في ذكرى احتفالات دولة الكويت بيومي الاستقلال والتحرير

الوطن والمواطنة ... قيمتان عظيمتان أولاهما الإسلام اهتماماً كبيراً في إطار منظومة من الحقوق والواجبات

u0645u0638u0627u0647u0631u0629 u0627u062du062au0641u0627u0644u064au0629 u0641u064a u0630u0643u0631u0649 u0627u0633u062au0642u0644u0627u0644 u0627u0644u0643u0648u064au062a u0648u062au062du0631u064au0631u0647u0627
مظاهرة احتفالية في ذكرى استقلال الكويت وتحريرها
تصغير
تكبير
• يوجب الإسلام على المواطن السمع والطاعة للحاكم في غير معصية الله والنصح له وإعانته على النهوض بمسؤولياته

• واجبات الرعية تجاه الحاكم تنشئ لها حقوقاً أهمها إقامة العدل بين الناس وتوفير أسباب الحياة الكريمة

• يرى جمهور العلماء أن خيانة الأوطان جريمة بشعة تأباها الشريعة الإسلامية وأوكلت عقوبتها لولي الأمر

• جاء القرآن الكريم ليكون الضابط لعاطفة حب الوطن والمواطنة وتحديد مسارها بحيث يكون مسلكاً وسطاً

• الإنسان في الإسلام مكرّم لذاته بصرف النظر عن انتمائه القومي أو الجنسي أو اللوني أو الديني

• الناس سواسية أمام الشريعة الإسلامية ولا تفاضل بينهم في تطبيق الأحكام والجميع في المجتمع متساوون

• الكرامة والعدل والحرية والاعتقاد والتعليم واحترام الخصوصيات الشخصية حقوق أقرّها الإسلام للمواطن

• على المواطن واجبات أولها تجاه ربه وخالقه وثانيها تجاه والديه وثالثها تجاه أسرته مصدر أمنه واستقراره
مع إطلالة شهر فبراير من كل عام تتزين الكويت وترتدي أبهى حللها وتعم الفرحة أرجاءها وتتواصل الاحتفالات بكافة أشكالها وأنواعها على مدار الشهر... يشارك فيها شرائح المجتمع المختلفة من الناحية الشعبية بالتناظر مع جميع مؤسسات الدولة وهيئاتها... هذا الشهر الذي تجاور فيه يوما الاستقلال والتحرير... في الخامس والعشرين والسادس والعشرين منه، فيوم الاستقلال هو يوم إعلان الدولة ذات سيادة مستقلة وانضمامها إلى المجتمع الدولي كعضو فاعل، ويوم التحرير هو اليوم الذي عادت فيه أرض الكويت إلى أهلها وشعبها بعد أن تم أخذها غصباً من قبل غزو غاشم في العام 1990.

فالحدثان عظيمان يستحقان الاحتفال بهما، وعلى قدر الحدث يكون الاحتفال به...

ومواكبة للحدث وما يدور الآن على أرض الكويت يكون لنا هذه الوقفة... لكن لابد من أن نشير إلى أن ما يعنينا ليس الاحتفالات بذاتها، وإنما استثمار الحدث للحديث عن قيمتين عظيمتين هما «الوطن والمواطنة»، وبيان معنى الوطن وكيفية التعامل معه، ومفهوم المواطنة وما يندرج تحتها من حقوق وواجبات.

وحتى لا نستغرق في السرد فإن الكلام سيقتصر على «الوطن والمواطنة» من منظور إسلامي.

وفي هذا السياق، سيكون لنا وقفة مع مفهوم المواطنة في القرآن الكريم، وحب الوطن في ميزان الإسلام، وخيانة الأوطان باعتبارها جريمة شنعاء.

ثم الحديث على تعريف المواطنة في مقاصد الشريعة الإسلامية وحقوق المواطن في الإسلام التي منها: حق الحياة، وحق الكرامة، وحق العدل وحق الحرية، وحق المساواة، وحق الاعتقاد، وحق التعليم، وحق احترام الخصوصيات الشخصية، وحق الرعاية.

وفي مقابل هذه الحقوق التي فرضها الإسلام للمواطن فإن عليه واجبات أهمها: واجباته تجاه ربه وخالقه، واجبات تجاه أسرته، وواجبات تجاه ولاة الأمر... والأخير ينشئ للمواطن حقوقاً منها: المحافظة على عقيدة الأمة، وإقامة العدل بين الناس، وتوفير أسباب الحياة الكريمة، وحماية مصالح الرعية المادية والمعنوية، وتحقيق الأمن العام.

بعد ذلك، يأتي واجب المواطن تجاه المجتمع، وهنا يوجب عليه الإسلام مجموعة من الأمور لتحقيق هذا الواجب، مثل: النصح العام بما يرشد الأمة، والمحافظة على عقيدتها، المحافظة على الوحدة الوطنية، المحافظة على البيئة وعدم إفسادها، المحافظة على أموال الآخرين، الحرص على محاربة الفساد والعمل على إيجاد روح المحبة بين الناس، وأخيراً عليه احترام الأقليات غير المسلمة.

إن التعبير عن حب الوطن والانتماء إليه ليس بالشعارات أو الاحتفالات وإقامة المهرجانات فحسب... وإنما شعور بالانتماء نابع من القلب، تتم ترجمته إلى مجموعة من السلوكيات الإيجابية تجاه هذا الوطن للتعبير عن حبه وصدق الانتماء اليه... كما أن المواطنة في الإطار الإسلامي تركن إلى قيم الإسلام التي تحدد الحقوق والواجبات.

