د. حسن عبدالله عباس / 2 > 1

حيرة دينية في بازار القتل السياسي

تصغير
تكبير
لابد ان ينتابك القلق الى جانب الحيرة والتيهان لما يجري من حولنا. اوضاع ملتهبة وقتل ودمار، فهذا يقتل ذاك، وذاك يفجر هذا، والجميع باسم خدمة الاسلام والمسلمين ويُمني نفسه الحور العين!

قد تكون اكثر الآيات حيرة بالنسبة لي هذه الايام قوله تعالى: «وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما، فإن بغت احداهما على الاخرى فقاتلوا التـــي تبغي حتى تفيء الى امر الله».


لا اقصد بالحيرة الفئتين اللتيــن تتقاتلان، بل سبب حيرتي توجه الحديث القرآني للطرف الثالث، الطــرف المحايد والقاضي والذي يريد ان يحكم ويعالج بينهما.

فمن هو هذا الطرف، والقرآن يتحدث لمن؟ الاطراف المتحاربة جميعها اسلامية، او هكذا اظن أليس كذلك. والمشكلة انها جميعا تتحارب وعندها امدادات وامتدادات خارجية من الدول الاسلامية المحيطة. فمن يكون الطرف الذي سيحكم بين الاطراف المتقاتلة؟

لو اردنا تلخيص الفرق الاسلامية المتحاربة (سورية واليمن وليبيا وتونس ومصر) لوجدناها لا تتجاوز ان تكون بين اخوان، وشيعة، وسلف، وليبراليين ممن وضعوا الدين بعيدا عن السياسة. ولكل فرقة من هذه الفرق اشتقاقاتها وتنتمي كل واحدة منها لقيادات وارباب كُثر، الا اللهم الشيعة ممن تعود مركزية قرارهم الى قيادة سياسية واحدة. ولو اردنا تلخيص المشهد السياسي اكثر لقلنا انها قوى تنتمي وتتبع المملكة العربية السعودية وتركيا وقطر وايران وأميركا واسرائيل. وليس سرا ان هذه الدول متعادية وتمارس صنوف القهر السياسي والضغط الديبلوماسي والعسكري لكسر شوكة الخصم السياسي المقابل.

فما الذي يقصده القرآن بتوجيه حديثه للمؤمنين بأن يقاتلوا الفئة الباغية؟ فمن هي الفئة الباغية؟ المسألة عويصة للغاية كونها تتحدث عن قتال رباني شرعي: فما معنى البغي؟ وهل سيختلف البغي سلفيا عن المعنى اخوانيا عن معناه شيعيا؟ ثم حديث القرآن موجه لمن، من نحن ممن يجب ان نتدخل لفض النزاع بين الفرقتين المتقاتلتين؟ ما هي حدود القتال؟

اعلم انه لا توجد اجابات، لكن توجد استنتاجات منطقية. اولها ان الفرق الاسلامية لا تتقاتل باسم الدين، بل باسم السيطرة والسلطة والا لانتصرت فكرة المذهب الاوحد كما كانت بدايات عصر الاسلام. وثانيا ان الاسلام هو الحل ان صلُح، لكنه الهلاك والدمار لمجرد ادنى انحراف عنه، فهو العلاج وهو الموت. فالدول الاسلامية قاتلت ودمرت نفسها اضعاف ما فعلته مع الاديان الاخرى طوال حياتها.

لكن حتى تنتصر فكرة المذهب الاوحد، يوجد هنا نوعان من المواقف المطلوبة. الاول ان ينشط الفريق الذي يرى في نفسه القوة الاسلامية الحقة بأن يتوسع في نشر فكره ويدخل في نقاش علمي موضــوعي بعيدا عن العنف والتعصب.

والثاني ان يثبت للعالم انه قوة لا يمكن الاستهانة بها، وعلى العالم ان يرضخ مرغما على اعتبار ان لـــم يكن المجــــتمع الــــدولي في اي يوم من الايـــام يستجيــــب لقـــوة العقل، بل دائما لقوة الــــديبـــلوماسية والسلاح. فعلى هذين الخطين يمكن ان نستوعب ونفهم مَن هذه الفرقة الاسلامية الحقة التــي يمكنها ان تقضي وتفصل بين الفرقتين المتقاتلتين.



[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي