الدكتور وليد التنيب / قبل الجراحة

للمتعلمين مع التحية

تصغير
تكبير
كان جاسم من أسرة ميسورة الحال... أسرة يمكن القول إنها ثرية أو أكثر بقليل.

تربّى جاسم على العزّ والدلع، فهو الولد الذي سيحمل اسم أبيه.


تخرّج جاسم من الجامعة بالتخصص الذي أراده أبوه، وهو الصيدلة... لأن والده صيدلي ويملك صيدلية وأراد أن يرث ابنه من بعده المهنة.

ولكن جاسم لم يقبل بجامعة بلده لدراسة الصيدلة... ولم يتم قبوله في أي بعثة داخل أو خارج البلد... لم يقبل بسبب تدني نسبته في الثانوية العامة.

لذلك، بعثه والده إلى إحدى الدول، ورجع ومعه شهادة... المهم شهادة بالنسبة إلى والد جاسم...

كانت لدى «أبو جاسم» قناعة أن باستطاعته تدريب ابنه على المهنة بعد حصوله على الشهادة، حتى وإن كانت شهادة من أضعف الجامعات غير المعترف بها في البلد.

كان يقول لنفسه إن كان موضوع الشهادات من الجامعات الضعيفة «أو المضروبة كما يقولون» قد أثير في الجرائد ونوقش في الإعلام المرئي والمسموع، فإنه لم يتخذ أي إجراء رادع لوقف هذ العبث بالتعليم والشهادات... وكلما تم توقيف جامعة من هذه الجامعات تدخلت أطراف خفية أو برلمانية وتمت إعادة الاعتراف بها رغم معرفة الكل بتواضع مستواها...

إذاً لماذا لا يركب ابنه جاسم الموجة ويحصل على شهادة يستطيع التفاخر بها وتعليقها على الحائط؟!... أما التدريب وإتقان المهنة، فكما ذكرنا أن والد جاسم لديه قناعة بأنه يستطيع وبكل بساطة، ومن دون تعب، تدريب ابنه!

بالفعل، حصل جاسم على الشهادة وتمت إقامة الأفراح واستقبال المهنئين.

للغرابة أن معظم المهنئين، إن لم يكونوا جميعهم، يعلمون بقصة شهادة جاسم... ولكن يبدو أن هذا هو الصح في هذا البلد الجميل.

بعد انتهاء الحفل الذي حضره الكثير من قياديي الدولة ومن رموزها... الذين حضروا للتهنئة وحباً بالأصوات الانتخابية، انبهر جاسم بالحضور وأبدى رغبته أمام أبيه في أن يساعده لتكملة دراسته... أي الحصول على الماجستير.

لم يندهش والد جاسم من طلب ابنه وقابله برد أعجب جاسم... قال له إنه كان سيطلب منه ذلك، وزاد أن الماجستير ليس كافياً وإنما الدكتوراه هي الهدف.

كبرت القصة... دكتوراه بعد شهادة جامعية مضروبة... أكيد المطلوب دكتوراه وإلا...؟!

سافر جاسم على نفقة والده الصيدلي إلى إحدى الدول وعاد بالماجستير والدكتوراه في وقت قياسي... فهو النابغة ابن النابغة.

عاد جاسم وبدأت الاحتفالات والتهاني في الجرائد بوصول الدكتور جاسم.

مرة أخرى احتفال كبير وأكبر من الأول... وبحضور عدد أكبر من القياديين والرموز... والكل يعلم بالقصة وكيف حصل جاسم على الشهادة.

تقدم جاسم للعمل بكل فخر في الجامعة... تم رفض الطلب مع تحذير أنه إن حاول التقدم مرة أخرى سيتم فضحه للرأي العام.

أخبر أباه بعدها بأنه يرغب في العمل لديه بالصيدلية والتدرّب تحت يديه... ضحك الأب داخل نفسه وأسرّ لنفسه «أي مهنة يا جاسم... محنا دافنينه سوا»!

بدأت تحركات والد جاسم وأعمامه وأخواله للمساعدة...

وتمّ لهم ما يريدون، وتمّ تعيين جاسم رئيساً لهيئة... في البلد.

بعد التعيين مباشرة، طلبه عمه وقال له بالحرف الواحد «اصبر على هذا المنصب ونحن كعائلة هدفنا الوزارة».

وجاسم صابر حتى الآن على أحر من الجمر انتظاراً للوزارة.

هكذا بلد يحتاج بالتأكيد إلى هؤلاء الدكاترة لكي ينهض.

«صج حسافة عليش يا بلد».
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي