء على جوانب كثيرة من حياة رئيسة وزراء باكستان السابقة بعد رحلة مثيرة في عالم السياسة، وتضمن صوراً جسدت جميع مراحل حياتها.
الكاتبة وصفت بنازير بوتو في مقدمة كتابها بأنها «شخصية ولدت تحمل جينات الزعامة وملامح الجاذبية، وضعها القدر وسط نيران تصهر الحديد، فلم تنصهر، ورمتها أمواج الحياة على صخرة الصراع فلم تنكسر، ودفعها الثأر إلى الوقوف في صفوف البسطاء من أجل حياة عادلة، فلم تتأخر، أو تتردد. إنها بنازير بوتو المرأة القوية الجميلة التي استحوذت على اهتمام العالم منذ شبابها المبكر، حتى رحيلها المبكر أيضا برصاص الغدر والخيانة، وهي في الـ 54 عاماً من عمرها».
زعامة تاريخية
وتمضي مصطفى بالقول: «إنها واحدة من الزعامات التي سيتذكرها التاريخ، وستحفظ قصتها الأجيال، لا باعتبارها أصغر رئيسة وزراء في العالم عندما تولت رئاسة الحكومة في باكستان في العام 1988، ولا لأنها أول ورئيسة وزراء لدولة إسلامية في العصر الحديث، ولكن لأنها امرأة وقفت بشجاعة لا نظير لها في وجه الحكم الشمولي الديكتاتوري، وثبتت رؤية إصلاحية حقيقية، حلمت بأن تنفذها في باكستان، واستطاعت أن تهزم الخوف داخلها، حتى لا تسمح لنفسها بالتراجع أو الانسحاب من مواجهة حقيقية، وجها لوجه مع الفساد السياسي».
ولا تنسى المؤلفة أن تذكر بأنها ظفرت بحوار صحافي معها في العام 1990، عندما كانت رئيسة للوزراء، وكانت تنتظر مولودها الثاني: «أشعر بالفخر لأني اقتنصت هذه الفرصة مع شخصية فريدة طالما بهرتني كاريزمتها الخاصة، كما بهرت الكثيرين في أنحاء العالم».
إعدام الأب
في الفصل الأول من الكتاب انطلقت الكاتبة من واقعة إعدام رئيس وزراء باكستان السابق ذو الفقار علي بوتو في الرابع من أبريل 1979، لتطرح سؤالاً مهماً هو: هل صنعت دماء الأب تاريخ الابنة؟ إذ أُجبرت بوتو على خوض غمار المعترك السياسي لتصبح في نهاية العام 1988 أصغر امرأة 35 عاماً ترأس حكومة دولة إسلامية في العصر الحديث.
وتأخذ مصطفى بعين الاعتبار عائلة بوتو «فهي أغنى عائلات إقليم السند، وأكبر عائلة سياسية في تاريخ باكستان فعلى مدار أربعة أجيال حتى الآن، وهناك ثماني شخصيات محورية ورئيسية، انصب اهتمامها على العمل السياسي بشتى صوره أولاها شاه نواز الجد، وآخرها بيلاوال، نجل بنازير، وهي العائلة التي يشبهها البعض بعائلة كيندي، نظراً إلى عملية الاغتيال والموت الغامض المشترك بينهما، إذ شهدت إعداما واغتيالين، وعشرات الأعوام ما بين سجن واعتقال وفرار خارج البلاد».
صعود وهبوط
الكتاب رصد «سنوات الصعود والهبوط» في تاريخ بنازير، إذ تؤكد مصطفى أن «قصتها واحدة من أعظم التراجيديات العالمية ففضاؤها مرصع بلحظات النشوة والألم، والانتصار والانكسار، الزهو والعار أراها بطلة لأسطورة إغريقية قديمة تلك الأساطير التي تختلط فيها المأساة والملهاة، يظل بطلها صامداً إلى النهاية واقفاً في وجه القدر يتلقى لطماته بصدر مفتوح».
في العام 1977 كانت بداية النهاية في الفصل الأول في حياة بنازير المولودة في العام 1953، فقد تلبدت الغيوم، وانقلبت حياتها مع إعدام والدها، ولكنها ظلت تناضل وتجاهد، حتى غدت رئيسة لوزراء باكستان في نهاية العام 1988، عندما فاز «حزب الشعب»، الذي ترأسه بالغالبية في الانتخابات التشريعية، ولكنها لم تلبث في منصبها أكثر من عامين، حيث أقالها الرئيس إسحاق خان معتمداً على سلطاته بموجب التعديل الثامن للدستور الباكستاني.
نضال من أجل العودة
وبين العامين 1990 و1993 ظلت بنازير تناضل من أجل استعادة مكانها ومكانتها المفقودين، نافية عن نفسها تهماً بالفساد، وتمكنت في العام 1993 من استعادة منصبها واستمرت فيه حتى العام 1996.