كما ان التأصيل الشرعي لمفهوم المواطنة ينبع من وحدة الأصل الإنساني، والنزعة الفطرية الإنسانية، فالكل سواء في أصلهم وجنسهم، ثم وحدة المصالح المشتركة والآمال التي تجعله كريماً عزيزاً والآلام التي قد تجعله معرضاً للمخاطر، مع التأكيد على أن الاجتماع البشري ضرورة إنسانية وأن الإنسان لا يستطيع العيش بمفرده كل ذلك في إطار أن الإسلام دين القسط والعدل والحق.

ولا ننسى أن الإسلام أولى أهمية كبيرة للأرض بمعناها الجغرافي، فجاء الأمر بعمارتها والاستخلاف فيها، ومنها نشأت فكرة المواطنة.

النّاس في الحقيقة لابدّ لهم من الاجتماع، فالاجتماع ضرورة لبني البشر، فلا يمكن للفرد أن يعيش وحده، لابدّ أن يعيش مع بني جنسه، للأنس في ما بينهم وللتّعاون على مصالحهم الدّينية والدّنيوية، فيحتاج إلى أن يحسن التّعامل مع مواطنيه، من أجل الألفة والتّعاون والتّعارف والتّآلف، ولهذا قالوا الإنسان مدني بالطّبع، لا يمكن أن يعيش وحده.

يقول الدكتور حامد الرفاعي في كتابه (الإسلام... وحقوق الإنسان وواجباته) إن مصدر الحقوق والواجبات بثباتها لأصحابها هو الله سبحانه وتعالى، فالشريعة الإسلامية تنظر للحق والواجب على أنهما من مقومات كرامة الإنسان هي المعيار لصحة واستقامة أداء الحقوق والواجبات وفق إرادة الله تعالى، فالحق والواجب في الشريعة الإسلامية مقيدان بتحقيق إرادة الله ومرضاته،كما أنهما مقيدان بمصلحة الجماعة وعدم الإضرار بالآخرين، وللناس أن يتعارفوا ويتفقوا على حقوق وواجبات فيما استحدث من أمور حياتهم... بما لا يتعارض مع إرادة الله وشرعته وبما يضمن تحقيق كرامة الإنسان ومصالحه، ويحقق إقامة العدل بين الناس.

* فالحق في الشريعة الإسلامية هو: المصلحة الثابتة للشخص على سبيل الاختصاص والاستئثار، ويقرره المشرع الحكيم، وهو نوعان:

عام ويشمل كل عين أو مصلحة تكون للشخص بمقتضى الشرع ويعني هنا (الملك بأنواعه).

خاص ويشمل المصالح الاعتبارية والاتفاقية في عرف الشرع مثل حق الشفعة، حق القصاص...

والحق في الشريعة الإسلامية هو منحة يمنحها الخالق جل شأنه للأفراد وفق ما يقضي به صالح الجماعة... فهو حق مقيد وفق الشريعة الإسلامية بمراعاة مصلحة الآخر وعدم الإضرار بالجماعة، فليس للفرد مطلق الحرية في استعمال الحق بحيث لا يقيده سلطان شيء... بل هو مقيد بمصلحة الجماعة وعدم الإضرار بالآخر وحقوقه، وهذا يستلزم واجبين اثنين:

واجب على الناس أن يحترموا حق الشخص، وألا يتعرضوا له في تمتعه في استعمال الحق.

واجب على صاحب الحق نفسه أن يستعمل حقه بحيث لا يضر بالآخرين، ويستوي في هذا سائر الحقوق الخاصة والعامة.

* والواجب في الشريعة الإسلامية: هو كل ما ثبت وجوبه بدليل شرعي، وهو ما يثاب بفعله ويعاقب على تركه إلا بعذر... أي أن الواجب في الشريعة الإسلامية هو كل ما أوجبه المشرع جل شأنه على الشخص والجماعة، وكل مأمن شأنه يحقق كرامة الإنسان ومصالحه وأمنه في إطار مصالح الجماعة وأمنها،وفق إرادة الله تعالى.

* والمواطن في مقاصد الشريعة: هو كل إنسان ينتسب إلى بلد قدر الله له أن ينشأ فيها وينتمي إلى قومها ويعيش معهم، فهي ملكهم وحماهم وموطن أمنهم واستقرارهم وحقهم في الحياة، يتحملون جميعا أمام الله تعالى مسؤولية أمانة عهد الاستخلاف فيها، وعليهم جميعا واجب الحفاظ والذود عن سيادتها وأمنها واستقرارها ووحدة أراضيها، ومن يخالف ذلك وينتهكه إنما هو مخالف ومنتهك لعهد وميثاق المواطنة، ومخالف لأمانة الحفاظ على مصالح وسيادة الوطن والمستخلفين معه في الوطن الواحد.

وبعد فإن (المواطن والواجب والحق) تشكل بنظر الإسلام وقيمته ومبادئه منظومة حياتية شرعية متكاملة متلازمة، وضرورة شرعية وحتمية لضمان كرامة الإنسان وقدسية مصالحة وأمنه واستقراره، وهي كذلك ضرورة شرعية لتحقيق العدل بين الأفراد والجماعات والناس أجمعين وفق إرادة الله عز وجل.

فكرامة الإنسان وفق إرادة الله ومعايير شرعيه الخالدة هي التي تحكم وتضبط معايير وقواعد ممارسة الحقوق والواجبات والمواطنة، فكل حق أو واجب أو ممارسة وطنية تتعارض أو تتصادم مع كرامة الإنسان وأمنه واستقراره وسيادته وفق إرادة الله تعالى لا اعتبار لها وهي باطلة في نظر الشريعة الإسلامية وقيمتها، باعتبارها أن كرامة الإنسان والأرض وسلامتها منحة من الله تعالى... وأن الحقوق والواجبات قيم متلازمة ومتكاملة لضمانها والمحافظة عليها وفق شرعة الله وارادته.

