مقال / لمن تُطلق النداءات؟!

تصغير
تكبير
إطلاق النداء تلو النداء - الاستفهامي أو الاستنكاري على حدٍّ سواء - للمثقفين العرب من قبيل: أين أنتم أيها المثقفون العرب مما يجري؟! أو: لماذا يتخاذل المثقفون في القيام بدورهم إزاء الأحداث الجسام القائمة؟! أو: ما موقع المثقفين وما دورهم في ثورات الربيع العربي؟! نداءات كهذه لا معنى لها، ولا فائدة تجنى منها!

والسبب ليس لأن المثقفين العرب أُصيبوا بالصمم فلا يسمعون أو بالتجاهل فلا يأبهون، بل لأنهم على العكس تماماً مما يُظن، ولأنهم من جهة أخرى متعددون، ومتباينون في مواقفهم وآرائهم ومسالكهم، على غرار مختلف الفئات الاجتماعية من محامين وأطباء ومهندسين وحرفيين ومدرّسين وغيرهم مما يؤلف بنية المجتمع، أيّ مجتمع كان.

لا معنى للنداءات السابقة، لأن ثمة من المثقفين مَنْ انخرط بفكره وبنتاجه الأدبي والفني وشخصه في الحراك والانتفاضات، وكان ناشطاً ما وسعه النشاط، ومن المثقفين بالطبع من نأى بنفسه ولم ينخرط ولا هو شارك لا من بعيد ولا من قريب، ومن المثقفين من والى السلطات والأنظمة الحاكمة موالاة كاملة من دون أي تورية أو مداراة، ومنهم مَنْ كان رمادياًّ في منزلة بين المنزلتين، تماماً كما حال بقية الفئات الاجتماعية، بل والأحزاب والقوى السياسية ذاتها.

ولا فائدة تُرجى من نداءات كهذه، لأن المشغول بقضايا شعبه، الساعي لرفع الحيف والظلم والتجويع عن أبناء بلده، المتطلع لمستقبل مشرّف يحقق آمال الناس وأحلامهم عبَّر عن ذلك كله في مختلف نتاجاته الإبداعية، بل وعانى من التهميش والتعتيم والمصادرة والاعتقال والنفي منذ أن اشتغل في الحقل الثقافي، وقبل سنوات كثيرة من قيام الانتفاضة والثورات.

وأما الساكن في «برجه العاج» وفق التعبير الشهير فقد ظل ساكناً فيه، لا يبرحه، رغم ما حدث ويحدث. وأما المثقف الموالي والمؤيد للأنظمة والسلطات الاستبدادية الاستئثارية، الرائي إلى زعمائها كمنارات لشعوب بلداننا العربية، وكحصون دفاعٍ في وجه الغزاة أو الظلاميين وما شاكلهم فقد ازدادت موالاته واشتد تأييده بعد حلول الربيع العربي!

لمن- إذا- تُطلق النداءات الاستنكارية، ومَنْ المعني بحثّ الهمّة والمشاركة الفعّالة والقيام بدوره؟! إذا كان المقصود بالنداء من كرّس أدبه وفنّه وحياته لمناصرة الشعوب وحريتها وحقوقها منذ بداياته الإبداعية، فلا لزوم للنداء هنا، ولا ضرورة للعتب والاستنكار كتحصيل حاصل. أما إذا كان للمثقف الموالي المؤيد للأنظمة «كتّاب البلاط» كما يُقال، فالحقّ عنده والصواب الذي يراه - ويمارسه- هو أن تتم دعوة المثقفين إلى مساندة الأنظمة، ودعم استمرارها، لا معارضتها والسعي لإسقاطها!

وللمفارقة والطرافة فإن أصحاب النداءات والاحتجاجات على شاشات التلفزة وفي الصحف والندوات هم من المثقفين أيضاً غير أنهم لم يسألوا أنفسهم: ماذا قدّمنا زيادة على المثقفين الآخرين المنخرطين والمشاركين؟ ولا فكّروا بالمغالطة التي يرتكبونها عبر تعميمهم: أيها المثقفون العرب؟ وفي صيغة الجمع الاتهامي: أين أنتم؟ وفي الإدانة الشاملة: لماذا تخاذلتم في القيام بدوركم كطليعة... الخ؟

أما آن لأصحاب هذه اللازمة أن يراجعوا أنفسهم، ويراجعوا أسطوانتهم المشروخة عديمة التبصّر، والتمييز، والفرز؟ أما آن لهم أن يدركوا أن العمال ليسوا أصحاب موقف واحد، وكذا الفلاحين وكذا الجنود، وكذا الحزبيين في الحزب الواحد، وكذا- بالتالي- المثقفين في المجتمعات العربية؟!
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي