يتساءل المواطن الكويتي عن سبب توقف عجلة التنمية في جميع قطاعات الدولة منذ أعوام طويلة، وعن السبب الحقيقي في تدني الأوضاع الصحية، وعن السبب في تردي مخرجات التعليم، وعن السبب في انتشار العمالة الهامشية، ووقوع الجريمة في وضح النهار، وعن تفشي ظاهرة الرشوة في بعض مؤسسات الدولة، وكذلك أزمة الكهرباء والمياه المتكررة كل عام خلال فصل الصيف، فالجميع مستغرب من الوضع الحالي في الكويت، وأصبحت التساؤلات تشغل رجل الشارع، وباتت حديث الديوانيات، واصبح المواطن يقارن بين الكويت والدول المجاورة فيجد اننا بالنسبة للاشقاء في دول الخليج دولة نامية وهم بالفعل دول متقدمة، على الرغم من أن بعض الدول الشقيقة لا تملك الايرادات المالية التي نملكها، ومع هذا نجد النهضة العمرانية والتقدم العلمي والازدهار الاقتصادي والمراكز الطبية التي يشد لها الرحال، والجامعات المتعددة كل هذا نجده في ا لدول العربية ونفتقده في الكويت، ولعل الأيام أثبتت ان المجلس المنحل اكثر من مرة ومجلس الوزراء المتجدد باستمرار لا يتحملان المسؤولية المباشرة وحدهما، ولعل المسؤولية المباشرة والسبب الحقيقي يكمن في القيادات الوسطى، وهي متمثلة بالمناصب التالية (الوكيل/ الوكيل المساعد/ مديري المناطق) في كل وزارات الدولة. وهذه القيادات مناط بها بناء الدولة عن طريق وضع الخطط والبرامج والمشاريع التنموية التي تهدف للنهوض بالبلد ومجاراة الدول الاخرى، فهذه القيادات ان صلحت صلح البلد كله، وان فسدت فسد الوضع العام للدولة.
ولتقريب الصورة أكثر نقول ان سبب تردي الأوضاع الصحية والعلاج بالخارج وتهالك المستشفيات هي القيادات الوسطى في وزارة الصحة، وسبب تردي مخرجات التعليم، وحصول الكويت على المراكز المتأخرة في المسابقات الدولية، ونظام الثانوي الموحد المطبق قبل ان يتم تجريبه هي القيادات الوسطى في وزارة التربية، وسبب سفر ابنائنا وبناتنا للدراسة في الدول العربية القريبة وبهذا العدد الكبير هي القيادات الوسطى في وزارة التعليم العالي، وسبب الازدحام المروري والاختناقات المرورية وتفشي العمالة والجريمة هي القيادات الوسطى بوزارة الداخلية، وسبب الغلاء المعيشي وزيادة الأسعار غير الطبيعية هي القيادات الوسطى بوزارة التجارة. والواجب محاسبة المقصرين من هذه القيادات التي تستنزف ميزانية الدولة لاعوام طويلة من خلال اللجان غير المنتجة والمكافآت السنوية الطائلة، وهذه القيادات في الحقيقة ترى ان مناصبها مناصب تشريفية لا تكليفية، وهمها الأول والأخير تطبيق نظام البصمة على الموظفين، مثل ما حدث في وزارة التجارة أخيراً بعد استقالة الوزير، فبدلا من ان يقوم المسؤولون بالتجارة بمتابعة ومراقبة الاسعار والشركات التي تحتكر السلع قامت بتطبيق نظام البصمة على الموظفين الذين كان لهم الفضل في الحد من ارتفاع الأسعار واحتكار السلع، ولو كانت مكافآت القيادات الوسطى وتطبيق نظام البصمة لها عائد ايجابي لرأينا الكويت بوضع مختلف عن وضعها الحالي.
وهناك قيادات اخرى، لعب الحظ دوره في وصولها الى منصب وكيل او وكيل مساعد، وذلك بعد ان كانت مهمشة او مركونة على الرف او لا تستحق، فكيف ننتظر من هذه القيادات الانتاج وهي فاقدة لكل مقومات الابداع، وتنظر بعين الطاعة لمن أوصلها الى ما وصلت اليه، فمثل هذه العقليات التي تدير البلد لن تنهض بقطاعات الدولة مهما كان الوزير اصلاحياً او متخصصاً في مجال وزارته.
ان كل هذه الاخفاقات، التي أدت الى تراجع وتدني الاوضاع في الدولة بصورة عامة، تتحمل مسؤوليتها تلك القيادات، التي لا تقوم بدور المتابعة والتخطيط المناسب لتفادي المشاكل الحاصلة، جراء التهاون او جراء التخطيط غير الملائم أو التنفيذ من دون تجريب مسبق لمعرفة السلبيات قبل الايجابيات.
وهناك شعور لدى المسؤولين في مجلس الوزراء يحسب لهم، بأن مثل هذه القيادات هي السبب في الاخفاقات والسلبيات التي نعيشها، ولهذا نجد ان هناك توجها لتشجيع هذه القيادات على التقاعد وافساح المجال للكفاءات الشابة، وذلك لتحريك المياه الراكدة وتغيير الدماء بالوزارات، وكان الأجدر ان تتم محاسبة كل قيادي وتطبيق مبدأ الثواب والعقاب على هذه القيادات، ومحاسبتها على تردي الأوضاع العامة وتحميلها المسؤولية في الاخفاقات المتتالية، واحالة من يثبت عليه التقصير للتقاعد ولمنع زيادات مالية ترهق ميزانية الدولة، التي ترفض زيادة الخمسين ديناراً للمواطن البسيط، وتهب ذلك للقيادي المقصر الذي قضى في الوظيفة أكثر من ثلاثين عاما زيادة مالية تكفي لعشرات المواطنين وتضمن لهم الحياة الكريمة.
إن من ينادي بأن تكون الحكومة تكنوقراط كمحاولة للخروج من الازمة الحالية وتصليح الأوضاع المتردية سوف يتفاجأ بعدم قدرة الوزراء المتخصصين على النهوض بوزاراتهم، والسبب يعود الى ان الوزير لا يملك العصا السحرية، ولن يستطيع في ظل وجود قيادات جامدة متشبثة بالمناصب، وفي ظل قصر عمر الوزارة بالكويت، وحتى لو كان الوزير اصلاحياً فان العائق أمامه مثل هذه القيادات غير المنتجة، فالجميع مجمع على ان رئيس مجلس الوزراء رجل اصلاحي ويريد التغيير والعمل، ومع هذا يواجه صعوبات كبيرة وذلك لوجود خلل كبير وفساد اداري متفش في وزارات الدولة بصورة عامة.
ولعل الحل أو بداية الحل تغيير هذه القيادات التي اثبت في الوقت عدم قدرتها على الانتاج والنهوض بالعمل الوزاري، وعدم قدرتها على وضع الخطط والبرامج والحلول الناجعة للمشاكل الموجودة والمستقبلية، واستبدالها بقيادات وسطى تكنوقراط تكون عونا للوزير المتخصص، وذلك من خلال وضع ضوابط ومعايير محددة وشروط لشغل هذه المناصب تختلف عن الآلية المعمول بها الآن، وان تقوم هذه القيادات الوسطى المتخصصة بوضع الخطة الخمسية للدولة، وهنا يظهر دور مجلس الأمة من خلال تشريع خاص نضمن من خلاله وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، عكس واقعنا الحالي، والذي نجد فيه قياديا اعلاميا بالشؤون وتربويا في وزارة الأوقاف، ومثل هذا الوضع بالتأكيد لن يكون في مصلحة الكويت.
د. معيوف السبيعي
أكاديمي كويتي
[email protected]