ومن جهة أخرى، فإن الحق والواجب في الشريعة الإسلامية أمران متقابلان متكاملان، فكل حق يقرره الإسلام يقابله واجب وعلى الناس كافة أن يحترموا هذه الحقوق والواجبات وألا يتعدوا عليها لأنها منحة من الله تعالى... وفي ما يلي نقدم نماذج للحقوق والواجبات وقيم المواطنة التي يقررها الإسلام في الوطن الواحد وفي اطار التعايش بين المجتمعات الدولية.

حقوق المواطن في الإسلام

- حق الحياة: إن حياة الإنسان والمحافظة عليها وصونها من أساسيات وثوابت الشريعة الإسلامية... فالإسلام يقرر أن الاعتداء على البشرية جمعاء (من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا)، وكذلك ينهى الإسلام عن قتل الإنسان لذاته ويشنع مثل هذه الجريمة (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما، ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا)... ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجا بها (يضرب بها) في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن تردى (أسقط نفسه متعمدا) من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالدا فيها أبدا)، وبذلك يشدد الإسلام العقوبة في الدنيا على القاتل بأن يقتل زجرا لغيره من أن يقدم على نفس الجريمة...

- حق الكرامة: إن الإسلام مثلما يقرر حق الحياة للإنسان يقرر كذلك منحه حق الكرامة... فالإنسان بالإسلام مكرم لذاته بصرف النظر عن انتمائه القومي أو الجنسي أو اللوني أو الديني، (ولقد كرمنا بني آدم)... وذات مرة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس مع بعض أصحابه فمرت بهم جنازة فقام لها عليه السلام تعظيما وإجلالا فقيل له إنها جنازة يهودي فقال عليه السلام (أليست نفسا).

- حق العدل: ان العدل هي القضية الأولى في الشريعة الإسلامية وهي من ثوابت مقاصدها في تحقيق كرامة الإنسان ومصالح الناس (إن الله يأمر بالعدل والإحسان)... وإقامة العدل تمثل إرادة الله تعالى في إقرار المساواة بين العباد، والتزام العدل والتمسك بمعاييره الربانية... هو المعيار الصادق على الإيمان بوحدانية الله والاستسلام لارادته جل شأنه، وحيث ان الشرك يمثل أعظم أنواع الظلم (إن الشرك لظلم عظيم)... فلاشك أن العدل هو التعبير الصادق والبرهان الساطع القاطع على أعظم درجات الإيمان بوحدانية الله تعالى وتعظيم وامتثال أوامره، ومن أجل هذا فإن الإسلام يشدد على إقامة العدل حتى مع وجود الخصومة والعداوة (ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى).

- حق الحرية: إن الإسلام وهو يقرر العبودية الخالصة لله تعالى وحده دون غيره من البشر أو الحجر وباقي الأشياء... فانه يقرر بذلك أقصى وأرقى درجات حرية الإنسان... ويؤكد رفضه الشديد أن يتخذ الناس بعضهم بعضا» أربابا من دون الله تعالى... ويؤكد كذلك رفضه ومقته أن يستعيد الإنسان أو يستذل أو يسترق... ورغب وأمر في مقاومة الرق والاستعباد الذي كان سائدا «ومتعارفا» عليه بين الأمم قبل الإسلام... واعتبر تحرير الإنسان من أقرب القربات إلى الله تعالى... وأنزل الله جل شأنه نصوصا قرآنية تأمر وتشجع على تحرير الإنسان من الرق والاستعباد (فلا اقتحم العقبة وما أدراك ما العقبة فك رقبة)، وخصص سهما من مصارف الزكاة لتحرير الإنسان من الرق علما بأن جميع مصارف الزكاة فرصة لتحرير الإنسان من الظلم وأعباء الحياة (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم)... بل وجعل تحرير الإنسان من الرق والاستعباد كفارة من الذنوب والآثام مثل كفارة القتل الخطأ (ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة)، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (من أعتق رقبة أعتق الله بكل عضو منها عضوا من أعضائه من النار)، ويقول صلوات الله عليه (من لطم مملوكا له أو ضربه فكفارته عتقه)... وعلى أساس من ذلك جاء الإعلان العالمي لتحرير الإنسان على لسان الخليفة الثاني أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه من وراء أربعة عشر قرنا» ونيف (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أماتهم أحراراً).

- حق المساواة: يقرر الإسلام أن الناس سواسية أمام الشريعة الإسلامية (لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى)... ولا تفاضل بينهم في تطبيق الأحكام (لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها)... ولا حماية لأحد لسبب من الأسباب (إلا إن أضعفكم عندي لقوي حتى اخذ الحق له وأقواكم عندي لضعيف حتى اخذ الحق منه)... والناس كلهم في القيمة الإنسانية سواء في معايير الشريعة (كلكم لآدم وآدم من تراب)... ولا يكون التفاضل إلا بالعمل (ولكل درجات مما عملوا)... وان الجميع في المجتمع المسلم متساوون بحق الانتفاع (فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه واليه النشور)... وأكد الإسلام على المساواة في الأجر عندما يتساوى الجهد وتتماثل الكفاءة والمهارة (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره).