وفي العام 1997 عوقب زوجها عاطف زارداري بالسجن ثمانية أعوام بتهمة الفساد واستغلال النفوذ، بينما فرت بنازير وأولادها إلى منفاها الاختياري في لندن.
العودة إلى الموت
في العام 2007 عادت بنازير إلى باكستان وسط أجواء صاخبة وملتهبة «عادت من المنفى، وباتت محط آمال المتطلعين لتحقيق الديموقراطية والرخاء كان من المقرر أن تكون عودة بوتو فاتحة براقة تبشر بإجراء معركة انتخابية تتوج بانتصار مظفر، وكان (حزب الشعب) الذي تتزعمه بوتو أوحى لخصومه بأن زعيمته سوف تنجح في تولي منصب رئيسة الوزراء للمرة الثالثة».
ولكن تلك العودة تزامنت مع تفاقم الأزمة السياسية في البلاد، التي بدأت بمحاولة إقصاء الرئيس برويز مشرف رئيس المحكمة العليا افتخار تشودري، وتشكيك المعارضة في نتائج الانتخابات التي فاز بها، وكانت باكستان أنهت المواجهات التي استمرت أشهراً ستة بين الجيش وجماعة تحصنت في المسجد الأحمر، وأسفرت عن مقتل 150 شخصاً، فضلاً عن اشتباكات ومصادمات وخلافات أخرى مريرة بين أطراف متصارعة.
استقبال بوتو لدى عودتها إلى بلادها طغت عليه أجواء كرنفالية، ولم تعكره سوى عملية انتحارية أسقطت 139 قتيلا وأصيب 500 آخرون.
بوتو كانت تدرك أن أياماً صعبة في انتظارها، كما ثبت في مقال نشرته جريدة «لوس أنجلوس تايمز» قبل أشهر معدودة من اغتيالها: «أعلم أن أياماً صعبة تنتظرني، لكنني أضع ثقتي في الشعب، وأضع مصيري بيد الله».
الفصل الأخير
في السابع والعشرين من ديسمبر 2007، كان المشهد الأخير في حياة بنازير، إذ اغتيلت وسط حشود هائلة من أنصارها.
الصدمة ألجمت أنصارها، فانفجرت أعداد كبيرة في البكاء والنحيب في مشهد أعاد إلى الأذهان ما حدث عند إعدام والدها قبل عقود ثلاثة، وما حصل عند اغتيال رئيسة وزراء الهند الراحلة أنديرا غاندي.
وتطرح الكاتبة سؤالاً: من قتل بنازير من دون تحديد إجابة قاطعة، ولكنها وضعت احتمالات فإما أن يكون الرئيس الباكستاني برويز مشرف، أو تنظيم «القاعدة» أو جماعة «طالبان» أو الإدارة الأميركية باعتبارها الحليف اللدود لبوتو.
خسارة
* ترى مصطفى أن خسارة بنازير لا تعوض فهي «شخصية جمعت بين الأناقة الشخصية والثقافة الغربية والاعتدال الإسلامي»، ولكن ما أحزنها هو محاولة إسرائيل، كعادتها، تلويث صورتها الجميلة، الأمر الذي اعتبرته «اغتيال ما بعد الاغتيال».
وتعتقد الكاتبة أن لغز اغتيال بوتو سيظل غامضاً لأعوام طوال، على غرار حوادث أخرى مشابهة، مثل اغتيال الرئيس الأميركي السابق جون كيندي.
أخطاء بنازير
رغم افتتان الكاتبة بشخصية بنازير بوتو إلى حد كبير إلا أنها تعترف في نهاية كتابها بأن بوتو أخطأت، واندفعت وراء عواطفها وأهوائها الشخصية كثيراً.
ومن بين هذه الأخطاء تعيين زوجها المطارد بالإشاعات والاتهامات وزيراً في حكومتها ما أعطت لخصومها ذريعة الهجوم عليها وتجريح سمعتها المالية والسياسية، وأخطأت عندما جعلت حلمها المزمن بالعودة إلى السلطة تعود في الزمن الخطأ، وأخطأت عندما صدقت الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش، وتوهمت أن أميركا يمكن أن تحمي حلفاءها، وأخطأت عندما أبرمت اتفاقاً مشبوهاً مع الرئيس الباكستاني، وتحقق بمقتضاه حلمها بالديموقراطية، وأخطأت عندما تركت وصية تقضي بتولي نجلها الشاب الصغير بيلاوال زعامة «حزب الشعب» بعدها.
تجدر الإشارة إلى أن العنوان الذي اختارته مصطفى لكتابها «ابنة القدر» هو العنوان ذاته للسيرة الذاتية التي ألفتها الراحلة بنازير بوتو.