الشعور بالحاجة إلى الإصلاح كثير ما يكون بسبب ما لدينا من طلاقة الإرادة وقوة الرغبة في الاستزادة، وما نتطلع إليه من المعرفة والقوة هو دائماً أكثر مما هو متاح، وأكثر مما هو مسموح، حجم أمنيات الإصلاح أكبر بكثير من متاحات الواقع وذلك بسبب مشكلاتنا الخاصة من بطالة وانتشار الظلم والرشوة والفساد الإداري وتخلف المؤسسات التعليمية والتربوية وغيرها من مشكلات سياسية ومجتمعية. إن من المفاهيم الإصلاحية التي تحتاج إلى بلورة، اختلاف ذوي الخبرة والمعرفة حول تشخيصهم لطبيعة المشكلات التي تعاني منها الأمة الكويتية، وحول الحلول التي تنبغي الصيرورة والانتقال إليها، وحول الأولويات التي يجب البدء بها، وإعطاؤها جل الاهتمام. ويكون ضيق أفراد الشعب أشد حين يكون المختلفون من أعضاء الحكومة، وذلك لأن معظم الناس لا يدركون على نحو جيد الأسباب والاعتبارات التي تجعل الاختلاف أمراً يصعب تجنبه، ولكن من السهل البحث عن التدابير والسبل التي تساعد على تحجيم الاختلافات قدر الإمكان، ومنها توطين النفس على قبولها، ثم التعامل معها بحكمة وصبر وأريحية.
ولا شك أن بعض الخلافات يعود إلى الهوى والبحث عن المصلحة الشخصية، وبعضها إلى تحسسات نفسية واختلافات مزاجية بين أهل المسؤولية. تتم كل تصوراتنا للواقع بخيره وشره عبر نظم الدلالة وعبر التعريفات والمصطلحات السائدة لدينا، وبما أن النظم مصابة بالقصور الذاتي - وهذا لدى كل الدول - فإن من المألوف دائما أن نختلف حول تحديد المشكلات وحول الحلول التي يجب أن نصل إليها، إن الاختلاف في تعريف البطالة - مثلاً - يبلور تصورنا لحجم البطالة الموجودة في البلد، واختلافنا في تحديد معنى الحرية أو العدالة الاجتماعية أو المواطنة، سيؤدي قطعاً إلى تباين مواقفنا تجاه ما هو سائد ومتوافر من هذه القيم، وما يجب العمل على توفيره حتى نضيّق من فجوة الخلاف.
ومن المفاهيم الإصلاحية التي تحتاج إلى ترجمة هي الخلفية الثقافية، تدفع بالمسؤول أياً كان موقعه دفعاً نحو الاهتمام ببعض الأمور على حساب بعضها الآخر، كما تجعل إدراكه لمخاطر بعض الأزمات ذات العلاقة بتخصصه وخبرته أكثر عمقاً وأشد حساسية، إن اهتمام رجل الحقوق والقانون بتجاوز الدستور والنظم والقوانين أكبر بكثير من اهتمام غيره، ورجل الاقتصاد يستنفر للعجز والتضخم والبطالة وانهيار الرصيد الاحتياطي للدولة، على نحو لا نجده لدى المؤرخ أو الفقيه أو اللغوي. وهكذا فإن خلفية وزير الإصلاح تصوغ رؤيته للأولويات الإصلاحية، وتتحكم بمشاعره واهتماماته نحو القضايا المختلفة. الخبرة بالواقع عامل أساسي في اختلاف وزراء الإصلاح، ولهذا رحبت وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل الفاضلة هند صبيح الصبيح بوفد جمعية مقومات حقوق الإنسان، لتكون على علم ودراية بواقع العمل الحقوقي من منظار ذوي الخبرة الحقوقية، ومن أكبر التحديات التي تواجه مسؤول الإصلاح والذي منهم وزيرة الشؤون ما يمكن أن نسميه (الصراع النظمي) حيث إن ما لدينا من نظم روحية وتربوية وأخلاقية واجتماعية يتصادم مع النظم التي يشيعها أهل الفساد. لا شك أن النظام يحمل في معظم الأمر مدلول الأسلوب والوسيلة والقالب والمضمون والمعنى والقيمة، والهدف من إقامة النظام الإصلاحي لدى المسؤول هو رعاية الفرد وحفظ حقوقه وإشاعة العدل بين الناس وتأمين المصالح الاستراتيجية ودفع الظلم وتسهيل الحراك الاجتماعي ومن هذه الزاوية نسأل الله التوفيق والسداد لكل مسؤول إصلاحي، ونوجه شكرا خاصا لوزيرة الشؤون.. كل الشكر والتقدير لمعالي الوزيرة الفاضلة هند الصبيح على إثبات مرونتها ورغبتها بالإنصاف والإصلاح عندما قالت بأنها تنظر للقضايا ولا تنظر إلى أسماء أو أشخاص لتبلور مفهوم الإصلاح وفق منظومته ومضامينه لا وفق جداره وقشوره، وهذا هو ما كشفته لنا الدقائق.
twitter: @mona_alwohaib
[email protected]