- حق الاعتقاد: لقد قرر الإسلام مبدأ عاما في حرية الاعتقاد والتفكير (لكم دينكم ولي دين)... وقرر في المقابل قاعدة حازمة في عدم الإكراه على الاعتقاد أو الرأي (لا إكراه في الدين)، (أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين)... وقرر احترام مشاعر الآخرين وعدم التعرض بالأذى لهم والنيل من معتقداتهم (ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم كذلك زينا لكل أمة عملهم ثم إلى ربهم مرجعهم)... وذهب الإسلام إلى اكثر من حرية الاعتقاد فقرر حرية ممارسة هذا الاعتقاد،والاحتكام إلى شريعته في ما يتعلق بالأحوال الشخصية المرتبطة بالمعتقد في إطار السيادة العامة للدولة المسلمة (وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله ثم يتولون من بعد ذلك)، (وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه)، (يأهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل)... إلا إذا رغبوا أن يتحاكموا إلى الشريعة الإسلامية فذاك متاح العدل والإنصاف (فان جاؤوك فاحكم بينهم أو اعرض عنهم وان تعرض عنهم فلن يضروك شيئا، وان حكمت فاحكم بينهم بالقسط).

- حق التعليم: يقرر الإسلام أن التعليم حق للجميع... وأول آية نزلت من القران على رسول الله صلى الله عليه وسلم (اقرأ باسم ربك الذي خلق)... ويأمر الإسلام في البحث العلمي واستكشاف مكنون السماوات والأرض واستثمارها لصالح الإنسان وكرامته (قل انظروا ماذا في السموات والأرض جميعا منه)، (الله الذي سخر لكم البحر لتجري الفلك فيه بأمره)، (وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا)، (وسخر لكم الأنهار)... ويقول رسول الله عليه السلام (طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة).

- حق احترام الخصوصيات الشخصية: يقرر الإسلام عدم التجسس على الخصوصيات (ولا تجسسوا) وينهي رسول الهدى صلوات الله عليه عن تتبع العورات (ولا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم ولا تتبعوا عوراتهم، فانه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته فضحه ولو في جوف رحله).

- حق الرعاية: يقرر الإسلام أن من واجب ولي الأمر رعاية مصالح الناس... وتأمين ضرورات حياتهم وكرامتهم (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها)... ويقول عليه السلام (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته...الحديث)... ويقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه (إن الله استخلفنا فيهم - أي الناس - من أجل سد جوعتهم وستر عورتهم وتأمين مهنتهم).

واجبات المواطن في الإسلام

- واجب المواطن تجاه ربه وخالقه: إن نماذج الحقوق التي ذكرناه آنفا... إنما هي منحة الله تعالى إلى عبادة... يوجب الحمد والشكر له سبحانه، وأول واجبات الشكر إخلاص العبودية لله وعدم الشرك بألوهيته وربو بيته تباركت أسماؤه وتعالت صفاته وتفردت إرادته في خلقه جل شأنه (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ)... وإخلاص العبودية لله وعدم الشرك به سبحانه يبعث في النفس البشرية أعلى مراتب الإحساس بالحرية والمساواة مع الغير... ويقرر بالمقابل للإنسان حقين أساسين في الحياة هما:

1 - حق التحرر من العبودية والمذلة لغير الله تعالى.

2 - حق المساواة مع الناس جميعا.

- واجب المواطن تجاه والديه: لقد عظم الإسلام من شأن طاعة الوالدين... وقرن ذلك بطاعة سبحانه (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)... حتى وان جاهداه على الشرك فعليه أن يصاحبهما في الدنيا بالمعروف والإحسان (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا).

- واجب المواطن تجاه أسرته: الأسرة في الإسلام من أهم مؤسسات المجتمع المدني... بل هي أساسه المتين ومصدر أمنه واستقراره، وهي المعنية قبل غيرها من المؤسسات بتأصيل وتكوين الأجيال المسؤولة للنهوض بمهام سلامة كيان المجتمع، وتحقيق آماله في العدل والأمن والنماء والارتقاء... لذا فإن الإسلام أولى الأسرة عناية خاصة ومتميزة تأسيسا «وتأصيلا» لرسالتها الجميلة في الحياة...

- واجب المواطن تجاه ولاة الأمر: يوجب الإسلام على المواطن السمع والطاعة للحاكم في غير معصية الله... كما يوجب النصح له وأعانته على النهوض بمسؤولياته في تحقيق مصالح الرعية... ويحذر الإسلام من الخروج على سلطان ولاة الأمر والتمرد على أوامرهم... إلا في حالة نقض الحاكم العهد مع الله وفق شروط عقد الولاية... مع مطالبة الرعية في تحري مصلحة الأمة إذا فكرت في الخروج على الحاكم... لأن مصلحة الأمة شرط مرجح في اتخاذ مثل هذا القرار الخطير... وهذه الواجبات من الرعية تجاه الحاكم تنشئ لها حقوقا» عليه منها:

1 - المحافظة على عقيدة الأمة وتطبيق شريعتها وصون هويتها الثقافية وأعرافها وتقاليدها، والعمل على الارتقاء بمستواها الحضاري.

2 - إقامة العدل بين الناس.

3 - المساواة بين المواطنين.

4 - توفير أسباب الحياة الكريمة للجميع.

5 - السهر على حماية حياة المواطنين وغيرهم.

6 - حماية مصالح الرعية المادية والمعنوية.

7 - تحقيق الأمن العام للمجتمع.

8 - العمل على حماية السيادة العامة للأمة.

واجب المواطن تجاه المجتمع: يوجب الإسلام على المواطن تجاه مجتمعه واجبات عديدة نوجزها بما يلي:

1 - النصح العام بما يرشد الأمة ويعنيها على الالتزام في عهدها مع الله تعالى والالتزام في عهدها مع الحاكم، والتزام عهدها تجاه بعضها البعض في العمل معا» على إقامة مجتمع ينعم بالعدل والأمن والاستقرار والكفاية والسيادة.

2 - المحافظة على عقيدة الأمة والتزامها شريعتها، واحترام هويتها الثقافية والعمل على الارتقاء بنهجها الحضاري.

3 - السهر على صون الأمة العام،فكل مواطن يتحمل مسؤولية حماية أمن الأمة كل في مجال اختصاصه واهتمامه (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ...)، ويقول عليه الصلاة والسلام (كل منكم على ثغرة من ثغر الإسلام الله الله أن يؤتى الإسلام من قبله).

4 - المحافظة على الوحدة الوطنية وعلى وحدة أراضي الوطن وسيادتها، وعدم إثارة الفتن والشغب،أو التآمر مع الغير ضد سيادة الوطن ووحدته الاجتماعية ووحدة أراضيه.

5 - العمل على تقوية التنمية الزراعية وتطويرها وعدم الاعتداء على محاصيلها،مع السعي المخلص لإثراء التنوع الزراعي بما يحقق كفاية الأمة ويعزز مصادر مواردها الاقتصادية،حيث يقول الرسول عليه السلام (إذا قامت الساعة وقي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع ألا تقوم الساعة حتى يغرسها فليفعل).

6 - العمل على إثراء التنمية الصناعية وتحسينها إنقاذا لأمر رسول الله عليه الصلاة والسلام (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا» أن يتقنه)... ويقول عليه السلام (إن الله يحب العبد المحترف).

7 - وجوب العمل على توسيع التنمية التجارية (تسعة أعشار الرزق في التجارة)... أو كما قال عليه السلام.

8 - العمل الجاد على تطوير البحث العملي وتوسيع ميادين استثمار الثروات والتنقيب عنها (قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)، (فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ).

9 - العمل بجد على التحصيل العلمي وزيادة المعرفة والتنمية الثقافية (طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة)، وقد اختص الإسلام أهل العلم بمراتب تفوق من هم دونهم بالعلم (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ).

10 - المحافظة على البيئة وعدم إفسادها فهي سكن الإنسانية جمعاء وملاذ أمنهم المشترك (ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها)، ويقول عليه الصلاة والسلام (الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها لا اله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق).

11 - المحافظة على أموال الآخرين وعدم الاعتداء عليها (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل)، ويقول عليه الصلاة والسلام (إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام).

12 - العمل على تحقيق التكافل والتضامن الاجتماعي إذا ويقول رسول الله صلوات الله عليه (والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن من بات شبعان وجاره إلى جنبه جائع وهو يعلم).

13 - الحرص على محاربة الفساد والمخدرات والمسكرات (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ)، ويقول عليه السلام (كل مسكر حرام).

14 - .العمل على إيجاد روح المحبة بين الناس وحب الخير لهم يقول عليه الصلاة والسلام (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه).

15 - يوجب الإسلام على المواطن المسلم خاصة احترام الأقليات غير المسلمة في المجتمع المسلم حيث يقرر الإسلام لهم: (حق المواطنة الكاملة)... (حرية الاعتقاد والعبادة)... (حرية الاحتكام إلى شرائعهم في أحوالهم الشخصية إن رغبوا ذلك).

حب الوطن أمر غريزي وارتباط فطري

المحبة للأوطان والانتماء للأمة والبلدان أمر غريزي وطبيعة طبع الله النفوس عليها، وحين يولد الانسان في أرض وينشأ فيها فيشرب ماءها ويتنفس هواءها ويحيا بين أهلها فان فطرته تربطه بها فيحبها ويواليها، ويكفي لجرح مشاعر انسان أن تشير بأنه لا وطن له، وقد اقترن حب الأرض بحب النفس في القرآن الكريم. قال الله - عز وجل: «وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنْ اُقْتُلُوا أَنْفُسكُمْ أَوْ اُخْرُجُوا مِنْ دِيَاركُمْ مَا فَعَلُوهُ اِلَّا قَلِيل مِنْهُمْ» (النساء: 66).

لما كان الخروج من الوطن قاسيًا على النفس فقد كان من فضائل المهاجرين أنهم فارقوا أوطانهم هجرةً في سبيل الله.

وفي سنن الترمذي باسناد صحيح: عن عبد الله بن عدي بن حراء قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واقفا جبال مكة فقال: «انكِ لخيرُ أرض الله وأحب أرض الله الى الله، ولولا أني أُخرِجت منك ما خرجت».

البشر يألفون أرضهم على ما بها حتى ولو كان قبرا مستوحشا، وحب الأوطان غريزةٌ متأصلة في النفوس تجعل الانسان يستريح للبقاء فيه ويحن اليه اذا غاب عنه ويدفع عنه اذا هوجم ويغضب له اذا انتقص، والوطنية بهذا المفهوم الطبيعي أمرٌ غير مستغرب، وذلك الولاء له مشاعر انسانية لا غبار عليها ولا اعتراض، ولا يجوز أن تكون مفهومًا مشوهًّا يعارض به الولاء للدين؛ فالاسلام لا يغير انتماء الناس الى أرضهم ولا شعوبهم ولا قبائلهم. فقد بقي بلال حبشيًّا وصهيب روميًّا وسلمان فارسيًّا ولم يتضارب ذلك مع انتمائهم العظيم للاسلام.. وعندما يفكر الانسان في طبيعته فسيجد أن له محبةً وولاءً وانتماءً لأسرته وعشيرته وأهل قريته، كما يحس بانتمائه الكبير للأمة المسلمة باتساعها وتلون أعراقها ولسانها. انه لا تعارض بين هذه الانتماءات ولا مساومة عليها، بل هي دوائر يحوي بعضها بعضا. ان من المغالطة الايهام بالتعارض بين الوطنية بمفهومها الطبيعي وبين الاسلام، ان تصوير هذا التعارض ليس الا حيلةً المستعمر الخبيث للنيل من الاسلام واستغلالًا للمحبة الغريزية للوطن لايهام الناس بأن التمسك بتفاصيل الشريعة يعطل بعض مصالح الوطن، وذلك عبر مصادمة أحكام الشريعة بمطالب الوطنية.

من مقتضيات الانتماء للوطن: محبته والافتخار به وصيانته والدفاع عنه والنصيحة له والحرص على سلامته واحترام أفراده وتقدير علمائه وطاعة ولاة أمره.

ومن مقتضيات الوطنية: القيام بالواجبات والمسؤوليات كلٌّ في موقعه مع الأمانة والصدق.

ومن مقتضيات حب الوطن: احترام نظمه وثقافته والمحافظة على مرافقه وموارد الاقتصاد فيه، والحرص على مكتسباته وعوامل بنائه ورخائه، والحذر من كل ما يؤدي الى نقصه. ان الدفاع عن الوطن واجبٌ شرعي، وان الموت في سبيل ذلك شهامةٌ وشهادة، وفي قصة الملأ من بني اسرائيل: غافر «قَاَلوُا وَمَاَ لَنَا أَلا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا» (البقرة: 246).

وحتى تتبين مظاهر الوطنية الصادقة ويسقط زيف الشعارات فان المتأمل في الواقع يميز بين المواطن الصالح الناصح لوطنه وبين الكاذب بالشعارات؛ فان لخيانة الوطن مظاهر وظواهر بعضها مرّ على بلادنا فحسم أمره وكبت شره، وبعضها لم يزل قائما يتشكل ويتلون ويخف ويشتد ويظهر ويتوارى، وبعضها يظهر باسم الغيرة على الوطن وفي حقيقته غيرة منه، ومن ذلك ما تورط به شبابٌ أغرارٌ رفعوا شعار نصرة الاسلام وراية الاصلاح فأخطأوا سبيله ولم يجدوا صدورًا يُفرغون فيها رصاصهم الا صدور أهليهم ولا أمنًا يُزعزع الا أمن بلادهم ولا بناياتٍ تهدم على مَنْ فيها الا بنايات وطنهم.

يقطعون شجرا أظلهم ويعكرون ماءً سقاهم.. يزعمون أن عملهم لله وباسم الله... وهم في حقيقة حالهم قد ارتهنوا لأعدائهم وحسادهم وصاروا أدواتٍ لهم يصرفونهم في الاساءة لأوطانهم كيف شاءوا ومن ورائهم من يبرر ويحرض.. لقد تجللوا بعار الخيانة وتلبّسوا بجرم الجناية... ناهيك عن تعرضهم للاثم والمقت واستحقاق الوعيد الشديد.

وثمت مظهرٌ آخر من مظاهر خيانة الوطن لا يقل سوءًا عن الأول ان لم يزد عليه، فلئن كان الأول شاهرًا ظاهرًا؛ فان الثاني متلونٌ خفي.

انهم أناسٌ من بني جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا سُبيت قلوبهم وغسلت عقولهم وانبهروا بعدوهم ففقدوا ذواتهم. أُشرِب في قلوبهم حب الغرب ومجدوا سلوكه فآمنوا بحسنه وسيئه واستحسنوا حلوه ومره، ثم أورثهم ذلك كله انتقاصًا لأهلهم واحتقارا لأوطانهم وسخريةً بأعرافهم المعتبرة واستهزاء لتقاليده المرعية، وصارت فضائله المتوارثة محل انتقاداتهم وأخلاقياته المتسلسلة غرض رميهم فصارت فنونهم وآدابهم ومقالاتهم لا غرض لها الا نشر أسباب الشر والرذيلة، وعوامل الخلاعة والميوعة التي تغرق المجتمع في أوحال الفساد، فتنشأ الأجيال العابدة لملذاتها ومتعها الرخيصة بحيث يتعذر عليها القيام بأدنى دور ذي بال يحفظ لها كرامتها وشرفها عند تعرضها للامتهان على يد عدو متربص وصائل حاقد.

لا بد من قيام الكوادر الخيّرة من علماء ودعاة وفضلاء بدورهم المأمول في بث القيم الفاضلة، والمثل العالية في أوساط المجتمع المسلم ودعوة الناس الى الدين الحق، والاسلام الصحيح وفق فهم السلف الصالح.

من أهم الواجبات المَنُوطة بنا تجاه بلدنا: المحافظة على تديُّن المجتمع وصَلاحه، ونشْر الخير بين أبنائه، ومحاربة الفساد، وتجفيف منابعه قدْر الامكان، فبلدنا قام على الاسلام، فالحرص على صَفاء الاسلام ونقائه مسؤوليَّة مشتركة بين الجميع؛ حكَّامًا ومحكومين، عُلَماء ومعلِّمين، دُعاة ومربِّين.

خيانةٌ للوطنيَّة حينما تتحوَّل بعض وسائل الاعلام الى وسيلة هدْم للقِيَمِ والأخلاق، والتشتُّت والافتراق، بعيدة عن هُموم مُواطِنيها، ومشاريع الاصلاح في بلدها.

ومن حُقوق الوطن على أهله: الاخلاص في العمل، والصدق في أداء أمانة الوظيفة، والانضباط بالأنظمة التي فيها المصلحة والمنفعة العامَّة،

ومن واجبنا تجاه وطننا ترسيخُ القِيَم الاجتماعيَّة؛ حتى يعيشَ ذلكم الوطن لحمةً واحدةً، مُتعاوِنين مُتَآلِفين، يُعطَف فيه على الصغير، ويُوقَّر فيه ذو الشَّيبة، وتُسَدُّ فيه الفاقة، يُواسَى فيه المحروم، ويُناصَح المُخطِئ، ويسعى لقَضاء حاجات المحتاجين؛ حتى يكونَ المجتمع بعد بذلك كالبُنيان يَشُدُّ بعضه بعضًا.

وأشدُّ الناس نفعًا لبلدهم والوطن ممتنٌّ لجميلهم هم أولئك الرجال الذين بذَلُوا أموالهم وأوقاتهم في دعْم أعمال البر ومشاريع الخير التي ينتفع بها أبناء البلد، فهؤلاء من حقِّهم علينا أنْ يُدعَى لهم، ويُذكَر أثرُهم ومَآثِرُهم على البلاد والعباد.

مفهوم المواطنة في القرآن الكريم

لقد أكد القرآن الكريم على مكانة الوطن، وأن للديار حرمة، والاعتداء عليها باخراج أهلها منها أو اذلالهم فيها تعتبر فعلة شنعاء وجريمة في حق أهله، وللوطن حق على أهله ألا وهو الحب، وحب الوطن أساس لمن يعيش فيه؛ لذا يصبح هذا الانسان مواطن له مكانته ووضعه.

جاء القرآن الكريم ليكون الضابط لعاطفة حب الوطن والمواطنة، وحسن توجيهها وتحديد مسارها، بحيث يكون مسلكاً وسطاً للأمة الاسلامية، لقد وردت الآيات القرآنية التي تدل على الوطن والمواطنة.

قال الله تعالى: (قل اِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَاِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ اِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) (التوبة: آية 24) «فالآباء، والأبناء، والاخوان، والأزواج، والعشيرة، والأموال، والمساكن هذا هو الوطن منهي أن تكون أحب الى المسلم من الله ورسوله، وهذا يعني وجود الحب، والانتماء الى الوطن، ولكن الممنوع تقديمه على محبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم»، فالآباء، والأبناء، والاخوان، والأزواج، والعشيرة، فهؤلاء هم المواطنون في أي وطن، والوطن فيه الأموال، والمساكن.

وقول الله تعالى: (وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا) «أي: لأنها مجمع لذلك كله، ولقد رتبها سبحانه أحسن ترتيب فان الأب أحب المذكورين لما هنا من شائبة النصرة، وبعده الابن ثم الأخ ثم الزوج ثم العشير الجامع بالمسكن لأنه الغاية التي كل ما تقدم أسباب للاسترواح فيه والتجمل به».

والمراد (وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا) أي: «المراد بالمساكن التي يرضونها المنازل التي تعجبهم، وتميل أنفسهم ويرون الاقامة فيها أحب اليهم»، فاذا أحب المواطن وطنه أحب الاقامة فيه هو وأهله وعشيرته، فكان هذا من الدواعي لأن يكون لهم حقوق وواجبات تعطى لهم.

قول الله تعالى: (وَاِذْ قَالَ اِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ) (ابراهيم: آية 35) ان من صفات المواطنة الحقة الدعاء لوطنه بالأمن والأمان، وزيادة الرزق اقتداءً بأبي الأنبياء ابراهيم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام، فيتضح «من هذا الدعاء ما يفيض به قلب ابراهيم عليه السلام من حب لمستقر عبادته، وموطن أهله، والدعاء علامة من تعبير الحب، وتعبير عنه»، فحب الوطن لا يكون الا من مواطن غرست في المواطنة الصالحة؛ لذا تقتضي هذه المواطنة الدعاء للوطن ولأهله، لتحقيق السعادة الحقيقية، وهو العيش في الوطن في ضوء العدل والعزة والرخاء حيث لابد منها جميعاً لاستقرار الحياة السعيدة. قول الله تعالى: (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ اِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا) (النساء: آية 66).

فبين سبحانه وتعالى «في هذه السورة بقوله: (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ) ما يشق احتماله كقتل الأنفس والخروج من الوطن لعصى الكثير منهم، ولم يطع الا القليل، وهم أصحاب العزائم القوية الذين يؤثرون رضوان الله على حظوظهم وشهواتهم».

ان المواطنة الصالحة تتحقق في أصحاب العزائم القوية؛ لذا يصعب عليها الخروج من الوطن، لأن حب الوطن أصيل في نفسه، وهو يؤثر الخير والسعادة لوطنه، ولا يؤثر الا رضوان الله على حظه وشهواته.

قول الله تعالى: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا اِلَيْهِمْ اِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الممتحنة: آية 8). ان الله سبحانه وتعالى قرن حب الدين مع حب المواطن لوطنه؛ لذا من حق المواطن العدل والبر الذي مأمور به من الله لمن لم يقاتل المسلم في دينه ولم يخرجه من وطنه، كما «ان الجمع بينهما دليل على مكانة كل منهما في الاسلام، وفي النفوس».

قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ اِلَى الْمَلَاِ مِنْ بَنِي اِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى اِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ اِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا اِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) (البقرة: آية 246).

قال الله تعالى (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ) (آل عمران: آية 195) ان هذه الآيات تدل على أهمية الوطن، والقتال عنه وحمايته من شر الأعداء، وأثر اخراج المواطن من وطنه، والأجر المترتب على هذا الاخراج.

قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْاِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ اِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (الحشر: آية 9) ومن خلال الآيات يصبح الانتماء الوطني بعداً من أبعاد الانتماء الاسلامي العام؛ اذ الوطن ضرورة من ضرورات اقامة الدين ليكون الوطن اسلامياً، وتـتحقق اسلامية عمرانه.

خيانة الأوطان جريمة بشعة

يرى جمهرة من العلماء أن من أعظم الخيانة أن يخون المرء وطنه وبلاده وولاة أمره، فإن الخيانة يعظم جرمها وإثمها بعظم ما يترتب عليها من الضرر والأذى الذي يلحق بالمسلمين، وبالمجتمع المسلم. ولا شك أن خيانة الوطن، وولاة الأمر تترتب عليها من الأضرار العظيمة، والنتائج الخطيرة على مقدرات الوطن ومكتسباتها، وعلى المواطنين بعامة الشيء الكثير.

فالمؤمن الحق لا يقدم على خيانة وطنه الذي ترعرع فيه، ونال من خيراته، واستفاد من إمكانياته، ولا يمكن أن يقدم على خيانة ولاة أمره الذين يحمل في عنقه عهداً لهم، بالنصح، والوفاء، والأمانة، ونبذ الخيانة. وخيانة الوطن لها صور كثيرة، فكل من يكون مطية لأعداء الوطن والأمة في تنفيذ مخططاتهم، وما فيه من دمار للبلاد والعباد، أو يكون دليلا لهم على عوراتها وأسرارها، فهو خائن لله ولرسوله ولوطنه ولولاة أمره.

وكل من سعى للإفساد في وطنه، وتدميره، وتخريبه بالأعمال الإرهابية، فهو خائن لوطنه وبلاده وإخوانه المسلمين. وكل من قام بالنعرات الطائفية، وإذكائها، وتحريض المواطنين بعضهم على بعض، أو تحريض الشعب على حكامه، وولاة أمره، أو قام بأعمال الشغب والفوضى، فهو خائن للوطن وولاة أمره. وكل من سعى في محاربة شعائر الدين، ومظاهر الصلاح في المجتمع، وطمس الهوية الإسلامية لوطنه، والتشكيك في ثوابت الدين والأمة والوطن، فهو خائن لدينه، وأمته، ووطنه.

وأما عقوبة الخائن فهي موكولة إلى ولي أمر المسلمين بما يراه من عقاب مناسب يكون زاجراً ورادعاً لصاحبها، يكون عقابه بحسب ما يترتب على خيانته من ضرر وأذى. إضافة إلى ما يتحمله الخائن من إثم عظيم، وينال من عقاب شديد عند الله عز وجل يوم القيامة .

إن الشريعة الإسلامية أوجبت على كل مسلم أن يشارك إخوانه في دفع أي اعتداء يقع على وطنه، أو على أي وطن إسلامي آخر، لأن الأمة الإسلامية أمة واحدة. قال الله تعالى: {إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون} [الأنبياء: 92]، وكل بلد أغلب أهله مسلمون يعتبر بلداً لكل مسلم. فإذا وقع اعتداء من حكومة أجنبية على أي وطن إسلامي بقصد احتلاله، أو احتلال جزء منه أو بأي سبب آخر - فُرض على مسلمي هذا البلد فرضاً عينياً أن يجاهدوا ويقاتلوا لدفع هذا العدوان، وعلى أهالي البلاد الإسلامية الأخرى مشاركتهم في دفع هذا العدوان، ولا يجوز مطلقاً الرضا إلا بجلاء المعتدى عن جميع الأراضي.

وكل من قصر في أداء هذا الواجب يعتبر خائناً لدينه ولوطنه، وبالأولى كل من مالأ عدو المسلمين وأيّده في عدوانه بأي طريق من طرق التأييد يكون خائناً لدينه - فإن الاعتداء الذي يقع على أي بلد من البلاد الإسلامية اعتداء في الواقع على جميع المسلمين -.

والخيانة للوطن من الجرائم البشعة التي لا تقرها الشريعة الإسلامية، والتي يترك فيها لولى الأمر أن يعاقب من يرتكبها بالعقوبة الزاجرة التي تردع صاحبها، وتمنع شره عن جماعة المسلمين وتكفى لزجر غيره، ولم تحدد الشريعة الإسلامية هذه العقوبة وتركت لولى الأمر تحديدها. شأنها في ذلك شأن كل الجرائم السياسية. فقد جاء في الجزء الثالث من ابن عابدين ما نصه: «والجهاد فرض عين إن هجم العدو. فيخرج الكل، أي أن دخل العدو بلدة بغتة. وهذه الحالة تسمى النفير العام، وهو أن يحتاج إلى جميع المسلمين. ولا أعلم مخالفاً لذلك من المسلمين، ونصت الآية الكريمة على وجوب قتال الكفار إذا قاتلوا المسلمين وبدؤوهم بالعدوان، قال الله تعالى: {وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين * واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين * فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم * وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين} [البقرة 190، 191، 192، 193]، وقد نهى القرآن عن اتخاذ أعداء المسلمين أولياء، قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوى وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي تسرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل. إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء وودوا لو تكفرون} [الممتحنة 1، 2]، وحكم هذه الآية كما ينطبق على المشركين الذين أخرجوا الرسول من بلده ينطبق على كل طائفة غير مسلمة تهاجم بجيوشها داراً من ديار الإسلام».
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي